مروة متولي – ٭ كاتبة مصرية

في عالم الموسيقى الكلاسيكية الهندية الشاسع، يوجد فن الرابندرا سانغيت الذي أبدعه الشاعر الهندي رابندرانات طاغور 1861 ـ 1941 ويتكون من 2230 أغنية، وضع موسيقاها وكتب أشعارها وغناها بنفسه في فترات من حياته، هذا الفن رغم حداثته وسط فنون أخرى كثيرة في الهند سبقته بقرون، أضاف للموسيقى الكلاسيكية الهندية، وصار أحد أركانها الأساسية، وقد استمد شهرته بالطبع من طاغور، صاحب المكانة الإنسانية الرفيعة والشهرة العالمية، لا بفضل جائزة نوبل للآداب التي ذهبت إليه عام 1913، وكان أول شرقي غير أوروبي يحصل عليها، وإنما بفضل أدبه وشعره وموسيقاه، وفلسفته وتأثيره العالمي على الإنسان في كل مكان، وكذلك انشغاله بهموم أمته ومصيرها، فقد يعطي طاغور ذلك الانطباع الأولي بأنه ذلك الزاهد الحالم المنفصل عن الحياة، لكنه لم يكن أبداً على هذا النحو، بل كان مشتبكاً طوال الوقت مع الواقع، يدعو الهنود إلى الحياة، ويحثهم على التعلم والحصول على أكبر قدر من الثقافة، ويبذل من ماله الخاص في سبيل ذلك، كما كان يدعوهم إلى التخلص من العصبية الدينية والعرقية ودواعي الفرقة والانقسام، والسعي إلى التطور والنظر نحو المستقبل، ومنافسة الغرب لا محاكاته وحسب، ونقرأ في روايته «البيت والعالم» الكثير من آرائه وتصوراته السياسية، ومن خلال شخصية «سانديــب» نستشعر تحـــذيراته من مثل هذا السياسي، الذي يستطيع منفــــرداً أن يدمر الحياة والعالم بأكمله، وفي قصته الرائعة «كابولي والا» يظهر إحساسه العميق بالفقراء والمظلومين، رغم أنه كان من ذوي الثراء، ونشأ كأمير محاط بالخدم في قصر عائلته العريقة، كما شرح بمهارة شديدة في هذه القصـــة عاطفة الأبوة بأدق معانيها، والرابط القوي بين الأب والابنة تحديداً، سواء كانت ابنته أو طفلة أخرى وجد فيها بعض التعويض العاطفي عن فقده لابنته.

كتب طاغور أغلب أغنياته باللغة البنغالية، ليسمعها الجميع وتتغنى بها ألسنة أخرى غير بنغالية في الهند، وهناك بعض المحاولات في الغرب لتقديم نسخة إنكليزية من الرابندرا سانغيت، لكنها غير جيدة على كل حال لخلوها من الروح الشرقية، أما أغنياته الدينية فهي قادرة على النفاذ إلى قلب كل إنسان، ولا يشعر أصحاب الأديان الأخرى بأن هذه الأغنيات لا تخاطبهم، وقد ألهم بموسيقاه الكثير من مؤلفي الموسيقى في الهند، لأنه أضاف إيقاعات ومقاييس وأوزان إلى الموسيقى الكلاسيكية الهندية، ونظامها المعقد «راغا» ليزداد ثراء وتعقيداً. في الرابندرا سانغيت روح وخيال ومزاج مختلف تماماً، ونغمات ومسافات صوتية وأساليب وتقنيات غنائية فريدة، وهو نوع من الغناء الرفيع الراقي، لا يستطيعه ولا يتمكن منه إلا أجمل الأصوات في شبه القارة الهندية، والحسن في الهند أنه لا استهتار بمثل هذه الكنوز الفنية الثمينة، ولا تطاول عليها من مروجي القبح عديمي الموهبة، المصابين بحالة من السعار تدفعهم إلى نهش كل ما هو جميل وتشويهه.
لطاغور أسلوبه الخاص في كتابة الشعر، فلا وجود لتمرد الشاعر وصدامه المأساوي مع كل شيء في السماء والأرض، بل هناك الكثير من التسامح والانسجام مع الطبيعة وما وراءها والشعور بالسكينة والرضوان، لكن ذلك لا يعني أنه شاعر مفرط في التفاؤل، يمرح طوال الوقت وسط المروج والغدران، يداعب الزهور ويهرول خلف الفراشات، وأن شعره غير عميق المعاني، بل إنه شديد العمق إلى درجة أنه لا يظهر على السطح هكذا بسهولة، ويتطلب التأمل وإعادة التأمل ثم المزيد من التأمل، لنجد أنفسنا عند لحظة ما أمام نهر يفيض بالمشاعر والأفكار والحكم الفلسفية، لكنه لا يطرح ما يدور في عقله ويجيش في نفسه بعنف، وإنما بهدوء بالغ، وفي أكثر أشعاره كآبة وحزناً، لا نشعر بقسوة منه، فهو في كل الأحوال شاعر رفيق بنا، حنون علينا وإن أثار الأشجان في نفوسنا.

