اسم المؤلِّف: صبري يوسف
عنوان الكتاب:حوار مع الذّات، ألف سؤال وسؤال
الجزء الثَّاني
حوار
الطَّبعة الأولى: ستوكهولم 2017
الإخراج، التَّنضيد الإلكتروني، والتَّخطيطات الدَّاخليّة (المؤلِّف)
تصميم الغلاف الفنّان التّشكيلي الصَّديق جان استيفو
صور الغلاف للأديب التَّشكيلي صبري يوسف
حقوق الطَّبع والنَّشر محفوظة للمؤلِّف

دار نشـر صبري يوسف
[email protected]
FB: Sabri Yousef
(محرر مجلة السلام)

Sabri YOUSEF
Storbyplan 27 BV
163 71 Spånga SWEDEN
الإهداء:
أهدي هذا الحوار الموسوعي:
“حوار مع الذّات، ألفُ سؤال وسؤال”،
إلى كلِّ إنسانٍ يسعى إلى تحقيق
السَّلام والوئام بين البشر
في كلِّ بقاعِ الدُّنيا

مُقَدِّمَة

أحاور ذاتي بذاتي؛ لأنَّني لن أجد محاوراً على وجه الدُّنيا ممكن أن يفهم ذاتي مثلما أفهمها، ولا يستطيع أيُّ صحافي في الكون أن يضع أسئلة تغوص في عوالمي العميقة الّتي ممكن أن أقدّمها أنا نحو ذاتي؛ لهذا قرّرتُ -وأنا أعبر عتبات السّتين- أن أحاور ذاتي ألفَ سؤالٍ وسؤالاً، ألخِّصُ عبر تساؤلاتي آرائي وتطلُّعاتي وآفاقي في الحياة، ما دام لم ولن أجد من يحاورني بهذا الإيقاع، ولا من يحاور بهذه الطَّريقة الشَّاملة الشَّفيفة العميقة الرَّهيفة، ولا يمكن أن تخطر على بال أيِّ صحافي أو محاور؛ لهذا وجدتُ نفسي مندفعاً لهذا الحوار بكلِّ تفاصيله، الَّذي سيكون خلاصة فهمي لنفسي أولاً، وللحياة ثانياً، ولأدبي وفكري وفنِّي ثالثاً وأخيراً، ويبدو لي أنّنا نحنُ البشر لا نفهم أغلب الأحيان ذواتنا، كما لا نفهم ذوات الآخرين في الكثير من الأحيان؛ لأنّنا غامضون عن أنفسنا؛ وبالتَّالي سنكون غامضين عن الآخرين أيضاً.
من هذا المنطلق أودُّ أن أغوص عميقاً في حيثيات حواري مع الذّات؛ ذاتي، وأحاول كشف المستور إلى أقصى الحدود، خاصّة ما يتعلَّق بالحياة، والكون، والطُّموح، والآمال، والأحلام، والأهداف، والإبداع، والحبّ، والطُّفولة، واليفاعة والشَّباب، ورحلتي الفسيحة في الحياة، تاركاً نفسي تحلِّق في أقصى ما يمكن أن يُقال؛ كي تكون مكنوناتي عبرةً لغيري على مرِّ الزّمان؛ لأنَّ البشرَ عبارة عن آمال وأهداف وطموحات متماثلة في الكثير منها مع البشر، لكن الكثير من هذه الآمال تنمو في دواخلنا، تكبر وتكبر وتبقى حبيسةً في داخلنا، نرحل عن الحياة وتبقى غارقة في دواخلنا، فلماذا لا نكشفها قبل أن نرحل، ونعرضها للأجيال؛ كلِّ الأجيال القادمة عبر كلّ العصور؟!

صبري يوسف


ــــــــــــــــــــــــــــــ
حوار مع الذَّات
ألف سؤال وسؤال
الجزء الثّاني

101.لماذا التحقتَ بالصَّف الخاص مع أنَّ معدّلات النَّجاح كانت تخوِّلك للالتحاق بالأدب الإنكليزي، وسائر المواد النَّظريّة من: حقوق، وفلسفة، وأدب عربي، وسائر المواد الاجتماعيَّة؟
قرّرت بعد نجاحي في الثَّانويّة العامّة، القسم الأدبي أن ألتحقَ بالصَّف الخاص، كأقرب طريق إلى تأمين لقمة الخبز؛ على أمل أن أخطِّط لاستكمال دراساتي الجامعيَّة لاحقاً بعد الانتهاء من دراسة الصَّف الخاص، ولم أتمكّن من متابعة دراستي في قسم الأدب الإنكليزي الَّذي كنتُ شغوفاً به إلى أبعد الحدود؛ بسبب الظّروف الاقتصاديَّة الصَّعبة؛ حيث دراسة أربعة سنوات متواصلة في جامعة حلب أو دمشق ترهق كاهل الأسرة، المرهق بالأساس؛ ولهذا أقلعت كلِّيّاً عن التّفكير بدراساتي الجامعيَّة؛ لأنَّ الموضوع كان بالنّسبة إليّ محسوماً، ولا يتحمَّل أيَّ نقاش؛ لأنّ أوضاع إخوتي الأكبر منّي كانت صعبة أيضاً، ولا يمكن لأيِّ واحد منهم أن يخصِّص مبلغاً ما من راتبه لمتابعة دراساتي الجامعيّة؛ لهذا قرّرت الالتحاق بالصّف الخاص دورة (1976م) وكانت آخر دورة لنظام السَّنة الواحدة، وقد شجّعني على الالتحاق أكثر أنَّ مديريَّة التَّربية كانت تمنح الطَّالب شهريّاً مبلغ مائة وعشرين ليرة تقريباً أثناء دراسته، وكان هذا المبلغ يكفي لإيجار غرفة ومصاريف خفيفة، وهكذا ما كان عليّ سوى أن أدرس الصَّف الخاص، حسماً للظروف الّتي كنت أمرّ بها، مع أنّه لو تمَّت دراسة وضعي داخل الأسرة، وكوني كنتُ متفوّقاً وشغوفاً ومتحمّساً لدراسة الأدب الإنكليزي، لكان ممكناً حلّ هذا الأمر، حتّى ولو تطلّب الأمر استدانة كامل مبلغ المصاريف المترتّبة عليّ على مدى أربع سنوات، علماً أنّني كنتُ أعمل في عطلة الصّيف، ولكن بعض الأسر الفقيرة المخلخلة تزداد حلولها خلخلةً في مثلواقعكهذا، ولا يفكِّرون بالحلول أصلاً، ولو تابعت دراساتي في حينها بالجامعة؛ لكانت حياتي ستتغيَّر جذريّاً؛ لأنَّ الدِّراسة ما كانت مهمّة عندي فقط، بل تحقيق رغبتي في متابعة الدِّراسة كانت أكثر أهمّيَّةً. وهكذا اضطررت أن أقلب هذه الصّفحة؛ نظراً للضغوط الَّتي كنت أمرُّ بها، والطَّريف بالأمر أنَّني في صيف (1975م) وبعد حصاد البيقيا، التحقتُ بالعمل مع عمِّي في البناء أنا وابنه شكري، وقد