عبد الرحَّمن الكارح ..Abderrahmane Elgarh ..
يُعيد للتصوير المغربي عافيته بفلسفة الصورة و ضوء الفن ..
بقلم المصور : فريد ظفور
- تفتحت أبواب السماء بغيث منهمر ..يغسل الشوارع والأبنية ..وتسقط أوراق الخريف على حين غرة ..ويتمايس الياسمين ويندلق من الشرفات الدمشقية العتيقة..فتتطاير أكمامه البيضاء وتطفو فوق أديم الأرض المعبدة بالماء ..مرسلة رسالتها للعالم بأنها رسولة المحبة..وعقد في عنق الصبايا الحالمات بفتى الأحلام الذي يمتطي صهوة الحصان الأبيض..ليأخذ عروس الياسمين التي تفتح ذراعيها مرحبة بضيفنا..الفنان عبد الرحَّمن الكارح لنتعرف على تجربته الرائدة بتعريفنا بفلسفة الصورة وبالفن الضوئي وعن تاريخه وتجاربه الفنية التي قدمها ومايزال يقدمها ..فتعالوا معنا لنرحب بأحد أعمدة الفن الضوئي الفوتوغرافي المغربي ..
- ها قد نافت سنين عمر فناننا عبد الرحمن عن الستون ..بدأ مسيرته الضوئية هاوياً..ثم تددرج في السلم صعوداً حتى إحترف التصوير ووصل العالمية..ومنذ إقتنى كاميرات فيلمية ومن بعدها الكاميرات الرقمية أي كاميرات الديجيتال التي تعتمد على كرت الذاكرة وأيضاً تعامل من أجهزة الإتصال الخليوية ودخل عالم الأنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي..فلكل شعب من شعوب العالم عادات وتقاليد وفلكلور تمارسه في الفرح والترح..كالزواج والفروسية ..مثلاً عروض الفروسية المغربية..أو التبوريدة في المغرب ( فن الركوب الخيل ) وتدعى الفانتازيا؛ وتسمى أيضا الخيالة والباردية والتّبُوريدَة وصحاب البارود اسم يطلق على عروض فروسية، تحاكي هجمات عسكرية، تمارس في بلدان المغرب …إنها لوحات جميلة ترصدها عدسات المصورين بحرفية عالية ..تجعلك تحب هذا الفن وطقوسه وعاداته وتقاليده الممتدة إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وتعود تسميتها إلى البارود الذي تطلقه البنادق أثناء السباقات والإستعراضات التي يقدمها الفرسان من فوق صهوة أحصنتهم..وبالرغم من جمال هذه العادات إلا أنها تكاد توشك على الإنقراض ..ولم تعد توجد إلا في المناسبات والأعياد الوطنية ..وحبذا أن ينتبه إليها القائمين على التاريخ والثقافة والعلاقات الإجتماعية وعلى الفلكلور والآثار بضرورة الحفاظ على هذا المكون الإرثي الجمالي التي تتفرد به دول المغرب العربي..
- الفنان الكارح واقعي وحيوي لايحلم كثيراً وحينما يلتفت بعينيه إليك تتلقى نظراته كأنها رقة العناق تصغي وتنتظر سؤالك الفوتوغرافي المعرفي التالي بوداعة وعزة نفس..والسؤال المطروح كيف ننظر لأعمال الفنان عبد الرحمن فهل علينا أن نبتدع لوحات ..أو أن ننظر إلى بعض أعماله التي نشرها عبر مواقع التواصل..لأن الإنسان مصاب بسعادة أو شقاء أن يتأمل لوحات خياله..