من أعلام الكرد ملا عثمان الموصلي . - خبر24 ـ xeber24

الملا عثمان الموصلي / 1854 ـ 1923

_____________________________

هو رائد الموسيقى العربية حتى بدايات القرن العشرين اعماله موجودة و تغنى في العراق و الشام و تركيا و مصر و نسبت اعماله الى موسيقيين اخرين في ماساة فنية تاريخية من اعماله : زوروني كل سنة مرةو كلماتها الاصلية زورو قبر الحبيب مرة وهي تنزيلة او انشودة دينية – التي نسبت لسيد درويش و طلعت يا محلى نورها ايضا و اغنية عالروزنا التي تغنى في العراق و الشام و فوق النخل و يا خشوف العلى المجرية و ليت امي لم تلدني و يا ابن الحمولةعلية اشبدلك و من اغانية المشهورة في تركيا و مصر و العراق على حد سواء اغنية يا حبيبي لا تلمني فالهوى قتال و عرفت في مصر باسم يا بنات اسكندرية و في تركيا باسم اخر و له موشحات عديدة مشهورة مثل الغصن اذا راك مقبل سجدا و يا من لعبت به شمول … الخاسس اول صحافة فنية في مدينة الاسكندرية في مصر و كتب مقالات عديدة عن المقام العراقي و تتلمذ على يده فنانين كثيرين منهم سيد درويش في مصر و كاظم اوز في تركيا و احمد الموصلي في العراقو له تلاميد كثيرين اخرين و لحن للعديد من المطربين منهم عبدو الحامولي في مصر من بعض اعمال الملا عثمان :
اغنية ( علروزنا ) التي تغنى في الشام و العراق
ياصفوة الرحمن سكن حبك فؤادي …. موشح
يا من لعبت به شمول …. موشح
يم العيون السود ….. غناها ناظم الغزالي بعد ذلك و غناها حضيري ابو عزير المطرب الريفي الكبير بكلمات اخرى وهي يا طبيبي صواب .
يا حبيبي لا تلمني … و في مصر تغنى يابنات اسكندرية و في تركيا تغنى بكلمات اخرى .
النوم محرم فلا اجفان .. تغنى في مصر يازين العاشقين
الغصن اذا رآك مقبل سجدا ….. موشح
فوك النخل .
اشكر ابشامة غناها فاضل عواد في السبعينيات و من ثم الهام المدفعي .
و الكثير من اللاغاني و الموشحات و القطع الموسيقية لا يسعني ذكرها .
من تلامذه : الشيخ سيد درويش
محمد كامل الخلعي و كان يسمي الملا بالاستاذ
الشيخ زكريا احمد
في سوريا الشيخ ابو خليل القباني
في تركيا كاظم أوز
في العراق الشيخ احمد الموصلي
و الكثير من التلاميذ
=====================
حياتـــــــــــــــــــــه :
****************************

ينتشر الجدري في المدينة، فيغطي الطفح الاحمر وجه الطفل عثمان الذي ينجو من المرض، لكنه يدفع نظره ثمنا لحياة سترفعه لاحقا الى قمم لم يبلغها غيره في عصره! انه الملا عثمان الموصلي فتراه يترك الموصل لينحدر جنوبا صوب بغداد، ويتتلمذ على يد شيخ قراء المقام في ذلك الوقت «شيلتاغ»، وينتقل بعدها الى دراسة فنون الايقاعات والاوزان والعزف على الآلات الموسيقية، ويعود ملا عثمان الى الموصل، ليستمر في نشاطه الدؤوب في تلقي العلوم والاداب.كانت شهرة الموصلي قد اتسعت في ذلك الوقت، لذلك يرسله والي المدينة موفدا منه الى السلطان عبد الحميد الذي يستقبله بحفاوة بالغة، ويجعله من خواصه، ثم يبعثه سفيرا يدعو لاستمرار حكمه في بلاد العرب.

تسبق شهرة الملا عثمان وصوله الى القاهرة، فيسعى للتتلمذ على يديه عبده الحامولي وسيد درويش.أما الحان الملا عثمان التي أداها العراقيون بلهجتهم والتي نسبت الى الفولكلور الشعبي فهي كثيرة ايضا، ومن اشهرها تلك التي أداها ناظم الغزالى «يم العيون السود».

اصدر الموصلي خلال اقامته في القاهرة مجلة باسم «المعارف» وعندما حل في الشام لقب بالشيخ الجليل عثمان، وكان مثار اعجاب الصفوة من الادباء والفقهاء والفنانين. اتقن الفارسية والتركية الى جانب العربية، وكتب الشعر وكان اديبا مفوها الى جانب مهاراته في الموسيقى والتلحين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الملا عثمان الموصلي والموسيقى العربية… تاريخ حافل بالعطاء

