معرض الكاريكاتير للفنان العالمي ( علي فرزت ) – 1-1

– في حمص – صالة النهر الخالد- نهاية عام 2010م

الصور تنشر لأول مرة

التصوير والتوثيق المصور : فريد ظفور

– مشاركة : صفوان فرزت وسريعة حديد

       

فرزات: أمارس الرسم في الطريق و المقهى.. وفي أي لحظة تجتاحني الفكرة
12 2011 10
رسم أستاذ الرياضيات كاريكاتيرياً فطرد من المدرسة

النهر الخالد كما الفنان الكاريكاتيري علي فرزات كان له النصيب الأوفر من الاهتمام والحضور
في صالة النهر الخالد في مدينة حمص، إذ احتوى المعرض على أكثر من ستين لوحة حملت الوجع
الإنساني ومفارقات الحياة، ألقت أضواء خاطفة على حالات مؤثرة، لكنها تركت بصمات لا
يمحوها الزمن.
الفكرة موظفة وفق اللون والحركة مما يجعل اللوحة تنطق بعبارات ساخرة موجهة تنم عن عين ناقدة
وحس متأجج ثائر وشخصية مرحة معطاءة، من يتقرَّب منها يجد الكثير من مؤشرات الفن مثل
الطبيعة الطيعة المرحة، والجمل الحاضرة في الفكاهة، ونفس واسعة للحوار، حتى في حركاتها
تشعر وكأن الفنان فرزات يرسم بيديه وعينيه وتمايل جسده، تجد الفن في سيرورة قلمه، خطه،
إمضائه…
لو خيرت أن أضع عنواناً للمعرض لاخترت عنواناً (رقعة الشطرنج) هذا العنوان الذي هو بالأساس
لوحة من لوحات الفنان فرزات، ففيها تظهر يدان تحركان شخصيات على مربعات الرقعة، وهذه
الحركات تدل دلالة قوية على دقة اختيار الموضوع والذكاء في التنفيذ أمام مانراه من حالات في
هذا العالم المتقلب، وكأن هذه اللوحة اختصرت العديد من لوحات المعرض.
الفنان علي فرزات من مواليد مدينة حماة 1949 قال: ما زلت أحمل طفولتي ومدينتي الصغيرة في
قلبي بكل ما تركته فيها من آثار شقاوتي وشغبي، وبكل ما زودتني به من عادات وقيم فكانت
الوجه الآخر لاحترام نفسي والآخرين.
عندما كنت صغيراً جاء إلى بيتنا رجل «ليدهن» البيت بالكلس الأبيض، كنت أقف على الدرجة
السفلى للسلم أراقبه وهو يرسم وجوه بعض الحيوانات،كنت أدهش مما يفعل، ويتابع الدهان
بشكل كامل فتمحى الرسومات عن الجدار لكنها كانت لا تزال راسخة في ذاكرتي، أخرجها حين
أقلده على جدران البيت والحي وذلك من قبيل التسلية.
نمت الحالة في داخلي فرسمت أستاذ الرياضيات لأول مرة وبشكل كاريكاتيري مما اضطر مدير
المدرسة لطردي مدة ثلاثة أيام.
لكن حبي لهذا الفن كبر معي، دخلت الجامعة في دمشق، وسكنت في فندق متواضع قرب سوق (
الهال) هناك تجمَّع رصيدي الفني من خلال بائعي الخضار والفواكه والطيور والماشية.
في فترة السبعينيات تعرفت على الفنان (لؤي كيالي) الذي عرفني بدوره على الفنان (نعيم
إسماعيل) الذي كان يعمل في مجلة جيش الشعب، فبدأت عملي في المجلة، ومن ثم جريدة الثورة،
فجريدة تشرين التي أجبرت على الاستقالة منها.
في عام 1982 فشلت في العمل في صحيفة (المستقبل) اللبنانية حيث كنت أمدهم برسوماتي التي
تسلط الضوء على الهم الإنساني، لكنهم طلبوا توجيه الرسومات لمواضيع محددة فرفضت ذلك.
وبعد مضي أربعين عاماً استطعت أن أثبت وجودي في سورية والكثير من دول الوطن العربي
والعالم، وذلك من خلال الصحف والتلفزيون والمعارض، ونلت العديد من الجوائز المتنوعة كما أن
هناك الكثير من الدول العالمية تحتفظ برسوماتي في متاحفها مثل متحف أنقرة في تركيا ومتحف
(منتريال) للكاريكاتير كندا، ومتحف الفن الساخر العالمي فلوريدا.

