ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏منظر داخلي‏ و‏لقطة قريبة‏‏‏‏
تمت مشاركة ‏منشور‏ من قبل ‏‎Fareed Zaffour‎‏.

Saad Alkassem

نذير نبعة.. الإنسان والفنان المعلم
إضاءات
الثلاثاء 23-2-2016
سعد القاسم
مع أن المرض صار شريك حياته منذ سنوات كثيرة، فإن التماسك الذي أبداه خلالها جعل فكرة الموت تنأى عن محبيه الكثر، فقد استمر حتى أيامه الأخيرة أميناً لنشاطه الإبداعي، وحضوره المفعم صدقاً ومحبة ومعرفة وعطاء. لم يكن نذير نبعة مجرد فنان كبير، وإنما علماً في الثقافة الوطنية والعربية، ومعلماً لأجيال من الفنانين.
حين سئل في ندوة عن بدايات سيرته الإبداعية قال: معلمي الأول بستان جدتي (أم محمود) في إشارة إلى الفسحة الخضراء الكائنة يومذاك في قرية المزة، وما صار اليوم واحدة من مناطق دمشق السكنية الحديثة الأنيقة، حيث بدأت مغامرته الأولى مع الخطوط والألوان، لتقدم عبر سنواتها التالية واحدة من حالات بالغة الخصوصية والأهمية في المشهد التشكيلي السوري، أما بالنسبة لكثير من الحضور في تلك الندوة، وبعضهم قد صار اسماً علماً على الساحة التشكيلية السورية، أو شاباً مجدداً يعد بالكثير، فإن نذير نبعة هو أحد أميز أساتذتهم، و أحد أقربهم إلى قلوبهم، تعلموا منه الكثير حين كانوا شباباً، وظلوا بعد أن تخطوا مرحلة الشباب، يحفظون في أعماقهم احتراماً وتقديراً غير عاديين لروح المبدع فيه، ولنبل الإنسان..
ولد نذير نبعة في دمشق عام 1938،ونال الشهادة الثانوية فيها عام1959 حيث كانت موهبته الفنية قد أعلنت عن نفسها بوضوح منذ مشاركته عام 1952 بلوحة مائية في المعرض السنوي، وهو لم يزل في الرابعة عشرة من عمره، فأوفد إلى القاهرة للدراسة في كلية الفنون الجميلة فيها بعد أن نجح في مسابقة للحصول على منحة مقدمة من وزارة التربية، وليتخرج عام1964 بمشروع عن عمال مقالع الحجارة، نال عليه درجة الامتياز،و لفت الانتباه إلى موهبته، وبراعته، وقدرته على تطوير معارفه البصرية..وبعد عودته إلى سورية كلف بإنجاز رسوم توضيحية لكتب مدرسية، فكان عمله هذا مناسبة للكشف عن موهبته كغرافيكي، وفرصة لمنح الذاكرة البصرية السورية مجموعة هامة من الرسوم و(الموتيفات) التي وجدت، بحفاوة استثنائية، طريقها إلى الصحافة، لتصبح مرشداً ودليلاً لكثير من الفنانين الشباب الذين عملوا في مجال الرسم الصحفي.. وحين كلف فيما بعد من منظمة التحرير الفلسطينية بتصميم ملصقات لترافق وفد المنظمة إلى مهرجان الشباب العالمي في صوفيا، صارت هذه الملصقات جزءاً هاماً من الذاكرة البصرية الفلسطينية، وأصبحت بدورها ملهماً للرسوم والملصقات المتعلقة بقضية فلسطين..
إثر عودته من القاهرة عين أستاذاً للرسم في دير الزور حيث تابع شغفه القديم بتأمل المشهد الطبيعي المحيط، والتعبير عن خصوصيته، فداعبت هواه أشجار الغَرَب التي تنتشر على ضفاف الفرات، فأبدع تصويرها في سلسلة من اللوحات التي تفوح بنكهة أسلوبه المميز، بالتزامن مع سلسلة لوحات غيرها مستوحاة من أساطير حضارات المنطقة..وقد ضمهما معاً معرضه الفردي الأول الذي استضافته صالة الفن الحديث بدمشق عام 1965 وسط حفاوة ثقافية وفنية واسعة..
