سينما "عامر" تنقل البهجة لأهالي غزة بعد توقف ربع قرنتحوّلت لعقود من الزمن إلى مكان مهجور السينما لها دور كبير ومؤثر في توعية المجتمع وتنمية ثقافته

سينما “عامر” تنقل البهجة لأهالي غزة بعد توقف ربع قرن

صحافية فلسطينة

2019-12-15

بعد أن تحوّلت لعقود من الزمن إلى مكان مهجور وخالٍ من صخب الأفلام والمشاهدين؛ تعود سينما “عامر” بغزة للحياة من جديد، بعد إعلان اللجنة التحضيرية لمهرجان “السجادة الحمراء” لأفلام حقوق الإنسان، في نسخته الخامسة، افتتاحه من داخل السينما، في 4 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، من أجل إعادة دور السينما كمنبر ثقافي يعبر من خلاله الشعب الفلسطيني عن ثورته وطموحاته وآماله.

اقرأ أيضاً: كيف حطمت سينما الواقعية الجديدة المحظورات في مصر؟

ولم يتبقَّ من سينما “عامر” سوى جدرانها الباهتة وبعض الصور واليافطات لأسماء الأفلام المصرية والهندية والأجنبية، التي كانت تعرضها في ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يتم إحراقها من قبل مجموعات متشددة.

وتُعدّ “سينما السامر” أول دار عرض سينمائي تأسست في قطاع غزة؛ حيث افتتحها، عام 1944، رئيس بلدية غزة، الحاج رشاد الشوا، الذي قام باستيراد معداتها من مدينة مجدل المحتلة، وشراء الأفلام من مصر.

 

 

وانتشرت دور السينما في معظم المدن الفلسطينية لعرض الأفلام التي صورت طبيعة فلسطين ومعالمها الدينية الإسلامية والمسيحية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وكان من أبرزها سينما “روكسي” بالقدس المحتلة، و”الأهلي” في عكا، و”العاصي” في نابلس، و”السامر” و”عامر” في غزة، ودور أخرى، وقد هدم عدد كبير منها وتحولت لاحقاً إلى مطاعم وأندية ثقافية ورياضية ومبانٍ مهجورة.

اقرأ أيضاً: كيف عالجت الأعمال السينمائية جرائم الشرف؟
ووفق مركز المعلومات الوطني الفلسطيني؛ فإنّ أول دار عرض للسينما أقيمت في مدينة القدس وسط الضفة الغربية، عام 1908، وكانت تُسمى “أوراكل”، ومن ثم بدأت ثقافة إنشاء دور السينما تنتشر بشكل ملحوظ في فلسطين منذ أواخر الثلاثينيات وحتى بداية الخمسينيات، لتصل إلى أكثر من 30 دار عرض وصالة منتشرة في مختلف المدن الفلسطينية، أما اليوم فهناك واحدة فقط، وهي سينما “برج فلسطين” في رام الله، وسط الضفة الغربية.

وفي أعقاب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عام 1987، تعطلت دور العرض السينمائي في كافة المدن الفلسطينية لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتحوّل معظمها إلى صالات للأفراح وقاعات للاجتماعات، أو أغلقت أبوابها أو هدمت لتختفي عن الوجود، كما حدث لها في قطاع غزة.

السينما لها دور كبير ومؤثر في توعية المجتمع وتنمية ثقافته

مجرد ذكريات

بدوره، يقول مدير مركز “شعاع” للإنتاج الإعلامي والسينمائي، “عامر” الناطور: إنّ “السينما دخلت قطاع غزة في ثلاثينيات القرن الماضي، وتجاوزت دور العرض السينمائية حتى مطلع التسعينيات الـ 10، وتركزت في مدينة غزة ورفح وخانيونس، كسينما السامر وعامر والشاطئ والسلام والجلاء والنصر والنهضة، التي كانت تعرض الأفلام السينمائية المصرية والأجنبية”.

في أعقاب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عام 1987، تعطلت دور السينما في كافة المدن الفلسطينية لأسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية

ويعبّر الناطور، في حديثه لـ “حفريات”، عن أسفه لما حدث لدور العرض السينمائية في غزة، التي تحولت إلى مجرد ذكريات فقط، بعد أن كانت مكاناً يبعث على الحياة، وذلك خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عام 1987، والتي أدّت إلى زوال دور العرض السينمائية تدريجياً من كافة المدن، في ظلّ غياب الاستقرار السياسي والأمني، وظهور الجماعات الدينية المتشددة آنذاك، التي عمدت إلى حرقها بدعوى حثّها على الفجور والانحلال الأخلاقي”.

ولفت إلى أنّ “سينما (عامر)، كغيرها من دور العرض الأخرى، أصبحت مرتعاً لمروجي ومتعاطي المواد المخدرة، ولم يتبقَّ منها سوى جدرانها التي بقيت محتفظة بملصقات حملت أسماء أشهر النجوم العالميين، وبعض الأفلام المصرية والهندية والأمريكية، وتناثر على أرضيتها عدد من الأشرطة والبكرات السينمائية القديمة التي كساها الغبار”.

 

 

تشويه الحقائق

وتابع: “الجماعات الدينية المتشددة غيّبت السينما عن أعين الفلسطينيين، وبقيت أداة مساندة للاحتلال الصهيوني لمنع أيّة عروض سينمائية تبين الصورة الحقيقية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وفضح الممارسات الإسرائيلية؛ لتبقي السيطرة الصهيونية على السينما العالمية لتشويه الحقائق وقلبها بما يتماشى مع وجهة النظر السائدة في الغرب، ومنع إيصال القضية الفلسطينية لمختلف أنحاء العالم”.

