ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏4‏ أشخاص‏، و‏‏نظارة‏‏‏

تحية لإنجازات لا تنسى
إضاءات
الثلاثاء 28-11-2017
سعد القاسم
وجه معرض الخريف الذي افتتح يوم السبت الفائت تحية لروح الدكتور عفيف البهنسي الذي رحل عن دنيانا في الثاني من شهر تشرين الثاني 2017 بعد حياة حافلة بالعطاء في مجالات الفن التشكيلي والآثار والمتاحف والبحوث الجمالية والفكرية والثقافية .ومن ضمنها دوره في إطلاق معرض الخريف متابعة لمسيرة المعرض السنوي الذي يقف اليوم على عتبات عقده السابع والذي أسس بمبادرة من الدكتور (سليم عادل عبد الحق)، المدير العام التاريخي للآثار.‏
نال الفن التشكيلي الكثير من اهتمام الراحل وعطائه بحيث لا يمكن الحديث عن مؤسسات الفن التشكيلي السوري دون إفراد حيز واسع للدور الذي أداه الدكتور عفيف البهنسي في الإطار الواسع لإنشاء هذه المؤسسات وانطلاقتها وتطورها، فمع قيام أول وزارة للثقافة في سورية إثر الوحدة مع مصر، ضمن إطار الجمهورية العربية المتحدة كُلف بإنشاء مديرية الفنون التشكيلية والتطبيقية (مديرية الفنون الجميلة حالياً)، وكان من باكورة عمله في المديرية تأسيس مراكز الفنون التشكيلية والتطبيقية في دمشق وعدة مدن، وهي خطوة لم يسبقنا إليها أي من الدول العربية. وتولت المديرية بإدارته مسؤولية إقامة المعرض السنوي الذي كانت تقيمه سابقاً مديرية الآثار بالتعاون مع وزارة المعارف (وزارتا التربية والتعليم العالي حالياً)، وفي معرض الخريف الأول الذي نظمه الدكتور البهنسي عام 1959 قامت المديرية بشراء كل الأعمال المعروضة، بغاية تشجيع الفنانين للدخول في غمار نشاطات المديرية من خلال معرضي (الخريف) و(الربيع)، وبالتزامن مع هذا المعرض أصدر أول كتاب عن الفنانين السوريين بعنوان (الفنون التشكيلية في الإقليم السوري) لإعطاء الفنان حقه من التعريف، ومعه بدأ بالكتابة عن الفنانين السوريين بشكل واسع.‏
استمر عمله مديراً للفنون الجميلة حتى عام 1970 وكان خلال هذه السنوات العشر يعمل على تنظيم المعارض السنوية والدورية والأجنبية الوافدة، وإرسال معارض خارجية، وتأسيس مراكز للفنون التشكيلية والتطبيقية، وإقامة النصب والتماثيل، لكي يكون نظيراً للمجلس الأعلى في القاهرة، وسمي الدكتور البهنسي كمقرر للجنة الفنون التشكيلية في المجلس الأعلى للآداب والفنون والعلوم الاجتماعية في دمشق الذي تأسس أيام الوحدة أيضاً، وكانت مهمة اللجنة، التي كانت تضم كبار الفنانين، أن تقدم اقتراحات بناءة لوزارة الثقافة وللفنانين ولغيرهم. وأن تهيئ برنامج الموسم السنوي الذي كان يحمل اسم أحد كبار الأعلام، وتطوع لإقامة تماثيل لهم أمثال (الفارابي) و(الجاحظ) تصب بالبرونز وتوضع في الحدائق العامة، كان يقدمها كهدية. وقام بعمل رائد في مجال نشر الثقافة الفنية، حيث كلّف الفنانين والمؤرخين في الهيئة العامة للآثار والمتاحف أن ينجزوا كتباً صغيرة، وبالتعاون مع عدد من دور النشر تم إصدار كتب عن (ديلاكروا) و(رامبرانت)، وعن الفن الآرامي والآشوري والهلنستي والتدمري وغيرها، قام بتصميم أغلفتها الفنان المبدع عبد القادر أرناؤوط.‏
الإنجاز الكبير الثاني الذي حققه الدكتور عفيف البهنسي في المجال التشكيلي كان تأسيس المعهد العالي للفنون الجميلة (كلية الفنون الجميلة لاحقاً) بدعم من الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة المركزي في الجمهورية العربية المتحدة، الذي عمل لإصدار مرسوم التأسيس من قبل الرئيس جمال عبد الناصر عام 1959، معتمداً على نظام كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية التي كانت قد تأسست قبل ذلك بعام واحد. وبقي الدكتور عفيف البهنسي في مجلس إدارة المعهد (ثم الكلية) سبع سنوات تقريباً، ومنذ أول يوم بدأ بتدريس القسم النظري، و ألف كتاب (الفن عبر التاريخ) وكان هذا أول كتاب صدر بالعالم العربي ، ثم توسع الكتاب وتمت طباعته تسع مرات وصار اسمه (تاريخ الفن والعمارة) وظل معتمداً في كليتي الفنون والعمارة سنوات مديدة، كما أن الدكتور البهنسي استمر في التدريس فيهما حتى وقت قريب قبل رحيله.‏
كانت الفترات التأسيسية الأولى قد وصلت إلى مداها عندما عمل على إصدار مرسوم تشريعي بتأسيس نقابة الفنون الجميلة عام 1969 فاجتمع الفنانون في المركز الثقافي العربي في شارع الجلاء، وقاموا بانتخاب الدكتور البهنسي كأول نقيب لنقابة الفنون الجميلة وقبيل مغادرته النقابة كان قد ارتفع في شارع الشهيد فايز منصور (اتوستراد المزة)، بناءان كبيران متجاوران يتفردان بمظهر معماري جميل ومميز، ويحملان اسم الفنون الجميلة، ويضمان عشرات الشقق السكنية مع مجموعة من المراسم والمشاغل الملحقة بها في الطابق الأرضي، وقد سلمت إلى الفنانين بأسعار زهيدة، دون أن يتملك هو شخصياً أية شقة أو مرسم فيهما.‏
لم يتوقف الدكتور عفيف البهنسي عن تقديم الدعم للفن التشكيلي حتى بعد انتقاله لترؤس المديرية العامة للآثار والمتاحف، ولتطوير (جناح الفن الحديث والمعاصر) في المتحف الوطني بدمشق قام بتكليف كبار الفنانين التشكيليين بإعداد لوحات متميزة ذات مواصفات تنسجم مع أهمية المتحف. ومن هؤلاء الفنانين: لؤي الكيالي، وفاتح المدرس، ومحمود حماد، ونصير شورى، وممدوح قشلان، وأسعد عرابي، ونذير نبعه، وغيرهم من الفنانين السوريين الذين أبدعوا لوحات فنية كبيرة ومتميزة بالجمال الفني والإبداع الأصيل. كما كلف الفنان أحمد إبراهيم برسم لوحات فنية كبيرة لمتحف (إدلب) تبرز الفعاليات المختلفة التي تميزت بها مملكة (إيبلا).‏
* الصورة من اليسار:الدكتور البهنسي مع الفنان المعلم غياث الأخرس مؤسس قسم الحفر في كلية الفنون الجميلة والفنان المعلم محمود حماد أميز عميد في تاريخها.
http://www.thawra.sy/_View_news2.asp…

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏4‏ أشخاص‏، و‏‏نظارة‏‏‏

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.