صوت كيشور كومار نحس ونسمع ونرى كل كلمة يغنيها، وننتقل في الأغنية الواحدة من حال إلى حال إلى حال، وقد ملك المشاعر واستحوذ على الإحساس وأخذ يتحكم بأسماعنا وقلوبنا، كيفما يشاء

وفي أغنياته يوجد حضور قوي وبارز لآلات موسيقية مثل، الفينا والسارانغي والبانسوري، وبعض الآلات الإيقاعية التي تجعل المستمع يظن أن الإيقاع قائم على التصفيق بالأيدي، في حين أن الأمر ليس كذلك، وكم هي كثيرة ومتنوعة تلك الآلات الموسيقية في الهند، ويمكن القول إن لكل آلة موسيقية في الأوركسترا الغربية أكثر من مقابل في الأوركسترا الهندية، ويزيد عليها آلات موسيقية كثيرة أخرى لا مثيل ولا مقابل لها في الغرب، وهذه الكثرة والفوارق الطفيفة بين بعض الآلات، قد تكون مربكة للسامع غير الهندي، فيخلط في بعض الأحيان بين صوت الفينا وصوت السارانغي على سبيل المثال، وهما من الآلات الوترية التي تتشابه إلى حد ما مع آلة السيتار العتيقة الساحرة، التي اخترعها الشاعر الهندي أمير خسرو في القرن الثالث عشر، أما البانسوري فهي آلة هوائية خشبية تشبه الناي، لكنها أقل منه كآبة وأقوى تأثيراً، وهذا هو الغريب والساحر بشأنها، وهي آلة موسيقية جميلة حقاً ذات إمكانيات صوتية مذهلة.
يمكن الاستماع إلى الرابندرا سانغيت من أصوات عديدة، بداية من صوت طاغور نفسه في بعض التسجيلات، لكنها ليست جيدة فنياً من حيث الجودة، وغير مكتملة أو كافية لتحقيق المتعة المرجوة، ويذهب إليها المرء بدافع الفضول والرغبة في الاستماع إلى صوت طاغور، ومعرفة كيف كان إحساسه والشعور بأجواء الماضي، ويمكن القول إنه كان صاحب أداء شديد الجدية يحتوي على الكثير من الرهبة والخشوع، أما في 2019 فيمكن الاستماع إلى هذا الفن بصوت المغني الهندي أريجيت سينغ، نجم الغناء في بوليوود في الوقت الحالي، فإن هذا الشاب الذي يمثل الأغنية الهندية الأكثر حداثة، نشأ منذ طفولته على الرابندرا سانغيت، وهو فنه الأساسي الذي تعلمه منذ الصغر، وكان له الفضل في جعله مميزاً بين أقرانه من المغنين، فمهما قدم سينغ من أغنيات بسيطة أو تجارية، فإنه قادر دائماً على أن يمنحها الكثير من الإحساس والجمال وكل ما يجعلها تستحق الاستماع، وعلى العكـــس من ذلك، فهو في أدائه لفــــن كلاســـيكي رفيع مثل الرابندرا سانغيت، ومع الحفاظ على قواعـــده وســـلامة الغناء، قادر على أن يمنحه ذلك الحس الحداثي الجاذب للمستــمع من خارج دائرة أصحاب الذوق الكـــلاسيكي، وهذا أمر غاية في الأهمية من أجل نشر هذه الفنـــون، وإعـــادة إحيائها في نفوس كل جيل، ومن أجمل وأشهر ما قدمه بصوته من هذا الفن أغنية بعنوان «ما تريده روحي».
ومن زمن طاغور إلى زمن أريجيت سينغ، كان هناك الكثير من المغنين الذين صدحوا بهذا الفن، لكن يجب التوقف طويلاً عند كيشور كومار 1929 ـ 1987 أحد أهم نجوم الغناء في تاريخ بوليوود على الإطلاق، في أدائه المذهل لفن الرابندرا سانغيت، وبالاستماع إليه نكتشف طوال الوقت مدى جمال وروعة هذا الفن، ونعيد اكتشاف صوت كيشور كومار أيضاً، وكأن كل ما غناه في بوليوود من أغنيات رائعة لم يكن كافياً لإظهار جمال صوته وقدراته الفنية، وتكون المتعة مضاعفة عندما نستمع إليه، وهو يغني أعمال طاغور، بأسلوب لا يعد قديماً ولا حديثاً، وإنما هو أسلوب ساحر وحسب، حيث انسيابية الغناء مع انسيابية الموسيقى، وتلاحق النوتات بشكل يوحي بأنه لا يتوقف أبداً عن الغناء وإن كان هناك بعض الوقفات القصيرة.
مع صوت كيشور كومار نحس ونسمع ونرى كل كلمة يغنيها، وننتقل في الأغنية الواحدة من حال إلى حال إلى حال، وقد ملك المشاعر واستحوذ على الإحساس وأخذ يتحكم بأسماعنا وقلوبنا، كيفما يشاء، وعندما نستمع إليه وهو يغني «دينير شيشي» نرى ذلك الرجل الواقف على ضفة النهر ينظر إلى الضفة الأخرى، وإلى آخر شعاع للشمس وآخر قارب وآخر رحلة وآخر فرصة للعودة، هذا الإحساس بالنهاية ومحاولة إدراك الفائت، ومع اكتمال الظلام يتصاعد الغناء في ما يشبه البكاء والأنين من الأعماق، بدون مبالغة مزعجة، كما نرى هؤلاء الذين لا يزالون في منتصف الرحلة، لا هم عبروا النهر ولا وصلوا إلى مبتغاهم ولا عادوا إلى حيث كانوا.