زيد خلدون جميل – 3 – يونيو – 2015م

يعتبر فن الموسيقى والغناء جزءا أساسيا من ثقافة كل شعب في العالم، لأنه يظهر شيئا فريدا لا يميز فقط ذلك الشعب، بل أيضا كل مدينة وكل فنان، ولذلك تفتخر الدول والشعوب بأعظم موسيقييها أكثر من علمائها، ففي ألمانيا نجد بتهوفن، الذي نسمع اسمه وموسيقاه كل يوم، بل أن أحد مؤلفاته يعتبر الموسيقى الوطنية الرسمية للاتحاد الأوروبي.
وهناك موزارت النمساوي الذي اعتبر الطفل المعجزة، وأخيرا تشايكوفسكي الروسي، الذي يعتبر من رموز روسيا، وجميعهم يستحقون هذا التقدير وقد اأنتجت أفلام سينمائية عديدة عن هؤلاء العظماء، والسؤال هنا هو «من لدى العرب بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام في مستوى أولئك؟». والإجابة هي «نعم، عثمان الموصلي».
من منا لم يسمع أغنية «زوروني بالسنة مرة» التي كان أشهر من غناها المغنية اللبنانية فيروز، وهي الأغنية التي تدعي وسائل الإعلام أن ملحنها هوالموسيقي المصري سيد درويش، وكم من كاتب وصفها بقمة الغناء المصري والعربي الأصيل، ودليل على عبقرية سيد درويش، ولكن كم من المؤرخين والموسيقيين يعرفون بأن ملحن هذه الأغنية الرائعة لم يكن سيد درويش، بل أستاذه الموسيقار والمغني العظيم الملا عثمان الموصلي، وأنها في الأصل أغنية صوفية بعنوان «زر قبر الحبيب مرة»، والحبيب هنا هوالرسول (ص)، ولم يكن ذلك اللحن الوحيد الذي نسب إلى سيد درويش خطأ، بل كان هناك أكثر من لحن واحد شهير لعثمان لاقى المصير نفسه.
ولد الملا عثمان بن الحاج عبدالله عام 1854 في مدينة الموصل، عندما كان العراق تحت الاحتلال العثماني في بيت قديم لعائلة فقيرة جدا، فقد كان والده سقاء يجلب الماء العذب من نهر دجلة لبيعه للناس. وكأن بؤس الفقر المدقع لا يكفي فعندما كان عثمان في السابعة من عمره أصيب والده بمرض لم يمهله سوى بضعة أيام حتى توفي تاركا أولاده برعاية أمهم المعدمة، التي عملت خادمة لدى محمود أفندي العمري، سليل عائلة العمري الشهيرة وشقيق عبد الباقي العمري الشاعر العربي الشهير في القرن التاسع عشر. ولم تكن هذه نهاية كوارث عثمان، فقد هجم وباء الجدري على المدينة في السنة نفسها طاحنا الكثير من سكانها، ولم يرحم عثمان، فقد أصابه ليشوه وجهه ويفقده بصره ليغرق في عالم الظلام لبقية حياته.
احتضنت عائلة العمري عثمان وحرصت على تعليمه القرآن الكريم والشعر والموسيقى، وقد ساعد عثمان في التفوق في هذه الميادين حدة الذكاء وصوت جميل وقابلية الحفظ غير العادية أذهلت كل من عرفه وجعلته متفوقا دائما على أقرانه. وقد صاحبت هذا خصلتان لا يتوقعهما المرء في من له معاناة عثمان وهما خفة دمه ولطافة معشره، وقد فتحتا له الأبواب وجعلته خير جليس ومستمع وقادر على كسب ود الجميع بدون تزلف أو إرهاق. وقد تعمق عثمان في دراسة الدين، حتى ارتدى زي رجال الدين، وهو الزي الذي لم يتركه طيلة حياته. وقد ترك عثمان الموصل متوجها إلى بغداد بسبب وفاة محمود أفندي لينضم إلى ابنه أحمد العمري، الذي أصبح من باشوات الدولة العثمانية وأديبا كبيرا.
كانت بغداد نقطة تحول بارزة في مسيرة عثمان، ففيها تتلمذ على يد رحمة الله شلتاغ، سيد المقام العراقي آنذاك ومبتكر مقام التفليس، وآخرين. وفيها خاض أول تجربة سياسية له، فقد انتقد الدولة العثمانية في خطبة له أدت إلى نفيه إلى سيواس في تركيا عام 1886 لفترة قصيرة، ليعود بعدها إلى الموصل وفيها تابع دراسة قراءة القرآن الكريم، وانضم إلى الطريقة القادرية الصوفية التي تخرج على يدها الكثير من القراء المعروفين في الموصل، وانضم بعد ذلك إلى الطرق الصوفية الرفاعية والمولوية. وهذا يجعلنا نعتقد بأن خفة الدم التي كانت تميز عثمان لم يكن سوى غطاء لنفس معذبة غارقة في عالم مظلم مليء بالأصوات. وأضاف عثمان إلى إنجازاته اتقان اللغتين الفارسية والتركية.
انتقل عثمان إلى اسطنبول وبرز فيها بسرعة ليصبح أشهر قارئ للقرآن وملحن ومغن فيها، وانتشر اسمه في كل مكان حتى سمع عنه السلطان عبدالحميد، فجلبه إلى قصره عن طريق القبض عليه ليسمعه شيئا من أغانيه. وقد برع عثمان في أدائه وكرر الزيارة عدة مرات، بل أنه قام بالغناء أمام حريم القصر، وتطور الأمر ليقوم عثمان بمهام رسمية للسلطان عبد الحميد. وكانت اسطنبول عاصمة الامبراطورية العثمانية ومركز ثقافتها، ومن يبرز فيها يعرف اسمه في جميع أنحاء الإمبراطورية، وقد ساعد هذا عثمان وجعله مرحبا به أينما ذهب، ومكنه من تأسيس علاقات وطيدة مع مشاهير عصره.