اشتغلت (30) يوماً متواصلاً عدا أيام الأحد؛ كي أوفّر بعض المال لمصاريفي في الصّف الخاص، وبعد أن عملت (30) يوماً، قال لي عمِّي: يا بني،) لك عندي (300) ليرة سورية مقابل (30) يوماً، وقد طلبتُ ديوني من أخيك الكبير، حيث استدان منِّي (500) ليرة سورية أثناء زواجه منذ شهرين، فقال لي: تستطيع يا عمي أن تقتطع (300) ليرة الَّتي عملها معك صبري من ديوني، فقال عمِّي: سأخبِّر صبري بهذا الأمر، وفعلاً خبّرني وشعرتُ أنّني محرج جدّاً؛ حيث كنت في موقف أن يساعدني عمّي وأخي وكلّ الأسرة، وإذ بهم يوجّهون أنظارهم نحو ليراتي القليلة الَّتي أنتجتها كعامل بناء، وافقت من منظور التَّعاطف مع أخي، ومن جهة أخرى لم أرِدْ أن أحرجَ عمّي، لكنّي شعرتُ وكأنَّ زلزالاً وقعَ فوق رأسي؛ لأنّني بعد شهرين سألتحق بالصّف الخاص، وأحتاج لبعض المصاريف الجانبيّة، ولم يكُنْ معي مصاريف تغطية إيجار سيرفيس تاكسي من ديريك إلى الحسكة؛ لأنّ الصَّف الخاص كان في مدينة الحسكة، وهكذا ذهب جهد ثلاثين يوماً لتسديد ديون أخي، وشعرتُ بالأسى والحزن العميق، وأستغرب كيف يوافق المرء في الشَّرق نتيجة تربية وعلاقات أسرويّة، وكرمال فلان وفلان و ….، كيف يوافق على هضم حقّه، ولا يناقش، ولا يطالب بحقّه؟ برأيي كان من المفروض أن أرفض رفضاً قاطعاً هذا الأمر، وأقول لعمِّي: يا عمِّي، من جهتي أريد مساعدة أخي، وتسديد قسماً من ديونه، لكنّي أحتاج لهذا المبلغ أكثر من تسديد ديونه، وبإمكانه هو أن يسدِّد لك ديونه من راتبه وعلى مراحل إلى أن يصفِّي ذمّته، ولكن العادات والتَّقاليد الشّرقية السَّخيفة الَّتي كما قلت في جواب آخر تقولب المرء بعادات غريبة الأطوار أحياناً، ومسايرة هذا وذاك، ولا ينشأ الطّفل والمراهق والشّاب على بناء شخصيّة مستقلّة، عمليّة ومنطقيّة، لهذا نراه يقع في أخطاء مريرة، مع أنّني في أعماقي شعرتُ أيضاً أنّني قمتُ بواجب أُسري معيّن؛ وهو تسديد جزءٍ من ديون أخي، لكن هذه المشاعر لو درسناها بدقّة لوجدنا أنها مشاعر مريرة من حيث النّتائج، فما فائدة أن يشعر المرء أنّه قام بواجبه تجاه أخيه وأسرته، وهو نفسه محطّم، وفي حالة يُرثى لها؟ ما فائدة أنّني قمت بواجبي تجاه الأسرة، ولا أقوم بواجبي تجاه حقّي في الحياة، وأنا بأمس الحاجة إلى هذا الحق؟! لهذا أرى أنّ مسألة التَّضحية -كفكرة في هذا السِّياق- هي مسألة سخيفة من حيث المنطق، ولو درسنا حتّى مسألة التَّضحية في قضيّة الدّفاع عن الوطن وما شابه ذلك من تضحيات، فإنها برأيي مسائل سخيفة وتافهة جدّاً في الكثير من الوجوه؛ لأنَّ الوطن – أيَّ وطن على وجه الدُّنيا- من المفروض عليه أن يدافع عن المواطن وكيان المواطن؛ لأنَّ الإنسان أغلى من أوطان الكون برمّتها، وكل الحروب الّتي نشبت في العالم، وكل الَّذين ضحَّوا بأنفسهم؛ دفاعاً عن الوطن، هو دفاع سخيف والحروب سخيفة والأهداف سخيفة أيضاً؛ لأنَّ الَّذين ضحَّوا بأنفسهم ماتوا، والوطن ما يزال وطناً، وهو باقٍ سواء ضحَّى فلان أو لم يضحِّ، لهذا أعدُّ كل سياسات العالم من دون أي استثناء عندما تضحِّي بمواطنيها وتزجّ بهم في حروب، ويتعرّضون للقتل، سياساتٌ فاشلة، ولا تفهم بالسِّياسة إطلاقاً؛ لأنَّ السِّياسة الرّشيدة والحكيمة والحضاريّة والإنسانيّة، عليها أن تخطِّط كيف تحافظ على بنيها ومواطنيها وتجنّبهم الحروب، وهذا الموضوع شائك وطويل، ولا يمكن وضع النِّقاط على الحروف على عجالة؛ لأنّ الإنسان مهم، وحقوقه مهمّة؛ لهذا أتساءل: لماذا أعمل (30) يوماً ليل نهار وأنا الشّاب الضَّعيف البنية، وبأمس الحاجة إلى نتاج عملي؛ أقدّمه لتسديد ديون أخي؟ .. وإن السُّكوت على حقٍّ كهذا هو ثقافة شرقيّة سخيفة، والتَّعاون في مواقف كهذه، هو تعاون قائم على الظّلم، فلماذا الأسرة والأسرة الكبيرة لم تتعاون معي وتدعمني وتقدِّم لي المساعدة بأيّة طريقة؛ كي أستكمل دراساتي؟!
لا شك أنَّ التّعاون ومساعدة الأهل مهم وضروري؛ لكن عندما يتمكّن المرء من القيام بهذا التّعاون، وهكذا عدتُ إلى نقطة الصّفر، وعملت شهراً كاملاً آخر، واتفقت مع عمِّي بأن يسلِّمني حقِّي لي؛ كي أقدِّم أوراقي وقال ابن عمي شكري لوالده: عليك أن تعطي (300) ليرة سوريّة مقدِّماً لصبري؛ لأنّه يحتاجإلى هذا المبلغ الآن، وسيسدِّده لك بالعمل، وقدَّم لي (300) ليرة قائلاً: تفضّل، دبّر أمورك في هذه الفلوس، وتستطيع أن تعمل معي لتسدّدها على راحتك! قبضت (300) ليرة، وبعد أن تمَّ فتح باب التَّسجيل في الصّف الخاص، ذهبت إلى الحسكة وسجَّلت في الصّف الخاص، اندهشَ أمين السّر عندما شاهد علاماتي، لكنّه عرف أنّ الظّروف جعلتني أطرق هذه الأبواب، وتمَّ قبولي مباشرةً، وبدأتُ أرتّبُ أموري؛ لأخوضَ مشوار رحلتي الجديدة!
102. تقدّمت إلى الصّف الخاص، وفي أعماقِكَ غصّة الغصَّات؛ لأنّك لم تتابع دراسة الأدب الإنكليزي!
