تعلمت ان ابحث عن بعض المواقف التي تسطر لنا ماهية افكار لكي اكتب عنها، وبما ان ابحث بمناسبة وحقبة تاريخية عشتها بحذافيرها واستطعمت مذاقها،ابحرت في تاريخ نهضة فكرية اقرأها من خلال تجربتي الشخصية بانطلاق محمد صادق الصدر الذي الهم الكثير من الاجيال الاولى لنهضته. معاني لا تتكرر مطلقاً،فتسابقت افكاري مع كلماتي باحثةً عن مستقراً لها، فذهبت بمخيلتي بعيداً عن هذا الرجل وقد انطلقت من موقف له روعة جمالية ذات معاني خلابة في عالم الفن؛ وهو اهتمام الشهيد الصدر بالفن،فتجسدت صور محمد الصدر بذلك الوقت معنى ظاهرة لانها كانت تُحدث الناس بما لا يمكنهم رؤية انعكاسه على صورهم في كثير من المواقف فكانت هذه الصور، درس معمق بعلم الادارك العصبي الذي عاشته مدرستيين مدرسة ذائبة بفكر الرجل بحثاً وتدقيقاً ومطالبته بالمزيد، وبين مدرسة العناد والوقوف على اقل السكنات ليختلق منها ثغرة يجعلها مدعاة شك وظن، وبين هذه وتلك انطلقت عدسة رجل عشق الكاميرا وعاش معها اغلب ايام حياته فجسد اجمل واروع لقطات عاشها الصدر بمحراب الفكر وهو محراب “صلاة الجمعة” في مسجد الكوفة هذه الجامعة التي كانت تزهو بحلقات العلم والتي انطفأ نورها بعد استيلاء اهل العتمة والقلوب السوداء على مداخلها ومخارجها. وبما أن التقليد الماورائي للصورة يحمل الكثير من جسد الصور الذاتية والمواقف النادرة التي يصعب ان توصف بمدارج اهل الفن والعدسات وما يسمى بالعلم الحديث الفوتغرافي فقد دخلت الصورة الضوئية مدخل عميق ومخيف لايجعل من الصورة انعكاس لحالة بل انعكاس لواقع يعيشه صاحب العدسة من خلال اللقطة.
فما حدث في الماضي القريب عندما جسد لنا (ابو حيدر المصور) وكما يحب ان ينادوه اصعب الصور في احلك المواقف. فالمعالم الاساسية لتجسيد هكذا احداث تحتاج الى دراية بما يصنع المرء وخصوصا عندما تصور وتطبع وتوزع صور لشخصية هي محكومة عليها بالإعدام في بداية ظهورها. ومن اهم المجموعات التي كانت تتحرك بها الصور هذه هي الحلقات الزائفة التي تجسدت بمفصليات التصوير الفوتوغرافي انذاك حيث صعوبة التداول والطبع والتوزيع. وأنا شخصياً اعتبرها هي من اهم واول المحاولات الواقعية لمجارات السلطة انذاك حيث كانت الصورة الوحيدة التي يسمح لها ان تعلق وتظهر هي صورة القائد الضرورة صدام حسين. فقد كانت لهم هياكل عيون صلبة لا يستطيع احد اختراقها وهم من زحفوا الى انعم وارق مفاصل حياة الانسان، وهي حفلة الزفاف حيث كان يشترط في كل مكان ان تعلق صورة صدام حسين في صحن الائمة الاطهار وفي قاعات الدراسة وفي البيوت مما جعل للصورة لها دلالة غريبة في المجتمع العراقي. فمنذ انطلاق نهضة الصدر قدس سره انطلقت معه مفاهيم كانت مسكوت عنها بل كانت من المسلمات في ديوان المؤسسات الدينية ولا يجرأ احد على اختراقها الا من كانوا يعيشون الاعداد والتنويع في طرح ما هو يضرب النعش السلطوي في عقر دائره بدراية ومعرفة ومنها كانت صور المراجع الدينية حيث كنا نشهد صورة واحدة للسيد الخوئي ، تتداول عند الخاصة هنا وهناك او صورة لسيد عبد الاعلى السبزواري ، فانطلقت موجة من التنويع في الاحجام كما لم يحدث من قبل على هكذا انطلاقة وهي صور سماحة السيد محمد الصدر مع طلبته ومع أولاده مما أثار حفيظة السلطة وبدت بمحاربتها ، حيث يذكر لي احد الضباط في الامن العامة قد اتى كتاب معنون من رئاسة الجمهورية ويُلزم تنفيذه خلال 24 ساعة من استلامه على جميع السيطرات تفتيش المحفظات الشخصية لجميع الشباب لمنع اقتناء صور الشهيد الصدر. فعندما وصلت الحالة الى أكثر تعقيدا وجعلت بدرجات استثنائية لدى السلطة بتفحص مدخلات ومخرجات قصاصات الاوراق لدى المصورين ، لوحظ انواع من العقاب لم يسبق له نظير! وهو الحكم بالاعدام على من يقتني صور قالوا عنها تشوه صورة النسيج الاجتماعي وتفتيت وحدة المجتمع العربي المسلم والمقصود بها وهي: صور السيد الصدر قدس سره تحديداً. فانطلقت حملة لدى الشباب الواعي في ذلك الوقت بنشر صور كافة العلماء للحد من تاثير القرار السلطوي. حيث ذكر مدير امن السيدية الى احد المعتقلين من الاحبة من يكون هذا المخلوق الذي يسمى محمد الصدر؟ والاشارة الى المخلوق هو يعني بها حالة من الغضب المبطن بالرهبة التي يراد بها الاستخفاف ولكنه صدق فقد نطق بحقيقة مخلوق تجسد من خلال بعض اللقطات من كاميرا صاحبنا المصور ابو حيدر السراي الذي اخترقت مكتب مدير أمن السيدية والكاظمية آنذاك .