كل ما دخل عثمان بلدا غنى وتعلم وعلم واعتبر الأبرز في الغناء والتجويد فيه، ففي مصر أدخل نغمات الحجاز كار والنهاوند وفروعهما، وقام بإدخال المقام العراقي مثل، المقام المنصوري الموصلي في الغناء التركي، ولا يزال هذا الطراز يسمى في تركيا بطراز الحافظ عثمان الموصلي. ومن مشاهير تلامذته في مصر محمد كامل الخلعي، وأحمد ابوخليل القباني وعلي محمود ومحمد رفعة، وفي العراق الحاج محمد بن الحاج حسين الملاح والحاج محمد بن سرحان ومحمد صالح الجوادي ومحمد بهجة الأثري وحافظ جميل والمصري سيد درويش الذي التقى عثمان في دمشق ودرس على يده لمدة ثلاث سنوات، وقام باقتباس موشحات دينية وأغان كثيرة من عثمان الذي كان له الفضل الأكبر في نمو مواهب سيد درويش ووصوله إلى تلك المرتبة المتقدمة. وأشهر ما اقتبسه سيد درويش كان أغنية «زوروني بالسنة مرة» وأغنية «طلعت يا محلى نورها»، التي كانت موشحا بعنوان «بهوى المختار المهدي». كما كان عثمان من دعم مطرب العراق الأول محمد القبانجي.
واشتهرت ألحان عثمان وغناها أبرز الفنانين العرب، من أمثال فيروز وسيد درويش وصباح فخري، واعتبرت أفضل أعمالهم، وكنت أتمنى من هؤلاء النجوم وذلك العدد الهائل من النقاد الفنيين والصحافيين أن يقروا بالحقيقة البسيطة، وهي أن هذه الألحان من تأليف عثمان الموصلي، الذي مات منسيا لتختفي ذكراه في متاهة الماضي. وأنا لا أتكلم هنا عن صغار الفنانين فالعتاب على كبارهم.
ما أنتجه عثمان من موشحات وأغان أكبر من أن يذكر بالتفصيل في مقال بسيط مثل هذا إلا أنني سأذكر أشهرها:
«زوروني بالسنة مرة».
«طلعت يا محلى نورها» التي غنتها فيروز.
«أسمر أبوشامة» التي أخذت من موشح لعثمان الموصلي بعنوان «أحمد اتانا بحسنه سبانا».
«فوق النخل فوق» التي أخذت من موشح لعثمان الموصلي بعنوان «فوق العرش فوق». وأشهر من غناها المطرب العراقي الكبير ناظم الغزالي الذي كان قد أقر بأن الأغنية من تلحين عثمان.
«ربيتك زغيرون حسن» التي أخذت من موشح لعثمان الموصلي بعنوان «يا صفوة الرحمن سكن».
«لغة العرب أذكرينا» التي غناها المطرب العراقي الشهير المرحوم يوسف عمر مقرا بنسبها لعثمان واقتبسها فنانون لبنانيون وهنود تحت عناوين مختلفة.
«يا ناس دلوني» التي أخذت من موشح لعثمان الموصلي بعنوان «صلوا على خير مضر».
«يا أم العيون السود» التي غناها ناظم الغزالي.
«يا من لعبت» التي غناها ناظم الغزالي.
«قوموا صلوا» التي غناها ناظم الغزالي.
«البنت الشلبية» التي اقتبست من قبل احد المغنيين الهنود عام 1959 ثم غنتها فيروز.
«قدك المياس» التي غناها المطرب السوري صباح فخري ثم غنتها فيروز تحت اسم «يا ليل الصب متى غده». كما ازدادت الاقتباسات لتدخل اللغات الأجنبية فهناك نسخة يونانية تحت اسم «matia mou Μάτια μου» وأخرى تركية تحت اسم «ada sahillerinde». وكلمات الأغنية من شعر عثمان، فقد كان شاعرا بارزا.
وكان عثمان ناشرا معروفا للكتب وأشهرها: الأبكار الحسان في مدح سيد الأكوان (1895)، تخميس لامية البوصيري (1895)، المراثي الموصلية في العلماء المصرية (1897)، مجموعة سعادة الدارين (1898)، الأجوبة العراقية لأبي الثناء الآلوسي (1890) والترياق الفاروقي وهو ديوان عبدالباقي العمري (1898). ونشر كتبا لغيره مثل «حل الرموز وكشف الكنوز» وقام باصدار مجلة في مصر تدعى «مجلة المعارف» وفتح دكانا في أسطنبول لبيع الكتب.
وعلى الرغم من كونه مرحا وعذب المعشر ومرهف الحس وسريع البديهة ومغنيا كبيرا وشيخ قراء القرآن وملحنا يمتاز بطابع البهجة ورجل دين ولاعب شطرنج ماهرا ولاميعرف النسيان وعازفا بارعا للعود والطبلة والقانون والناي وناشرا للكتب ومؤلفا لها ومتزوجا مرتين، إلا أن هذا لا يخفي الطبيعة البائسة للرجل التي كان كل من درسه بعمق يكتشفها. فارتماؤه في أحضان الصوفيين وانشغاله الدائم في مختلف الفنون لم يكونا سوى وسيلة له لنسيان بؤسه في عالم الظلام وشعوره المخيف بالوحدة، في عالم لا يستطيع رؤيته. ومن الواضح أن نفسيته المضطربة كانت عاملا مهما في حبه للتنقل، وكأنه غير قادر على العثور على راحة البال في أي مكان. وانتهى عذاب هذا العملاق بوفاته يوم الثلاثاء المصادف 30 كانون الثاني/يناير 1923 في بغداد تاركا إرثا عظيما أرجو ألا ينساه العرب كما نسوا غيره فمن نسي تاريخه تاه في درب الحياة.

