“سمير الزوزو”.. فنان الأوتار المعكوسة

بلال سليطين –الخميس 18 نيسان 2013م

عرف الفنان “سمير الزوزو” بعلاقته الوثيقة بالتراث الشعبي الساحلي الذي أبدع فيه عزفاً وغناءً، فقسَّم حياته الفنية كقائد فرقة موسيقية لحفظ التراث الموسيقي، وكمطرب يجيد أصول الغناء ويمتلك الإحساس بالكلمة.

تكبير الصورة

مدونة وطن eSyria التقت الفنان “الزوزو” بتاريخ 5/4/2013 وحدثنا عن حياته الفنية قائلاً: «بدأت علاقتي مع الموسيقا في العام 1968 عندما كان ابن عمتي يزورنا في منزلنا ويحمل معه آلة العود فسرقت العود منه وبدأت أدندن على أوتاره بشكل عشوائي، وأخذت استفسر ممن هم حولي عن مكوناته وطرق العزف عليه، وكنت أحفظ ما يقولون وأجرب تطبيق المعلومات النظرية، وشيئاً فشيئاً بدأت أعزف على العود بشكل سماعي، حيث أصبح لدي شغف احتراف العمل الموسيقي فاتجهت نحو تعلم النوتة ولم يكن لدي سبيل لذلك حينها إلا شراء مجموعة من الكتب الموسيقية فبدأت بدراستها والتعمق بها، وحين كانت تستعصي علي فكرة أو معلومة كنت أستشير الأستاذ الكبير “زياد عجان” الذي لم يكن يبخل علي بشيء، وبهذه الطريقة تعلمت النوتة الموسيقية وأصبحت من المتقدمين في مجال الموسيقاعلى مستوى محافظة اللاذقية».

في العام 1970 أسس “الزوزو” مع زملائه أول فرقة موسيقية سموها “الساحل الموسيقية”، هذه الفرقة تلقت دعماً كبيراً حسب قوله من الباحث الموسيقي “جبرائيل سعادة” الذي كان يمتلك مكتبة موسيقية شاملة لأغاني التراث، هذه المكتبة وضعها “سعادة” تحت تصرف الفرقة وفتح لهم منزله لكي يتمرنوا تحت إشرافه فحفظوا العديد من الأغاني العربية الأصيلة التي أغنت رصيدهم وجعلتهم ينطلقون في سماء اللاذقية ويبدؤون بإحياء المناسبات الاجتماعية والأفراح والسهرات في المطاعم المنتشرة على طول الشاطئ (رشو، فينيسيا، العصافيري، البحري… إلخ) ومن أهم ما كانوا يقدمونه في تلك السهرات “الموشحات، القدود، الأدوار، وأغاني التراث”.

الشبيبة كان لها نصيب الأسد من مسيرة “سمير الزوزو” التي حدثنا عنها بالقول: «في العام 1979 تقدمت لامتحان نقابة الفنانين ونجحت كمتمرن، وعلى أثرها تعاقدت مع فرع الشبيبة وعملت كمدرب كورال لأكثر من 25 عاماً، وبعد فترة قصيرة عملت كمدرب كورال في مدرسة التمريض وأشرفت على الاحتفالات الوطنية والقومية، وفي

تكبير الصورة
من أحد أعماله مع النجمة “منى واصف”

العام 1989 تقدمت لامتحان عضوية نقابة الفنانين ونلت العضوية، ومن العضوية ترشحت في العام 1994 لعضوية مجلس الفرع وتمكنت من الظفر بمقعد مكتب النشاطات الذي أشرفت من خلاله وبالتعاون مع فرع النقابة على العديد من المهرجانات ومنها (مهرجان اللاذقية للتراث الأول والثاني والثالث)».

نقطة التحول التاريخية في حياة “الزوزو” كانت في العام 1995 عندما سجل منعطفاً استراتيجياً نحو الغناء، وعن ذلك قال: «في العام 1995 قررت أن أحترف الغناء إلى جانب العزف على العود بعد أن تلقيت التشجيع من حولي ممن رأوا في الأرشيف الذي أمتلكه وخامتي الصوتية رصيداً سيجعل مني مطرباً تراثياً أكاديمياً، وبالفعل استجبت لتلك الدعوات ولقيت قبولاً من الجمهور الذي كان يحضر حفلاتي بكثرة وأصبح لدي قاعدة شعبية جعلت من المنتجين والمخرجين يتواصلون معي للمشاركة في المسلسلات التلفزيونية وتقديم الأغاني التراثية، ومن أهم المسلسلات التي شاركت بها (أيام الغضب، أنشودة المطر، ليل المسافرين، حنين، آخر أيام الحب، الحوت،… الخ من المسلسلات التي بلغ عددها 32 مسلسلاً)».