روبندونات طاغور
(بالبنغاليةরবীন্দ্রনাথ ঠাকুর)‏[1]، و(بالإنجليزية البريطانيةRabindranath Tagore)‏[2][1]  تعديل قيمة خاصية (P1559) في ويكي بيانات
Rabindranath Tagore in 1909.jpg

معلومات شخصية
الميلاد 7 مايو 1861
كالكوتا، الهند
الوفاة 7 أغسطس 1941 (80 سنة)
كالكوتا، الهند
مواطنة British Raj Red Ensign.svg الراج البريطاني[3][4][5][1]  تعديل قيمة خاصية (P27) في ويكي بيانات
العرق بنغالي [1]  تعديل قيمة خاصية (P172) في ويكي بيانات
الديانة هندوسية[1]  تعديل قيمة خاصية (P140) في ويكي بيانات
الحياة العملية
المدرسة الأم كلية لندن الجامعية[1]  تعديل قيمة خاصية (P69) في ويكي بيانات
المهنة شاعر وروائي ورسام وكاتب
اللغة الأم البنغالية[1]  تعديل قيمة خاصية (P103) في ويكي بيانات
اللغات الإنجليزية[1]،  والبنغالية[6][7][1]  تعديل قيمة خاصية (P1412) في ويكي بيانات
أعمال بارزة البيت و العالم[1]  تعديل قيمة خاصية (P800) في ويكي بيانات
الجوائز
Nobel prize medal.svg جائزة نوبل في الآداب 1913
التوقيع
Rabindranath Tagore Signature.svg
المواقع
IMDB صفحته على IMDB  تعديل قيمة خاصية (P345) في ويكي بيانات

روبندرونات طاغور (بنغاليةরবীন্দ্রনাথ ঠাকুর، تلفظ [ɾobin̪d̪ɾonat̪ʰ ʈʰakuɾ]شاعر و مسرحي و روائي بنغالي. ولد عام 1861 في القسم البنغالي من مدينة كالكتا وتلقى تعليمه في منزل الأسرة على يد أبيه ديبندرانات وأشقائه ومدرس يدعى دفيجندرانات الذي كان عالماً وكاتباً مسرحياً وشاعراً وكذلك درس رياضة الجودو.

