الصورة.. قمة جبل الجليد

التاريخ: يونيو ٠٨

 خلال إحدى المناسبات المتعلّقة بفنون التصوير الضوئي، سألت عدداً من المصورين الهواة عن الاستعدادات والتحضيرات التي ينتهجونها قبل اتخاذ قرار الضغط على زناد الكاميرا.. إحدى الإجابات كانت: لا شيء.. أنا مستعدٌ لالتقاط الصور في أي لحظة وفي أي مكانٍ يروق لي! بينما أجاب مصورٌ آخر قائلاً: كل شيء.. العمل الفني والمجهود الذهني والفكري يسبق عملية الالتقاط، إذ إنها مجرّد قمة لجبل جليديّ ضخم.

وعند اطلاعي على أعمال المصور الأول، وجدت جماليتها لا ترقى للمستوى المبهر، عدا بعض الصور التي لفتت نظري أكثر من غيرها.
أستطيع القول إن هذا النوع من المصورين يعتمدون بشكل كبير على «الحظ»، حيث إن المصادفة وحدها قد تضرب لهم موعداً مع صور فائزة فائقة الروعة. أما أعمال المصور الثاني فهي أقرب للتحف الفنية التي تستوقفك أمامها، وتقودك لنزهة تأملية ممتعة بين أفيائها وأفكارها ومعانيها وأصواتها.. نعم، هذا النوع من الصور له صوت عالٍ يصعب على أي متذوّق للجمال أن يتجاهله. هذا النوع من الصور يتحدّث معك ويناقشك، وفي الغالب تكون له السطوة الكبرى في الحديث، بحيث يجبرك بعد حين على الإذعان لوجهة نظره، ومن ثمّ التزام الصمت وإعادة التفكير في حيثيات حديثه.
لا أقلّل من القيمة الفنية للنوع الأول، لكني بكل شفافية منحازة للنوع الثاني، لأنه يتوافق فكرياً وفنياً معي، فأنا أرى الصورة مئات المرات ذهنياً، وأجري عليها مئات التعديلات، قبل أن أبدأ حواري مع كاميرتي عن الطرق المُثلى لتنفيذها.
النوع الثاني من المصورين لديهم أسباب غاية في القوة، أسباب مستمدّة من خزّانات الطاقة المرتبطة بفكرة الصورة. فبعض هؤلاء يسافر آلاف الأميال إلى أماكن وعرة وخطرة وظروف الحياة فيها قاسية، كالقطب الجنوبي وأعالي قمم الجبال وميادين الحروب الساخنة ومجاهل الغابات الموحشة والمتوحشة أيضاً، يسافر بكل استمتاع وطيب خاطر وهو يعلم يقيناً أنها قد تكون رحلته الأخيرة، لكن الأهداف العظيمة القابعة في ذهنه تمدّه بالقوة والعنفوان والاستعداد لكافة الاحتمالات مهما كانت.
فهذا أحد المصورين يقرأ عن بعض أنواع الحيوانات النادرة، ويدرس سلوكها وكيفية حياتها وتبدّل طباعها على مدار فصول السنة، ومثيرات غضبها ونوعية خطرها على الإنسان حال اقترابه منها، ثم يقوم بعد ذلك بملاحظتها بصرياً عن بعد لأسابيع، بمصاحبة بصيرته الفنية التي تراقب المشهد عن كثب إلى أن تختمر الفكرة، فيختار موقعاً لنصب معداته والتربّص للحظة الحاسمة بكل حواسه، وفي اللحظة المناسبة تبدأ عدسته بإلقاء شباكها على هذا الكائن، هنا لحظة الحقيقة..
فقد تكون تلك اللقطة تماماً كما أرادها، وقد لا تكون! حينها سيعاود الكرّة مرة ومرات حتى يظفر باللقطة التي ترضي توقعاته. قد تمتد فترة التحضير لعدة شهور، ربما تتجاوز العام، لكن الصورة المنبثقة عن هذا المجهود ربما تصبح حديث العالم، وتحجز لصاحبها تذكرة لعالم النجوم.
فلاش:
العبرة في حجم ونوع الفكرة الفنية التي تكمن في داخلك.. وليس في صورتها السطحية.
سحر الزارعي – الأمين العام المساعد للجائزة
@SaharAlzarei

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.