فعلاً تقدّمتُ إلى الصّف الخاص وفي أعماقي غصّة الغصّات؛ لأنّني لم أتابع دراستي في قسم اللُّغة الإنكليزيَّة، وقد اضّطررت للالتحاق بالصّف الخاص؛ منصاعاً للظروف القاسية الّتي تتحكّم بمصيري ومصير آلاف الطّلاب والطَّالبات أمثالي، وبهذا السِّياق أودُّ أن أشير إلى أنًّ تأمين حقّ الطّالب في مواصلة دراساته في أيِّ تخصُّص من التَّخصُّصات واجب يقع على الدَّولة ذاتها في أيّة دولة من دول العالم، حتَّى ولو كان تقديم المساعدة للطلَّاب والطّالبات كقروض؛ لأنّ الدُّول الّتي لا تهتمُّ بطلَّابها وطالباتها دول متخلّفة، وستبقى متخلّفة مهما حاولت اللِّحاق بالدّول المتقدِّمة، والغريب بالأمر أنَّ سوريا مثلاً والعراق تعدَّانِ من الدّول الغنيّة والنّفطيّة وخاصّة العراق المعروف بقدراته النّفطيّة العالية، ومع هذا نراهما يرزحان تحت وطأة القحط المريع الآن، وقد عادا مئات السِّنين إلى الخلف اقتصاديّاً وسياسيّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً، وعلى أكثر من ألف صعيد وصعيد! أَمَا كانت الأموال الّتي هُدِرَت في هذه الحروب العقيمة تكفي لتدريس آلاف بل ملايين الطُّلاب والطَّالبات منذ نشوء الدَّولتين حتّى تاريخه، فلماذا لم تقدِّما ومعهما بقيّة الدُّول العربيّة لمواطنيهم كلّ ما يحتاجونه من رعاية واهتمام ودراسة؟! بل تزجُّ بالمواطنينفي حروب جوفاء عقيمة مريرة، أقل ما يمكن أن أقول عن صانعيها ومصنِّعيها: إنَّهم مجانين من الطّراز الرّفيع.
كم أشعر بالحزن والأسى والأنين عندما أرى واقع الحال السُّوري والعراقي وأغلب العالم العربي وما يجاوره بهذا الشَّكل المزري، لماذانرى دولة مثل السُّويد لها حضارة حديثة العهد؛ وحضارتها ليست آلاف السِّنين بل هي مئات السّنين، ولا نفط عندها ولا غاز، ومع هذا كل طفل يولد في السُّويد، لمجرّد عنده الإقامة في السُّويد له كلّ الحق في العيش، والحياة، والطّبابة، والدّراسة، حتّى ولو وُلِد ولادة غير شرعيّة، وتُعِدُّه الدَّولة السّويديّة طفلاً شرعيّاً، ويولد في أفضل مستشفى ولادة طبيعيّة، ويتمُّ تسجيله في اسم أمّه لو لم تتمكّن من العثور على والده الّذي مارس العشق مع أمّه وعبر البحار أو غاب عن الأنظار، لكن الدَّولة السُّويديّة تقدِّم واجبها بالكامل لهذا الطّفل غير الشّرعي، وتعدُّه شرعيّاً أمام كلّ ما هو شرعي وقانوني، كما تقدّم لكلِّ أبنائها وبالمستوى نفسه. وكم يؤلمني أن أرى الفرق شاسعاً ما بين السُّويد وبلادنا كالفرق ما بين الأرض والسَّماء، وليس لأنّني أقيم في الغرب أقول هذا الكلام؛ بل لأنَّ واقع الحال هو هكذا، فلماذا نجدُ الأطفال في دنيا الشَّرق يتضوَّرقسمٌ كبيرٌمنهم جوعاً، ولا يستطيعون متابعة دراساتهم، ولا يستطيعون أن يفتحوا بيوتاً ويتزوَّجون، مع أنّ اقتصاد بلادنا أفضل بكثير من اقتصاد هذه البلاد؟! وكلّ هذا يدلُّ على أنَّ سياسات الشَّرق سياسات فاشلة لأبعد الحدود، حتَّى قبل أن تتفاقم هذه الحروب والويلات، وأصلاً نجمَ ما نجمَ؛ بسبب فشل البلاد والأنظمة، لكن للأسف الشَّديد لم تتم معالجة الخطأ، بل تمَّت مضاعفة الخطأ وتحويله إلى كوارث لا يمكن تصديقها في القرن الحادي والعشرين؛ عصر التّكنولوجيا والتّسارع الكبير في تقدُّم المجتمع البشري، فإلى متى سيظلُّ الكثير من عالمنا الشَّرقي العربي بهذا التَّخلف والتّصارع المرير، وهو يمتلك ميزانيّات وإمكانيات كبيرة وطاقات خلّاقة، يستهلكها في دمار وخراب البلاد على رؤوس مواطنيها؟!
103. بدأت تكتب شعراً بالعربيّة والإنكليزيَّة خلال المرحلة الثَّانويّة، لماذا لم تستمر الكتابة بالإنكليزيَّة؟
نعم، كان لدي محاولات في كتابة الشِّعر بالعربيّة والإنكليزيَّة، لكنّ كتابتي قصائد باللُّغة الإنكليزيَّة كانت مجرّد محاولات، وقد كتبتُ ما يقارب (20) قصيدة شعريّة، إلَّا أنّها كانت محاولات شعريّة لا أكثر، وتتطلّب الكثير من المراجعات والتَّصويبات، كما تتطلَّب تدقيقاً من قبل مدقّقين لغويين بالإنكليزيَّة، ولم أستمرّ آنذاك في الكتابة بالإنكليزيَّة؛ لأنَّ كتابة الشِّعر بعمق تتطّلب لغة عميقة بحيث يتمكَّن الشَّاعر من أن يعبّر عن رؤاه الشِّعريّة وتدفُّقاته بسلاسة وانسيابيّة، وهذا ما لم يكُنْ متوفِّراً في معلوماتي الإنكليزيَّة؛ لأنَّ معلوماتي كانت مدرسيّة تعليميّة حفظيّة، وكنت أفتقر إلى الاطِّلاع بعمق على الأدب والشّعر والرّواية الإنكليزيَّة، ولأنّني لم أعمّق لغتي خلال مطالعاتي الخاصّة، ولم أتابع دراستي الإنكليزيَّة؛ لهذا لم استمر في كتابة الشّعر في هذه اللُّغة الَّتي كنت أعشقها حتَّى النّخاع، إضافةً إلى أنّني كنتُ أعبّر عن نفسي شعريّاً بالعربيّة بشكل أعمق، لهذا استمررت في الكتابة بالعربيّة، والشِّعر كما هو معروف هو لغة المشاعر الجامحة، لهذا يكتب الشَّاعر نصّه باللُّغة الّتي يجيدها ويحلم بها ويتمكّن من ناصيتها، ولكنِّي أشعر أيضاً في قرارة نفسي أنّني ارتكبتُ خطأ فادحاً في حقِّ نفسي؛ لأنَّني لم أتابع تحصيلي الدّراسي في اللّغة الإنكليزيَّة على أرض مملكة السُّويد، وكان من السَّهلعليَّ متابعة دراساتي لهذه اللُّغة الّتي عشقتها يوماً، بعد وصولي إلى السُّويد وحصولي على الإقامة الدَّائمة؛ لتوفّر كلّ الظّروف لتحقيق طموحاتي القابعة في حنايا الذّاكرة البعيدة، ولكن عدّة عوامل أدّت إلى تواري تحقيق هذه الطُّموحات، ويبدو أنَّ الأهداف والطُّموحات تتغيّر وتتبدّل من حالٍ إلى حال ومن ظرفٍ إلى آخر، وهذا ما سأجيبُ عنه في سياق محاور أسئلة أخرى تتعلَّق بتجربتي الاغترابيّة فيما يخصُّ دراسة اللُّغات والكتابة في اللُّغات الأجنبيّة وهموم المغترب، وقضايا إبداعيّة عديدة أخرى، ممكن الدُّخول في تفاصيلها؛ لأنَّ هذا السُّؤال يتعلَّق بتجربتي في الكتابة في الوطن الأم، ويدور حول بداية رحلتي في حمل القلم، والّتي استمرّت قرابة أربعين عاماً.