> نشعر أن وراء كل لوحة قصة، قراءة ما، مطالعة، ثقافة، مفاجأة، قفزة نوعية جديدة في عالم
رسم الكاريكاتير، فما تفسير ذلك؟
<< الثقافة الحياتية، التجارب المهرجانات، مكتسبات تضاف إلى موهبة الفنان، لكن الموهبة
وحدها لا تكفي، فمجموعة تلك العوامل تشكل بالنتيجة الفنان الذي يعمل على أسطرة الحياة
وصوغها بشكل آخر.
> ما سر عدم تأريخ لوحاتك؟
<< لأنني أرى أن هذه اللوحات لا تنتمي إلى زمان أو مكان محددين، ولا أحب أن أربط اللوحة
بوقت معين حتى لا ترتبط بشكل محدد بذلك الزمان أو ذلك المكان، أريدها أن تكون صالحة لكل
زمان ومكان.
> من الملاحظ أنك تملك عيناً تلتقط الفكرة الدقيقة الموحية المخدِّمة لموضوع الرسم، كيف يتم ذلك،
وهل لك مزاج خاص في الرسم؟
<< بطبيعة الحال ألتقط الصور (الكاريكاتيرية) من الواقع، و طالما اتهمت بالمبالغة فيما أرسم،
علماً أن هناك مبالغات في الواقع أكثر بكثير من مبالغة الفن الكاريكاتيري، ولكن حتى وأنا في
المنام أرى أحلامي تستعيد واقعاً ضمن الأفكار التي أحلم بها فأسجلها وأرسمها في اليوم
التالي، لذلك فمجال عملي لا يقتصر على أن أرسم في غرفة معينة أو أجلس إلى طاولة مخصصة،
إنما أمارس الرسم في أي مكان، في الطريق، في المقهى، في أي لحظة تأتي فيه الفكرة
المؤهلة للرسم.
> ماذا عن استخدام الألوان؟
<< طبعاً استخدام اللون يأتي متناسباً مع الفكرة، فاللون ليس لوناً تزيينياً إنما هو من صلب العمل
الأساسي لتشكيل اللوحة، فنياً وفكرياً، لأنه يخدم اللوحة.
في جو الحرب يحضر اللون الرمادي الحديدي، الألوان الحارة الأحمر والرمادي، والأحمر والأسود،
هذا مما يخدم الفكرة ويقويها.
الرسام الكاريكاتيري بالأساس هو رسام عادي لكن تكوين اللوحة من حيث وضعية الأشخاص
وغيرها له أساس تشريحي، وأسس العمل الأكاديمي قوية جداً، ليس من السهل إقناع الناس
بالفكرة، فالفكرة تحمل معايير هامة يجب الانتباه إليها جيداً.
> هل أنت تتابع الفنانين الرسامين الكاريكاتيريين الشباب، وما رأيك بهم؟
<< بالطبع، لي متابعاتي واهتمامي، فهناك رسامون موهوبون، لكن هناك حواجز تعترضهم،
الرقابة التي لا تسمح لهم على الأغلب بعرض إبداعاتهم، هذا الحد يجعلهم في الظلام، وبالتالي
يظلمون كحالة إبداعية واعدة بمفاجآت كثيرة.
أتمنى أن تتاح لهم الظروف المناسبة لعرض إبداعاتهم، لأننا نملك الكثير من الموهوبين، ودليل ذلك
أنهم يبدعون عند سفرهم لأي بلد.
معجم الناس
الفنان التشكيلي محمد الجندلي قال في المعرض من الصعب أن يعلم الإنسان ما بداخله، ومن
الأصعب أن يسبر غور غيره، لكن الفنان علي فرزات قد دخل وسبر نفوس الناس وترجمها إلى لغة
رسم (كاريكاتيري) فجاءت معجماً عن الناس وعن نفوسهم ومحاكاتهم لبعضهم البعض.
فمثلاً، لوحة المدير الجالس على الكرسي، حيث رسم الفنان فرزات الرأس على شكل معين يقابله
موظف أو مراجع يحمل قناعاً مماثلاً لرأس المدير، فكأنه يتكلم بالمنطق نفسه.
لوحة عرضت رسماً لقاعة الاجتماعات، الكراسي فارغة أما كرسي المدير فقد تجمَّع فوقه الجميع
على شكل هرم، هنا الرغبة في زوال النعمة عن الغير، وأنانية الشخص ذاته.
لوحة برزت فيها غرابة الموقف ومأساوية الحالة، مشهد الجلاد الذي يذيق الويل لسجينه، مقطعاً
أوصاله وهو جالس يبكي متعاطفاً مع مسلسل تلفزيوني.
هناك لوحة تحمل الكثير من السخرية، الحيوانات بمشهد من التآلف والوفاق يشاهدون مسلسلاً
تلفزيونياً يعرض مشهد الإنسان يقتل أخاه الإنسان بأبشع صورة.
هكذا ترجم الفنان علي فرزات روح الإنسان الغير مرئية إلى رسومات بالحبر الصيني والألوان على
المساحات البيضاء.
ملامسة الهموم
الفنانة التشكيلية رانية الألفي قالت:
الفنان علي فرزات يعتبر علماً من أعلام (الكاريكاتير) العربي بحق ولا بد لنا من أن نشكره على
إقامة معرضه في مدينتنا حمص.
إن لوحاته تلامس همومنا على مختلف الأصعدة، إنه يضرب على الوتر الحساس، ويفضح الكذب
والنفاق والزيف والأنانية والتضليل، ويناصر الصدق والشجاعة والمحبة والبراءة.
إنه يطرح المشكلة، ولكنه لا يملك قرار التغيير، ولكنه يستوقفنا لنفكر ملياً في الشروخات والجروح
التي تخلفها العلاقات المنافقة، فيشعرنا بالمرارة والحزن والسخرية والاستهزاء.
والملفت للنظر في هذا المعرض أن اللوحة (الكاريكاتيرية) أصبحت تحمل قيمة اللوحة الفنية
التشكيلية، وبهذايمكن أن تأخذ صفة الخلود.
كما نلاحظ ارتباط الفنان بلوحاته الأصلية وحرصه عليها، إذ أنه وضع سعراً باهظاً جداً على لوحة
بقياس 25 -20 تقريباً وبهذا نعرف أن اقتناءها ليس بالأمر السهل. ولكنه لجأ إلى أسلوب الطباعة
والأعمال الجصية والنسخ، وبأساليب مختلفة، وذلك لإتاحة الفرصة للمواطن للاقتناء وبأسعار
معقولة.

