نيويورك تحتفي بمرور 20 عاما على رحيل المصور مانويل برابو

 
** بريتون مؤسس تيار السوريالية، اُعجب بفنه وتأثر بأعماله، لدرجة تكليفه بتصميم غلاف كتالوج معرض سوريالي
** يعبر فنه عن جوهر فن التصوير المكسيكي والذي تمكن من التلاعب من خلاله بأسلوب لا يمكن تقليده بالضوء والظلال والأبيض والأسود
 
نيويورك – د ب أ
 
كان العالم لا يزال وليدا لدرجة أن الكثير من الأشياء لم تكن قد اكتسبت اسمائها بعد، ولتسميتها كان يتعين الإشارة إليها بالأصابع. بالنسبة للمصور المكسيكي العالمي مانويل ألفاريز برافو، الذي امتدت حياته لقرن من الزمان، فإنه كان يتغلب على وحدته بحمل الكاميرا، ليصور بإبداع استحق معه عن جدارة لقب “شاعر العدسة”، كل ما تقع عليه عيناه من تفاصيل الحياة اليومية المكسيكية، وجماليات حضارة أحفاد شعب الأزتيك. واحتفالا بمرور 20 عاما على رحيله تنظم قاعة ثروكمورتون (Throckmorton) بنيويورك معرضا تحت عنوان “فخامة” يضم 30 صورة فوتوغرافية تنتمي لمرحلة شباب برافو بين عقدي الثلاثينيات والأربعينيات، يعكس من خلالها مظاهر وعادات وتقاليد المجتمع المكسيكي، عبر بورتريهات تتميز بعمق البعد الانساني، تم التقاطها في لحظة بعينها تعبر عن نقاء خالص. ومن المقرر أن يستمر المعرض حتى منتصف مارس المقبل.
ولد برافو في مكسيكو سيتي العام 1902، ويعتبر من أهم وأكثر المصورين الفوتوغرافيين تأثيرا في أمريكا اللاتينية، كما يعد مرجعية مهمة للثقافة الشعبية المكسيكية. تطور مفهومه عن التصوير من النزعة التشكيلية إلى الحداثة التي انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية في العالم كله واستمرت حتى نهاية القرن العشرين وانتهت برحيله.
انتقل الفنان المكسيكي من مرحلة المصور الذي يلتقط صورة منفردة، والتسجيل المجرد للواقع، إلى المنظور التكعيبي والتجريد، وهو ما يلاحظ على تطور التقنيات التي استخدمها عبر مراحل عمره المختلفة، دون أن يفارقه مطلقا الشعور العميق بالمنظور الجمالي، أو بعمق مضمون لقطاته البديعة، لذا جاءت أعماله مفعمة بالحب والعشق لوطنه، والذي لم يتوقف لحظة عن اكتشاف أسراره. يعبر فنه عن جوهر فن التصوير المكسيكي والذي تمكن من التلاعب من خلاله بأسلوب لا يمكن تقليده بالضوء والظلال والأبيض والأسود. ومن ثم تعتبر أعماله رهانا على المضمون دون التخلي عن الحس الجمالي، وتكريما متأخرا للسوريالة البصرية لم يقم به بمحض الصدفة.
يؤكد تروكمورتون مدير قاعة العرض، والصديق الشخصي لبرافو “لقد كان فنانا شجاعا، رائدا ومقداما، لأن القلائل فقط هم من تجرأوا على تصوير المكسيك في الثلاثينيات كما فعل مانويل بهذا الأسلوب شديد الحساسية لعنصر الجمال دون التخلي عن التلقائية والطبيعية”، ومن ثم يرى أن تنظيم معرض استعادي لأعمال الفنان المكسيكي لتقديم فنه بهذه الطريقة الفريدة “كان حلما من أحلام حياتي تمكنت من تحقيقه أخيرا”.
أبدى الشاعر والأديب والفنان الفرنسي أندريه بريتون (1896- 1966) والذي يعتبر المؤسس الحقيقي لتيار السوريالية، إعجابه الشديد بفن الفاريز برافو، وتأثر بأعماله، لدرجة تكليفه العام 1938 بتصميم غلاف كتالوج معرض سوريالي. أما الفنان الفرنسي الشهير هنري كارتييه بريسون، رائد الصورة الصحفية، فقد رافق الفاريز برافو في العديد من المعارض، في مسقط رأسه، ويظهر هذا التأثير في الصور ذات البعد الاجتماعي في أعمال بريسون الصحفية. يذكر أيضا أن الصداقات التي جمعت ألفاريز بفناني النهضة المكسيكية مثل دييجو ريبيرا وتينا مودوتي، أسهمت في إثراء أفكار الأيديولوجية الاشتراكية التي ميزت أعماله في مختلف مراحل فنه، ورسخت مكانته في المجتمع المكسيكي الذي لم يتعامل معه على أنه مجرد بورتريه فني فقط.
من جانبه حرص الفنان الأرجنتيني الدو سيسا على ألا تفوته مناسبة افتتاح المعرض، مؤكدا أن “شخصية مانويل حاضرة في كل عمل من الأعمال المعروضة، لقد كان تحديا استغرق تحقيقه ثمانين عاما، خاصة مع الجرأة التي تحلى بها في ذلك الوقت لالتقاط مثل هذه البورتريهات بهذا الأسلوب”. بالنسبة للفنان الأرجنتيني “كان مانويل يتمتع بقدرة على ملاحظة ما غاب عن الكثيرين إدراكه، انطلاقا من كونه فنانا حرا، صاحب رؤية، واقعي، بحث بجهد كبير دوما ليعثر على اللحظة السحرية لتسجيلها بكاميرته”.
يؤكد سيسا أن الفاريز برافو هو النموذج المثالي للفنان اللاتيني، الذي لا يسعى خلف المضاربات أو الربح التجاري، مثلما يحدث مع فناني أوروبا أو الولايات المتحدة، موضحا “قدم برافو لنا صورة عميقة عن ذاتنا، بدون هدف مادي، تتميز بالعمق والقوة الروحية، جديرة بفنون أمريكا اللاتينية

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.