تستعد لعرض أعمالها في متحف الشارقة للفنون

ثريا البقصمي فنانة تواجه ألوانها نصف قرن

ريم الكمالي

بعد مضي نصف قرن على الألوان في حياة الفنانة التشكيلية ثريا البقصمي التي كرست نفسها للإبداع طوال هذه المدة، بعد أن رسمت في مجمل أيامها بانتظام ودون فوضى، تتهيأ الآن لتحضير لوحاتها وعرضها في معرض متحف الشارقة للفنون، في الخريف القادم وبالتحديد في شهر أكتوبر المقبل تقديراً لفنها، وهو معرض عالمي. فكان لنا معها هذا الحوار:

الفن والأدب يجمع بينهما أمور كثيرة تدرجت عبر تاريخهما من الخيال والواقع. فهل عملك خلال سيرتك الذاتية تناسب الحركات التشكيلية التي مثلت حالة الإنسان، الأشياء التصويرية، الحروب، الجنون، الحقيقة، العدالة، الإيمان…؟

الفن والأدب يختلفان في طريقة إخراجهما، وتختلف الأدوات في تنفيذهما. العمل المشترك بينهما هو الإبداع الإنساني والقدرة على إيصاله للمتلقي. الإنسان هو همي الأول والأخير، وهو موجود في معظم لوحاتي وإنتاجي الأدبي. لقد قدمت الحب والعشق كما قدمت الحرب والدمار، طرحت حرية الرأي والتعبير. الإنسان والمكان هما همي الأول والأخير. لقد بدأت رحلتي الفنية من زمن بعيد، حتمًا واكبت الحركة التشكيلية في الخليج وكتبت عنها، قدمتها برؤية نقدية خلال كتاباتي الصحفية في مجلات وجرائد الكويت.

النهار والليل

ما روتين ثريا البقصمي اليومي عند العمل؟ أو كيف يبدأ يومك وينتهي؟

أحب أن أدخل مرسمي صباحاً، فأنا امرأة نهارية، والصباح والضوء يمنحانني نشاطاً ويوماً جديداً، النهار طاقة. أرسم وألون على نغمات الموسيقى، وغالباً ما تكون مرحة، ولا أرد على الهاتف، وأعمل بشكل منفرد حتى الثانية ظهراً، أما في الليل فلا أحب الرسم بل أتفرغ للكتابة، فلا أدخل مرسمي ليلاً.

أخبرينا كيف تتطور فكرة اللوحة قبل البدء في تنفيذها، إن كانت عفوية أو تأتي بعد قراءة أو كتابة أو تأمل، أو حتى العثور على أشياء تلهمك؟

فكرة اللوحة أحياناً تكون مثل الومضة، تأتي فجأة بلا مقدمات، وأحياناً أقتحم مرسمي بلا تخطيط، وهذه العملية ممتعة، وتساعد على اكتشاف قدرات جديدة، وأنا لا أخاف من النتائج أو الفشل، ولا أحد يحاكمني على ما أنتجته، فأنا الحكم على اللوحة، وأعود إليها لاحقاً لإنقاذها أو أصنع نهايتها لأماكن تلهمني مثل الناس والقصص والحكايات ووقائع الحياة، إضافة إلى أشعاري وقصصي… كلها مصدر إلهامي.

هودج التجربة

إن أردت التعاون في مشروع فني معبر مع أحد الرسامين، فمن تفضلين؟

حتى هذه اللحظة لم أتعاون بشكل مباشر مع فنان، وأفضل التعامل مع فنانة لأن التعامل مع النساء أقل تعقيدًا، فهن بعيدات عن الأنانية، ويتفهمن طبيعة العمل المشترك.

تقودين جمهورك إلى الابتسام والدهشة لمجرد رؤية جمال مزيج ألوانك والتنوع في لوحاتك، فهل ثمة أسئلة تطرحينها في أعمالك كما يفعل الأدباء والفلاسفة؟

لا أحب المباشرة في العمل الفني، ولا أسأل فالأجوبة لا تسقط من السماء، لي فلسفتي الخاصة، فلقد ولدت في مكان لم أختره ولم أسع إليه، جاءتني الأجوبة مع الزمن محمولة على هودج التجربة. في طبيعتي أنا إنسانة مرحة، لكن لوحاتي تقــطر حزنًا لا أعرف السبب ولا أريد.