104. تحدَّث عن بداية مرحلة دراستك الصَّف الخاص نظام السَّنة الواحدة؟
التحقتُ بالصَّف الخاص قبل نهاية الفصل الأوَّل بشهر أو أكثر بقليل؛ لأنّ نتائج القبول تأخّرت في ذلك العام، مع أنَّ الدِّراسة كانت سنة واحدة وعلى مدى فصلين، وخلال هذين الفصلين لم ندرس أكثر من (4) شهور، وقد تخلَّل قسمٌ من دراستنا دروس الاستاج، الّتي كنّا نقدّمها دروساً تدريبيّة في المدارس الابتدائيَّة، كم أحنُّ إلى ذكريات هذه السَّنة الَّتي قضيتها في ربوع الحسكة، أقولها صراحةً: لم أتمتّع بقراءة منهاج الصَّف الخاص ولم يستهوِني، وقد حذفت ثلاثة أرباع المنهاج ولم أقرَأْه، وأرى أنَّ نصف المنهاج هو حشو، وممكن أن يكون كمرجع للمعلِّم والمعلّمة، قرأتُ القسم الأكبر من المنهاج بدون أيّة رغبة، أعجبتني المواد الَّتي كانت تحمل فكراً، تلك المتعلِّقة بالعلوم الاجتماعيّة والفلسفيّة والفكريّة وبعض المواد المتعلّقة بأصول التّدريس، بينما المواد الأخرى الكثير منها كنت أقرَؤُه بمللٍ كبير، حتّى أنّ أسلوب المنهاج والمواد المقرّرة كانت غير جيّدة والغريب بالأمر أنَّ مواد الصَّف الخاص كانت تعادل سنتين دراسيّتين، ونحن درسنا الصّف الخاص خلال خمسة شهور، ولدقّة كلامي بعد دورتنا أصبح الصَّف الخاص وبالمنهاج نفسه تقريباً، وأجمل ما في هذه المرحلة الدّراسيّة هي الصّداقات الرَّائعة الّتي ربطتني بأغلب الزُّملاء والزَّميلات، والوقت الجميل الَّذي قضيته مع الأصدقاء والأحبّة الّذين كنت ألتقيهم بين الحين والآخر!
عندما التحقت بالدّوام، لم يكُن لدي غرفة للإيجار؛ فاتَّفقت قبل ذهابي أن أسكن مؤقَّتاً مع كلٍّ من الأصدقاء: كريم متّو، توما عيسى، شكري سيسي، في بيت “صوصي” كما كان يطلق على إحدى صبايا أهل البيت، إلى درجة أصبح البيت مكنَّى باسمها! قضيتُ أوقاتاً طيّبة مع الأصدقاء، وكم حزنتُ عندما توفي الغالي شكري سيسي في مقتبل العمر، شاب وسيم طويل طيّب، كيف توفي بتلك القامة والعنفوان؟ شعرت بحزنٍ عميق للغاية، وكم أتخيّله وهو يناقش في الغرفة، وقد وزّع في إحدى طرائفه الغرفة إلى أربعة أقسام، جاءت الزَّاوية الركنيّة من نصيبي، وإلى يساري زاوية كريم متّو، ومن الجهة المقابلة توما ومقابله شكري، فوقف الرَّاحل شكري بكلِّ بهائه وهو يقول: من هون لهون الك، ومن هون لهون لكريم، ومن هون لهون لتوما، ومن هون لهون إلي! مساحة حصّته كانت المتاخمة لباب الغرفة، وقال: لا يحقُّ لأحد منكم أن يدوس على الأمتار المخصَّصة لي، ولا يحقُّ لي أن أدوس على المساحة المخصّصة لكم! ضحكتُ وقلت: يا كريم، بأيَّة طريقة سأخرج من الغرفةما دام أنّه لا يحقُّ لي أن أدوس على المساحة المخصَّصة لشكري؟ فقال لي: عندي فكرة قويّة لحل المشكلة، فقلت له: تفضّل، كلِّي آذان صاغية، إنَّ المسافة المخصّصة من زاوية توما حتَّى الباب هي بحدود متر وسبعين سم، أولاً خلِّي توما ينط وبعدين أنا وأنت نأتي عند مساحة توما وأحملك وأرميك لتوما، كلّك على بعض ما فيك خمسين كيلو، ضحكتُ وقلتُ: طيّب بلكي ما وصَّلتني لتوما أو بلكي توما ما يقدر يمسكني وأقع على رأسي، كان شكري يضحك ويردُّ قائلاً: مشان تتأدَّبوا تحطُّوني عند الباب! كنّا نضحك من أعماقِ قلوبنا، وخرجت بنتيجة مناسبة لشكري قائلاً: طيّب شو رأيك نعطيك ميّزة قوّية بحيث تسمح لنا أن نسير على المساحة المخصّصة لك؟ فقال: نسمع الميّزة أولاً ثم نحكم عليها! قلتُ له: كل يوم الجلي هو على واحد منّا، أنتَ كلَّما يأتي دورك على الجلي سيجليه واحد منّا وبالدور، في هذه الحالة ستتخلَّص من الجلي وستتخلَّص من مشكلة أن يرميني كريم وآجي على رأسي عندها ما راح تخلص من آل شلو، ضحكنا وقال شكري: صدِّق الاقتراح ممتاز وموافق بقوّة، أشكرك على هذه الميّزة الرّائعة. أسمع رنين قهقهاتنا، تتراءى أمامي قامة شكري والأصدقاء كأنّني أعيش تلك اللّحظات!
بعد حوالي شهر انتقلت إلى غرفة في علِّيّة بيت الأستاذ جان زكّو، علّية صغيرة بحدود (3 × 3.5) م كان فيها سريرٌ صغيرٌ، نقلت أغراضي كلّها، وقد ساعدني الشّباب في نقلها، أجّرتُ الغرفة الجديدة بـ (50) ليرة بما فيها الكهرباء والماء، وما كان يتوفّر فيها دوش، لكنَّ الأستاذ جان حلَّ موضوع الاستحمام بأن آخذ دوشاً في حمّامهم الكبير مرّتين في الأسبوع، أو بحسب الظّروف المتاحة، أتخيَّل أمامي بوضوح الأستاذ جان ووالدته وأخته بكلِّ ملامحهم، لكنِّي لا أستطيع تخيُّل والده، أم أنَّ والده كانَ متوفيّاً؟ لستُ أدري!