صور غيفارا ومحمد الصدر نموذج لصورة ولكن بعدة معاني !
صورة المناضل تشي غيفارا التي التقطتها عدسة المصور البيرتو كوردا ، وهو الذي كان يعرف بالمصور الفاشل ومصور الموديل ولكن ، عندما وضع اصبعه على نقطة ارتكاز الكاميرا جسد لقطة عاشت بيننا من 5-3-1960 الى يومنا هذا ، وهي نتيجة لخطاب الرئيس بمناسبة سقوط عشرات الجنود والعمال بميناء هافانا أثناء انفجار سفينة الشحن (لا كوبري) التي أتت من ميناء بلجيكي ، حيث كان غيفارا بعيدا عن الانظار يتألم ويتفكر بما حدث وكيفية الرد على هذا العمل؟ ولكن خرج لكي يؤكد وجوده بين الجماهير ولم يظهر غيفارا في جميع الصور إلا لقطتين تفرق الاولى عن الثانية خطوة واحده جسدت لنا عمق رؤية الحزن والتفاعل الواقعي مع الحدث لهذا القائد.
وموضوعي اليوم أيضا صورة مناضل كسر حاجز الخوف وتكلم في أعتى قلاع الدكتاتورية والإجرام ، اسس الى اقتلاع مملكة الخوف من الانسان العراقي مملكة الحديد الشؤم مجازر الفضيلة والرضوانية وأبو غريب مقاصل صدام حسين ، لقطات تجسدت بها معاني كثيرة حيث اصبح اقتناها يعد جريمة تصل عقوبتها الى الاعدام كما ذكرنا سلفا.
كان يعرف مصورها لحظة ضغطه على زر الكاميرا التي بين يديه ستدخله هذه الصور الى السجن والتشريد عكس المصور الكوبي الذي كان لا يعرف أن صورة المناضل غيفارا ستجعله أشهر مصورين العالم اليوم ، لا زالت صورة غيفارا للمصور البيرتو كوردا أشهر الصور،وصورة المناضل محمد محمد صادق الصدر للمصور كرم السراي هي أندر الصور من بين حقبها التاريخية لعدة اسباب سوف نذكرها بتجرد .
أتكلم اليوم عن صورة المناضل محمد الصدر ليس لغرض يذكر،بل لإنصاف عدسة فنان جسد لنا تاريخ جهادي نكره اهله اليوم ،انطلاقا من أكثر الصور نجاحا وابلغها تأثيرا على الشريحة المنتمية او الغير منتمية لهذا العلم النضالي! وهي تفوز بمهرجانات يقيمها البعض هنا وهناك،وحين تفوز يقول فازت بالجائزة الاولى الصورة الفلانية أي الاشارة الى وقتها او تسميتها ولا يقولون صورة المصور كرم السراي التي التقط فيها صورة رجل أصبح بعد حين رمز الثورة ورمز للفكر الحر ورمزا للحركات التي تريد أن تنهج لتغيير نظام لها.
صورة محمد الصدر التي توضع بمداخل المدن والمكاتب والشوارع وعلى اللافتات والقمصان باعتبارها صورة رمز الانتماء العقائدي أو الوجداني شكلت منعطفا بالصحافة الثورية لأنها كانت تطبع وترسم وتوزع سرا،وهي التي منعت من التداول في العراق مثلما منعت صورت المناضل غيفارا حيث رفضت الصحافة الكوبية نشرها لسبعة أعوام بعدما قام بنشرها دار نشر إيطالي وحقق من خلال نشرها ثروة مالية له ولمصورها. ولكن كرم السراي الذي التقط صور التأثير وعاش محاكاة ملابسات التقاطها أوصلته الى السجن والتهجير ليس في زمن الطاغية فحسب لا بل حتى في زمن الاحتلال الامريكي ألذي كان يبحث عن هكذا مسميات لمعرفتهم الرصينة بمستوى الصورة.
