تكبير الصورة

السيدة بنفش إبراهيم

“القتة”.. من التخليل إلى “ست كليلة”

 نضال يوسف

الأحد 04 تشرين الثاني 2012

يصنع منها عدد من المأكولات التي تجمع الأهالي في الريف الحلبي ضمن طقوس عائلية حميمية ومنها أكلة “ست كليلة”، أو يحفظونها في مطابخهم كمؤونة شتوية، باعتبارها من الخضراوات التي تزرع على مدار العام.

تكبير الصورة

إنها “القثاء” أو كما تعرف باللهجة العامية “بالقتة”، مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 23/10/2012 السيدة “بنفش إبراهيم” من أهالي منطقة “عفرين” والتي تحدثت بالقول: «في البداية أود القول بأنّ “القتة” في عرفنا الشعبي متلازم مع “الخيار” وهما أبناء عمومة وبإمكاننا الاستغناء عن أحدهما بوجود الآخر لأنهما يقومان بنفس الوظيفة الغذائية ويدخلان في إعداد نفس الأكلات كما يتم تخليلهما وحفظهما بنفس الطريقة».

فالقتة من الخضراوات اللذيذة، والتي يتم تناولها طازجة باستعمالها في إعداد مختلف أنواع السلطات التي توضع على المائدة إلى جانب الطبخات المتنوعة مثل “الكيرمي” و”الرز” و”اللحم المشوي” و”الكباب” وغيرها، أو يتم تناولها على وجبة الفطور بجانب وجبةٍ من الفول.

حيث يشتهر أهالي مدينة “حلب” بأكلة شعبية شهيرة تسمى “ست كليلة” التي يتناولونها خلال وجبة الفطور الصباحية وذلك بتقطيع حبات من البندورة والبصل وإضافتها لمخلل “القتة” مع رشات من الكمون والملح والزيت إليها ليتم تناولها بجانب البيض والجبنة». 

السيدة “فاطمة صاغر” من “عفرين” ولكنها عاشت حوالي 40 سنة في مدينة “حلب” تحدثت عن الطقوس الاجتماعية الشائعة والمعروفة لهذه الأكلة بالقول: «أكلة “ست كليلة” الشعبية الحلبية تعدها النسوة الحلبيات في مناسبتين اجتماعيتين هي أولاً: الفطور الجماعي للنساء حيث تقوم إحدى السيدات بدعوة جاراتها لتناول هذه الأكلة وإقامة “جَمعة نسوان” والجَمعة من التقاليد

تكبير الصورة
جني محصول القتة

الاجتماعية المعروفة بحلب، والمعروف عن هذه الأكلة التي يتم إعدادها من مخلل “القتة” و”البصل” و”البندورة” مع البهارات أنه يتم تناولها بالخبز وليس بالشوكة كما في باقي السلطات وذلك في الفترة الواقعة بين الصباح الباكر والظهيرة.

المناسبة الثانية وهي الجَمعة التي يدعو إليها الوالد أو الجد أبناءه وبناته وأحفاده وذلك في يوم الجمعة وهو يوم استراحة عامة، فتجتمع العائلة بالكامل ويتم بدء هذا اليوم بإعداد أكلة “ست كليلة” وتناولها معاً إلى جانب الفول، وفي المناسبتين يتحقق التآلف الاجتماعي وتقوى أواصر المحبة بين الأهل والجيران».

وللحديث حول طريقة حفظ القتة كمؤونة منزلية تضيف السيدة “بنفش إبراهيم”: «في مثل هذه الأيام من كل عام تقوم ربات البيوت في الريف السوري عموماً بإعداد مؤونتها السنوية من “القتة” لتناولها خلال فصل الشتاء فيكون مخلل “القتة” بذلك زينة المطابخ الريفية.

لإعداد مخلل “القتة” يتم اتباع الطريقة التالية: يتم قطف حباتها المتوسطة الحجم في الصباح الباكر وغسلها جيداً ومن ثم تقطيعها بحسب الرغبة إما على شكل دوائر أو على شكل أصابع اليد تمهيداً لتخليلها ومن ثم تجهيز مادة التخليل الأساسية وهي الماء المالح ولتعيير نسبة ملوحة الماء المناسبة للتخليل هناك طريقة شائعة وقديمة يتم اتباعها في منطقة “عفرين” وذلك بوضع بيضة بلدية في الماء المالح فإن طفت البيضة على

سطحه فإنّ ملوحته مناسبة وإن نزلت إلى القاع فإنّ الماء يحتاج إلى مزيد من الملح.

بعد تجهيز الماء المالح تقوم السيدة بوضع القتة المقطعة إلى القترميزات الزجاجية أو العبوات والقوارير البلاستيكية وبعد ذلك تسكب فوقها الماء المالح حتى تغمر “القتة” المقطّع بالكامل ومن ثم تسد فوهة القترميز أو العبوة بإحكام لمنع تسرب الهواء إليها فتفسدها.

إضافةً إلى هذه الطريقة هناك الطريقة الثانية وهي إعداد المخلل المشترك حيث تقوم السيدة بحفظ “القتة” مع “الفليفلة الخضراء” سويةً ضمن قترميز واحد وأفضل أنواع الفليفلة هنا وأكثرها رغبة من قبل الناس هو المعروف باسم “قرن الغزال” حيث تتميز بشكلها الرفيع والطويل وبطعمها الحار جداً ويفضلها الكثيرون لأنّ حرارتها تنتقل إلى “القتة” أثناء فترة الحفظ فيمنحها نكهة لذيذة وطعماً حاراً يطفئ برد الشتاء.

أما سلطات “القتة” فهي سهلة الإعداد ويتم ذلك بتقطيع حباتها الطازجة أو المخللة إلى شرائح بحسب الرغبة وإضافة البندورة المقطّعة إليها ومن ثم إضافة الكمون والملح والنعناع اليابس وقليل من زيت الزيتون إليها لتصبح جاهزة لتناولها كوجبة صباحية خفيفة ومفيدة للجسم».

المزارع “رزق الله حسن” تحدث عن زراعة “القتة” بالقول: «تتم زراعة “القتة” من قبل المزارعين في أوائل شهر نيسان وهي من الخضراوات المربحة مادياً ولذلك فهي من الزراعات الشائعة في منطقة “عفرين” حيث

تكبير الصورة
مخلل القتة محفوظاً كمئونة شتوية

تتوافر فيها الشروط المناسبة من تربة خصبة ومياه، والمناطق التي تتركز فيها زراعة “القتة” هي المجاورة والمحيطة بمجرى نهر “عفرين” وخاصة في قرى “الباسوطة” و”عين دارا” و”برج عبدالو” و”جلمة” و”دير بلوط” وغيرها».

يختم حديثه بالقول: «يزرع الفلاحون “القتة” في المنطقة للاستفادة من مواسمها مادياً وهؤلاء يزرعونها بكميات كبيرة ويقومون بتسويق محاصيلهم في أسواق المدن القريبة مثل “جنديرس” و”عفرين” و”حلب” أو للاستفادة منها بحفظها كمؤونة منزلية وهؤلاء يزرعونها في حواكير صغيرة في فناءات بيوتهم».

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.