كيف تترك شركة تمتلكها أسرتك دون خسائر؟

كيف تترك شركة العائلة وتبدأ مشروعك الخاص دون خسائر؟

  • 3 مارس/ آذار 2020
مصدر الصورة Alamy
Image caption هناك من شبّه تخلي الأمير هاري وقرينته ميغان عن ممارسة مهامهما الملكية والانتقال للحياة في كندا، بترك البعض العمل في شركة عائلية

كان من المقدر لجوردان بيكر أن يصبح في يوم ما مديرا للشركة التي تمتلكها أسرته، وتقدم خدمات لوجيستية في مجال التكنولوجيا، وتتخذ من مقاطعة إسكس الإنجليزية مقرا لها. وقد بدأت العلاقة بين بيكر والشركة، وهو لا يزال في الثانية عشرة من عمره، إذ عمل وقتذاك في تنظيف الأرضيات والرد على الاتصالات الهاتفية، وكان في سبيله لتولي مهمة إدارة المكان كله عندما يتقاعد والده.

لكن هذا الرجل قرر في عام 2008، وهو في العشرين من عمره، ترك الشركة. ويصف ملابسات ذلك بالقول: “من الصعب أن يصبح والدك هو مديرك في الوقت نفسه، فقد تضايقه بشأن مسألة شخصية، ويترتب على ذلك عواقب في مجال العمل، وهو أمر قد يكون مزعجا”.

مثال كهذا يشير إلى أنه في الوقت الذي قد تتسم فيه العلاقات العائلية بالتعقيد، ربما تكون ممارسة أنشطة تجارية مع أفراد أسرتك مسألة أكثر تعقيدا.

فمن الوجهة الإيجابية، يمكن أن يسهم هذا النوع من الشركات في حدوث عمليات الانتقال والتوسع بشكل سلس، وفي الحفاظ كذلك على المبادئ الأساسية التي يقوم عليها المشروع برمته. ومن بين النماذج المعروفة لتلك المشروعات، نُزُل “هوشي رويكان” في غربي اليابان، الذي تديره عائلة واحدة، على مدار 46 جيلا.

بجانب ذلك، هناك شركة “وول مارت” الأمريكية العملاقة للبيع بالتجزئة، التي لا تزال – رغم المشكلات التي تعاني منها – مملوكة لأحفاد مؤسسها سام والتون. كما أنه من النادر أن تتناول وسائل الإعلام، الخلافات التي تنشب بين أفراد العائلة المالكة لها، إذا نشبت من الأصل.

فضلا عن هذا وذاك، لا ينسى كثيرون ذاك الشقاق الأسري الذي وقع بين شقيقين ألمانييْن، وقاد لإنشاء شركتيْ “بوما” و”أديداس”، وهما من بين أشهر الشركات العاملة في مجال الملابس الرياضية في العالم.

وفي الآونة الأخيرة، أولت وسائل الإعلام اهتماما هائلا بقرار الأمير هاري وقرينته ميغان ماركل، التخلي عن مهامهما في إطار العائلة الملكية في بريطانيا، وهي الأسرة التي تُوصف في بعض الأحيان بـ “الشركة”. ورغم أن تفاصيل خروج الزوجين من العائلة الملكية وآليات حدوث ذلك، ربما تحظى بالاهتمام أكثر من غيرها، فإن جوهر ما فعلاه، وهو ترك مؤسسة تديرها الأسرة لشق طريقهما بشكل مستقل، ليس بالأمر الجديد.

لكن ذلك لا ينفي في الوقت نفسه، أن الخروج من نطاق الأسرة وأنشطتها الاقتصادية، قد يكون صعبا في ضوء ما يترتب على ذلك من مشكلات تنظيمية، وما يحيط به من أمور عاطفية أيضا. لذا ما الذي يحدو بالناس للإقدام على خطوة من هذا القبيل، وهل ثمة طريقة “مُثلى” لترك الشركات العائلية؟

أديداس وبوما

مصدر الصورة Alamy
Image caption أُنشِئَت شركتا أديداس وبوما العاملتان في مجال الملابس الرياضية في العالم، على يد شقيقيْن ألمانييْن متنافسيْن، قررا ترك شركة الأحذية التي كانت أسرتهما تمتلكها

وتشير التقديرات إلى أن الشركات العائلية تشكل نحو ثلثيْ شركات العالم. ورغم أن هناك إيجابيات لا حصر لها، تنجم عن عملك مع أشخاص تعرفهم حق المعرفة مثل أقاربك، فإن جينيفر إم. بندرغاست، أستاذة الابتكارات وريادة الأعمال في جامعة نورث ويسترن بمدينة شيكاغو الأمريكية، تقول إن هذا النوع من المؤسسات والشركات، ينطوي على عيوب في الوقت ذاته، من بينها أن “الكل في الشركة يميل لمعرفة طبيعة ما تقوم به في إطار عملك. كما أنه من المرجح، في حالة حدوث مشاحنة ما، أن يعلم بها الآخرون من أفراد الأسرة، بل وقد يقررون مساندة أحد جانبيها كذلك. فضلا عن ذلك، بوسعك أن تتصور إحساسك، إذا اضطررت في يوم ما للعودة إلى منزلك، لتجد مديرك جالسا على مائدة العشاء”.