كاتب عراقي – زيد خلدون جميل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الملا عثمان الموصلي Archives | التاريخ السوري المعاصر

الملا عثمان الموصلي عبقرية الإبداع
+ مجموعة بحوث قدمت في ندوة علمية حول الملا عثمان الموصلي

شبكة البصرة – الباحث الموسيقي مهيمن إبراهيم الجزراوي*

في السابع عشر من شهر تشرين الثاني عام 2009م، أقام قسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة الموصل ندوة علمية بعنوان ((الملا عثمان الموصلي عبقرية الإبداع)) وبحضور السيد رئيس جامعة الموصل الأستاذ الدكتور أبي سعيد الديوجي، والسيد عميد كلية الآداب الدكتور محمد باسل العزاوي، وتضمنت إلقاء البحوث في جلستين، الجلسة الأولى ترأستها الأستاذة الدكتورة بشرى البستاني، ومقررها الدكتور شريف بشير، أما الجلسة الثانية فترأسها الأستاذ الدكتور علي كمال الدين الفهادي ومقررها الأستاذ الدكتور علي فاضل ألشمري.

الملا عثمان الموصلي والموسيقى العربية… تاريخ حافل بالعطاء

البحوث

• عثمان الموصلي وأبو العلا المعري موازنة بينهما – د.عادل البكري

• الشاعر والموسيقار الملا عثمان الموصلي – أ.د. عمر

• الملا عثمان الموصلي مقرئا – أ.م.د. عبد الستار فاضل

• الملامح الدرامية في حياة الشيخ عثمان الموصلي – شفاء العمري

• الملامح الإيقاعية في شعر عثمان الموصلي -أ.م.د. محمد جواد

• الدور القومي والوطني للملا عثمان الموصلي- أ.م.د. عبد الله المولى

• عثمان الموصلي في فنه وإبداعه – طلال صفاوي العبيدي

• محاولات في جوانب من سيرة حياة عثمان الموصلي – الباحث بسام إدريس الجلبي

• المرجعية في شعر الملا عثمان الموصلي – د. احمد الساداني

• الملا عثمان الموصلي موسوعة المواهب والعلوم – الباحث محمد توفيق الفخري

• المرجعية الصوفية عند الملا عثمان الموصلي – الباحث بشام نديم

• الملا عثمان الموصلي محاولة في علم اجتماع السيرة – أ.م موفق ويسي

• سطور من ذاكرة الأوراق – د. شامل فخري – د.عبدا لله الظاهر

• تأثيرات الملا عثمان الموصلي في فناني مصر وسوريا – الباحثة لقاء فتحي.

يوم أصدر الملا عثمان الموصلي مجلة في مصر

بمناسبة الذكرى 88 لوفاة شيخ الموسيقيين الملا عثمان الموصلي. والذي يصادف في مثل هذا اليوم 30 كانون الثاني.

أكتب بعض السطور عنه.. كصحفي وعن مجلته (المعارف)

عثمان الموصلي الموسيقار الذي ظُلم مرتين!! – مجلة الشبكة العراقية ...

(ورد أسم المجلة (المعارف) هكذا (وقد أنشأ مجلة بأسم المعارف في مصر 1897) في (الدراسات الأكاديمية في الموسيقى العربية) – سماعي وعلى شبكة الأنترنت لاتوجد مقالة مفصلة عن ذكر المجلة، وهو موضوع بحثنا لمصادفة ذكرى وفاته.

كان الملا عثمان الموصلي يرحمه الله نادراً عزيز المثال ادهش دنيا الناس بفطنته ونوادره، فقد كان وهو البصير قارئاً للقرآن والموالد والتواشيح، ذا صوت ساحر متصوفاً، موسيقاراً، شاعراً، ناثراً، رحالة، ناشراً للكتب وكانت له مزايا أخرى قل أن تجتمع في واحد.

ولد الملا عثمان في الموصل عام 1854م وتوفي في بغداد يوم الثلاثاء 30 كانون الثاني 1923م في دار ولده في (فضوة عرب ببغداد الشرقية قرب الحضرة القادرية) (شارع الكفاح حالياً) ورأسه في حجر تلميذه المقريء عبد الفتاح معروف يرحمه الله.. تنقل سائحا بين اقطار الأمبراطورية العثمانية من مدينته الموصل الى بغداد والأستانة والشام ومصر والحجاز وليبيا، وهو في أي قطر حل لقى من الترحيب والتكريم والأعجاب الواناً.

وفي رحلته الثانية الى مصر التي أستمرت خمس سنوات (1313-1318 هجرية) أصدر في القاهرة مجلة باسم” المعارف” لم تلق حتى اليوم، عناية مؤرخ أو باحث أو دارس ولعلنا بهذه الكلمات التي ألتقطناها من بعض صحف تلك الأيام نلقي بصيصاً من نور على هذه المجلة وبذلك نوميء الى الملا عثمان.. الصحفي! وليس الموسيقار كما عرف واشتهر.

1. أشارت “مجلة البيان” المصرية في العدد الرابع من سنتها الأولى الصادر في 1 حزيران 1897م في الصفحة 186 الى صدور المجلة تحت عنوان “المعارف” بقولها ورد علينا العدد الأول من مجلة معنونة بهذا الأسم لصاحبها ومحررها الفاضل ملا عثمان افندي الموصلي، وهي علمية سياسية تاريخية ادبية أخبارية، وفيما نعهد في حضرة محررها المشار اليه من غزارة الأدب والبراعة في صناعة الأنشاء ما يضمن لها التقدم بين الصحف العربية..)

2. وأشارت مجلة “الهلال” في الجزء الحادي والعشرين من السنة الخامسة الصادر في 1 يوليو (تموز) 1897م في (باب التقريظ والأنتقاد) الى صدور المجلة مضيفة معلومات أخرى، فكتبت تقول تحت عنوان “المعارف”..(تلقينا العدد الأول والثاني والثالث من هذه المجلة العلمية السياسية التاريخية الأدبية الأخبارية لصاحبها ومحررها الكاتب الشاعر ملا أفندي عثمان الموصلي، وهي فصيحة العبارة حسنة السبك، قيمة الأشتراك بها عن سنة كاملة (40) قرشاً في داخل القطر و(50) قرشاً في خارجه..)

3. وفي صيف عام 1972- نشرت جريدة الأهرام في القاهرة – على اشارة أخرى تضيف معلومات جديدة عن المجلة، ففي الصفحة العاشرة من عدد “الأهرام” 31193 الصادر في 6 مايس 1972 وفي زاوية (من75 سنة) كان الخبر الآيصدر العدد الأول من “المعارف” وهي مجلة علمية سياسية تاريخية ادبية اخبارية تصدر في الشهر مرتين لصاحبها ومنشئها عثمان الموصلي، وصفحات كل عدد 16 صفحة..)

(والخبر هنا منقول من عدد “الأهرام” الصادر في 6 مايس 1897م

ومن هنا تبدو أن “المعارف” صدرت في 1 مايس 1887م.