هل تؤيدين الفن الرقمي في الوسائط التكنولوجية الحديثة مثل استخدام الكمبيوتر بدل فرشاة الطلاء؟ وكيف ترين تعبيرهم وأداءهم في التشكيل؟

الفن الرقمي، هذا التوجه لم أقبله، وهو مفيد في العمل التجاري، لكن لا بديل للفرشاة وقماش اللوحة والورق وأنابيب الألوان، فهناك علاقة روحية بين الفنان وأدوات إبداعه، فالشاشة والأزرار تخلق حاجزًا وتسرق ذلك الإحساس، وتلك المتعة.

بين العفوية والتلقائية

الاتجاه المُعاصِر الآن في الفن والأدب يذهب إلى ما فوق الواقع، ويعوّل على ذلك، وبالأخص على إبراز الأحوال اللاشعورية، ماذا عنكِ، هل تعتمدين على العفوية والتلقائية المطلقة؟ أم هناك منطق وتخطيط؟

أنا أمزج بين الاثنتين، العفوية والتلقائية، إنه أمر شديد التعقيد، ويتطلب مهارة في التنفيذ وقدرات تقنية عالية، وهناك بعض الأعمال تتطلب تخطيطاً ودراسة مسبقة.

أين كانت اللحظة المحورية عندما قررت اتباع شغفك الفني؟ ومتى؟

شغفي الفني بدأ في سن مبكرة جدًا، منذ مراهقتي، وقرار أن يكون الفن مستقبلي اتخذته وأنا لم أتجاوز الثالثة عشرة من عمري، كنت منذ صباي أحلم بأن تكبر الطفلة الفنانة التي داخلي ولم أتمنَّ أي شيء آخر.

ما أكثر ما يلهمك في الرسم؟ ومن أين تأتين بطاقة الولوج إلى عالم الألوان؟

مصادر الإلهام منوعة، فزيارة معرض جيد يلهم بعمل جديد، سماع حكاية مؤثرة يلهم التعرض لتجربة شخصية تهزني تلهمني، ولكن عندما أحزن بشدة لا أستطيع أن أنتج كما أريد، ولا أنتظر بــــطاقة ولوج، فيدي لا تــــكف عن الرسم.

لوحة «لا للاحتلال»

بعد هذه المسيرة الطويلة والملونة، أي قطعة من أعمالك تتذكرينها دائمًا، وهي لم تعد لديك؟

دفتري وأقلامي معي في كل مكان، لا أتوقف عن التخطيط، سواء كنت في طائرة أو قطار، في قاعة انتظار طبيب، في محاضرة مملة، أو في اجتماع فاشل، وهذه المخططات والرسوم الصغيرة في بعضها مفاتيح لأعمال كبيرة. أما العمل الذي لا أنساه، فلوحة «لا للاحتلال» وعرضت في نيويورك هذا الصيف، وهي من مقتنيات «غاليري بارجيل» وحمل المعرض اسم هذه اللوحة التي تمثل رفضي للاحتلال والقمع، هي من اللوحات التي أحبها ولم تعد ملكي، أيضاً هناك لوحة أحبها ولم أعد أملكها «حوش جدتي» وهي تذكرني بوجه جدتي الطيب، من الفلكلور الكويتي في ذلك الزمان.

ما مشروعك القادم؟

مشروعي القادم أهم مشروع فني في مشواري، وهو معرض «علامات فارقة» في متحف الشارقة، وسيكون الافتتاح في أكتوبر القادم حيث سأعرض أعمال الخمسين سنة الماضية، وأقدم عمل لوحة رسمتها عام 1964م، وعدد الأعمال المعروضة ما يقارب من 300 لوحة وسيكون هناك فيلم وكتاب، وأجمل ما في موضوع المعرض أن ابنتي الدكتورة منيرة هي المكلفة والقائمة عليه، وأشعر بالفخر لأن متحف الشارقة اختارني لهذا المعرض الهام جدًا على المـــستوى العربي والعالمي.