105. كيف تلقَّيتَ توبيخ مدرّس مادّة التّربية وعلم النفس عندما ضبطك المدرِّس، فيما كان يلقي محاضرته وأنت تكتب باللُّغة الإنكليزيَّة، فوبّخك على أنّك لا تنتبه إلى ما يقوله أثناء الدَّرس؟
.. “في صباح أحد الأيّام، فيما كان الأستاذ/ موسى حسين، مدرّس أصول التَّربية، يشرح الدّرس، وكان تقريباً يحفظ الدَّرس غيباً، وإذ به يمسكني بالجرم المشهود، قائلاً:
شو عم تعمل؟ انتبه عليّ، عم أشرح الدَّرس.
أنا أكثر من ينتبه عليك يا أستاذ!
كيف عم تنتبه علي، وشايفك عم تشخبط وتكتب بالإنكليزي)، من أوِّل الدّرس؟!
أنا عم أشخبط؟!
إيه أنتَ عم تشخبط، لكان شو عم تعمل؟!
يا أستاذ عم ألخّص شو عم تشرح بالإنكليزي!
شو قلت، عم تلخّص شرحي بالإنكليزي؟
إيه نعم، تفضَّل! هل تريد أن أشرح لك ماذا قلتَ بالعربي وما يقابله بالإنكليزي؟
طيِّب ليش ما تكتب بالعربي، مو أحسن لك؟!
لا مو أحسن لي!
وليش مو أحسن لك؟!
لأنَّني أريد أن أقوّي إنكليزيّتي وأحافظ عليها، وعربيّتي قويّة، ولا تحتاج للتقوية!
ضحك وقال: تقوِّي إنكليزيّتك في الصَّف الخاص؟!
ولِمَ لا، شو فيه الصَّف الخاص؟!
طيِّب طالما أنت مغرم باللُّغة الإنكليزيَّة إلى هذا الحدّ، لماذا لم تتابع أدب إنكليزي وتكتب محاضراتك على مزاجك بالإنكليزي؟!
عم تسخر منّي؟!
لا والله ما عم أسخر منّك!
تعرف يا أستاذ معدّلي باللُّغة الإنكليزيَّةكان الأوَّل على دفعتي في المالكيّة! وكنت مقبولاً بالمادّة وبالمجموع للالتحاق بقسم اللُّغة الإنكليزيَّة أو بأيِّ فرعٍ من فروع كلّيات الآداب في جامعات سوريّة!
لماذا إذاً التحقتَ بالصّفِّ الخاص؟!
لأنّه-كما قلتُ لغيرك- أقرب طريق إلى لقمة الخبز!
عندما وصل إلى لقمة الخبز، توقّف عندها وسحب تساؤلاته؛ لأنّه شعر من نبرة صوتي أنّني سأصعّد معه متفرّعات الحوار!
تابع الدَّرس، وتابعت تلخيص رؤوس أقلام بالإنكليزيَّة، وما كان هناك أيّة ضرورة للتلخيص بأيّةِ لغة؛ لأنَّ المقرّر كان متوفّراً عندنا!
أثناء الفرصة، جاءت الزَّميلة منتهى قائمقام، تسألني:
عن جد صبري كنت الأوَّل في دفعتك، وكنت مغرماً بمتابعة دراساتك ولكن …؟ وتوقَّفت عن السُّؤال!
إيه، فعلاً، وسأتابع يوماً ما، الآن أنا بصدد تأمين لقمة الخبز، والحصول على شهادة ما فوق محو الأمّيّة بقليل!
ضحكت منتهى وأنا أقول ما فوق محو الأمِّيّة بقليل!
صدّقيني، الصّف الخاص، بالنّسبة لطموحاتي أشبه بـمحو أمّيّة!
طيّب كيف وضعكم؟
وضعنا عادي، مثل وضع أي فقير من فقراء محافظتنا!
… تمرُّ السُّنون فوق جسد العمر، ولا نملك سوى أوجاعنا الضَّامرة في أعماقنا الخفيّة”.
106. ربطتكَ علاقة طيّبة مع زميلك جان يطرون، وأخيه أديب وأديبة، وأخيه صبحي يطرون، ومروان ووالدته ووالده، ماذا بقي في الذَّاكرة من هذا التَّواصل الحميمي مع آل يطرون؟
كم كانت هذه العلاقة طيّبة وجميلة ومبهجة للقلب والرُّوح، بقي هذا التّواصل الحميمي مع آل يطرون محفوراً في أعماق الذّاكرة، حيث بهاء الحفاوة والاحترام والمحبّة الّتي كانوا يمنحونها لي بطريقة جعلتني لا أشعر أنّني بعيد عن الأهل، أجل “هناك أصدقاء، لم ولن أنساهم أبداً، الصَّديق الغالي جان يطرون، زميل دراسة، وأصبح صديقاً بكلّ معنى الكلمة، وأصبحتُ صديقاً لكلِّ الأسرة، .. أسرة راقية، كنتُ أشعر بالفرح والحميميّة أثناء زياراتي لهم، شعور بأنّني في أحضان أسرتي، أنا المعروف بقرويَّتي وعفويّتي وفكاهاتي، تتراءى أمامي الزِّيارات الَّتي كنتُ أقوم بها لبيت جان يطرون، تستقبلني والدته بحنان كبير وبسمة دافئة، شعور بالفرح كان يغمرني عندما كانوا يتلملمون حولي ببشاشة غير متكلِّفة، جميلةٌ هي الحياة عندما تشعر أنّكَ أحد أفراد الأسرة في أسرة جديدة، لك فيها صديق أو صديقة، الحياة بسمة عطاءٍ، ومصداقية شعورٍ!
أين أنتَ يا جان الآن؛ كي أزرع شوقي بين أحضانكم الفسيحة وأبكي فرحاً من بهجة الحنين إلى أيَّامٍ كانت وستبقى مرفرفة فوق مروجِ الرُّوح؟ شوقٌ عميق إليك يا جان وإلى كلِّ أسرتكَ، وزوجتك الغالية الزَّميلة نظيرة اسيو، ولأخيك أديب، ومروان وصبحي أبو زكي، وأديبة وبقيّة أخواتك، والدٌ حنون وعائلة كادحة على شاكلة الفلّاحين المعجونين بعبق الحنطة….”.