4. اما الفيكونت فليب دي ترازي فقد ذكرها في كتابه القيم “تاريخ الصحافة العربية” ضمن جدول تضمن اسم المجلة واسم منشئها وسنة صدورها فقط.

هذا ما ذكر من أمر هذه المجلة، ولكن لانعرف عن أهدافها وموضوعاتها وكُتابها ومستواها واخراجها والأعداد التي صدرت منها ومن وقف يساندها ومن وقف بوجهها وفي أية مطبعة كانت تطبع وما ثمن النسخة الواحدة منها..الخ ولماذا أصدرها في مصر ولم يصدرها في بغداد مثلاُ؟ هذه تساؤلات وغيرها كثير تبحث عن أجوبة، والأجوبة موجودة في الوصول أو العثور على نسخة من المجلة اي “المعارف” لغرض توثيقها كتراث عراقي مما أضافه ذاك النابغة العراقي.. الملا عثمان الموصلي يرحمه الله، كتب هذا المقال في جريدة الأتحاد الأسبوعية في تموز 1989، وكانت بمناسبة الذكرى العشرين بعد المائة لعيد الصحافة العراقية في 15 حزيران، وللملا عثمان ديونان هما” المراثي الموصلية في العلماء المصرية”/القاهرة 1897 ومجموعة شعرية “سعادة الدارين” في 1900/استانبول و”الطراز المذهب في الأدب” و”الأبكار الحسان في مدح سيد الأكوان” بغداد 1913. وفي العام 1988 أنتج تلفزيون بغداد مسلسلاً درامياً عن حياته، من أخراج جاسم شعن.

هذه بعض السطور عنه وليبقى الملا عثمان الموصلي خالد الذكر كواحد من المبدعين القلائل منذ منتصف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وليرحمه الله برحمته الواسعة. من أرشيفي وبتصرف لغرض الفائدة، تحياتي.

*ماجستير علوم موسيقية، استاذ في قسم الفنون الموسيقية، كلية الفنون الجميلة – جامعة بغداد

عثمان الموصلي وابو العلاء المعري.. موازنة عامة بينهما

أ.د. عادل البكري

عثمان الموصلي شخصيته عجيبة فهو موسيقار بارع ورائد من رواد الموسيقى الاوائل وكان من اقدر الموسيقيين على وضع الالحان للاغاني والموشحات وله اسلوبه الخاص بغناء المقام والادوار المصرية وهو فضلاً عن ذلك قارئ ومقرئ للقرآن الكريم ويجيد القراآت السبع والعشر وغيرها.

وهو متصوف على الطريقة القادريه ثم الرفاعية. وكان استاذا في الطريقة المولوية ومعلما لها.

وعمل الموصلي في الصحافة في مصر فاصدر مجلة (المعارف) في القاهرة اثناء سفره اليها عام 1313هـ (1895م) وبقائه فيها خمس سنوات.

ٍوهو كاتب واديب له اسلوبه الادبي المتميز. وهو سياسي مرموق في دولة الخلافة العثمانية، وكان يرسله الخليفة العثماني الى البلاد الاسلامية في مهمات خاصة.

وهو ثائر من ثوار ثورة العشرين في العراق ومحرض لها.. هذه كلها هي نصف الاعجوبة لهذا الرجل.. اما النصف الثاني فهو كونه كفيف فاقد البصريتحسس طريقه بعصاه الغليظة.ومع ذلك فقد اعطي موهبة اخرى وهي انه يستطيع التعرف على الناس بمجرد لمس اياديهم فيقول لاحدهم وقد غادره لسنين طويلة: انت فلان!

لم يعرف بين العرب من وصل الى ما وصل اليه عثمان الموصلي من ذكاء وسعة المعرفة مع فقدانه للبصر منذ طفولته سوى ابو العلاء المعري. والشبه بينهما كبير: فكل منهما كان قد فقد بصره لمرض الجدري الذي اصابه في طفولته الاولى وهو غض العود رخص البنان لينشأ مجدوراً ضعيفاً كفيفاً في عالم رهيب من الظلام الذي يحيطه من كل جانب يعاني الفقر والجوع، ولكنه لم يستسلم لعاهته بل تعهد نفسه بالتعلم والتأدب ودرج على مدرج اللغة والادب والشعر فكل منهما شاعر واديب مرهف الحس، وكل منهما شديد الحفظ قوي الذاكرة. فأبو العلاء يسمع كلاماً اعجمياً من رجل غريب ولا يفهم منه كلمة واحدة فيعيده على جار له اعجمي كما سمعه من ارجل الغريب واذا به رسالة باللغة الفارسية الى الجار تخبره ان اباه واخوته قد ماتو فصار يلطم ويبكي لأن الرسالة موجهة اليه.

وذا عثمان الموصلي تتلى عليه الدروس والقصائد الطويلة فيحفظها بمجرد سماعها من دون ان ينقص منها حرفاً او يزيد.

وكان كل منهما طالباً للعلم في عاصمة الخلافة في زمانه، فأبو العلاء يدفعه طموحه فيسافر الى عاصمة الخلافة العباسية، وعثمان كذلك يسافر الى عاصمة الخلافة العثمانية وكل منهما يريد الاستزاده من العلم والالتقاء بالعلماء حاملاً معه عاهة العمى مستهيناً بها ومتكبراً وعناء الطريق.

اما ادب النثر عندهما فهو ابلغ الصور. فهذه قطعة من رسالة كتبها ابو العلاء المعري الى داعي الدعاة بمصر يقول فيها: “قد حضرتني فيما نطق به دقائق، هن لدى الكشف حقائق. ومن انا حتى يكتب الي؟ ومثله في ذلك مثل الثريا الطالعة كتبت الى الثرى وهو لايسمع ولا يرى. وقد علم الله ان سمعي ثقيل، وبصري عن الابصار كليل.. ثم توالت محني حتى اشبه شخصي العود النحيل. ومنيت في آخر العمر بالاقعاد وعداني عن النهضة عاد”.