إن الاستعداد لمعرض متحف الشارقة دفعني لاكتشاف العديد من الأعمال الفنية القديمة والمنسية، والذي أشعر بأنه سيكون علامة بارزة فارقة في حياتي الــقادمة. كما صدر لي آخر ديوان شعر «عباءة عشق على كتف القمر». فالشعر يمثل مرحلة مهمة في إنتاجي الأدبي، وأجد أنه يتحد مع رسوماتي وبينهما جسر غير مرئي من المشاعر المتوارية المبهمة والمبطنة بالسخرية.

ثريا في سطور

ولدت ثريا البقصمي عام 1952 في مدينة الكويت، لها نشاط لامع في سماء الفن التشكيلي، الذي انطلقت به نحو رحاب فسيحة، ناقلة صورة الكويت الجميلة والعريقة من خلال معارضها إلى بلدان العالم. ترسم وتكتب وتنظم الشعر، لها عطاء مكثف، وطموح كبير، ونشاط ملموس، على صعيد تنظيم ‏المعارض الفنية، أو كتابة القصة القصيرة، عملت صحافية في كل من جريدة القبس – الوطن ومجلة العربي.

-تلقت تعليمها الثانوي في الكويت.

-من عام 1972م حتى 1974م التحقت بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة قسم التصوير.

-سافرت إلى موسكو في بعثة دراسية لدراسة (الجرافيك) أي الحفر، وتخصصت ‏في تصميم البوستر ورسم الكتب وأغلفتها، فحصلت على الماجستير في فن الجرافيك فرع رسوم الكتب عام 1981م من أكاديمية الفنون (سيركوف) بالاتحاد السوفييتي.

-درست دورات حرة في فنون الطباعة المختلفة (سيلك سكرين) دورات تشكيل الخزف، ودورات في الرسم على الحرير وفن الباتيك في كلية الفنون بالسنغال عام 1982 ‏م – 1984 ‏م.

-درست دورة في الرسم الزيتي عام 1978م، ودورة حفر على الزنك وسيلك سكرين في ورشة (اللوح) بلندن 1991 ‏م – 1992 ‏م.

من مؤلفاتها الأدبية:

العرق الأسود – مجموعة قصصية صدرت عام 1977 ‏م.

السدرة – مجموعة قصصية صدرت عام 1988م.

المرسم الحر ورحلة الـ25 ‏عاما – كتاب نقد فني صدر عام 1987م

شموع السراديب – مجموعة قصصية صدرت عام 1992 ‏م، الناشر: دار العروبة – الكويت.

مذكرات فطومة الكويتية الصغيرة – قصة للأطفال صدرت عام 1992م.

رحيل النوافذ – مجموعة قصصية صدرت عام 1994م – مطابع المنار، الكويت.

خواتيم النسيان – ديوان شعر.

الجوائز والشهادات والأنشطة:

حصلت على الميدالية البرونزية في المعرض العام لجمعية الفنون التشكيلية عام 1971‏م.

جائزة تقديرية للمشاركة في مسابقة جداريات ساحة الصفاة عام 1985 ‏م.

دبلوم تقديري من أكاديمية الفنون السوفييتية للمشاركة في المرسم العالمي للفنانين الشباب بموسكو 1985 ‏م.

الميدالية الذهبية في معرض البيئة الكويتية بمتحف الكويت الوطني 1987 ‏م، وعام 1992م الفوز بالسعفة الذهبية لبينالي دول مجلس التعاون – الرياض عام 1989 ‏م.

الفوز بالوسام الصحافي من جمعية الصحافيين الكويتية عام 1989 ‏م.

حصلت على شهادات تقدير من أكاديمية سيركوف للتفوق باللغة الروسية والنشاط ‏الفني الاجتماعي للأكاديمية بين عامي 77 ‏- 1980 ‏م.

في عام 1994‏م نالت جائزة (آثار عدوان الاحتلال) من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بمجموعتها القصصية (شموع السراديب). وفقا لما نشر بصحيفة البيان.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.