وتحمل السينما الفلسطينية، برأي الناطور، مميزات عدة، من بينها؛ وجود الطاقات المبدعة في الإخراج والتمثيل السينمائي، التي لها القدرة على المنافسة العالمية، ووجود القصة والقضية والتي أدّت إلى وصول وترشيح مجموعة من الأفلام الفلسطينية للمهرجانات الدولية، وفوزها بجوائز عالمية كبيرة.

الجماعات المتطرفة وتدمير السينما
الناقدة والمخرجة السينمائية ليلى سرحان، تقول لـ “حفريات” إنّ “السينما الفلسطينية لم ترتقِ إلى مستوى ظاهرة اجتماعية أو ثقافية، نتيجة سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية، التي أدّت إلى إغلاق عدد كبير من دور العرض السينمائية، إضافة إلى ظهور الأفكار الرجعية المتشدّدة، والتي غيبت أهمية السينما لدى الوعي الجماهيري”.

وتضيف: “سينما (عامر)، كغيرها من دور العرض السينمائية في قطاع غزة، كانت تقدم عرضين للفيلم الواحد خلال اليوم، واقتصر عرض الأفلام خلال يومي الجمعة والسبت من كلّ أسبوع، اللذين يتوافقان مع عطلة العمال الفلسطينيين العاملين في الداخل المحتل، الذين كانت تزدحم بهم دور العرض السينمائية، وينتظرون الحصول على تذكرة الدخول إليها في طوابير طويلة”.

تحوّلت لعقود من الزمن إلى مكان مهجور

وتابعت سرحان: “مع صعود جماعة الإخوان المسلمين في مصر، في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وانتقال أفكارها إلى قطاع غزة؛ تنامت دعوات الإسلاميين المتطرفين ضدّ دور العرض السينمائية والتحريض عليها، في مطلع عام 1980، وتمّ الهجوم عليها وتدميرها وحرقها؛ كسينما (عامر) و(السامر) و(النصر)، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، التي كان يرون فيها أنّها أماكن تسيء إلى القيم الإسلامية”.

“دعني أدخل به الجنة”؛ عبارة كان يرددها المتطرفون، وفق سرحان، للاعتداء على أصحاب دور العرض السينمائية وبعض المثقفين لاغتيالهم وقمعهم، وتنظر هذه الجماعات للقائمين على دور السينما وحتى المشاهدين والمتابعين لها على أنّهم مجرمون ومنحلون أخلاقياً ويجب اجتثاثهم، وهو الأمر الذي دفع عدداً من المخرجين السينمائيين والمبدعين للهروب إلى خارج قطاع غزة؛ لتجنّب ملاحقتهم من قبل الجماعات المتشددة”.

معيقات أمنية وسياسية

من جهته، يقول الممثل والمخرج الفلسطيني، خليل ياسين، لـ “حفريات” إنّ “الاعتداء على دور السينما وإغلاقها دفع بالمنتجين والمخرجين الفلسطينيين لعدم المغامرة بإنتاج أعمال درامية وسينمائية في قطاع غزة، وتمّ الاقتصار على بعض الأعمال السينمائية والمسرحية، لغياب ثقافة السينما لدى المشاهد الفلسطيني الذي تأثر بالصورة السلبية والتشويه، اللذين نقلتهما له التيارات الإسلامية”.

المخرج خليل ياسين: السينما الفلسطينية تنمو بشكل بطيء في ظلّ غياب الدعم الرسمي من قبل الجهات المختصة

ولفت إلى أنّ “السينما مع سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، عام 2007، شهدت معيقات أمنية كبيرة من قبل الأجهزة التابعة لها، وتمّ اشتراط الحصول على تراخيص مسبقة قبل عرض أيّ فيلم أو مسرحية ثقافية أو درامية، واشتراط الفصل بين الرجال والنساء، وتمّ تسييس السينما لنشر الأعمال الحزبية للحركة، ما أدّى إلى ضعف الإقبال على مشاهدة هذه الأعمال، خاصة لدى المشاهدين من الأجيال الجديدة”.

وتابع ياسين: “السينما لها دور كبير ومؤثر في توعية المجتمع وتنمية ثقافته، لقدرتها على طرح قضايا الإنسان ومعاناته”، مستدركاً بأنّ “السينما باتت تشكل وسيلة مهمة لنشر أفكار المجتمع ومعتقداته، لاستطاعتها الدخول في حياة الناس السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والدينية والتأثير فيهم”.

وعن أبرز المعيقات التي تحول دون الاهتمام بدور العرض السينمائية وإعادة إحيائها من جديد، يقول ياسين: “السينما الفلسطينية تنمو بشكل بطيء في ظلّ غياب الدعم الرسمي من قبل الجهات المختصة لها، وغياب القوانين التي تحفظ الحقوق الملكية للأعمال السينمائية، وضعف الترويج للأفلام الفلسطينية، وشحّ تمويلها، وعدم استقرار الأوضاع السياسية، إضافة إلى اقتصار إنتاج بعض الأفلام السينمائية على الجهود الذاتية، التي غالباً ما تجابه بالفشل لاعتمادها بشكل أساسي على مردود مالي مرتفع لتغطية نفقات الإنتاج”.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.