ورغم أن دراسة مسحية أجرتها شركة المحاسبة الشهيرة “برايس ووتر هاوس كوبرز” في عام 2014 حول الشركات العائلية، أظهرت أن عملك مع من توجد بينك وبينهم أواصر قربى؛ يمكن أن يُوجد مستويات أعلى بكثير من الثقة والالتزام، فإن ذلك قد يقود في الوقت نفسه لـ “حدوث توترات، ونشوء مشاعر استياء، واندلاع صراعات مفتوحة، نظرا لأن الأفراد العاملين في الشركة – ممن ينتمون لعائلة واحدة في الأصل – يعانون الأمريْن للفصل بين العقل والعاطفة في تعاملهم مع شؤون العمل، ولتحقيق النجاح في حياتهم العملية والأسرية على حد سواء”.

ففي استراليا مثلا – التي تشكل الشركات العائلية 70 في المئة من شركاتها – كشفت دراسة أجرتها مؤسسة “كي بي إم جي” للمحاسبة عن أن الأسباب الشائعة للمشكلات التي تنشب في مثل هذا النوع من المؤسسات الاقتصادية تتمثل في “نمط الاتصال القائم فيها، والرؤية والاستراتيجية المستقبلية لها، والموازنة بين احتياجاتها واحتياجات الأسرة”.

وتختلف الأجيال المختلفة فيما بينها على صعيد تصوراتها للعوامل المُسببة في الصراعات التي تشهدها الشركات العائلية، فبينما يرى 21.8 في المئة من الجيل الشاب الذي يمثل المديرين المستقبليين لتلك الشركات، أن نمط الاتصال المتبع فيها هو السبب الرئيسي في حدوث أي مشكلات، لا يتجاوز من يرى ذلك من مديريها الحاليين، وهم الجيل الأقدم، 13.3 في المئة.

علاوة على ذلك، يمكن أن يتأثر العمل في الشركات العائلية بالمشكلات الناجمة عن الاحتكاك والتفاعل بين الأجيال. ومن بين أمثلة هذه المشاكل، ما يتعلق بتمسك الأشخاص الأكبر سنا بالصور النمطية التي سبق وأن كوّنوها عمن هم أصغر منهم.

وتقول بندرغاست في هذا الشأن: “من الصعب أن تجعل الناس ينسون ما الذي كنت عليه خلال طفولتك، وأن تتجاوز الأخطاء التي سيظل الآخرون يتذكرونها دائما. فغالبا ما تُعقد المقارنات بين الأشقاء وبعضهم بعضا، كأن يُقال هذا هو الصبي الأذكى، وهذه هي الفتاة القادرة أكثر من شقيقاتها، على أن تصبح سيدة أعمال”.

وربما يمكننا الإشارة هنا إلى تجربة جيريمي وود، الذي ظل 20 عاما كاملة، يعمل في مجموعة “أو سي إس غروب” العملاقة العاملة في مجال تقديم الخدمات المتعلقة بإدارة المنشآت، والتي أسسها جده الأكبر فردريك غودليف. لكنه قرر بعد كل هذه السنوات، ترك المجموعة وإنشاء شركة منافسة.

ويقول في هذا الشأن: “كان الكيل قد فاض بي من الأصل. كنت مدير القطاع المسؤول عن إدارة المرافق في الشركة، وكنا بصدد إجراء عملية لإعادة الهيكلة، ولم يبد أن الأقسام التي أتولى المسؤولية عنها، ستلائم الرؤية المستقبلية للمكان، لذا قررت أن الوقت حان لترك الشركة”.

وول مارت

مصدر الصورة Alamy
Image caption يدير آل والتون منذ عقود شركة “وول مارت” الأمريكية العملاقة للبيع بالتجزئة، التي تشكل كذلك إحدى كبريات الشركات العاملة في هذا المجال في العالم

ويقول وود (58 عاما) إن مشاركة عدد كبير من أفراد الأسرة في المجموعة، أدى إلى أن تبقى التوترات الناشبة بينهم – في أغلب الأحيان – تحت السطح. وأوضح بالقول: “في مرحلة ما، كان هناك 15 من الأقارب يعملون في المجموعة، ما بين أعمام وأبناء عمومة وأشقاء. يؤدي ذلك إلى حدوث توترات كبيرة في الأوساط العائلية، ومنافسة ضارية بين الأجنحة المختلفة في الأسرة”.

