«تعدّ قصيدة الومضة نصاً شعرياً له أشكال مختلفة، يعبر عن روح العصر, وهي برقية رؤيويه تمثّل جوهر الشعرية من جهة، وتمثّل النص المضاد من جهة أخرى؛

إذ تشتمل على الصورة الشعرية المعقدة، والجمل الموحية المكثّفة التي تحيل على معان متعددة، والمشهد المسرحي، وتجنح نحو السردية» بهذه الكلمات بدأت محاضرتها الدكتورة سمر الديوب في مقر رابطة الخريجين الجامعيين بالتعاون مع جمعية العاديات بعنوان «شعرية الومضة»‏

سنقتطف أجزاء صغيرة منها: للومضة جذور في التراثين: العربي والعالمي، وقد عُرفت بتسميات مختلفة، ويعرّفها النقاد بأنها قصيدة قصيرة، مكثّفة، موحية، تترك أثراً يشبه الوميض في المتلقي، وتتميز بسماتها الأسلوبية كالتضاد، والمفارقة، والانزياح، وتمثل عالماً شعرياً غنائياً ودرامياً في آن، وتعدّ نصاً شعرياً، ونصاً مضاداً للشعرية في الوقت نفسه.‏

لم تعد الذائقة العربية تتقبل القصائد الطوال؛ ذلك أننا نسير في عصر السرعة، والتطور التقني، ولا بد من تغيير الأدوات الفنية, وقد أتت قصيدة الومضة؛ لتعيد للشعر جمهوره، لم تلق الومضة الاهتمام الكافي من النقاد, ولتقدم نفسها على أنها شكل القصيدة القادم.‏

فروقات‏

تقوم الومضة على الإدهاش البصري واللغوي، يجمعها الكثافة، والإيحاء، والقفلة المدهشة, وقد أوقع هذا الأمر بعض النقاد في خلط بينها وبين القصة القصيرة, لكن قصر القصيدة ليس مؤشراً على كثافتها، وتركيزها، ودرجة الإيحاء العالية فيها فالسرعة في تكثيف الجمل، والإيحاء العالي، والقفلة المدهشة أمور تميز الومضة من القصيدة القصيرة.,…‏

ويتعين على ما سبق أن كل ومضة قصيدة قصيرة، وليست كل قصيدة قصيرة ومضة، فالنظم القائم على الوميض يتعلق بالمعنى أو الفكرة، لا بالشكل.‏

وتبدو العلاقة بين الومضة والقصة القصيرة جداً علاقة استلاب لهوية كل طرف منهما على حساب الآخر من جهة التصنيف الأجناسي، فكلاهما يعتمد على آلية القص، واللعب اللغوي بوصفه عنصراً مهماً من عناصر الكتابة في النوعين معاً. كما يعتمد كلاهما على فتنة اللغة المجازية التي تجمع بين شعرية القص، والتكثيف، والإيماض.‏

الومضة بين التراثين العربي والعالمي‏

فنّ التوقيعات في الأدب العربي القديم، وهو فن يعتمد على الإيجاز والبديهة، مرتبط بأدب الرسائل في الأدب العربي القديم، نشأ في صدر الإسلام، فثمة رسائل سياسية كانت تُرفع إلى الخليفة تتضمن تظلماً، أو شكوى فكان يوقّع بمثل، أو حكمة، أو آية كريمة، أو حديث شريف، أو بيت شعري، أو جملة من إنشائه. وهي جملة مكثفة مركزة، تتضمن الحلّ، أو التوجيه للحل، وتحمل طاقة إيحائية، وتتمثل فيها حوارية الخطابات.‏

ويختلف فن التوقيعات عن الومضة من جهة أن التوقيع يندرج في سياق يتمثل في التواصل بين المرسل والمرسَل إليه وموضع الرسالة، أما الومضة فلا ترتبط بمكونات سياقية إلى أن يفكّ المتلقي رموزها.‏

ونجد شبهاً كبيراً بين الومضة والشطحات الصوفية القائمة على الجمل قليلة المفردات، المكتنزة فكرياً ودلالياً.‏

وليست قصيدة الومضة وليدة التراث العربي فقط، بل هي وليدة تمازج التراثين العربي والعالمي، فقد تحدث النقاد عن تأثرها بالهايكو، والتانكا اليابانيتين.‏

يعتمد الهايكو على النهايات المفتوحة، وتعني طفل الرماد، وفق مقاطع صوتية محددة العدد..‏

شعرية الرؤيا‏

قصيدة الومضة قصيدة رؤيا، تركز على فكرة شعرية، وتسعى إلى تناميها ببناء شعري خاطف ومفارق. فلا تقوم شعرية الومضة على الجملة الواحدة، بل على شعرية الرؤيا في إطارها البنيوي. فيرتقي الشاعر باللغة مشكلِّاً كلمات يرتفع مستواها الدلالي..‏

وتميزت المحاضرة بحضور نخبة مميزة من المثقفين بحمص, وبغنى وكثافة المعلومات التي طرحتها الدكتورة, قام عيسى اسماعيل بإدارة النقاش في نهاية المحاضرة.‏

أخيراً‏

الدكتورة سمر الديوب: باحثة وناقدة وأديبة لها العديد من الأبحاث والدراسات بموضوعات حديثة ومبتكرة, لها عشرة مؤلفات أهمها النص العابر ودراسات في الأدب العربي القديم وجماليات التشكيل الفني.‏

هي أول من نادت بإصدار دورية متخصصة لنشر كتابات النساء, وهي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة البعث وهي أول امرأة تحصل على هذا المنصب, حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في النقد الأدبي 2017.‏

http://thawra.sy/_View_news2.asp?FileName=51720980820181114213948