التشكيلي العراقي محمود شبر ينقل بلوحاته ما يجري على أرض الدم

حكايا» في معرض «فا جاليري»
التشكيلي العراقي محمود شبر ينقل بلوحاته ما يجري على أرض الدم
2014/11/29 06:38 م

الوجوه التعبيرية وحركة الجسد تتسم بالسكون بضربات ريشة تختفي مرة وتظهر مرات

لوحات مختلفة الاحجام بألوان الزيت والأكريلك «حكايا» أحداث ساخنة بتعبير حسي ورمزي عال مستواه

كتبت ليلى احمد:

كان حضور التشكيلي العراقي محمود شبر قويا في «فا جاليري» على الرغم من غيابه الجسدي والمادي الذي حال دون حضوره لمعرضه المقام بالكويت هذه الأيام، روتين الرفض لكل ما هو عراقي.
على الرغم من ان البلاد اعتمدت وجود سفارة عراقية بالكويت، والعلاقات على المستوى الرسمي جيدة، وتتصف بحسن الجوار، الا ان رفض زيارة الفنان العراقي لكونه حاملا لجواز سفر عراقي تشير الى انتكاسة وتذبذب لدى بعض العقول الادارية في الحكومة الكويتية.
أطل شبر عبر لوحاته «حكايا» مادا يده بالتصافح ليقدم نفسه فكرته وهويته واسلوبه الفني الذي اختاره طفوليا في حين، حرا تعبيريا ورمزيا في حين آخر، محاولا الوشاية بعدم عكس الاجواء السوداوية على لوحاته، ولم ينجح في ذلك كثيرا، فالدم المراق اليومي حاضرا بقوة.

الجوهر

الوجوه التعبيرية وحركة الجسد في «حكايا شبر» تتسم بالسكون بضربات ريشة تختفي مرة وتظهر مرات، في حالة هدوء وصمت في جوهرها تحمل الكثير من اللغات عن مآسٍ مازالت حاضرة تحول العراق الحبيب بكل مكوناته الى فواجع الفقد والموت اليومي المجاني.
ولان «الحكايا» تتجمع خيوطها بعيون شبر وحواسه، عمل لها توليفة مجدولة كما الضفيرة المترفة بالمعنى، بعناصر اللون والكتلة والخطوط والحسية العالية فكانت حكاياته «حكايا» زمن هو شاهد عليه حاضرا أمامنا في «فا جاليري».

صادم

واقع يصدمك بوجوه وتكوينات محايدة، والمنتظرة قدرها، قطع الاثاث البسيط، آله بيانو، سلم هناك، وجسدين يتراقصان يتلون الرجل باللون الاحمر، وراقصته بلون بيج، وحركة جسد بطيئة وان تشكلت في تصاوير مختلفة الا ان الغلال الرمادية تحيطها وتحاصر باللون الاسود المتدرج، يظهر ثمة قلق باطني بضربات ريشته المتواترة على سطح اللوحة، في الزمن والمكان والشخصيات والاشياء، الا ان ثمة حياة نابضة بالحياة وعالية الحسية التعبيرية.

عازفة البيانو

«ليلة الاحتفال» تقسم اللوحة لنصفين عازفة البيانو في لون برتقالي بهيج، فيما ضيوف الحفل منتظرون بحركة جسد ربما توشي بملل الانتظار تحت لون غامق، يضيء به الوان الثياب بألوان الاصفر والازرق، جسد عازفة البيانو كقوة وجود في الحياة اكبر من آلة البيانو، واختيار هذه الالة الموسيقية بدلا من آلة العود المرتبطة بذاكرة العراقيين وشكلت وجدانهم، تكررت في اللوحات ربما هي حالة اغتراب يعيشها العراقي الذي يتدخل جميع من خارج الوطن على التهام مقدرات العراق كشعب ووطن.
تفاصيل مختلفة سواء بالخطوط الحادة أو التكوينات اللونية التي تربط أسس البناء، غنية بحياة معاشة، اغلب اللوحات مكتظة بصور وتكوين لوني كابي او مبهج لكنها تدل على انعكاسات رهيفة في الحس لدى محمود شبر احيانا يأخذك «غياب» النسب في التكوينات باللوحة، ككبر حجم الرأس، وصغر بعض الأقدام، تدرك انها حالة تعبر عن العجز في الحركة، فيما تتعدل في لوحات أخرى كوجود انساني اقوى، وجوه متعددة الالتفاتات وخوف كامن في العينين، ثمة توحش وقوة في التعبير كما في لوحة «البيت القديم» شخصان وكراكيب طاولات وسجادة ملونة من الكليم، وجسد رجل يتهاوى في المستوى الاول من اللوحة وسيارات يبدو انها مفخخة بالموت.

ضربات الريشة

لوحات مختلفة الاحجام، وبألوان الزيت والأكريلك «حكايا» أحداث ساخنة تجري وقائعها على ارض الدم، طاقة تعبيرية هائلة بحسية ورمزية عالية المستوى، نقلات ضربات الفرشاة اللونية المتضادة والصادمة وتوتر في وجوه وحركات شخوصه، على ايقاع موسيقي متناغم، حتى وهم في سكناتهم، تراه واضحاً ومعبراً عن قلق داخلي.
داخل كل انسان طفل صغير، مهما ثقل القناع، ففي لوحه لـ«مهرج» هو الضاحك ابدا على الرغم من قلبه الحزين، المتألم تكرر في اكثر من لوحة وله انعاكسات من رحم يوميات العراق فهو يسير على حبل مشدود ورقيق، الى جواره يدان ممدودتان لتحول دون وقوعه، واخر ينظر للحظات الموت المحتمل بحياد، فيما ثالث يدير ظهره غير مبالٍ، تكوينات مختلفة والوان بين العتمة والاحمر والرمادي والبيج والازرق كلها تعبر برمزية عن مشاعر حية.
محمود شبر، اسم يطرح اسئلة كونية لمواضيع عصرية، لا يعطي ظهره لواقعه انما يذهب اليه لتلتقط حواسه ما يؤلب المشهد، حالما بحرية وصفاء وحالة انسانية لعاديات اليوم دون…دم!

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.