“غسان مسعود”…الدراما السورية تحتاج إلى الرأسمال الوطني

فرهاد حمي

الاثنين 26 تشرين الأول 2009

انطلقت رحلة النجم والفنان “غسان مسعود” في بلدة “فجليت” في محافظة “طرطوس” عام 1958، عمل أستاذا في المعهد العالي للفنون المسرحية في سورية لمدة ثمانية عشر عاماً، ارتبط اسمه منذ البداية مع المسرح حتى بات يشكل همه ومشروعه الفني الطويل، حيث يجد ضالته وملاذه على خشبة المسرح سواء في التمثيل والإخراج والكتابة، كما عمل في الدراما التلفزيونية بعدة أدوار متميزة لا زالت عالقة في ذاكرة الجمهور، إلا أن نجوميته العالمية في السينما الغربية لمعت عند مشاركته في ست أفلام وأبرزها فيلم “مملكة السماء” بدور “صلاح الدين” نال من خلالها الاستحسان والقبول من قبل النقاد والجمهور المحلي والعربي والعالمي.

تكبير الصورة

موقع”esyria” وبتاريخ13/10/2009 التقى مع الفنان “غسان مسعود” في مقهى الذي يرتاده وأجرى معه حوار اتصف بالصراحة والعفوية وتميز فيه بمدى سماحة روحه وتواضعه الكبير وسعة الثقافة العالية الذي يتصف بها الفنان” غسان مسعود”، حيث بدأنا لقائنا معه حول واقع الدراما السورية في هذه الآونة، فقال :«هناك تقيمين لواقع الدراما السورية وقد تبدو المفارقة، فهناك الرأي العام يقول أن الدراما السورية في مقدمة الدراما العربية فهي حاضرة بقوة ضمن ساحة الدراما العربية وهذا شيء جيد، وهناك رأي شخصي بالنسبة لي أن كل الدراما بما فيها السورية تعمل خدماً عند أصحاب الرأسمال وهنا مكمن الخطورة، وبناء عليه لا ينبغي أن يخدعنا النجاح الشكلي للدراما السورية، بل لابد من التفكير بما هو أكثر من الشكل و أن نغوص في المحتوى، فإن فكرنا بمحتوى هذا النجاح سنفتح على أنفسنا أبواب لا حصر لها من الأسئلة التي تنتظر الأجوبة المسؤولة، وهنا مكمن الخطر بالنسبة لي حول كلمة النجاح أو الفشل في الدراما السورية، أنا واحد ممن دعوا لانتصار الرأسمال الوطني وكنت أقول دائماً أن الرأسمال الزائر حوّل من توجهاتنا وسياساتنا الثقافية مما لا يمكن الاعتماد عليه لصناعة دراما وطنية الوجه واليد، لأن الرأسمال الزائر في أي لحظة ممكن أن يذعن ويمشي ويقطعنا في منتصف الطريق حينها ماذا نفعل وما تكون حال الدراما، لا بد العمل على وجود وتأسيس الدراما الوطنية بكل المقاييس ولا بد أن يكون الرأسمال المحرك والأساسي والعامل الأبرز أن يكون وطنيين في المقام الأول».

وحول التنوع التي تمتاز به الدراما السورية، يقول” غسان”:« الدراما السورية استطاعت دائماً أن تقدم تنويعات كثيرة الوجوه كي تعبر عن نفسها على أنها الدراما الجيدة، فهي دخلت في غمار التاريخ والفنتازية أجادت فيها، وفي الآونة الأخيرة اتجهت نحو الواقعية الاجتماعية فنجحت فيها ايضاً، وحتى البيئة الشامية امتازت فيها وتعتبر هذا كله ايجابي، إذاً التنوع هو لمصلحة الدراما وليس ضدها ولا استطيع أن أقول أي نوع أفضل من الثاني، أظن أن مكونات هذا المشهد ما كانت لتكون مادة درامية لولا هذا التنوع والتباين، والتنوع كان وسيبقى في الدراما فالمسالة في النهاية هي لمصلحة الدراما التي تعمل على هذه الوجوه المختلفة، فلماذا تحرم هذا الجمهور أو ذاك مما ينجذب إليه ويثير حماسه ولماذا نحصر أنفسنا في لون واحد ونجبر المتلقي أن يتعامل مع هذا الطبق وحده فهذه القسرية ليس من حقنا».

وعن دور الممثل في صناعة الدراما المعاصرة، يضيف “غسان” بقوله:« يخطئ من يعتقد أن الممثل صاحب قرار في صناعة الدراما، فن التمثيل هو فن تابع للإنتاج وللإخراج وللتأليف أي لكل عملية درامية، والممثل هو جزء من هذه اللعبة إلا أننا نرى في الخلاصة الممثل هو الحامل الاجتماعي الأبرز في هذه الصناعة لأن وجهه هو الذي يظهر في الشاشة وأمام الناس ولكن

تكبير الصورة
في المسرح

خلف هذا الوجه أصحاب قرارات كثيرون وليس الممثل وحده صاحب قرار في هذه الصناعة».

