الأَعْشَى الأكْــبَرْ
570 ــ 629 م
المهندس جورج فارس رباحية

  أعشى قيس المعروف بالأعشى الأكبر : هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة الحصن بن عُكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنْب بن أفصى بن دُعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان . لقّــب والده قيس بقتيل الجوع وسُمّي بذلك لأنه دخل غاراً يستظِلّ فيه من الحَرّ ، فوقعت صخرة كبيــــرة من الجبل فسَدّت فتحة الغار فمات فيه جوعاً فقال فيه جهنام واســــمه عمرو يهجوه وكانا يتهاجيان :
أبوك قتيل الجوع قيس بن جندل  ***  وخالك عبدٌ من خماعة راضعٌ
وخماعة من أجداد أمّه ، وهي أخت المُسيّب بن علس وعنه حمل الشعر وكان راوية لخاله ولُقِّبَ شاعرنا بالأعشى الأكبر للتفريق بينه وبين بقية الشعراء الذين عُرِفوا بالأعشيين ، كأعشى تغلب وأعشى بني شـــيبان  ويُكَنّى أبا بصير تفاؤلاً وسُمّي بصــنّاجة العرب لما في شـــعره من رنين الموسيقى ، ولُقِّبَ بالأعشى لضعف بصره وعمي في أواخر عمــره . عاش عمــرا طويلا قيل تزوّج امأرأة من عنِزَة فلم يستحسن خلقها فطلّقها  وقال فيها :
 بيني حصان الفرج غير ذميمةٍ  ***  وموموقة فينا كذاك ووامقه
وذوقي فتى قومٍ فإني ذائقٌ  ***  فتاة إُناس مثل ما أنت ذائقه
لقد كان في فتيان قومك منكحٌ  ***  وشبان هزان الطوال الغرانقه
فبيني فإن البين خيرٌ من العصا  ***  وإلا تري لي فوق رأسك بارقه
وما ذاك عندي أن تكوني دنيئة  ***  ولا أن تكوني جئت عندي ببائقه
ويا جارتا بيني فإنكِ طالقه  ***  كذاك أمور الناس غادٍ وطارقه  
 أدرك الأعشى الإسلام ولكنه لم يُسْلــــــِم وبقي على نصـرانيّته . هو شاهر جاهلي من شـــعراء الطبقة الأولى ومن أصحاب المعلّقات العشر (1)  وُلِدَ الأعشى حوالي عام 570 م في قرية منفوحة القريبـــة من مدينـــــة  الرياض ــ أصبحت اليـوم جزءاً من مدينة الرياض ــ وكان من  وفيها داره وبها قـــبره وتقــع بجانب وادي العِرْض في إقليم اليمامة بأطراف هضبة نجد الجنوبية الشرقية . نشأ وترعرع في اليمامة . زار اليمـــن ونجــران وعدن والحجاز ثم انتقل إلى المشرق فزار البحرين والعراق ووصل إلى بلاد فارس، كما زار الـشام ورحـل إلى الحبشـة  تقرّب من ملوك الغسـاسنة  والمناذرة واليمن واختلط بالفُرْس والروم والأحباش واتصل بعظماء العرب آنذاك فأكرموه خوفاً من لسانه . أما عن وفاته فرويَ إنه لما كان على بعيره في وادي منفوحة ، رمى به بعيره فقتله سنة 629 م .
  إن رحلات الأعشى إلى الملوك والأمراء لم تصرفه عما ينبغي للشاعر الجاهلي من المشاركة في شؤون قبيلته والإخلاص لقومه وعشيرته فقد كان شاعر بكر وربيعة الذي يُسَجِّل انتصاراتهم ويُهاجم أعداءهم ، ويُؤرّخ وقائعهم مشيداً بأبطالهم مُنَدّداً بخصومهم .
