مارون الحكيم: فطري وعصامي

عارف الريّسفنان فطري عصامي متعدد البوح الفني، غزير بعطاءاته، مفرط بمحبته مغالٍ بعداوته. لم يعرف ولم يقم يوماً حدوداً بين المحبة والمجافاة أو بين الجدية واللامبالاة.
انه بحق طفل الحركة الفنية التشكيلية اللبنانية المدلل. ومع مغالاته ولامبالاته وجنونه وجموحه ظل واقفاً طوال عمره يتحدى الزمن بالمتابعة اليومية لأشقى مهنة مارسها بإدمان المؤمن المتعبّد الخاشع، وكأن الفن خلاصه من روتين الزمان وبؤس العيش.
عارف الريّس عرفته أستاذا في معهد الفنون الجميلة في بداية السبعينات حين كان في عزّ شبابه وقمة ثورته وفورانه الإيديولوجي والفني. لم يكن ذلك الأستاذ التقليدي الذي يعلم أصول التقنيات وسبل الجماليات الفنية فقط، إنما كان الصديق الحميم لأكثرية طلابه يدربهم على مجابهة الصعاب في الحياة وسائر دروبها المتشعبة الشاقة.
وعرفته فناناً تشكيلياً متعدداً ومتشعباً، مجرِّباً ومخرِّباً، تقليدياً وثائراً. عرفته فطرياً كما عرفته طليعياً.
وعرفته زميلاً في جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت: في الانتخابات وفي الهيئة الإدارية وفي الاجتماعات التأسيسية لنقابة الفنانين التشكيليين وهو أحد المساهمين في تأسيسها ودعمها. عرفته حينها مؤيداً داعماً بقوة وصدق كما عرفته متخاذلاً وأحياناً متآمراً مجرداً.
رافقته إلى مدينة عاليه لإنشاء أول سمبوزيوم للنحت في لبنان عرف هذا الحجم وهذا الانتشار. ورفعنا سوياً مع زملاء لنا في جمعية الفنانين في تلك الفترة 1988 2000 لواء الفن وخاصة النحت اللبناني والعربي والعالمي كما رفعنا لواء مدينة عاليه بمعية صديقنا الكبير وجدي مراد رئيس بلديتها، ونجحنا طبعاً حتى صار هذا السبموزيوم نموذجاً يحتذى به في كل الوطن.
عرفته أنسانا محباً وصديقاً مخلصاً وعرفته عدواً ناقماً. عرفته خروفاً كما عرفته ذئباً. لكني لم أعرفه سوى ذلك الطفل الذي لم يكبر يوماً محافظاً على براءة الطفولة وشقاوتها ومحافظاً على جنون إبداعه المختلف بكل الحالات. لذلك أعتبره نموذجاً فريداً في الحركة التشكيلية اللبنانية لا يشبه إلا ذاته وهو مدماك أساسي في عمارة هذه الحركة.
عارف الريّس كيف ما كنت أحببناك وسنحبك فاسترح في رقادك الأبدي.
لعل الوطن ينصف المبدعين.

***

 

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.