وقال عثمان الموصلي مايشبه ذلك في رساله كتبها الى احمد عزة الاعظمي الاديب المعروف قال فيها: “كحلت بصيرتي لا بصري واجلت نظر فكري لا نظري بلطائف صدرت عن عربي النزعة والمجار، وطرائف برزت من اعظمي الاقدام والاستبصار… جوالة في بحار الفلسفة، لاوية العنان عن كل سفَه، حريّة ان سترشد بها من استرشد، أتْهَمَ فيها او أنجد، فحينئذ طَفِقت اسأله عن هويته وكشف القناع عن ماهيته”.

ومن اوجه التشابه بينهما ان كلا منهما يلعب الشطرنج وهو الشيء الذي يتطلب من اللاعب الضرير ان يحفظ في ذاكرته مواضع احجاره فضلاً عن احجار خصمه ويحفظ نقلات كل قطعة منها لتبقى صورة حشد القطع على الرقعة مرتسمة في ذهنه مهما تغيرت مواضعها واختلفت حركاتها.

هذه كلها اوجه التشابه بين الاثنين. اما مواضع الاختلاف فنذكر منها ان شعر ابي العلاء يزخر بالبلاغة والمعاني الجزلة وشعر اللزوميات ويتناول جميع اغراض الشعر ويتفوق بذلك على الموصلي فهو شاعر اصيل متفرغ للشعر بينما لم يتفرغ الموصلي للشعر فهو له نشاطات اخرى ولكنه يتفوق على المعري بضرب آخر من ضروب الشعر وهو نظم التاريخ الشعري أي وضع تاريخ احدى المناسبات في الشعر حسب الحروف والكلمات وهو من اصعب فنون الشعر ولا يقدر أحد من الشعراء ان يبلغ ما بلغه الموصلي في هذا المجال.

ويتفوق المعري على الموصلي بشيء آخر وهو فلسفة العقل بينما يتفوق الموصلي على المعري بالموسيقى والالحان.

وان تفضيل العقل ينسجم مع فلسفة ارسطو حتى قيل انه درس الفلسفة اليونانية وهو يؤيد حشر الاجساد ولا يؤيد قدم العالم.

اما الموصلي فترجح كفته في هذه المقارنة في مقابل فلسفة المعري وذلك بتفوقه بالموسيقى والالحان كما ذكرنا فهو يعزف على العود والقانون فيخرج النغمات الشجية ويضرب على الطبلة بسرعة هائلة تدعو الى الاعجاب ويضع الحان الاغاني والموشحات ويغنيها. ومن تلاميذه في الموسيقى الموسيقار المصري المعروف سيد درويش.

واظن ان المقارنة انتهيت الى هنا بالتكافؤ والتعادل بين الاثنين بأنواع المواهب وجوانب النبوغ، فكل منهما له نبوغه في جوانب تقابل مايتميز به الآخر.

ولكن انصافاً للحقيقة، وليس من قبيل التعصب لعثمان الموصلي فإن له جوانب اخرى من النبوغ والتفوق لاتتوفر عند المعري كالطرق الصوفية ومن اهمها المولوية التي هي ابتهال الى الله عن طريق الرقص والدوران على انغام الكمنجة والناي والطبلة. وكم يكون غريباً لو سمعنا ان بالعلاء المعري كان يدور على كعب قدمه ويرقص المولوية او يضرب على الطبلة ويعزف الانغام ولكن ذلك لم يحصل على الاطلاق.

وكان الموصلي قارئاً للقرآن ومقرئاً على القراآت السبع والعشر وغيرها ومن اشهر تلاميذه شيخ قراء مصر الخالد الذكر الشيخ محمد رفعت، بنما كان ابو العلاء لا يقرأ القرآن ولا يعرف ماهي القراآت القرآنية بل فوق ذلك كان متهما بدينه. وكان الموصلي صحفياً واصدر مجلة بإسمه ولم يكن المعري صحفياً.

وكان الموصلي سياسياً يفاوض الحكومات والدول بإسم الخليفة العثماني ولم يكن المعري سياسياً، وماكان أبعده عن السياسة.

وكان الموصلي ثائراً ضد الانكليز يحرض الناس على الثورة حتى هاجمه القائد البريطاني (ساندرز) ببيان اصدره ضده بينما لا يعرف المعري ماهي الثورات.

وكان الموصلي محباً للحياة تزوج مرتين وانجب اولاداً واحفاداً اعانوه في شيخوخته بينما كان المعري يكره الزواج وانجاب الاولاد واوصى ان يكتب على قبره:

هذا جناه ابي علي وماجنيت على احد

والجناية هي وجوده في الحياة وانجب الاولاد.

وكان الموصلي متفائلاً يحب المجتمع ويحب الناس ويحب النكته حتى قيل انه يضحك الثكلى. بينما كان المعري متشائماً انعزالياً حبس نفسه في بيته سمى نفسه (رهين المحبسين) أي العمى والبيت.

ومع ذلك فقد تهيأ للمعري من يكتب عنه الكتب ويخلد اسمه في الموسوعات الاجنبية حتى ان احد المؤلفين الاجانب وهو (لويس يونغ) قال في كتابه: (العرب اوربا) الصادر في بيروت سنة 1979 أن المعري اعظم مفكر عند العرب وان تأملاته الفلسفسة تتجلى في مواقفه التقدمية والعقلانية. بينما لم يكتب عثمان الموصلي كتاب واحد خلال اكثر من مائة عام بعد ولادته حتى تهيأ لي ان اكتب اول كتاب عنه صدر عام 1966 بعنوان (عثمان الموصلي الموسيقار الشاعر المتصوف). ثم اتبعته بكتابين آخرين واعتمدت في انجاز هذه الكتب على اكثر من خمسين مصدراً كتابياً ولقاءً مع المعمرين واشرفت على اقامة تمثال له في الموصل فعرفه الناس وكتبو عنه وسميت بإسمه قاعات ومحلات واقسام في معهد الفنون الجميلة ببغداد، والحمدلله رب العالمين.