  قال الشعر في قضايا عصره الجاهلي من حرب وصراع بين القبائل والمفاخرة في الميــــادين التقليدية ، وحوّل الموضوعات المتوارثة إلى لوحات فنيّة حديدة ، وحاول أن يُقاوم طغيان تقاليد الشعر الجاهلي ، فابتكر لنفْسه في شعر الخمر والغزَل . وهنا انطلقت قريحته وتفتّقت عن كثيــر من المبتكرات التي اعتبرت منطلقاً لفن الشـــــعر الخمري عند العرب . كانت مطالع قصـــائده صريحة في غزلها ، فهو لا يفتنه من المرأة إلاّ جسدها وأنوثتها ، وقصصه مع النســاء قصص اتصال وانفصال وإقبال وتمَتُّع .يعرض حبه للمرأة وإدمانه للخمرة وكأن ذلك هدفه للحياة ، فيُقبل على المتعة ببساطة تصل إلى حدّ السطحية وبموقف اللامبالاة . بأُســـلوبه المُمّيّز فقد أدخل على قصيدته حركة الحوار وتتابُع الصوَر ومواقف الجذب والنبذ بين الحبيبين ، فخطا خطوات كبيرة في فن الصياغة والبلاغة والتشبيه التصويري . واشتهر بالمديح والغزل ، وكان له أثر كبير في زمانه ، حتّى قيل إنه ما مدحَ أحداً في الجاهلية إلاّ رفعه .
  أطال الأعشى في شعر الخمر وفصّل ، وافتن في وصفها وقدّن لنا صوراً دقيقة رائعة لمجالسها في بيئات منوعة متباينة ، بعضها حضري مترف وبعضها ريفي ســــاذج ، واتّســـمت خمرياته بالسهولة والسلاسة والخلاعة وتدفّق العاطفة . ويُروى أن بعض ولاة اليمامة سأل عن دارة فدُلّ عليها وسأل عن قبره فأُخْبِرَ بأنه في فناء الدار ، فقصد إلى هذه الدار فوصل القبر فإذا هو رطب . فلما سأل عن سـبب رطوبته أُخْبِرَ بأن الفتيان يجتمعون حول القبر فيشـــــربون ، وقد جعـــلوه بالمجلس بينهم ، فإذا جاء دوره صَبّوا فوقه الكأس .
  لقد سُئِلَ يونس النحوي : مَنْ أشعر الناس ؟ قال : لا أُميل إلى رجـــل بعينه ولكني أقول : امرؤ القيس إذا غضب ، والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب ، والأعشى إذا طرب .
   وقال يحي بن سليم الكاتب :أرسلني أبو حعفر أمير المؤمنين بالكوفة إلى حماد الراوية أسأله عن أشعر الشعراء ، فأتيت باب حماد فاستأذنت بالدخول . فقال مَنْ أنت ؟ قلت يحي بن ســــليم رسول أمير المؤمنين . قال ادخل ، فدخلت وقلت له : إن أمير المؤمنين يسألك عن أشعر الناس فقال : نعم ذلك الأعشى صنّاجها .
مقتطفــــــات من أعمالــــه :  
1 ـ إن الأعشى ذكرَ في أول معلّقته قصته مع (هريرة )(2) ثم وصف الخمر وشرْبها ، ثم انتقل إلى وصف السفر وما نزل به في أثناء سفره ، وأخيراً هدّد في معلّقته ابن عمّه يزيد ابن مسـهر الشيباني ، وتقع المعلّقة بين 62 و 66 بيتاً حسب مصدر ورودها . وننشـر المعلّقة بـ 62 بيتاً وهي على وزن البحر البسيط :
ودع هريرة إن الركب مرتحل ***  و هل تطيق وداعاً أيها الرجل
غراء فرعاء مصقولٌ عوارضها  ***  تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل
كأن مشيتها من بيت جارتها  ***   مر السحابة لا ريثٌ و لا عجل
تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت  ***   كما استعان بريحٍ عشرقٌ زجل
ليست كمن يكره الجيران طلعتها  ***   و لا تراها لسر الجار تختتل
يكاد يصرعها لولا تشددها  ***  إذا تقوم إلى جاراتها الكسل
إذا تلاعب قرناً ساعةً فترت  ***  و ارتج منها ذنوب المتن و الكفل
صفر الوشاح و ملء الدرع بهكنةٌ  ***  إذا تأتى يكاد الخصر ينخزل
نعم الضجيع غداة الدجن يصرعه  ***   للذة المرء لا جافٍ و لا تفل
هركولةٌ ، فنقٌ ، درمٌ مرافقها  ***   كأن أخمصها بالشوك ينتعل
إذا تقوم يضوع المسك أصورة ً ***   و الزنبق الورد من أردانها شمل
ما روضةٌ من رياض الحزن معشبةٌ  ***  خضراء جاد عليها مسبلٌ هطل
يضاحك الشمس منها كوكبٌ شرقٌ   ***  مؤزرٌ بعميم النبت مكتهل
يوماً بأطيب منها نشر رائحةٍ   ***  و لا بأحسن منها إذ دنا الأصل
علقتها عرضاً و علقت رجلاً  ***  غيري و علق أخرى غيرها الرجل
و علقته فتاة ما يحاولها   ***  و من بني عمها ميت بها وهل
و علقتني أخيرى ما تلائمني ***  فاجتمع الحب ، حبٌ كله تبل
فكلنا مغرمٌ يهذي بصاحبه   ***  ناءٍ و دانٍ و مخبولٌ و مختبل
صدت هريرة عنا ما تكلمنا   ***  جهلاً بأم خليدٍ حبل من تصل
أ أن رأت رجلاً أعشى أضر به   ***  ريب المنون و دهرٌ مفندٌ خبل
قالت هريرة لما جئت طالبها  ***   ويلي عليك و ويلي منك يا رجل
إما ترينا حفاةً لانعال لنا   ***  إنا كذلك ما نحفى و ننتعل
و قد أخالس رب البيت غفلته   ***  و قد يحاذر مني ثم ما يئل
وقد أقود الصبا يوماً فيتبعني   ***  وقد يصاحبني ذو الشرة الغزل
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني   ***  شاوٍ مشلٌ شلولٌ شلشلٌ شول
في فتيةٍ كسيوف الهند قد علموا  ***   أن هالكٌ كل من يحفى و ينتعل
نازعتهم قضب الريحان متكئاً   ***  و قهوةً مزةً راووقها خضل
لا يستفيقون منها و هي راهنةٌ   ***  إلا بهات و إن علوا و إن نهلوا
يسعى بها ذو زجاجاتٍ له نطفٌ   ***  مقلصٌ أسفل السربال معتمل
و مستجيبٍ تخال الصنج يسمعه   ***  إذا ترجع فيه القينة الفضل
الساحبات ذيول الريط آونةً   ***  و الرافعات على أعجازها العجل
من كل ذلك يومٌ قد لهوت به   ***  و في التجارب طول اللهو و الغزل
و بلدةٍ مثل ظهر الترس موحشةٍ   ***  للجن بالليل في حافاتها زجل
لا يتنمى لها بالقيظ يركبها  ***   إلا الذين لهم فيها أتوا مهل
جاوزتها بطليحٍ جسرةٍ سرحٍ  ***   في مرفقيها ـ إذا استعرضتها ـ فتل
بل هل ترى عارضاً قد بت أرمقه   ***  كأنما البرق في حافاته شعل
له ردافٌ و جوزٌ مفأمٌ عملٌ   *** منطقٌ بسجال الماء متصل
لم يلهني اللهو عنه حين أرقبه   ***  و لا اللذاذة في كأس و لا شغل
فقلت للشرب في درنا و قد ثملوا   ***  شيموا و كيف يشيم الشارب الثمل
قالوا نمارٌ ، فبطن الخال جادهما   ***  فالعسجديةٌ فالأبلاء فالرجل
فالسفح يجري فخنزيرٌ فبرقته   ***  حتى تدافع منه الربو فالحبل
حتى تحمل منه الماء تكلفةً   ***  روض القطا فكثيب الغينة السهل