لقد عمل كرم السراي كثير من الاعمال من اجل لقمة عيش كريمة ولكن أحتضن الكاميرا في بداية انتمائه الى خطوط التغيير في النضال ضد صدام حسين .
وبعد إسقاط السلطة في بغداد لم يعين كرم السراي في اي قنوات تختص بالشأن الصحفي او التصوير الفوتوغرافي مثلما عين المصور البيرتو كوردا في أحد اكبر المؤسسات الاعلامية .
فقد كان ولا زال كرم السراي صاحب أشهر لقطات و صور لشهيد الفكر محمد الصدر ولا زال مصور يصور كل شئ،بدأً من المسيرات الراجلة في الشوارع المتجهة الى كربلاء وغيرها من المناسبات ويصور المحتجين والمنتفضين الصغار،الكبار والزهور. كما يعبر لي في احدى محادثته لي”كل شئ في هذا الكون صورة” ،باحثا عن لحظته التصويرية فذهبت عدسته الى تلقائية محمد الصدر التي كان يُعرف بها،وتحركاتهُ البعيدة عن الاصطناع فرسم له بشعاع العدسة انسجاما مع ضوء شيبته الكريمة وعيناه التي تلألأت الى أدق اللحظات التي لا تُنسى.
كرم السراي يتذكر حذافير تفاصيل التقطاهُ لهذا التاريخ الذي لا يُمحى من ذاكرته ولا ذاكرة الاجيال. فلقد وضع بصمة رسالته التصورية بهذه اللقطات ليؤسس أجيال تعترف بالحب والمعرفة التي قدمها محمد الصدر من فكر وروح جهادية قل نظيرها.
لقد دونت عدسة كرم السراي بهذه اللقطات المعرفة ، الفكر ، التقوى والمرحلة الزمنية. فقد كان الأمر حسب قوله “قضية مؤمن بها تستحق الموت من أجلها”! ويقول المصور البيرتو كوردا مصور غيفارا انها مجرد صدفة وحسن حظ كبيرين.
فقد شاهد كرم السراي بريق هرمون المهنية وقوة حزم اتخاذ القرار حينما رأى الألم والغضب والإيمان والصدق والتلقائية تجلت بنظر عيون محمد الصدر. ومن حيث أن الصحافة الكوبية اهتمت بنشر صور غيفارا بعد اغتيال الجيش البوليفي له عام 1967 ، حيث أصبحت تمثل صورة الثورة لدى الكثير من الشعوب حيث تم استثمارها تجاريا بأفضل الاستغلال التجاري والمعنوي فدرت على ملتقطها الملايين.
ولكن صور الشهيد المناضل محمد الصدر قدس سره لم تجني لكرم السراي شيئاً مادياً يذكر على ارض الواقع ، ولكن تركت له ألم عدم الاعتراف والتجاهل من قبل الكثيرين لملكيته لهذه الصورة!
وهنا سؤال لا أعرف من يُجيب عليه ولو قمت بالإجابة عليه لا يسعني إلا أن اقول المثل العراقي الشهير مثل السمك (مأكول مذموم) واعززه بقول الشهيد الصدر”من الذي صور هذه الصور حبيبي؟” أذن سماحته بدا السؤال عن ملتقط الصور وكأني به يقول اعطوا حقوق النشر والتداول محفوظة لهذا الرجل.
وهنا اتوجه الى جميع المؤسسات الاعلامية ومن يقتني هذه الصور اعطوا الرجل حقه بذكره بالخير عندما تشاهدون هذه اللقطات من الخطبة 43 و 44 ، وعتبي ايضا على مكتب الشهيد الصدر حين يقومون معرض سنوي لصور سماحة الشهيد الصدر وتفوز لقطات ابو حيدر المصور ولا يذكرون إلا فازت الصورة الفلانية!
يجب ويجب عليكم ان تسموا صاحب هذه الصور لا بل يجب أخذ الاجازة منه اخلاقيا وشرعيا لنشر او توزيع هذه الصور وخصوصا الفضائيات التي تغنت بشهادة الشهيد الصدر وقد ثبتت صور هذا الرجل على اعلى شاشاتها. اين انتم من حقوق النشر والتداول الفكري لصاحب هذه العدسة؟
وسؤالي هو: لماذا التجاهل لهذا الشخص وهل ورائه قصد ما او انها سذاجة؟ وقلت معرفة ولكن بكلمة اخيرة اقولها:
المعرفة هي ادراك حقيقة الشئ والتكرار هو الاقرار اللاحق للأمر وهو الا موافقة مسبقة عرفاً بما تصنعون بأنكم تبخسون الناس اشيائهم .