الملا عثمان الموصلي / 1854 ـ 1923 – جريدة العربى اليوم الاخبارية

الملامح الدرامية في حياة الشيخ عثمان الموصلي

شفاء العمري

من المعروف ان الدراما من المصطلحات التي التصقت بالمسرح. وبالشعر بالتحديد لان الشعر هو الجنس الأدبي الذي اعتمده كتاب المسرح في نصوص أعمالهم التراجيدية منذ العصر الإغريقي.

غير ان منابع الدراما هي الحياة وما يحدث فيها من تناقضات وصراعات اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية بين الناس.

وان كتاب المسرح الإغريق استخدموا الدراما كمفهوم اكتشفوه وعاش بين جنباتهم، فكل ما يعترض الإنسان في الحياة من منغصات وتناقضات تحث الإنسان فطريا للدفاع عن أرائه ومواقفه وعن منجزه عندها يكون قد فجر حالة من الدراما بين نفسه والمحيط قل نظيرها.

من هذا المنظور حاولت ان أتصدى لحياة الشاعر الموسيقار والفيلسوف عثمان بن عبد لله السقا الموصلي، هذه الشخصية الفريدة التي انتسبت للموصل او انتسبت الموصل إليها.وقد كتبت البحث على شكل فصول ومباحث حاولت من خلالهم ان أتوصل إلى الملامح الدرامية كما وصفتها بصورة تفصيلية منذ الطفولة مرورا بالصبا والشباب الكهولة والشيخوخة وحسب الآتي :

1- الفصل الأول :

المبحث الأول : نبض الأسرة والولادة

المبحث الثاني الطفولة المبكرة وإصابته بالجدري وفقدان بصره

2- الفصل الثاني

المبحث الأول : الصبا و الشباب ومعاناة الحضور

المبحث الثاني : السفر إلى بغداد ثم إلى استانبول

3- الفصل الثالث

المبحث الأول : العودة الى الموصل

المبحث الثاني : مشهد للقاء مفترض بين عثمان الموصلي والوالي العثماني في الموصل

المبحث الثالث : العودة الى بغداد و نضاله الوطني

4- الخاتمة

في الخاتمة توصلت إلى ان الشيخ عثمان الموصلي عاش حياة غارقة بالصراعات، أسرية ذاتيه، ذاتية ذاتيه، اجتماعية ذاتية، سلطوية ذاتية

فهي حياة ذات ملامح درامية يمكن ان تتحول إلى أعمال فنية مرئية (مسرح سينما تلفزيون) تعطي للشيخ الموصلي المغفور له عثمان الموصلي حضورا معاصرا في ثقافة شبابنا العراقي في الموصل خاصة والعربي من الذين لم يسبق أن تعرفوا على هذه الشخصية العبقرية الفذة التي تكاد ان تكون شاملة وان من أهم واجبات المؤسسات العلمية والتربوية ان تعرف العراقيين على مبدعيهم وعظمائهم الذين تزخر بهم الأزمنة الفائتة.

موشحات دينية للملا عثمان الموصلي

الملامح الايقاعية في شعر عثمان الموصلي

ا.م.د. محمد جواد البدراني

يعد الايقاع من ابرز العناصر الجمالية و الفنية للشعر فهو على النص ملامح جمالية تضفي على العمل تمايزا عن غيره من فنون الادب،و الايقاع محور شعرية النص الشعري و اذا كان الايقاع (فن احداث احساس مستحب بالافادة من جرس الالفاظ و تناغم العبارات) وهو تلك العلامة المتشكلة من توافق الفكرة الشعرية و صورتها المضاعفة فان من الطبيعي ان يكون الايقاع ملموسا بارزا في شعر عثمان الموصلي فهو موسيقي بارع و مقرئ مبرز وهذا ما يجعل اهتمامه بالايقاع ذا خصوصية فالإيقاع الشعري و اللحن الموسيقي يستقيان من نبع واحد وهذا ما تنبه له النقاد العرب القدامى قبل غيرهم اذ يقول الفارابي (ان نسبة وزن القول الى الحروف كنسبة الايقاع المفصل في النغم،فان الايقاع المفصل هو نقلة منتظمة على النغم ذات فواصل ووزن الشعر نقلة منتظمة على الحروف ذات فواصل) و يقول ابن سينا (الايقاع تقدير مالزمان النقرات فان اتفق ان كانت النقرات منغمة كان الايقاع لحنيا وان اتفق ان كانت النقرات محدثة للحروف المنتظم منها الكلام كان الايقاع شعريا) ويؤكد ذلك ابن فارس بقوله (ان صناعة الالحان تقسم الزمان بالنغم وصناعة العروض تقسم الزمان بالعروض) من هنا يمكن القول ان الايقاع في شعر الملا عثمان يستحق الدراسة لخصوصية الشاعرالتي تجمع بين اتقانه للموسيقى والشعر معا.