يسقي دياراً لها قد أصبحت غرضاً   ***  زوراً تجانف عنها القود و الرسل
أبلغ يزيد بني شيبان مألكةً  ***   أبا ثبيتٍ أما تنفك تأتكل
ألست منتهياً عن نحت أثلتنا   ***  و لست ضائرها ما أطت الإبل
كناطح صخرةً يوماً ليوهنها   ***  فلم يضرها و أوهن قرنه الوعل
تغري بنا رهط مسعودٍ و إخوته   ***  يوم للقاء فتردي ثم تعتزل
تلحم أبناء ذي الجدين إن غضبوا   ***  أرماحنا ثم تلقاهم و تعتزل
لا تقعدن وقد أكلتها خطباً   ***  تعوذ من شرها يوماً و تبتهل
سائل بني أسدٍ عنا فقد علموا   ***  أن سوف يأتيك من أبنائنا شكل
و اسأل قشيراً و عبد الله كلهم   ***  و اسأل ربيعة عنا كيف نفتعل
إنا نقاتلهم حتى نقتلهم   ***عند اللقاء و إن جاروا و إن جهلوا
قد كان في آل كهفٍ إن هم احتربوا   ***  و الجاشرية من يسعى و ينتضل
لئن قتلتم عميداً لم يكن صدداً   ***  لنقتلن مثله منكم فنمتثل
لئن منيت بنا عن غب معركةٍ    ***  لا تلفنا عن دماء القوم ننتقل
لا تنتهون و لن ينهى ذوي شططٍ   ***  كالطعن يذهب فيه الزيت و الفتل
حتى يظل عميد القوم مرتفقاً   ***  يدفع بالراح عنه نسوةٌ عجل
أصابه هندوانٌي فأقصده   ***  أو ذابلٌ من رماح الخط معتدل
كلا زعمتم بأنا لا نقاتلكم   ***  إنا لأمثالكم يا قومنا قتل
نحن الفوارس يوم الحنو ضاحيةً   ***  جنبي فطيمة لا ميلٌ و لا عزل
قالوا الطعان فقلنا تلك عادتنا  ***   أو تنزلون فإنا معشرٌ نزل
قد نخضب العير في مكنون فائله   ***  و قد يشيط على أرماحنا البطل

2 ـ قال الأعشى يفتخر ، من بحر الطويل :
أجُبيرٌ هلْ لأســــيركم من فادي  ***  أم هل لطــالبِ شقّة من زادِ
أم هل تنهنهُ عبرةٌ عن جـــارِكمْ  ***  جادَ الشؤون بها تَبُلّ نِجادي
إنّي امرؤُ من عصبة قيســـيّةٍ ،  ***  شُمِّ الأنوفِ ، غرانقٍ أحشادِ
والشاربينَ إذا الذوارعُ غُوليَتْ  ***  صفْوَ الفضالِ بطارفٍ وتلادِ
والضـامنينَ بقومهم يومَ الوغى  ***  للحمد يومَ تنـــازلٍ وطـــرادِ
كم فيهم منْ فارسٍ يــوم الوغى  ***  تُقْفِ اليدينِ يهِلّ بالإقصــــادِ
جرياً يلوذُ رِاعُها من ضُــرّها ،  ***  بالخيم بين طوارفٍ وهوادي
من كلّ ســابحةٍ وأجــــرَدَ سابحٍ  ***  تردي بأسدِ خفيةٍ ، وصــعادِ
إذْ لا يـرى قيسٌ يكونُ كقيســـنا  ***  حسباً ، ولا كبنيهِ في الأولادِ
3 ـ وقال يمدح الأسوَد بن منذر اللّخمي ، من بحر الخفيف :
أنتَ خيرٌ من ألفِ ألفٍ من القــو ***  مِ إذا ما كبَتْ وجوهُ الرّجـــالِ
فأرى منْ عصاكَ أصبحَ مخذو  ***  لاً ، وكعبُ الذي يُطيعُكَ عَالي
كلَّ عـــامٍ يقـــودُ خيلاً إلى خيـ  ***  دينَ دِراكـــاً بغَزْوةٍ وصِـــيالِ
لنْ تزولــــوا كذلكمْ ، ثمّ لا زلـ  ***  تَ لهمْ خـــالداً خلودَ الجبــــالِ