“الزوزو” الذي اشتهر بالعزف على العود يعتبر ظاهرةً فريدة من نوعها في طريقة عزفه فهو يعزف بيده الشمال دون أن يقلب أوتار العود فتصبح الأوتار معكوسة ومع ذلك فهو يعزف بطريقة صحيحة /100% دون أي خطأ، وهو يعلق على هذه الحالة بالقول: «أنا عسراوي ولا أستطيع استخدام يدي اليمنى في العزف ما اضطرني لقلب العود والتعلم عليه بطريقة عكسية، وقد كان بإمكاني قلب أوتار العود كما فعل بعض ممن هم مثلي لكنني رفضت وأصريت على العزف بطريقة عكسية وخضت تحدياً مع نفسي ومع الآخرين وقد تمكنت في النهاية من العزف على الأوتار المعكوسة وتميزت بهذه الطريقة من غيري من العازفين الذين أقدرهم وأحترمهم».

لم يقتصر تميز “الزوزو” على العزف، فهو متميزٌ بالغناء رغم تلعثمه بالنطق أثناء الكلام لكنه

تكبير الصورة
من عمل سوري مصري مشترك

ليس كذلك أبداً أثناء الغناء، وقد عانى بعض الشيء من التلعثم حسب قوله: «مشكلة النطق أبعدتني عن شاشات التلفزة في الحوارات واللقاءات لكنها لم تبعدني عن الغناء حيث إنني كنت أشارك مع فرقتي في المسلسلات واقدم أغنياتٍ للتلفاز والراديو، ومن الصدف التي مرت معي أن طالبة طلبت مني بعد انتهاء درس الموسيقا أن أشرح لها فكرةً وعندما جلسنا لأعلمها استغربت أنني أتلعثم فأوضحت لها أنني لا أتلعثم على المسرح ولا أثناء الغناء وإنما فقط في الأحاديث الخاصة ما جعلها تصاب بذهول وتستغرب ذلك».

وعما يميز الأغاني التراثية التي نذر نفسه لها، قال: «تتميز بصدق معانيها وأصالة ألحانها وقربها من كل شرائح المجتمع لأنها انعكاس لصورته التراثية الحقيقية، فصدق التراث وأصالته أمر يجعلني أرفض كل أشكال تطويره لاعتقادي بأن هذا التطوير سيجعله يفقد الكثير من صدقه وعفويته ونكهته المميزة».

الباحث والمؤلف الموسيقي “زياد عجان” قال عنه: «أسس فرقاً على مستوى عالٍ في التمريض والشبيبة وحصل معها على جوائز مهمة وأحيا مهرجانات في مختلف أنحاء القطر وخارجه، دوره الأهم أراه في التدريس حيث إنه ساهم في خلق جيل موسيقي واسع الانتشار حالياً وكان صاحب فضل على الكثيرين من الفنانين أبناء اللاذقية في بداياتهم، لديه محاولات تلحينية ناجحة، بذل جهداً كبيراً لتطوير قدراته وأصبح واسع الاطلاع على التراث الموسيقي اللاذقاني، وعندما تحول إلى الغناء أدى بإحساس عالٍ وتمكن من تسجيل حضور هام في المسلسلات التلفزيونية من خلال مشاركاته الكثيرة فيها على صعيد تقديم الأغاني والموسيقا التراثية. له بصمة حقيقية على صعيد الموسيقا والغناء في اللاذقية وهو صاحب فضل وتاريخ سيذكر له لأجيال كثيرة لاحقة».

المحامي “زكريا أبو كانون” مهتم بالموسيقا قال: «”الزوزو” من أهم عازفي العود الذين مروا على اللاذقية، أبدع العزف بيده اليسرى وظل متميزاً بها، تميز بالألحان

تكبير الصورة
يتابع أغنية له على إحدى الشاشات العربية

التراثية وله باع طويل في التراث الموسيقي وقد حفظ ووثق تراث اللاذقية كاملاً، وأعطى خبرته ومعرفته للآخرين من خلال الدروس والدورات التي كان يقيمها والتي خرج خلالها عشرات الأجيال، حتى إن معظم الفنانين الموجودين على الساحة حالياً تتلمذوا على يده».

الجدير بالذكر أن الفنان “سمير الزوزو” لديه آلاف الطلبة الذين تعلموا الموسيقا والغناء على يده بين الشبيبة والتمريض والمنزل، وممن تتلمذوا على يده (حسام مدنية، هالة القصير، محمود وسوف، كنانة القصير)، كما أنه حاصل على جائزة تقدير من نقابة الفنانين وهي أعلى شهادة في سورية وقد نالها إلى جانب (أيمن زيدان، نجدت أنذور، دريد لحام).

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.