درس طاغور اللغة السنسكريتية لغته الأم وآدابها واللغة الإنجليزية؛ ونال جائزة نوبل في الآداب عام 1913 وأنشأ مدرسة فلسفية معروفة باسم فيسفا بهاراتي أو الجامعة الهندية للتعليم العالي في عام 1918 في إقليم شانتي نيكتان غرب البنغال.

نشأته

ولد روبندرونات في كالكوتا في الهند في السابع من مايو عام 1861 لأسرة ميسورة من طبقة البراهما الكهنوتية. والده روبندرونات طاغور كان مصلحاً اجتماعياً ودينياً معروفاً وسياسياً ومفكراً بارزاً. أما والدته سارادا ديفي فقد أنجبت 12 ولداً وبنتاً قبل أن ترزق بطاغور. ولعل كثرة البنين والبنات حالت دون أن يحظى طاغور رغم أنه أصغر أشقائه سناً بالدلال الكافي. كانت الأسرة معروفة بتراثها ورفعة نسبها، حيث كان جد طاغور قد أسس لنفسه إمبراطورية مالية ضخمة، وكان آل طاغور رواد حركة النهضة البنغالية إذ سعوا إلى الربط بين الثقافة الهندية التقليدية والأفكار والمفاهيم الغربية. ولقد أسهم معظم أشقاء طاغور، الذين عرفوا بتفوقهم العلمي والأدبي في إغناء الثقافة والأدب والموسيقى البنغالية بشكل أو بآخر، وإن كان روبندرونات طاغور، هو الذي اكتسب في النهاية شهرة كأديب وإنسان، لكونه الأميز والأكثر غزارة وتنوعا، وإنتاجاً.

تعليمه

لم ينتظم طاغور في أي مدرسة فتلقى معظم تعليمه في البيت على أيدي معلمين خصوصين، وتحت إشراف مباشر من أسرته، التي كانت تولي التعليم والثقافة أهمية كبرى. اطلع طاغور منذ الصغر على العديد من السير ودرس التاريخ والعلوم الحديثة وعلم الفلك واللغة السنسكريتية.

طاغور أثناء دراسته في لندن سنة 1879

وقرأ في الشعر البنغالي ودرس قصائد كاليداسا، وبدأ ينظم الشعر في الثامنة. وفي السابعة عشر من العمر أرسله والده إلى إنجلترا لاستكمال دراسته في الحقوق، حيث التحق بكلية لندن الجامعية، لكنه مالبث أن انقطع عن الدراسة، بعد أن فتر اهتمامه بها، وعاد إلى كالكوتا دون أن ينال أي شهادة.

حياته الخاصة

طاغور وزوجته مريني ليني سنة 1883

تزوج طاغور سنة 1883 وهو في الثانية والعشرين من العمر بفتاة في العاشرة من العمر، مرينا ليني، شبه أمية أنجب منها ولدين وثلاث بنات. أحبته زوجته بشدة فغمرت حياتهما سعادة وسرور، فخاض معها في أعماق الحب الذي دعا إلى الإيمان القوي به في ديوانه “بستاني الحب” حتى قال فيها طاغور:

لقد هلت الفرحة من جميع أطراف الكون لتسوي جسمي
لقد قبلتها أشعة السماوات، ثم قبلتها حتى استفاقت إلى الحياء
إن ورد الصيف المولي سريعا قد ترددت زفراته في أنفاسها
وداعبت موسيقا الأشياء كلها أعضاءها لتمنحها إهاب الجمال
إنها زوجتي لقد أشعلت مصباحها في بيتي وأضاءت جنباته

توفيت زوجته وهي في مقتبل العمر، ولحق بها ابنه وابنته وأبوه في فترات متلاحقة متقاربة ما بين عامي 1902 – 1918، فخلفت تلك الرزايا جرحاً غائراً في نفسه.[8]

حياته الأدبية

شهدت الثمانينات من القرن التاسع عشر نضج تجربة طاغور الشعرية، إذا نُشر له عدداً من الدواوين الشعرية توّجها في عام 1890 بمجموعته “ماناسي” المثالي، التي شكلت قفزة نوعية، لا في تجربة طاغور فقط وإنما في الشعر البنغالي ككل. في العام 1891انتقل طاغور إلى البنغال الشرقية (بنغلاديش) لإدارة ممتكلكات العائلة، حيث استقر فيها عشر سنوات.