4 ـ وهنا يمدح إياس بن قبيصة الطائيّ هو من سادات طيء قرّبه كســــرى و ولاّه على عين التمر وأقطعه ثلاثين قرية على شاطئ الفرات ، ولما مات عمرو بن هند ولاّه الحيــرة إلى أن جاء النعمان بن المنذر ولما قُتل النعمانعيّنه ملكاً على الحيرة ن وجعله قائد جنده بمعركة ذي قار ( 610 ) م ، والقصيدة من بحرالطويل :
تؤمّ إياســـــاً ، إنَّ ربّــــي أبى لـــهُ  ***  يد الدهرِ إلاّ عِـــزّة وتكرُّمـــــا
نمــــاهُ الإلهُ فــــوقَ كــلّ قبيــــلةٍ ،  ***  أباً فأباً ، يأبى الدنيّــــة أينمــــا
ولم ينتكــــِسْ يوماً فيظلمَ وجهـــــهُ  ***  ليركبَ عجْزاً أوْ يُضارِع مأتمِا
ولو أنّ عز الناسِ في رأس صخرةٍ  ***  مُلملمةٍ تعيي الأرحَّ المخدَّمــــا
لأعطاكَ ربُّ الناسِ مفتـــــاحَ بابها  ***  ولو لم يكنْ بابٌ لآعطاكَ سلّما
ولم يدعُ ملهـوفٌ من النــــاس مثلهُ  ***  ليدفعَ ضَيْماً ، أو ليحملَ مَغْرَما
5 ـ وقال يمدح النعمان بن المنذر ، من بحر الطويل :
أترحـــلُ من ليلى ، ولمّـــــا تزوّدِ  ***  وكنتَ َكمنْ قضّى اللُّبانةَ من دَدِ
أرى ســـفهاً بالمـــرءِ تعلـــيقَ لبّهِ  ***  بغانيةٍ خـــودٍ ، متى تدنُ تبـــعدِ
إلى ملِكٍ لا يقطـــعُ اللّيــــلُ هَمَّهُ ،  ***  خُروجٍ تَروكٍ ، للفراشِ المُمَهَّدِ
فما وجدَتْكَ الحربُ ، إذ فُرّ نابُـــها  ***  على الأمرِ نَعّاساً على كُلّ مرْقَدِ
ولكنْ يشـبّ الحربَ أدنى صلاتها  ***  إذا حركوهُ حشَّها غيرَ مبـــــردِ
لعمرُ الذي حجتْ قريشٌ قطينـــــهُ  ***  لقد كدتهمْ كيدَ امرئٍ غير مسندِ
ترى الأدمَ كالجبـارِ والجردَ كالقنا  ***  موهبــــةً منْ طـــارفٍ ومتلَّـــدِ
فلا تحســــبني كافراً لكَ نعمـــةً ،  ***  عَليَّ شهيدٌ شاهدُ الله ، فاشـــــهدِ
ولكنّ من لا يبصرُ الآرضَ طرفه  ***  متى ما يشعهُ الصّحبُ لا يتوحدِ  
6 ـ وها هو يصف الخمرة  بكأسٍ كعين الديك :
 وَكَأسٍ كَعَينِ الديكِ باكَرتُ حَدَّها *** بِفِتيانِ صِدقٍ وَالنَواقيسُ تُضرَبُ
كُمَيتٍ عَلَيها حُمرَةٌ فَوقَ كُمتَةٍ *** يَكادُ يُفَرّي المَسكَ مِنها حَماتُها
وَرَدتُ عَلَيها الريفَ حَتّى شَرِبتُها *** بِماءِ الفُراتِ حَولَنا قَصَباتُها
لَعَمرُكَ إِنَّ الراحَ إِن كُنتَ سائِلاً *** لَمُختَلِفٌ غُدِيُّها وَعَشاتُها
لَنا مِن ضُحاها خُبثُ نَفسٍ وَكَأبَةٌ *** وَذِكرى هُمومٍ ما تَغِبُّ أَذاتُها
وَعِندَ العَشيِّ طيبُ نَفسٍ وَلَذَّةٌ *** وَمالٌ كَثيرٌ غُدوَةً نَشَواتُها
عَلى كُلِّ أَحوالِ الفَتى قَد شَرِبتُها *** غَنِيّاً وَصُعلوكاً وَما إِن أَقاتُها
أَتانا بِها الساقي فَأَسنَدَ زِقَّهُ *** إِلى نُطفَةٍ زَلَّت بِها رَصَفاتُها
وُقوفاً فَلَمّا حانَ مِنّا إِناخَةٌ *** شَرِبنا قُعوداً خَلفَنا رُكَباتُها

7 ـ ومن شعره هذه القصيدة التي كانت تُغَنّى للوليد بن يزيد فيستعذبها ويشرب عليها حتى يسكر فقال :
بَكَرَ العاذِلونَ في وَضَحِ الصُب *** ح يَقولونَ لي أَما تَستَفيقُ
وَيَلومونَ فيكِ يا اِبنَةَ عَبدِ الْ *** له وَالقَلبُ عِندَكُم مَوثوقُ