وعندما ترك وود شركة أسرته عام 2000 ليؤسس مشروعه الخاص في مجال إدارة المرافق والمنشآت أيضا، بلغ غضب أفراد العائلة منه، حد رفع دعوى قضائية ضده، خشية أن يستولي على عملاء مجموعتهم، بشكل غير قانوني. وتطلب الأمر منه سنوات من العمل الشاق، لكي يتمكن من ترسيخ أقدام شركته في السوق.

ويقول عن ذلك: “ظننت في بادئ الأمر، أن البداية من جديد ستكون أمرا سهلا. لكنني أدركت وقتها أن المساهمين المحتملين في أي شركة لن يهتموا بك إذا لم تكن لديك أصول. تمكنّا من اقتراض مبلغ مالي صغير من أحد المصارف، وبدأ المشروع نشاطه فعليا في عام 2002. اضطررنا للبدء من الصفر، وبنينا الشركة تدريجيا”.

وبنظر بندرغاست، لا تتسم تجربة وود بأنها فريدة من نوعها. فخروج شخص ما من شركة تمتلكها أسرته، يمكن أن يُحدث مشاعر غضب وتوتر. وتوضح تصورها في هذا الشأن بالقول: “ربما يأخذ أفراد الأسرة هذا الأمر بشكل شخصي على نحو أكبر، لأنهم قد يرونه بمثابة حكم من جانب من ترك الشركة، على أهمية المشروع وقيمته”.

ويمكن أن نسوق هنا تجربة أخرى، بطلها هذه المرة ماورو بروني (35 عاما)، الذي استغرق منه الأمر عدة سنوات لكي يترك الشركة المملوكة لأسرته. فقد كان يُفترض دائما أن يخلّف هذا الرجل والده في إدارة الشركة، التي تتخذ من نيويورك مقرا لها. ومع أنه عَمِلَ لمدة 12 عاما في مجال التسويق والتصميم في هذا المشروع، فلم يفارقه ارتباطه بشغف آخر، هو التزلج على الجليد. وبالفعل نجح على مدار سنوات، في الجمع بين الحُسنييْن في نظره، من خلال مواصلة العمل عن بعد في الشركة، والمشاركة في الوقت نفسه في أداء عروض التزلج على الجليد في مختلف أنحاء العالم.

لكن في عام 2019، حسم ماورو بروني أمره، وقرر تأسيس شركة “هاوس أوف ماورو” للتزلج الاحترافي على الجليد وتنظيم الفعاليات الخاصة بهذه الرياضة. ويروي لنا هذا الشاب قصة مغادرته لشركة والده بالقول: “أبي كان يعلم على الدوام أن عشقي الأول هو التزلج، وعندما أنهيت فترة عملي معه، كان داعما لي، وساعدني على تأسيس شركتي الجديدة”.

لحسن الحظ، كان شقيق ماورو على استعداد لتولي إدارة الشركة بدلا من أبيه. وتمهيدا لذلك، تولى مزيدا من المسؤوليات في الفترة الماضية، ليصبح على استعداد لكي يحل محل الأب في ما بعد.

غير أن مغادرة ماورو بروني لشركة والده بشكل سلس، ربما لا يتكرر في شركات عائلية أخرى، قد تجد أنها غير مستعدة لمواجهة احتمال خروج عنصر رئيسي في الأسرة منها، حسبما تقول كيت كوبر المسؤولة عن قسم الأبحاث والسياسات والقواعد في معهد القيادة والإدارة الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له، وهو عبارة عن مؤسسة بحثية تمثل نحو 30 ألفا من مديري الشركات والمؤسسات.

وترى كوبر أنه يتعين على الشركات “أن تتقن مسألة إدارة المخاطر، وتحتاج لأن تخطط لمواجهة الأحداث غير المتوقعة والمفاجئة، للتيقن من وجود بدائل لديها”.

وتقول كارين هولدن، الرئيسة التنفيذية لشركة للمحاماة مقرها لندن، إن هذا النوع من المشروعات قد يشهد تغاضيا عن الإجراءات الروتينية والشكلية التي تُجرى عادة في المؤسسات الأخرى “نظرا لأن الافتراض السائد فيها يتمثل في وجود الثقة بين أفرادها، ما يجعل اتخاذ مثل هذه الإجراءات القانونية يبدو غير ملائم”.