فهل علينا ألا يجب أن ننظر إلى لوحات ضوئية على الجدران لأنها تبعد إهتمامنا عن تلك اللوحات التي يحملها في ذاته..لأنه ليس المصور أو الشاعر أو الرسام وحدهم مصاب بموهبة أ لعنة الخيال الذي يجرفنا بسيل من الصور ..فهي موهبة لاتعطى لكل كائن..وهي لعنة لأنها لا تكون دائماً مريحة..وعند فناننا الكارح يتعلق الأمر بالصور التي تولد أثناء التجارب المضنية والصعوبات والأهوال التي واجهته أثناء تصوير بعض اللقطات ..والتي تظل تطوف بنا طويلاً بعد إنقضاء التجارب التي مرَّ بها ..لأنها صور واغلة بالفن الراقي وترعب من لاخيال له..والإنسان الذي تنبث الصورة أو اللوحة في خياله تلقائياً يستطيع الإستمتاع بالفن أمام جدار عار..والجدار العاري هو شاشة رائعة لعرض أفلام الذكرى والحلم وتتقارب هذه بين الإنسان والفنان ..والإنسان لايستطيع تجسيد الصور في كوادر وخطوط وألوان وتكوينات..ولعلنا نصل هنا لقول مأثور بأن معارفنا أوسع كثيراً من متاحفنا..وعلينا قبل أن نصل إلى الروائع الفنية العالمية بأن نتعرف ونختبر روائعنا وأعمال فنانينا في البلد..ولأن أحد المضادات الحيوية الفنية الشافية لسّم عبادة الموضة ..هو أن نتعلم كيف نقّوم صورة أو لوحة أو عمل أدبي ..لا لكونه مشهوراً بل لكونه جميلاً …والفن العربي غني بالمبدعين ..ويجب أن نسأل عما إذا كانت كل ثقافتنا الضوئية أو الفنية لن تتحول في النهاية إلى حاجز بين المتلقي أو المشاهد وبين الصورة أو اللوحة..وعما إذا كان الشارحون لم يوضعوا فوق القانون كي يصبحوا في قوة الوقائع والوثائق..وإنها لفكرة هرطقية ..لأننا سنبدأ نقطع الغصن الفني الذي نقف عليه..وإنه لسحر فني ضوئي حقاً ..حين يوجد السحر بأعماله الإبداعية..فلا بد من وجودد سر.. فهنا نتذكر الكارح فناناً ضوئياً تشكيلياً مبدعاً ومعلماً ومربياً لأجيال من الفنانين الشباب ..إنه من الفنانين القريب من جيل الرواد ..مزج بين التجربة الوطنية والإحتكاك بالغرب..وقد كانت تجاربه وصوره الضوئية دوماً محل التقدير والإعجاب لأنها عكست تطويراً للفن الضوئي وتجاوزته..فكان مبدعاً في القديم زمن الفيلم وفي الجديد زمن الديجيتال.
- تحية من القلب للفنان عبد الرحمن الكارح المخلص دوماً في عطائه فكل من تتلمذ على يديه يعرف أي فنان كان وأي توجيهات كان يعطيها لعشاق الفوتوغرافيا من خبرة وثقافة ومعرفة بصرية..وأيضاً عبر تقديمه النصائح والملاحظات الصائبة والمفيدة… لأن العلاقة بين الماضي والحاضر هي علاقة تواصل وتكامل ..ومن خلال هذه العلاقة يتراكم الوعي البشري..فالماضي يمدنا بالتجربة التي قدمها الفنان والحاضر يمدنا بأدوات جديدة لإكتشاف الذات ولتحديد إتجاه السير أفراداً ودولاً وشعوباً.. إضافة لتميز شخصيته بالمواقف الصلبة الضرورية للفنان..ولا يفوتنا بأنه بذل الكثير من العطاء بالشكل والمضمون للحركة الفوتوغرافية المغربية والعربية..