107. أين تخبِّئ الزُّملاء والزَّميلات: عائدة قاطرجي، نظيرة اسيو، منى لولي، منتهى قائمقام، فلك، مَلَكي، غالب عبدو، جاكلين جرادي، راحيل كنعو، عبدالله النّزال، عبدالبصير الحسيني، محمّد رمضان، عطا، جميل برو، أميرة عبدالكريم، نهاد بصمة جي وعشرات الزَّملاء والزَّميلات الأجمل من الجمال؟
أخبِّئهم بين حنايا القلب ومروج الذَّاكرة، أفرشهم على مساحاتِ حنينِ الرُّوح، إلى دنيا من فرح، أجمل ما في دراستي في الصَّف الخاص أنَّ هؤلاء وأولئك الزّملاء والزّميلات مرَرْنَ في حياتي، كلّما أتذكّر الزُّملاء والزّميلات في الصَّف الخاص، وزملائي وزميلاتي في التَّعليم والتَّدريس وفي أيَّام الدِّراسة؛ تطفحُ عيناي شوقاً إلى ربوعهم الطَّيّبة، وأتساءل هل يوجد أجمل من البشر على وجه الدُّنيا؟ البشر أزاهيرُ فرحٍ فوقَ مروجِ الحياةِ، هل يوجدُ أجمل من منى لولى بكلِّ غنجها وبهائها وهي تسبِّل شعرها فينساب على كتفيها كشلّالٍ متناغمٍ مع خيوطِ الفرح، تسيرُ كأنّها هديّة منبعثة من إشراقةِ الصَّباح وهي تشقُّ طريقها في يومٍ ربيعي منعش للقلب، نحو معالم الصَّف؛ كي تنثرَ عبيرها في سماءِ المحبّة؟ تمرُّ الأيامُ والشّهور والسُّنون، وتبقى القامات شامخة في مزامير الذَّاكرة، عائدة قاطرجي حنانٌ منقطع النَّظير في هدوئها وثقتها وبهائها وطبيعيّتها، زميلة منشرحة الصَّدر، ترفرفُ على خارطة الذَّاكرة، كم مرة شربنا القهوة في بهاء حوشكم المتاخم من الجهة المقابلة لغرفتي في علّية بيت الأستاذ جان زكو، المتعانقة من الجهة الأخرى لمطرانيّة السّريان الأرثوذُكس، هل قرأتُ لكِ وأنعام فناجين القهوة أم أنّني ما كنتُ شغوفاً في حينها في قراءةِ الفناجين؟ أنعام قاطرجي أخت عائدة قاطرجي، وجه شامخ كأنّها مبرعمة من أزاهيرِ الصّباح، شوقٌ يتنامى إلى الزّمن البعيد القريب، وكأنّه يموج أمامي منذ أيّام قليلة، ما هذا الحنين المتلألئ في كينونتي إلى الزّمن الغافي بين أجنحة الرّوح، كأنّي مجبول من بسمةِ أطفالٍ يحنّون إلى أمّهاتهم وأحبّائهم في ليلة العيد؟ منتهى قائمقام: يا إله الفرح، يا إله الفرح، يا إله الفرح، كم كان حضورك مفرحاً يا منتهى الفرح، يا وجهاً مخضّلاً بألقِ الحياة، مراراً رأيتُ في شموخكِ بريق الأمل السَّاطع فوقَ خيوطِ القصائد، الحياةُ رحلةٌ عابرة مثل نسائم الرَّبيع، وأمّا “فلك” عريفة الصّف، فلا تسعفني كنيتها؛ لأنَّ كحل عينيها الأخضر كان يحوّل الحياة في غمضةِ عين إلى مروج خضراء، لربّما طغى اخضرار كحلها على كنيتها، فلك بسمة نضرة كندى القصيدة، وجهٌ تفاؤلي، حضورها متميّز، شاهقٌ شهقةَ الانبهار، يهابها مدرّس التّربية العامّة وعلم النّفس، مراراً بدا لي وهو يوقّع حصّته مرتعشَ اليدين، هل ارتعشت يداه وهو يوقّع على حصص التَّدريس من بهاء الحضور أم من شموخ الألق المتنامي حولَ بهاءِ الاخضرار؟
نظيرة اسيو قامة جانحة نحو ترتيلة متناغمة مع حبورِ السَّماء، تصيغُ من لهفةِ الحنين إلى منارةِ الأعالي أناشيدَ المحبّة، ترسمُ بأجنحةٍ مفتوحةٍ على هلالاتِ الغدِ الآتي انبعاثَ هديلِ اليمام، لا ترى أجملَ من نورِ السَّلامِ حرفاً يضيءُ فوقَ أغصانِ المحبّة، تبتسمُ لجان يطرون، رفيق دربها في ضياءِ أبهى شموعِ الحياة. جاكلين جرادي يا وردةً طافحة بـأناشيدِ الرّبيع، تحلِّقين مثلَ فراشةٍ فوقَ منعرجاتِ الدّرباسيّة، ترسمينَ ما يختلج في الذَّاكرة فوقَ تيجانِ الحياة؛ كي تعبري دروب المحبّة على تجلِّيات بوح السُّؤال، تهمسُ راحيل كنعو للعصافيرِ المهاجرة، تنتظرُ عودة البلابل إلى أعشاشها قبلَ أن تحطَّ فوق قارعة الحنين، حيث براري الدّرباسيّة في انتظارِ انبعاث اخضرار السّنابل فوقَ بساتينِ الرُّوح، فتهتفُ ملَكَي بقامتها الطّافحة ببهاء سمرةٍ معجونةٍ بأريجِ الزّنبق البرّي حيثُ بسمةُ الحياةِ مرتسمة على وجهها المنساب كزخّاتِ المطر، جانيت شمعون قامة رهيفة من خامةِ شموخ السَّنابل، تبحث عن خميرة الرّوح المنسابة من مآقي السَّماء حيثُ أناشيد السَّلام تتناهى من أعماقِ براري ديريك شوقاً إلى بخارِ الخبزِ المقمَّر، فترسمُ نهاد بصمة جي من الجهة المتعانقة مع أزاهيرِ الفرحِ المبرعم في ليالي ديريك المقمرة، تاركةً الحسكة معرّشة في مخيالها؛ كي تبني عشّاً مخضوضراً بأشهى عناقيد الكروم، وإذ بأميرة عبدالكريم تهتفُ بكلِّ ابتهالٍ لأسرابِ الحمام؛ كي ترسمَ فوقَ أجنحتها أغصان الزَّيتون وهي تحلِّق عالياً فوقَ مروجِ ديريك، وجهٌ يضيءُ شوقاً إلى أريجِ النَّرجس البرّي، حيثُ الورد الجوري يزدادُ عبقاً فوقَ خميلةِ الحياة، تذكّرني أميرة بأناقةِ الحرفِ وألقِ الكلمة، تبتسمُ لزميلتنا كلستان المرعي، فتنمو القصيدة فوق أزقّةِ الطُّفولة، وتزهرُ الأغاني على أراجيحِ الحنين!
تموجُ أمامي قامات الزُّملاء الأحبّة، غالب عبدو ومحمّد رمضان، ونحن نقرأ على أضواء المصابيح، نحضّر مقرّراتنا بعد أن أعدّ رمضان عشاءً شهيّاً، كم أكلنا بشهيّة مفتوحة على دندنات موسيقى الشِّمال، يضحكُ غالب فاتحاً صدره لنسيمِ اللّيل، يتقدّمُ رمضان نحوي قائلاً: الدِّراسة معكَ يا صبري تخلقُ لنا حافزاً عميقاً، يتقدّم عبد البصير الحسيني في ظهيرةِ يومٍ مندّى بأزهى ما في عذوبةِ السُّؤال، يسألنا بكلِّ فرحٍ وابتسامة الأمل مرتمسة على محيّاه، يضحكُ عطا، كأنّه في أوجِ استقبالِ بهجةِ اللّقاءِ، تاركاً الكلمة لجورج يعقوب وهم يضحكونمن أعماق القلبِ، وإذ بالعزيز العزيز جميل برو بحضوره العفوي يدخل على الخطِّ، ويقدّم لنا شطحةً من فكاهاته؛ فيزدادُ عندنا منسوب بهجة القهقهات! .. وهكذا نعبرُ البحارَ، وتبقى قامات الأصدقاء والصَّديقات والزُّملاء والّزميلات شامخةً على مساحاتٍ رحبةٍ من أهازيجِ الذّاكرة البعيدة!