هناك كان طاغور يقضي معظم وقته في مركب (معد للسكن) يجوب نهر بادما (نهر الغانغ)، وكان على احتكاك مباشر مع القرويين البسطاء. ولقد شكلت الأوضاع المعيشية المتردية للفلاحين، وتخلفهم الاجتماعي والثقافي موضوعاً متكررا في العديد من كتاباته، دون أن يخفي تعاطفه معهم. ويعود أروع ماكتب من نثر وقصص قصيرة تحديدا، إلى تلك الحقبة الثرية “معنويا” في حياته، وهي قصص تتناول حياة البسطاء، آمالهم وخيباتهم، بحس يجمع بين رهافة عالية في التقاط الصورة وميل إلى الفكاهة والدعابة الذكية، التي ميزت مجمل تجربته النثرية عموما. لقد عشق طاغور الريف البنغالي الساحر، وعشق أكثر نهر باداما. الذي وهبه أفقا رحبا لتجربته الشعرية الغنية، وأثناء تلك السنوات نشر طاغور العديد من الدواوين الشعرية لعل أميزها “سونار تاري” (القارب الذهبي،2010) إضافة إلى مسرحيات عدة أبرزها “تشيترا” (1892).

في العام 1901، أسس طاغور مدرسة تجريبية في شانتينكايتان، حيث سعى من خلالها إلى تطبيق نظرياته الجديدة في التربية والتعليم، وذلك عبر مزج التقاليد الهندية العريقة بتلك الغربية الحديثة، واستقر طاغور في درسته مبدئيا، التي تحولت في العام 1921 إلى جامعة فيشقا-بهاراتيا أو (الجامعة الهندية للتعليم العالمي). وكانت لسنوات من الحزن والأسى، جراء موت زوجته واثنين من أولاده، بين العامين 1902 و1907 أثره البين في شعره لاحقا التي عكست تجربة شعرية فريدة من نوعها، تجلت أوضح مايمكن في رائعته “جينجالي” (قربان الأغاني،1912).

أعماله

قدم طاغور للتراث الإنساني أكثر من ألف قصيدة شعرية، وحوالي 25 مسرحية بين طويلة وقصيرة وثماني مجلدات قصصية وثماني روايات، إضافة إلى عشرات الكتب والمقالات والمحاضرات في الفلسفة والدين والتربية والسياسة والقضايا الاجتماعية، وإلى جانب الأدب اتجهت عبقرية طاغور إلى الرسم، الذي احترفه في سن متأخر نسبيا، حيث أنتج آلاف اللوحات، كما كانت له صولات إبداعية في الموسيقى، وتحديدا أكثر من ألفي أغنية، اثنتان منها أضحتا النشيد الوطني للهند وبنغلاديش.

الرسم والأغاني

إلى جانب عبقرية طاغور في الأدب فقد بدأ يرسم في مرحلة متأخرة من حياته، وهو في الستين من عمره، وأقام عدة معارض ناجحة أحدها في باريس بناء على نصيحة أحد أصدقائه كان يقول طاغور:”عندما بدأت أرسم لاحظت تغيراً كبيراً في نفسي، بدأت اكتشف الأشجار في حضورها البصري، بدأت أرى الأغصان والأوراق من جديد، وبدأت أتخيل خلق وإبداع الأنواع المخلفة منها، وكأنني لم أر هذه الأشجار مطلقا من قبل أنا فقط كنت أرى الربيع، الأزهار تنبثق في كل فرع من فروعها، بدأت اكتشف هذه الثروات البصرية الهائلة الكامنة في الأشجار والأزهار التي تحيط بالإنسان على مدى اتساع بموه”.[8]

“الراقصة” حبر على ورق لطاغور

لقد جاء الحب.. وذهب
ترك الباب مفتوحاً
ولكنه قال انه لن يعود
لم اعد أنتظر إلا ضيفاً واحداً
انتظره في سكون
سيأتي هذا الضيف يوماً
ليطفئ المصباح الباقي..
ويأخذه في عربته المطهمة
بعيداً.. بعيدا..
في طريق لا بيوت فيه ولا أكواخ”[8]

يقول طاغور: “حين أفكر في الغبطة التي تبعثها هذه الكلمات في عِطْفيّ، أدرك قيمة الدور الذي يؤديه الجرس اللفظي والقافية في القصيدة، إن الكلمات تفيء إلى الصمت، ولكن موسيقاها تظل ممتدةً، ويبقى صداها موصولاً بالسمع، وهكذا فإن المطر ما يزال يهمس وأوراق الأغصان ما تني ترتعش حباً، حتى الآن في ذاكرتي”.[9] ألف طاغور حوالي 2،230 أغنية، ومعظم أغانيه كانت مستقاه من أدبه، من قصائده ومسرحياته وقصصه ورواياته.

