في ركن قصي من منزله بمدينة جدة السعودية، وأمام جهاز حاسوبه الشخصي، ينغمس الفنان السوري الشاب “علي رمضان”، لساعات طويلة، في ممارسة هوايته الأثيرة، وهي ترميم الصور الفوتوغرافية القديمة التى تحمل ذكريات بالأبيض والأسود. ولم يمنعه اختصاصه في الهندسة الميكانيكية من مزاولة هذه الهواية التي أحبها عاكفاً على معالجة الصور التالفة والمهترئة وإعادة الحياة إليها، مستخدماً برنامج فوتوشوب بالاعتماد على بعض الأدوات وخبرته ومهارته في التصميم وقدرته على تخيل التفاصيل المخفية والمفقودة من الصورة، كما في عمل مرممي اللوحات القديمة.

ويشير “علي رمضان” إلى أن الهدف من عمله هذا هو إعادة الحياة للصور القديمة والنادرة التي ترتبط في كثير من الأحيان بذكريات الناس وماضيهم الحميم لتبدووكأنها التقطت الآن.

وترميم الصور أو تنميق الصورة (بالإنجليزية: Image restoration)-بحسب موسوعة “الويكبيديا” هي “عملية استعادة الصور المتدهورة التي لا يمكن أن تؤخذ أو ترسم مرة أخرى، ويمكن استعادة الصور الأصلية عن طريق معرفة مسبقة بالأضرار أو التشوه الذي يتسبب في تدهور الصور مثل الشقوق والخدوش والغبار والبقع.

يبدأ عمل “رمضان” بتنظيف الصورة المراد ترميمها من الرطوبة وطبقات الغبار أو إزالة الغلاف إذا كانت مغلفة بالنايلون بحذر وتأنٍ بتعريضها أحياناً لحرارة خفيفة ويقوم بعدها بتجميع الأجزاء المهترئة أو الناقصة ولصقها في مكانها ثم يلجأ لسحبها على “الماسح الضوئي” ليبدأ معالجتها فيما بعد واستعادة الأجزاء الناقصة بمهارة وحرفية.

ولفت الفنان الشاب إلى أنه يعتمد في تخيل الأجزاء المفقودة لأي صورة على ما تبقى من هذه الصورة، وهذا يساعده-حسب قوله- في تخيل النواقص من الصورة كقطعة الثياب مثلاً أو صورة لشارع قديم أو جزء من سيارة، ومن خلال هذه الأجزاء المتبقية يمكن معرفة التفاصيل الغائبة. ويلعب الخيال والاعتماد على النسب والأبعاد دوراً كبيراً في نجاح ترميم الصورة، موضحاً أنه يحاول تقدير نسب الجسم لإكمال اليد أو القديم أو الجزء المفقود من الوجه حسب النسب التي يعتمدها الرسامون في رسم الوجوه والأشخاص أو حتى المدن والأشكال ومشاهد الطبيعة.

ويتعامل الفنان الشاب مع الصور القديمة، كما يتعامل الطبيب مع أي مريض يعاني من أي مشكلة، ويحاول قدر الإمكان أن يعالج هذه المشكلة بالطريقة المناسبة والمجدية. وعبّر محدثنا عن اعتقاده بأن معالجة الصور التالفة هي حالة من الشغف كما يرسم الرسام لوحته أو يعزف الموسيقي مقطوعته أو يكتب الشاعر قصيدته، وهو فن صعب وليس سهلاً ولكنه ممتع في الآن ذاته.

وأشار “رمضان” إلى أن من أهم الصعوبات التي تواجهه في عملية ترميم الصور القديمة هو صعوبة تخيل الأجزاء الناقصة، وخصوصاً إذا كانت تفاصيل الصورة غائبة كلياً فيجد صعوبة في ترميمها بالشكل والأحجام والنسب التي كانت عليها قبل التلف.

ولفت “رمضان” إلى أن ما يقوم به هو محاولة للمحافظة على الصور القديمة قدر الإمكان لأنها-حسب قوله- تمثل كنزاً تاريخياً مهما كان نوعها، سواء كانت شخصية أو صورة قديمة لأي مكان في سوريا أو خارجها، ومن الواجب المحافظة عليها لتظل للأجيال القادمة، مطالباً من يملكون صوراً قديمة لأجدادهم أو أقاربهم أو منازلهم عدم رميها بل المحافظة عليها، فمع التقنيات الحديثة وتكنولوجيا التصميم المتطورة بات بالإمكان ترميمها وإعادتها إلى شكلها الأصلي مهما كانت حالتها سيئة أو ممتلئة بالخدوش والتمزقات.

ولم يكتف “رمضان” بترميم الصور للمهتمين بتخليد ذكرياتهم فحسب، ولكن تلوينها أيضاً. وتمكن خلال السنوات الماضية من تلوين مئات الصور القديمة والنادرة لدمشق وحمص وحماة ومختلف المحافظات الأخرى. كما لوّن صوراً من العراق والجزائر وفلسطين ومصر وبعض البلدان والشخصيات العربية، كي يشاهد أبناء بلده وباقي بلدان العالم تاريخ سوريا العريق الذي جنت على رموزه الحرب.

وينحدر “علي رمضان”، 30 عاماً، من ريف حماه. ولد ونشأ في دمشق، وهو رسام ومصمم غرافيك حاصل على شهادة دبلوم تقاني في الهندسة الميكانيكية من معهد التعليم المهني في دمشق ويعمل حالياً في مجال الدعاية والإعلان بالمملكة العربية السعودية.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.