توفي منذ أيام الفنان التشكيلي والباحث في مجال التراث والآثار وعلم الجمال الدكتور (جورج نحاس) في منزله في مدينة حماة عن عمر ناهز 78عاماً.. ونحاس المولود في حمص، عاش واستقر في حماة بعد أن نال إجازة جامعية في الفلسفة من جامعة دمشق, بينما درس الفن أواسط سبعينيات القرن الماضي في أكاديمية روما في إيطاليا كما حصل على شهادة دكتوراه في تاريخ فن وعلم الآثار من جامعة الكسليك (الروح القدس) في بيروت سنة 1999. للراحل العديد من المعارض الفردية والجماعية وهو عضو مؤسس في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وعضو مؤسس في اتحاد الفنانين التشكيليين العرب وعضو مؤسس في جمعية الآثاريين العرب في القاهرة وكذلك عضو مؤسس في جمعية العاديات في مدينة حماة ودرّس الرسم والتصوير والحفر وعلم الجمال في مركز سهيل الأحدب للفنون التشكيلية في حماة التابع لوزارة الثقافة كما ترأس المركز حتى تقاعده عام 1982. له العديد من الإنجازات في مجال ترميم واستخراج لوحات فسيفسائية أثرية كما شارك في العديد من المؤتمرات الأثرية والتاريخية والفنية داخل سورية وخارجها, وله العديد من المؤلفات منها: العيد سفين عائم( وزارة الثقافة 2004) وأساطير الخصب الإنباتي( وزارة الثقافة 2006) ومكتشفات أثرية جديدة في سورية الوسطى ـ حماة عبر التاريخ ـ (دار الفرقد 2007) وله العديد من الكتب قيد النشر والمخطوطات ومنها( الأيقونة السورية: تاريخها ومدارسها) و(الفن والأســـطــورة) و(فسيفساء محـــلة المدينة بحمــــــاة) ( الأختام الأسطوانية السورية) وغيرها.
كان آخر معرض فردي أقامه الراحل نحاس في عام 2011في صالة الشعب للفنون الجميلة في دمشق بعد انقطاع أكثر من 35سنة عن إقامة المعارض الشخصية (كان آخر معرض فردي له في العاصمة الايطالية روما سنة 1975) لقد حاول نحاس أن يقدّم في معارضه عدداً من المنحوتات ومنها ما جاءت بأحجار كريمة ثمينة وكذلك الأعمال التشكيلية التي حرص نحاس على تقديمها متنوعة مختزلة للعديد من الحضارات القديمة التي مرّت على سورية حيث استلهم من أساطير وقصص الفينيقيين والسومريين والآشوريين وغيرهم أعماله النحتية والتشكيلية التي نالت اهتمام الزوار والنقاد والمتابعين والمتلقين, كما حاول نحاس في معارضه أن يلخص جميع المراحل التي مرّت فيها تجربته الفنية في العقود الماضية إن كان في مجال النحت أو التشكيل.. ففي حوار مقتضب معه لم يُنشَرْ قال لي:
«انطلقت تجربتي الفنية سنة 1958, لقد حرصت دائماً على تقديم أسلوبي الفني وهو التعبيري الغنائي وأقصد بالغنائي هنا أن العمل النحتي والتشكيلي يحمل موسيقا بين طياته وكذلك الألوان تتراقص في اللوحة والمنحوتة وعلم الجمال هنا مرتبط بالأداء والفن والنحت يرتبط بالرقص والمنحوتات عندي هي كتلة وفراغ وحركة.. لقد قدمت أسلوباً جديداً وهو الدمج ما بين التصوير والنحت في عمل واحد وبإيقاع متواز ولذلك يشاهد الناس عملاً فيه حفر على الخشب ونحت ورسم ملون وحتى الرخام حاولت أن ألوّنه ولكن التزمت بالألوان الطبيعية الرمادية النباتية, واستخدمت في الرسم صفار البيض مع التراب وفي الحفر على الخشب استخدمت خشب الجوز وفي النحت استخدمت الحجر الغرانيتي من الصواعد والنوازل وهناك الرخام العادي والحجر الكلسي والبازلت, كما تناولت في أعمالي الفنية العديد من المواضيع هناك الموضوع الأساس وهو الخصب في الحضارات والتراث في الأساطير والحضارات السابقة ورمزية الخصب في المياه والنبات حيث كبار الآلهة والملوك في الحضارات القديمة كان عرشهم على الماء, لقد حاولت، يضيف نحاس، أن أتناول الأدبيات والأساطير وأسقطها على الواقع الحالي, ومن أعمالي أيضاً المجوهرات التي عملت على تصاميمها ومنها: كريستال دوروج ومارو وأميتسيت وهناك أعمال من أحجار نصف كريمة استفدت منها في المنحوتات والرسومات… وسألت نحاس: ولكن ما الغاية من وضع الأحجار الكريمة كالعقيق والماس في عمل نحتي أو تشكيلي؟.. ابتسم الفنان الراحل وقال:لإبراز العمل الفني بشكل أكبر وإظهار جمالياته أو دلالاته ومنها تعاويذ كانت تستخدم في الحضارات القديمة ولذلك استخدمت اللولو والخرز وخيوط الفضة والذهب في بعض المنحوتات, كذلك لتقديم العمل كما كان في الحضارات القديمة كالرومانية وغيرها, خذ مثلاً منحوتة الأميرة البازلتية قمت بتعتيق البازلت ونزلت فيه العاج لعينيْ الأميرة وألبستها عقداً من الذهب الحقيقي.
ملاحظة سُئل عنها الفنان النحاس من كثير من زوار معارضه ونحن منهم عن سبب استخدام مرايا خلف معروضاته النحتية فكان جوابه: ببساطة لتظهر التماثيل من كل جوانبها وظهور حركتها من كل الجهات ومنها ظهرها وهذا لا يتم إلاّ إذا كان خلف المنحوتة مرآة تعكس شكل ظهر المنحوتة!

::طباعة::