ما يلفت الانتباه في مسيرة الفنان “غسان مسعود” في هذه السنة تجسيده لأول مرة دور البدوي لشخصية “معشي الديب” في مسلسل ” فنجان الدم” وحول هذا النقلة يقول” غسان”:« الممثل أولاً يجذبه النص في عملية إبداعية في الدراما، فإن وجد في هذا النص مادة قادرة أن يعمل عليها ويوظف طاقته ومهاراته الأدائية وموهبته فتصبح مادة مغرية للعمل، فتجد الممثل يندفع إلى هذا الدور ويقدم فيه أداء عالياً ومبدعاً، أما إذا كان الدور لا يشجعه فترى الممثل يعمل لكي يأخذ مال ويمشي وربما يتصور بين نفسه أنه يعمل فقط، وهذا الكلام أضعه في الحسبان في مسيرتي الفنية، ومن هذا الباب أغراني النص لشخصية “معشي الديب” في مسلسل “فنجان الدم” وهذه الشخصية سمعت عنها كثيراً لدى أخواننا البدو وتكاد أن تكون الأسطورة، واعتبر هذا العمل ليس بدوياً وإنما احسبه تاريخياً لأن البيئة الثقافية للبدو نادراً ما دخل فيها الدراما بشكل جدي ومسؤول للتعرف أكثر للحقبة التاريخية ما لتاريخ بلاد الشام، فوجدتُ أن مؤلف النص الذي ينتمي إلى هذه البيئة كتب نصاً عميقاً ومسؤولاً، وبناء عليه رأيت نصاً جيداً يخدم هذه الشخصية فأديته بطريقة تعبيرية قوية والإخراج كان ذكياً استطاع أن يستثمر أدائي ويقدمه بشكل رائع وقوي».

أستطاع الفنان “غسان” أن يتنقل من العمل البدوي”فنجان الدم” إلى العمل الواقعي الاجتماعي الذي تجسد في دوره بمسلسل” قاع المدينة” وحول هذا التوافق في نفس السنة، يقول:« هذه المسألة تتعلق بتقنيات الفنان، فالممثل نصفه تقنيات ونصفه الأخر موهبة وعندما نقول الممثل المحترف يعني انه يعرف جيداً العمل على البعد التقني في صوته وجسده وعواطفه ومشاعره، وبالتالي هذه المعارف التقنية عند الممثل هي التي تجعله يمثل الآن المسلسل البدوي وبعد القليل الواقعي الاجتماعي، ويستطيع أن يفصل بين هذا النوع من الأداء وذاك النوع من الأداء، هذه ثقافة الممثل وتقنيته هي وسيلة للعمل في التمثيل».

عندما تحاور”غسان” يثيرك تسأل عفوي حول تجسيده لدور صلاح الدين في فيلم”مملكة السماء” وهي تجربة ملاصقة وباقية في ذاكرة وقلوب الجمهور فيقول بابتسامة وحميمة حول إعجابه للبطل”صلاح الدين الأيوبي”: « يعتبر صلاح الدين من الرموز والأبطال الدائمين ونحتاج إلى تذكره دوماً، فمن هو معني بالكرامة والعزة والعنفوان هذه المنطقة بما تحتويها من الوعاء الحضاري الكبير بمختلف قومياته وأثنياته وأديانه التي أنجبت وخلدت شخصيات سهروا وتعبوا لصون وحماية هذه الأمة من الانحلال والاندثار، وبالتالي هذا الوعاء الحضاري والعبقري الكبير لا بد أن نذكر هذه الرموز الذين جاهدوا للمحافظة على عنفوان وكرامة هذه المنطقة».

خرج الفنان “غسان مسعود” إلى العالمية من أوسع أبوابها ونال كل الاحترام والرضا من قبل النقاد في الغرب وبالأخص في السينما بـ” هوليود” إلا أن قلبه وفكره بقي معلقاً في

تكبير الصورة
فيلم مملكة السماء

هذا البلد وعن هذا يقول: « لم أنسى لحظة واحدة إنني ابن هذا البلد وانتمي إلى هذه الثقافة والتي هي أعرق بكثير من ثقافة الغرب، ولا أستطيع أن أنسى أنني أبن هذا الأرض التي تختزن في طياتها حضارة عمرها عشرة ألف سنة تتميز بغناها الثقافي والحضاري، فلا يستطيع بريق الغرب أن يجذبني إليه إطلاقاً، فهو يستطيع أن يجعلني أخذ منه ما يفيدني ولكن لا يستطيع أن يجذبني ويأخذني إليه ربما أتي به إلي وربما أخذ منه ما أحتاج، ولكن لا أذوب فيه ولا أنجذب إليه».