تجارة الفن

الأديب نبيه اسكندر قال: كنا نظن أن أعمال (الكاريكاتير) عمل صحفي وصاحب قضية، وكنا
في السبعينيات نترقب الفنان علي فرزات باهتمام لأنه فعلاً كان صاحب قضية (قضية المواطن
الأولى) أما الآن لا أدري كيف انقلبت الأمور، وأصبح المال السيد الأول، وأن تصبح الأعمال الفنية
تجارة، وتجارة فقط، وتنشر بأساليب محلات الألعاب والهدايا التجارية!

الإقبال دليل

غنى صفوان حنوف قالت: المعرض جميل جداً بأفكاره الرائعة، لفتت نظري اللوحة التي تعبر عن
الشخص الذي يتألم وبجانبه شخص آخر يحضر التلفاز مستمتعاً بعرض ما.هناك العديد من الصور
التي تنتقد المجتمع وبشكل جريء، مما يثير الانتباه حقيقة تلك اللوحات التي تبرز مشاعر الحيوان
وهو يتعجَّب من وحشية الإنسان، علماً من المفروض أن يكون الحال معكوساً.
كل لوحة تعطي فكرة مميزة، وجمالية خاصة وإبداعاً رائعاً، وما إقبال الناس على هذا المعرض
إلا دليل على رقي وجمال وعطاء الفنان علي فرزات.

المصدر: جريدة البعث الســـورية
العدد14133 – تاريخ:12/1/2011
سريعة سليم حديد

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.