108. تعمّقَت علاقتكَ مع الأستاذ سعيد زكو إلى درجة أنّه طلب منك أن تقدّم وعظة على المنبر، كيف تعرّفت على سعيد زكو، وكيف حضّرت الوعظة، ولماذا لم تستمر في هذا المنحى في الاتّحاد الإنجيلي؟
“.. التقيتُ مع الأستاذ سعيد زكُّو خلال دراستي الصَّف الخاص في مدينة الحسكة، ثمَّ تواصل معي، محاولاً أن يبشِّرني؛ كي يضمّني إلى الإخوة المبشِّرين، شخصيّة تبشيريّة هادئة ورزينة، وبدأ يدعوني إلى الكنيسة الإنجيليّة، وبعد أيّام أمطرني بالكتيّبات الدِّينيّة، وبدأت أقرأ بما يقدِّمه لي أكثر ممَّا أحضِّر منهاجي، مع أنَّ الوقت المخصَّص لقراءة المنهاج ما كان يكفيني، فدخل الأستاذ سعيد زكّو على الخطِّ دخولاً قويّاً، وخلال شهر طلب منّي أن أقدِّم وعظة على الإخوة الحاضرين، فوافقت على طلبه، وفعلاً حضر بعض الإخوة الإنجيلييِّن التّابعة للطائفة البروتستانتيَّة، وقف الأستاذ سعيد وبدأ يقدّمني إلى المنبر، قائلاً: معنا اليوم الأخ المؤمن صبري يوسف من المالكيّة وهو يدرس حاليّاً الصَّف الخاص؛ ليقدّم لنا وعظة اليوم، فصعدتُ إلى المنبر، وبدأت أشرح وعظتي، وفيما كنتُ أقدِّم تحاليلي عن الموضوع الَّذي اختاره الأخ سعيد لي؛ والَّذي كان يتمحور حول الخلاص؛ خلاص الإنسان المؤمن من الخطيئة ونيل الفردوس، انتابني الكثير من التَّساؤلات وأنا على المنبر، أليس من الأجدى لو أحضِّر مقرَّرات منهاجي من أن أقوم بتحضير وعظة عن خلاص الإنسان، هل هذه الوعظة ستخلِّصني من ورطة الامتحانات الَّتي أصبحت على الأبواب؟! ثمَّ أزحت هذه الفكرة من ذهني؛ كي أستطيع أن أمسك خيوط الوعظة دون أن أنسى بعض النّقاط الَّتي كنت بصدد عرضها على مسامع الحضور!
هدوء تام خيّم على الجوّ، ثمَّ استرسلت في الشَّرح والتَّفنيد، وشعرتُ أنّني أخذت وقتاً أكثر ممَّا هو مطلوب منّي؛ لأنَّ هناك بعض التَّساؤلات والمداخلات والنِّقاشات بعد الوعظة، فأومأ إلي الأستاذ سعيد على أن أقفل الموضوع الّذي أستعرضه على أساس أنَّني أعطيتُ الموعظة حقّها فلا داعي للاسترسال.
شكرته؛ لأنّه سمح لي بهذه الفرصة، ثمَّ قدَّم بعض الحضور مداخلات شكر لي، ولم يسألني أحد عن أيِّ سؤال عمَّا قدّمته، ثمّ بدأنا نرتِّل بعض التَّراتيل عن محبَّة المسيح ومحبّة الإنسان لأخيه الإنسان.
.. ثمَّ خفَّ حضوري عن اللِّقاءات والوعظات الأسبوعيّة، إلى أن انقطعتُ كلِّيّاً عن حضور الوعظات واللّقاءات، ولم أتواصل مع الأخ سعيد من حينها؛ لأنَّ تطلُّعاتي منذ البداية ما كانت تصبُّ في مسألة التَّبشير، أنا سرياني أرثوذكسي فلا أريد أن أدخل في قضايا التّبشير والطَّوائف؛ لأنّني لم أحمل طموحاتٍ دينيّة، جل تفكيري فيما يخصُّ الأديان هو احترام الأديان ككلّ والاكتفاء بسريانيّتي الأرثوذكسيّة؛ لأنَّ السّيد المسيح تكلّم الآراميّة؛ أي السّريانيّة وبهذا يُعتبر سريانيّاً من حيث النَّسب اللَّغوي، هكذا كنتُ أنظر إلى أهمِّيّة سريانيّتي، ولم أتوقّف في أيّة مرحلة من مراحل عمري عند الموضوع الدِّيني إلّا من باب واسع ورحب، ويصبُّ فيما هو إنساني واحترام كلّ الأديان، وتقديم أبهى ما لدي ولدينا للبشر كلَّ البشر!”..

109. ما قصَّة الغناء بالإنكليزيّة، والسّلام الّذي وصلكَ من جميل برو عن طريق أستاذ جرجس بهنان؟
” .. وصلني من الصَّديق الزّميل جميل برو، سلامٌ بعد سنوات من نجاحي في الصَّف الخاص عن طريق الأستاذ جرجس بهنان أبو حيّان! فقد التقى جميل برو مع الأستاذ جورج، ونطلق على الأستاذ جرجس بهنان الأستاذ جورج، بينما تتمُّ كتابة اسمه في السّجلات جرجس! قال لي: أنَّ جميل برو من الحسكة يسلِّم عليّ جزيل السٍّلام، ثمَّ أشار أن جميل أفاده بأنّني أغنّي بالإنكليزيّة أحلى الأغاني!
ضحكتُ، قائلاً: جميل برو قال لك: أنّني أغنّي أحلى الأغاني بالإنكليزيّة؟
قال أبو حيّان: نعم جميل قال لي بالحرف الواحد: “صبري غنّى لنا مراراً أغاني بالإنكليزيّة”.
وماذا ردّيتَ عليه؟
اندهشتُ عندما قال لي هذا الكلام، خاصَّة أنّني لم أسمع أبداً أنّك تغنّي بالعربيّة، فكيف دفعةً واحدة ستغنِّي بالإنكليزيَّة! شو القصّة، هل جميل كان يبالغ؟
لا، يا أستاذ، جميل برو ما كان يبالغ، هو شخص جميل، اسم على مسمَّى، القصّة وما فيها يا أستاذ، أنَّني أحبُّ الفكاهة، وأحبُّ أن أخلق أجواءً مرحة في الرّحلات وفي الاستراحات وفي اللِّقاءات المختلطة!
أيوه، لا حظت هذا في شخصيّتك.
كنَّا في رحلة من طلاب وطالبات الصَّف الخاص إلى حلب، وتعرف الطَّريق من الحسكة إلى حلب طويلة، فلا بدَّ من النِّكات والأغاني وخلق جوّ فكاهي؛ كي نقضي وقتاً ممتعاً في الطَّريق!