ــــــــــــــــــــــــــــ ملحق مقالة الفنان عبد الرحمن الكارح ـــــــــــــــــــــــ
المصور عبد الرحمن الكارح ..Abderrahmane Elgarh
عبد الرحمن الكارح من مواليد 1956 بالرباط عاصمة المملكة المغربية ، مفتش في التخطيط التربوي واقتصاد التربية ، درَّسْتُ الرياضيات لفترة والتحقت بمديرية الاتصال بالمصالح المركزية لإدارة التربية والتعليم ،اضافة الى ذلك عضو فريق عمل فرع المغرب لاتحاد المصورين العرب. البداية كانت منذ الصغر أمام واجهات استديوهات التصوير المتواجدة بالمدينة ، كانت مخيلتي تسبح بي تسبر أغوار الصور المعروضة ، كانت أولى ضغطة زر كاميرا بداية سبعينيات القرن الماضي لامست الياشيكا و الأكفا والكوداك المدمجة بتصوير الأصدقاء والعائلة … امتلكت أول كاميرا كانون احترافية سنة 1978 ، بدأت لوحدي دون موجه إلى أن لاقتني الأقدار بمحترف في المجال وضعني على السكة وكان يمدني بتوجيهات، إرشادات، كتب ومجلات مختصة إنه السيد ميخائيل ناشف مصور لبناني مقيم بالمغرب رحمه الله حيا كان أم في دار البقاء . إلى جانب هذا أتاحت لي فترة الإقامة في الديار الفرنسية
كانت لدراستي الجامعية هناك فرصة الاطلاع على أعمال مصورين محترفين عبر زياراتي للمعارض ولقاءاتي بالممارسين هناك . لم تكن الأمور كما هي عليه الآن مع الشبكة العنكبوتية ،فرص اللقاء مع المصورين الجادين كانت ضئيلة ،التحقت بالجمعية المغربية لفن التصوير AMAP المؤسسة سنة 1988 ،شاركت في مسابقة سنوية كانت تنظمها ، لن أصف لكم اغتباطي وأنا ارى صورة لي معلقة بين صور المشاركين خصوصا أن هذه الأعمال جابت عدة مدن في المملكة وكانت تلك أول مرة أعرض فيها . تلاها في بداية التسعينات معرض فردي بالدار البيضاء تم مؤخرا معرض جماعي بتونس جمعني بإخوة عرب التقيت بهم أثناء المهرجان الدولي الثاني بمدينة شفشاون المغربية . إلى جانب ما أسلفت ، عبد ربه : مدرس لمادة التصوير بأحد المعاهد العليا للسمعي بصري بالمغرب ؛ عضو مؤسس لجمعية مغرب الصورة وأمين مالها لفترة ؛ عضو مؤسس للجمعية المغربية للصورة وكاتبها العام ؛ عضو فريق عمل فرع المغرب لاتحاد؛ ؛ جائزة أحسن عمل بمهرجان السينما بالعراق ، نشرت بعض أعمالي في كتاب ” مائة مصور عربي ” الذي أصدرته مؤسسة عرب بكس.. من بين التجارب التي أغنت مسيرتي بمعية الآلة ، التصوير الصحافي وهو تجربة مكنتني من التعامل مع مواقف ومواضيع متنوعة للظفر بلقطة تتحدى الموقف وتعكس الحدث بأمانة ,وعلمتني أن أقرأ الفضاء المحيط وأجس نبض حركيته واستباقها للضغط على الزر في الوقت المناسب إن لم أقل في الهنيهة المناسبة . ليست لي أفضلية لمحور دون غيره ،أتعامل مع المادة الفوتوغرافية كما أراها لصياغتها في قالب يتوافق حسب المستطاع مع المحور الذي تخل في خانته هذا مع أفضلية لمحوري المفاهيمي والتجريدي ، الأول لكونه يحرك مخيلتي وذاكرتي ومخزوني الفكري والثقافي للخروج من الصورة النمطية التقليدية ، والثاني لاعتماده البساطة الثاقبة في تكوين عمل فني مجرد من الشوائب يشد الناظر إليه . المعالجة المعلوماتية مرحلة ضرورية وامتداد لمشروع الصورة الصورة ، وهنا وجب التمييز بينها وبين التعديل، المعالجة إذا زادت عن حدها أصبحت تعديلا لواقع ما كنا نحس به أثناء إلتقاط الصورة . الصورة الناجحة أو المتميزة في نظري هي تلك المتوازنة التعريض ،المتجانسة التكوين ، المتكاملة العناصر، المحكمة المعالجة ، الحاملة لفكرة ورسالة تشد المتلقي إليها وتداعب بصره smile emoticon مجال التصوير مجال خصب وشاسع ومن العبث الادعاء بالإلمام بكل جوانبه لسبب بسيط هو أن الخالق لم يهبنا من العلم إلا قليلا وعلى قلته ففيه الخير والبركة … وإن سمحت لنفسي لأبدي نصيحة للمبتدئين في هذا النسق التعبيري الراقي سأقول : تمكنوا من تقنيات التعريض ومما تتيحه لكم الآلة ، اطلعوا على أساسيات التكوين ، تحسسوا الضوء واستمتعوا بالتقاط صور تناجيكم وتطرب المتلقي … عدا ذلك فستكون أعمالكم مجرد بقعة من الضوء مشبعة الضوء أو معتمة غير متناسقة الخطوط و الكتل والألوان لا أقل ولا أكثر
