أحد الأسماء التي ذاع صيتها في سجلات الفلسفة ومواثيق العلوم الطبيعية والتراثية المتنوعة، استطاع في أقل من خمسة عقود أن يحفر اسمه في قائمة الشرف التاريخية بجوار فلاسفة اليونان الأُول، ويعد وفق عدد من المفكرين “مؤسس الفلسفة العربية الإسلامية”، هذا بجانب كونه موسوعة شاملة في الرياضيات والفيزياء والفلك والموسيقى.

هو أبو يوسف يعقوب بن إسحق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي الملقب بـ”أبو يوسف الكندي” (805-873 ميلاديًا) الذي نهل علومه الأولية على يد والده الذي كان واليًا على الكوفة بالعراق، ثم انتقل منها إلى بغداد حيث حظي برعاية الخليفين المأمون والمعتصم، إذ كان مشرفًا على بيت الحكمة.

يعتبره الفلاسفة ثمرة انتقال الفلسفة اليونانية إلى العالم العربي، وقد لُقب بـ”فيلسوف العرب“، وهو اللقب الذي ذكره بعض الفلاسفة في مؤلفاتهم القديمة، على رأسهم ابن النديم في “الفهرست”، وصاعد الأندلسي في “طبقات الأمم”، والقفطي في “أخبار العلماء بأخبار الحكماء”، وابن أبي أصيبعة في “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”، والبيهقي في “تتمة صوان الحكمة”.

له إسهامات متنوعة في العديد من المجالات، ونظريات لاقت ثناءً واستحسانًا لم يلقه فيلسوف آخر، غير أن الدور المهم الذي قام به كان جعله الفلسفة في متناول المثقفين المسلمين آنذاك، لكن هذا الدور تراجع رويدًا بعد ظهور علماء مثل الفارابي، ولم يبق إلا عدد قليل جدًا من أعماله للعلماء المعاصرين لدراستها، ومع ذلك ظل أحد الأسماء اللامعة في تاريخ الفلسفة اليونانية والعربية.

فيلسوف العرب المتجول

يعد الكندي أول الفلاسفة المسلمين والعرب المتجولين، حيث تنقل بعلمه ونظرياته من بلد إلى بلد، ومن حضارة إلى أخرى، فاستطاع الجمع بينها وتقريب الفكر الفلسفي بين عدة حضارات، حيث بذل جهدًا كبيرًا في تقريب الفكر الفلسفي اليوناني على وجه الخصوص وتحويله من مواد صعبة الفهم إلى وجبات سهلة التناول لدى العرب.

وقد ساعد عمله في بيت الحكمة ببغداد في تعزيز هذه الجهود من خلال ترجمته للعديد من النصوص الفلسفية المهمة، حيث أدخل الكثير من المفردات الفلسفية إلى اللغة العربية، ويمكن القول إنه لولا أعماله الفلسفية، لما تمكن الفلاسفة مثل الفارابي وابن سينا والغزالي من التوصل إلى ما توصلوا إليه.

نجح الكندي في إدخال الفكر الأرسطي والأفلاطوني المحدث إلى الفكر الفلسفي الإسلامي، رغم الانتقادات ووصفه بغير المقنع