جائزة نوبل

كان طاغور الآن قد تجاوز الخمسين من عمره ورغم غزارة إنتاجه وتنوعه، إلا أنه لم يكن معروفا تماما خارج محيطه. بيد أن هذه الحال تغيرت فجأة، وبدا أن الشهرة على الصعيدين المحلي والعالمي، كانت تتحين الفرصة لأن تطرق بابه. ففي عام 1912 سافر طاغور إلى إنجلترا، للمرة الأولى، منذ أن ترك الجامعة، برفقة ابنه. وفي الطريق، بدأ طاغور يترجم آخر دواوينه: “جيتنجالي” إلى الإنجليزية. وكانت كل أعماله السابقة تقريبا قد كتبت بلغته البنغالية، لقد قرر ترجمة المجموعة الأخيرة من باب التسلية، ولقتل وقت السفر الطويل بحرا دون أن يبتغي شيئاً من ترجمته.

عند وصول طاغور إلى إنجلترا، علم صديق مقرب منه ويدعى روثنستاين، وهو رسام شهير التقاه طاغور في الهند، بأمر الترجمة، وطلب منه الإطلاع عليها. وافق طاغور على ذلك، لم يصدق الرسام عينيه، لقد كانت الأشعار أكثر من رائعة، وبدا كما لو أنه وقع على اكتشاف ثمين، فاتصل بصديقه الشاعر دبليو.بي بيتس الذي دهش بتجربة طاغور، فنقح الترجمة وكتب مقدمة لها بنفسه.

ظهر ديوان “قربان الأغاني” باللغة الإنجليزية في سيبتمبر من العام 1912. لقد عكس شعر طاغور حظورا روحيا هائلا وحوت كلماته المنتقاة بحساسية فائقة جمالا غير مستهلك، لم يكن أحد قد قرأ شيئا كهذا من قبل. وجد الغربيون أنفسهم أمامهم لمحة موجزة وإن كانت مكثفة للجمال الصوفي، الذي تختزنه الثقافة الهندية في أكثر الصور نقاءً وبوحاً ودفئاً. وفي غضون أقل من سنة، في العام 1913، نال طاغور جائزة نوبل للآداب، ليكون بذلك أول أديب شرقي ينالها. وفي العام 1915 نال وسام الفارس من قبل ملك بريطانيا جورج الخامس، لكنه خلعه في العام 1919 في أعقاب مجزرة أمريتسار سيئة الصيت، والتي قتلت فيها القوات البريطانية أكثر من 400 متظاهر هندي.

وفاته

أمضى طاغور ماتبقى من عمره متنقلا بين العديد من دول العالم في آسيا وأوروبا والأمريكتين، لإلقاء الشعر والمحاضرات والإطلاع على ثقافة الآخرين، دون أن ينقطع عن متابعة شؤون مدرسته، وظل غزير الإنتاج حتى قبيل ساعات من وفاته، حين أملى آخر قصائده لمن حوله، وذلك في أغسطس من العام 1941 في أعقاب فشل عملية جراحية أجريت له في كالكوتا، وقد توفى طاغور عن عمر يناهز 80 عاماً.

أهم أفكاره

  • نبذه لفكرة التعصب والتي سادت بين كثير من الطوائف والأديان في الهند المقسمة وتجلى ذلك في روايته (جورا) التي فضحت التعصب الهندوسى فتسبب ذلك استياء أهله ، فسافر إلى إنجلترا عام 1909 ليصيب شهرة بعد ترجمة العديد من أعماله للغة الإنجليزية.
  • محبة الإنسانية جمعاء بدلاً من التمسك بالحب الفردى والخاص وكان ذلك بعد فقده لأمه وانتحار شقيقته وكذلك وفاة زوجه وثلاثة من أطفاله ووالده.
  • اختلافه مع الزعيم الروحى الهندى غاندي الذي اعتمد على بساطة العيش والزهد كسلاح لمقاومة الاستعمار الانجليزى وهو ما رآه طاغور تسطيحاً لقضية المقاومة وهو أول شاعر آسيوي حصل على جائزة نوبل.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.