وحول الاختلاف ما بين صناعة السينما في الغرب والمشرق يضيف “غسان” بقوله:« تقنيات فن الأداء قد لا تختلف كثيراً، ولكن التقنية التي تخدمك هي التي تختلف، بالنسبة للبعد التقني هم أناس سبقونا كثيراً فهذا هو المكسب الذي أخذه من الغرب ولدي ست أفلام في أوربا وأميركة، فأخذت هذا البعد لتطوعيه في خدمة أدائي في التمثيل لأنهم يملكون ما لا نستطيع نحن أن نملكه على المستوى التقني في العملية الفنية والإخراجية، فهم لديهم الفكرة عن الإنسان الشرقي وواجبنا أن نقول ليس هذا هو الإنسان المشرق، هم قد يقيموننا تقيماً مسبقاً ونحن مهمتنا أن نقول تعاملوا معنا حاورنا واسألونا واسمعونا وأحكموا علينا فيما بعد هذه مهمتنا كالأفراد والجماعات».

وبعد مشاركات الفنان” غسان مسعود” في عدة أفلام عالمية ومحلية فهو ينظر إلى السينما على انه:« فن مستقل قائم بذاته فيه من المتعة والفائدة والفن ما يجعله يقف وجه للوجه أمام جمالية العمل المسرحي، أما التلفزيون فهو كائن هجين ومركب من المسرح والسينما والإذاعة، لكن التلفزيون هو واقع لا مهرب منه وعلينا أن نستغله بجوانبه الايجابية إلا أن السلبي الموجود فيه هو أكثر من الايجابي».

يبقى للمسرح عشقه في قلب”غسان” فهو همه ومشروعه الفني في حياته، فإن ابتعد عنه إلا أن اسمه محفوراً على خشبة المسرح، وعن واقع المسرح في سورية يقول: « عملية المسرحية قد تبدو عملية كلية وليست جزئية فمن يريد أن يخرج ويدّرس فعليه أن يلم بكل جوانب العملية المسرحية لا أن يكون ممثلاً فقط، لا بد له أن يعرف السينوغرافيا والإخراج والتمثيل والموسيقى والديكور فهي عملية معقدة وتحتاج إلى ما يسمى عادة بالرجل المسرحي الحقيقي والجاد، وما نجده على أرض الواقع مختلف تماماً عما ما نتكلم عنه، فهناك أمية كبيرة في العملية المسرحية في الآونة الأخيرة، وهذا يعتبر شر البلية لان المسرح بالذات لا يقبل الأميون ولا يقبل أنصاف المواهب، ويبدو أن الإنتاج المسرحي غير مكلف كثيراً فتجد أي كان يستطيع أن يعمل في هذا المعترك المسرحي، كنت أقول دائماً لا تصنعوا للمسرح جدار منخفضاً يستطيع أي كان أن يدخل إليه، فمنذ ولدت وحتى الآن نسمع بأن هناك أزمة في المسرح وسيبقى المسرح متأزم لأنه فناً استثنائياً، والذين

تكبير الصورة
أثناء لقائنا معه

يعملون في المسرح ويتركون بصماتهم هم أناس استثنائييون، فالقاعدة في الأدنى والاستثنائييون يخرجون عن هذه القاعدة لكي يكونوا استثنايين ولكن في القاعدة هناك الأزمة وستبقى هذه الأزمة».

وعن وصف الفنان”غسان مسعود” شعوره عند التعامل بالمسرح، يقول: « عندما اعمل في المسرح ينتابني الشعور ببناء عالم من الحلم والخيال والمملكة الخاصة فأذوب فيه دون رجعة، ولا مرة سألت نفسي لماذا أعشق المسرح لأنني عندما أعرف لماذا أحب المسرح حينها سوف أصل إلى النهاية في عالمي المسرحي لذا لا أريد أن أفكك شيفرات خفايا سر عشقي للمسرح لكي تبقى مجهولة وابحث عنها إلى مالا نهاية ».

وفي النهاية سألنا الفنان”غسان مسعود” عن مشاريعه المستقبلية، فأجاب:« حالياً أفاوض على عمليين في أمريكة عمل اسمه “الشارد” وعمل أخر، إضافة للعمل في مسلسل تلفزيوني بعنوان “رايات الحق” الذي بدأنا بتصويره وأجسد فيه شخصية “أبو عبيدة الجراح” وبعد شهر سوف أكرم في مهرجان “طريق الحرير” في اسطنبول».

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.