عام 1968 تقدم إلى مسابقة للمعيدين في كلية الفنون الجميلة، وليصبح بعد نجاحه فيها واحداً من أهم أساتذة الكلية، ومن أكثرهم تأثيراً في الطلاب، وقد استمر في التدريس حتى وقت قريب جداً، وشمل ذلك أقسام الدراسات العليا، باستثناء الفترة الممتدة ما بين عامي 1971 و1974 حين سافر في بعثة للدراسة في المدرسة الوطنية العليا للفنون في باريس(البوزار)، فساهمت سنوات الدراسة تلك في تطوير خبراته التقنية ومعارفه النظرية وثقافته التشكيلية، وقد ختمها بمشروع تخرج عن النباتات نال جائزة المدرسة.
شهدت السيرة الإبداعية لنذير نبعة مراحل متعددة تترجم توقه الدائم للبحث والتجديد، وحيويته الإبداعية المواكبة لحيويته الثقافية، فقد تنقلت أساليبه بين الواقعية والتعبيرية والتجريد، في قفزات بدت معها وكأن لا شيء يربط بينها، سوى البراعة والإبداع المميزين لصاحبها، كما أن مواضيعه كانت تتجدد بين مرحلة وتاليتها، وكان الجانب الوطني، والإنساني العام، حاضراً بقوة في حياته الإبداعية فأنجز الكثير من الأعمال المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والعمل الفدائي خاصة، وبعضها صارت من رموز النضال الوطني الفلسطيني. ثم كانت مرحلة « الدمشقيات » التي امتدت منذ عام 1975 وحتى 1991 وجاءت « كأغنية وقصيدة طويلة في حب دمشق»، كما يقول في سياق لقاء صحفي طويل (ربما يكون الأخير) أجراه معه الزميل سامر اسماعيل ونشرته صحيفة «السفير» في التاسع عشر من هذا الشهر. وفي اللقاء ذاته يتحدث المعلم نبعة عن أثر الأحداث الكبرى التي شهدتها منطقتنا منذ مطلع تسعينات القرن الماضي على موقفه كفنان: « الحقيقة أن فكرة) المدن المحروقة) كمعرض بدأت مع مجزرة قانا وتعرض مركز الأمم المتحدة للقصف الإسرائيلي، هذه الحادثة أثرت بي كما أثر بي القصف الأميركي لبغداد مدينة الفن، مدينة جواد سليم والشعراء، فأنجزت مجموعة لوحات أطلقتُ عليها عنوان «المدن المحروقة»، وشعرت أن هذه المدينة المحروقة ستتكرر في مدنٍ عربية أخرى، وللأسف هذا ما وصلنا إليه اليوم».ويختم الزميل سامر إسماعيل اللقاء بالإشارة إلى رسومات عن (داعش) بالحبر الصيني «أطلعنا عليها (نبعة) في مرسمه الحنون؛ هو ما يشتغل عليه مؤخراً»: «في فترة حكم محمد مرسي لمصر وظّفت الفضائيات فترات بأكملها لتعطي كل يوم فتوى للجمهور، مما حفزني لتحقيق (بورتريهات) عن ذلك أسميتها «المفاتي».
مع تعدد أطياف إبداعه بين التصوير والرسم والملصق ورسوم الأطفال والتدريس، بقي هناك خيط سري يجمع بينها جميعاً قوامه البحث الجاد العارف والخبير،وهو ما أهله للتكريم في القاهرة والكويت بمعارض احتفالية خاصة، ولنيل العديد من الجوائز وشهادات التقدير والأوسمة، وفي رأسها وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة الذي ناله عام 2005، وأتبعه بكلمة تصح أن تدرس للأجيال القادمة لما تحمله من معاني الانتماء النبيل.
*الصورة: الصيف الماضي في المعرض الاحتفالي بصدور كتاب (نزار صابور-الإنسان – اللوحة)
http://thawra.sy/_View_news2.asp…

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.