طيّب، وشو علاقة الرِّحلة بالغناء بالإنكليزي؟
جاييلك بالكلام، طوّل بالك يا أستاذ جورج!
تفضّل، معك خمس دقائق؛ لأنَّ بعد ذلك يجب أن تقرع الجرس، وحان وقت إدخال الطُّلاب إلى صفوفهم.
باختصار، أثناء الطَّريق غنَّينا بعض الأغاني الفولكلوريّة المحلّيّة، والأغاني الشَّعبيّة، والأغاني الَّتي نتقنها، ثمَّ وقفتُ وقلتُ للزملاء والزَّميلات: بالحقيقة عندي بعض الأغاني الإنكليزيّة الّتي كتبتُ كلماتها بنفسي، ولطشتُ ألحانها من بعض الأغاني السُّوريّة، فصفَّق لي الزُّملاء والزَّميلات وأوَّلهم جميل برو، وقال: معنا الآن المطرب صبري يوسف؛ ليقدِّم لنا وصلة باللَّغة الإنكليزيّة، تصفيق حاد!
كنتُ على وشك أن أضحك، لكنّي حاولت أن أتمالك أعصابي، وقلت لهم: سأغنِّي أغنية سميرة توفيق “لا باكل ولا بشرب بس بطلَّع في عيونك” فصفَّق الجميع مع تصفير، ثمَّ بدأت أترجم بشكل فوري وعلى إيقاع لحن الأغنية، مشترطاً عليهم أن يردِّدوا كل مقطع بمقطع، كان الضّحك مهيمناً على الكورث وعليّ، إلى درجة أنَّ سائق الباص نفسه ضحك وانخرط مع عوالمنا؛ ممّا أدَّى إلى انحراف الباص عن طريقه، وسار على الطَّريق التُّرابية بضعة أمتار، ثمَّ حصل هرج ومرج وقلق كبير؛ لأنَّنا شعرنا أن الباص سيهوّر بنا، واستقام سير الباص، وسألنا السَّائق: شو صار بالباص؟
ما صار شي، بس شردت قليلاً وبقيت معكم وبدأت أردِّد معكم وأضحك معكم، ونسيت نفسي؛ وإذ بالباص ينحرف عن الطَّريق قليلاً، الحقّ كلّه على صبري، راح يودِّينا في ستِّين داهية لو ظلَّ يغنِّي لنا بالإنكليزيّةبهذه الكوميديا الفكاهيّة!
يا شيخ الشَّباب، يعني راح تحطّ كل شي في رقبتي! يا أخي أنا عم أغنِّي، ما عم أسوق الباص، هل تريدني أن أغنّي وأغير الألحان إلى الأغنية الإنكليزيّة، وأقود الباص بنفس الوقت؟! مستحيل؛ لأنَّ التَّرجمة لوحدها تحتاج إلى صفاء ذهن وتركيز كبير، أليس كذلك أخي جميل؟!
أجابني جميل برو بكلِّ تأكيد تحتاج إلى تركيز وإلى توزيع الأغنية من جديد!
ضحك الجميع ثمَّ هدأنا قليلاً، وخيَّم صمت على كلِّ مَن في الباص، مستسلمين لاسترخاء، بعد ضحك وفرحٍ وغناءٍ على مدى ساعات!
دخل أستاذ جورج على الخطّ قائلاً: يعني لو قمنا برحلة مع الطُّلاب والمدرِّسين ممكن تغنِّي لنا بالإنكليزي؟
ممكن لكن بشرط؛ أن يرافقنا في الرّحلة الصَّديق جميل برو.
وليش تشترط وجود جميل برو، من أين سندعوه إلى الرّحلة وهو في الحسكة ونحن في ديريك؟!
أجبتُ: لأنَّ جميل أقوى مشجّع وأقوى كورث!
ضحك أبو حيّان، ثمَّ دقيّتُ الجرس؛ كي يدخلَ الطَّلاب إلى صفوفهم!”.
110. كيف قرأتَ خلال بضعة شهور مواد الصَّف الخاص، وكيف كانت دروس الاستاج التّدريبيّة؟
قرأتُ المواد على مضض، وحذفتُ قسماً من المواد، .. “تتراءى أمامي الآن قامات الزّميلات والزُّملاء مثل حلمٍ جميل يغفو فوق طيّات الغمام، وأتذكّر بعض النّقاشات الّتي كانت تدور بيننا في الاستراحات والرّحلات، وأثناء تقديم دروس “الاستاج” التَّدريبيّة، أتذكّر في إحدى تقييمات درس من الدُّروس الّتي قدّمتها على تلاميذ الصَّف الثّالث، بعد أن قدَّمتُ الدَّرس، أثناء النّقاش التَّقييمي، وجّهت لي الزَّميلة منى لولي ملاحظة نقديّة، لكنِّي اعتبرت ملاحظتها رائعة جدّاً؛ لأنّها خلقت فكاهة في النّقاش.
قالت: يا صبري أثناء الشّرح طوال الوقت كنتَ مبتسماً، وتقريباً كنتَ تضحك مع الطّالبات.
عندكِ فقط هذه الملاحظة؟.
بس هذه الملاحظة!
دافعتُ عن نفسي مبرّراً ابتساماتي في الدَّرس التَّدريبي قائلاً: طيّب هل تريدين منِّي أنْ أتجهّم في وجه التّلاميذ، أو تريدينني أن أبكي بدلاً من أن أكون مبتسماً وودوداً مع التّلاميذ؟!
فضحك كلّ الزُّملاء والزَّميلات بما فيهم منى نفسها والمدرّس المشرف على التّدريب، ثمَّ قالت منى: أفحمتني!
أجبتها: أنتِ يا عيني جبتِ القدُّوم لرأسك! فضحكَ الزُّملاء والزَّميلات من جديد.
نظر إليّ المدرّس المشرف على التّقييم، وقال: تعرف أستاذ، ..
نعم، تفضّل، أسمعك.
أخشى أن أقدّم لك ملاحظة ما، فتردُّ عليَّ كما ردِّيت على منى، فأفضل شيء أن أقول لك درسك كان رائعاً حتَّى ولو تخلَّله ابتسامات في منتهى الوداد مع التَّلاميذ!
فضحك الزُّملاء والزُّميلات مرة أخرى وضحكتُ من أعماقي، وقلت للمدرِّس: تعرف أستاذ.
فقال: نعم.
الآن أنتَ كبستني وأخذت حيف منى!
ضحكوا من جديد وقال: والله يا أستاذ ما نتخّلص منّك، نصفكَ ما نخلّص وننقدكَ ما نخلّص، ردودك قويّة وفكاهيّة وجاهزة!
أليس أفضل من أن يكون نقاشنا جافّاً ومتجهّماً!
صدّق معك حق، نعم، للبسمة ولا للتجهُّم!
تمرُّ الأيّام والشُّهور والسُّنون، وتبقى هذه الذّكريات غافية بين مرافئ الذّاكرة المحلّقة فوق هلالات الغمام، وتتراقص على رحابِ مويجات الذَّاكرة ..”.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.