وتوضح بالقول: “لا يتم التفكير في إتمام الأوراق والإجراءات القانونية عندما يكون الجميع سعداء للغاية بأجواء التعاون فيما بينهم. إذ يُتم هؤلاء كل شيء، من خلال المصافحات وقطع الوعود (الشفوية)، وعندما تسوء الأمور، يكتشفون أنه لا توجد أي وثائق قانونية تثبت ما تم الاتفاق عليه بينهم”.

وتقول جينيفر إم. بندرغاست إن خروجك من الشركة العائلية، عبر التفاوض بعناية مع باقي الشركاء فيها، هو السبيل الأمثل لتركها وتجنب حدوث أي خلافات واحتكاكات في هذا الصدد كذلك. وتستطرد قائلة: “الطريقة الأفضل للخروج، تتمثل في التحلي بالشفافية بشأن الأسباب التي تحدوك للقيام بذلك، لكن هذا يجب أن يتم على نحو مهني، وبشكل ينطوي على احترام مشاعر الآخرين”.

وتضيف: “من المفيد كذلك أن تُقر بالفرصة التي أُتيحت لك، كي تكون جزءا من هذا المشروع، وأن تبدي التقدير لذلك أيضا”. وتشير إلى أنه حتى بعيدا عن العواطف، تظل الإدارة الجيدة لمسألة ترك الشركة العائلية مهمة من الوجهة العملية، قائلة “يشكل تجنب حرق الجسور أمرا مفيدا على الدوام بالنسبة للمسيرة المهنية للمرء، وتزداد أهمية ذلك، إذا كان الأمر يتعلق بالخروج من مشروع يُدار عائليا، لأنك ستظل مرتبطا بباقي المساهمين في الشركة لباقي حياتك، بحكم صلات القرابة”.

بطبيعة الحال، يمكن أن يتراجع البعض عن قرارهم الخاص بترك الشركات العائلية، التي كانوا يعملون فيها. ومن بين الأمثلة على ذلك، ما تشهده عائلة قطب الإعلام الأمريكي الجنسية الأسترالي المولد روبرت مردوخ. ففي عام 200، ترك نجله لاكلان إمبراطورية والده لتأسيس شركته الخاصة، لكنه ما لبث أن عَدَلَ عن قراره بعد عقد واحد من الزمان، لترحب الأسرة بعودته. الأمر نفسه تكرر في اسكتلندا، عندما قررت ديبورا إكينز العودة للعمل جزئيا في شركة تصميم حمامات السباحة التي تديرها أسرتها.

وتقول الشابة البالغة من العمر 29 عاما: “الطريقة المثلى التي يمكنني أن أصف بها ترك مشروع تديره الأسرة، هي تشبيهه بالانفصال عن شخص ما. إذ تشعر بأن الأمر لا يسير على ما يرام مع هذا الشخص، لكن ذلك لا ينفي أنك لا تزال تحبه، وتتمنى له الخير”.

وتشير إلى أن قرارها ترك شركة أسرتها، جاء لأنها شعرت بعدم قدرتها على إدارتها على الشاكلة التي ترغب فيها. لكنها تؤكد أنها لم تقطع صلاتها بالشركة بشكل كامل، إذ تتعاون معها الآن من الخارج وبشكل مستقل. وتشير إلى أنها لا تمنح هذه الشركة معاملة تفضيلية تميزها عن باقي الشركات. وتقول: “أحببت العمل مع أسرتي، لكنني أشعر بسعادة أكبر، عندما أمضي على دربي الخاص”.

وإذا عدنا إلى جيريمي وود، سنجد أنه غير نادم على قراره ترك شركة أسرته، بل يؤمن أن الجهود الشاقة التي بذلها على مدى سنوات لبناء مشروعه الخاص، آتت أُكلها، نظرا لأن شركته أصبحت تدر الآن عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية سنويا. ويقول في هذا الشأن: “كان الكفاح يستحق، أما المشاعر المريرة فقد ولّت”.

أما جوردان بيكر، فيقول إن والده كان مُحبطا للغاية في بادئ الأمر من قراره الرحيل. لكنه عاد ليبدي موقفا داعما له في نهاية المطاف. الآن يدير هذا الرجل وكالة تسويق مملوكة له في لندن، ويعتبر أن استقلاليته في العمل ذات قيمة عالية. ويوضح موقفه في هذا الصدد قائلا: “يمكن أن يكون للشركة المملوكة للأسرة كيان خاص بها، مثلها مثل أيٍ من أفراد الأسرة. أردت أن أكون مَلِكَا لقلعتي الخاصة”.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Worklife

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.