لَستُ أَدري إِذ أَكثَروا العَذلَ فيها *** أَعَدُوٌّ يَلومُني أَم صَديقُ
وَدَعَوا بِالصَبوحِ يَوماً فَجاءَت *** قَينَةٌ في يَمينِها إِبريقُ
قَدَّمَتهُ عَلى عُقارٍ كَعَينِ الد *** ديك صَفّى سُلافَها الراووقُ
مُرَّةٌ قَبلَ مَزجِها فَإِذا ما *** مُزِجَت لَذَّ طَعمُها مَن يَذوقُ
وَطَفا فَوقَها فَقاقيعُ كَاليا *** قوتِ حُمرٌ يَزينُها التَصفيقُ

8 ـ كانت المرأة متحجّبة في الجاهلية لا يظهر منها إلاّ وجهها وأجزاء قليلة من جسمها فيقول الأعشى :
لم تمشِ ميلا ولم تركب على جمل  ***  ولا ترى الشمس إلاّ دونها الكلل
                               ============
ظبية من ظباء وجرة أدماء  ***  تسف الكباث تحت الهدالِ

1/1/2014                                                        المهندس جورج فارس رباحية 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المفــــــردات :
(1)  ـ المعلّقات : إن تسميتها بالمعلّقات أو المُذَهَّبات أو السُّموط ( العقود ) فمختلف فيه ، إذ قال بعضهم  أنّ العرب لشدّة إعجابهم بها ، كتبوها بمــــاء الذهب ، وعلّقوها على جدران الكعبة   فَسُمِّيت بذلك المُعلَّقات أو المُذهّبات ونفى بعضـهم تعليقها على جـــــدران الكعبة وزعم آخرون أنّ حمّاداً الراوية  هو الذي جمع القصـــائد الطِّوال، وقال للناس : هذه هي المشهورات وقال آخرون إنّها سُمِّيَت بذلك لأنها من القصائد المســتجادة التي كانت تُعَلَّق في خزائن الملوك . والراجح اليوم انها سُمِّيَت أيضاً بالمعلَّقات لتشبيهها بالسّــــموط ، أي العقود التي تُعَلَّق بالأعناــــق ، وقد سُمِّيَت أيضاً بالمذهّبات لأنها جـــديرة بأن تُكْتَب بماء الذّهب لنفاستها . والمعلّقات هي من أجمل صور الشعر الجاهلي وأعذبه وكـــان ( حماد الراوية ) أوّل من جمعها في أواخر عصر بني أميّة في الشــــــــام ( 660 ـ 750 ) م وأواخر العصـر العباسي ( 750 ـ 1258 ) م وأصحاب المعلّقات هم : امرؤ القيس ـ طرفة بن العبد ـ زهير بن ابي سّلمى ـ لبيد بن أبي ربيعة ـ عمرو بن كلثوم ـ عنترة بن شدّاد ـ الحارث بن حلزة ـ النابـــغة الذبياني ـ الأعشى الأكبر ـ عبيد بن الأبرص .
(2)  ـ هريرة :هي أمة سوداء من بني القَين ( قبيلة عربية فرع من قضاعة ) كانت لبشر بن عمرو بن مرثد وكانت تغني له وقدم بها إلى اليمامة عندما هرب من النعمان .
المصــــــادر والمـــــــراجع :
ـــ الأعشى الأكبر : فؤاد افرام البستاني ، سلسلة الروائع ، بيروت ، 1927
ـــ ديوان الأعشى الكبير : م . محمد الحسين ، بيروت 1950
ـــ ديوان الأعشى : المصدر كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني
ـــ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973
ـــ شرح القصائد العشر : الإمام الخطيب التبريزي
ـــ شرح المعلّقات العشر : الإمام أبو عبد الله وتحسين الحسين . بيروت 1983

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.