لقد كتب الموصلي على جميع البحور عدا المتدارك و المنسرح و المجتث والهزج و المديد والمضارع والمقتضب و هذا امر طبيعي اذ ان هذه البحور اما نادرة او قليلة او تحاشاها الاقدمون لقرب بعضها من النثرية و رتابة البعض الاخر فكان من الطبيعي ان يتحاشاها الملا عثمان الذي اجمع دارسوه انه كثير الحفظ للشعر العربي القديم فضلا عن مجزوء الرمل و الخفيف و الرجز و قد نجح في توظيف الامكانات الايقاعية لكل بحرفي توطيد دلالة ما يريد قوله و التعبير عنه من غرض فهو عندما يكتب مادحا يختار الطويل و الوافر و الكامل لمناسبتها لطول النفس والامتداد و الاستطالة فيقول مثلا من الكامل مقطوع الضرب: ماذا علي اذا خلعت عذاري بهوى الملاح وحدث عن اشعاري

او من الطويل: نبي المصطفى قلب المتيم قد اسرى لكم فرط وجد لا

وعندما يرثي يختار البحر السريع ذا الضرب المذال وهو بحر يوائم الانفعالات الجياشة والعواطف المتدفقة ويعتمد القافية

المفيدة المسبوقة بحرف يلائم النواح فيقول في رثاء شقيق محمود شكري الالوسي:

ايها الحبر اصطبر عن فقده فاخوك اليوم في الخير الصميم

ان لبست الصبر عن فقدانه فزت بالاحسان و الاجر العظيم

وحين يهنئ الشيخ عثمان الديوه جي بتوليه قضاء بغداد عام 1922 يختار السريع ذاته ذا الضرب المقطوع فيقول:

اليوم قام للهدى شان وقد علا للشعر تبيان

فقد وظف الضرب المقطوع و القافية المطلقة و روي النون التي جاءت كلها لخدمة غرضه فمن المعروف ان الضرب المقطوع يعطي للتفعيلة سرعة تلائم حالة القرح عكس سابقه فضلا عن ان إحصاءات د.إبراهيم أنيس و د. علي عباس علوان تشير الى ان القافية المضمونة غالبا ما تاتي مع الفخر و المديح و الغزل و المواقف المفرحة.

و كان الملا عثمان متمكنا من الايقاع الداخلي فهو يوظف دون تقصد بل بسبب فطرته الموسيقية و تمكنه من اللحن و الايقاع التراكمات الصوتية.

فقد تكررت اصوات الصفير بصورة لافته للانتباه و من المعروف ان اصوات الصفير تاتي بالمواقع التي توحي بالخوف و التوجس و الترقب و الرهبة من شئ ما فهي هنا موائمة لخوفه من المرض و هو في اواخر حياته غريبا متوجسا من ما حوله.

كما كان يوظف التكرار بانواعه الجناسي و الاشتقاقي و اللفظي و تكرار البدايات و غيره لتعزيز بنيته الايقاعية.

لم يخل بيت من القصيدة من توظيف التكرار لتعزيزالايقاع و تقويته كما نجد في شعره انماطا من التوازي الدلالي و النحوي و الصرفي ينبئ عن احساس عالي بالموسيقى الشعرية و لعل واحدة من اروع قصائده(المنظومة الموصلية)

التي عارض بها نهج البردة ومدح بها الرسول الاعظم ص وذكر بها اسماء سور القران الكريم وهي تحفل بالمؤثرات الايقاعية

وعموما فقد اشتغل الموصلي على فنون الشعر كالتشطير و التخميس و التاريخ الشعري لكن اثر التكلف لم يك واضحا في شعره بل جاء شعره منسابا سهل الإيقاع فهو شاعر لم يتسم شعره بالركاكة و لم تسحبه الصنعة على حساب الشعور بل جاء شعره بمستوى شعر عصره بيد انه كان مهتما بقضايا الإيقاع بسبب حسه الموسيقي.

كلية التربية/جامعة الموصل

الملا عثمان الموصلي - موال بالتركي (1911) Mulla Uthman al-Mosuli ...

الدور الوطني والقومي

للشيخ الملا عثمان بن عبد الله الموصلي (ت1923م)

أ.م.د. عبد الله محمود طه المولى

رحلت والصدر بالإيمان ملآن في ذمة الله شيخ العلم عثمان

على المنابر تدعو أمة “عجزت” عن شرح قصتها شيب وشبان

كأنما القوم قد ماتت عواطفهم حيث المنابر عند القوم عيدان

هذه أبيات من قصيدة للشاعر البغدادي عبد الرحمن البنا، الملقب بشاعر الاستقلال (ت1955م) في رثاء الشيخ الملا عثمان الموصلي، مؤكدا على ما يتمتع به هذا الرجل النابعة في فنه وأدبه، ووزنه السياسي وفكره ودوره الوطني والقومي. فأقول :

سبع قرون عجاف – منذ سقوط بغداد بيد المغول في القرن الثالث عشر للميلاد، وحتى القرن التاسع عشر – مرت على الأمة العربية الإسلامية، وقد تداعت عليها الأمم. في خضم هذا الوضع المتردي المتلاطم والمتناقض حسب اجتهاده وهواه، ففي الوقت الذي نراه يغمز من طرف خفي بالخلافة العثمانية، مما أسخط عليه الوالي العثماني في بغداد، ونفاه إلى سيواس في الأناضول، نراه في وقت آخر موفدا من قبل الخليفة العثماني، السلطان عبد الحميد إلى طرابلس الغرب، وغيرها من الدول الأخرى، لاستمالة حكامها، وطلب معونتهم للإمبراطورية العثمانية، فيقوم الموصلي بأداء مهمته كمندوب سياسي على أتم وجه، وكذلك ذهابه إلى مكة المكرمة أغراض سياسية، فيقف خطيبا وداعية للناس إلى شد أزر الخلافة العثمانية الضعيفة، باعتبارها الهدف الأسمى والمقدس، المتمثل بالدين الإسلامي الحنيف. ولكن سرعان ماتغير وضع الدولة العثمانية نحو التدهور والانحلال، فيتجه كثير من العرب المسلمين الخاضعين تحت سيطرتها، إلى التفكير نحو التخلص منها وبأي شكل من الأشكال، وهنا يقرر عثمان الموصلي ترك العاصمة العثمانية، بعد أن بدأ يتلمس في نفسه الخيوط الأولى لما يحب القيام به – إلى جانب فنه وأدبه وشعره – من دور سياسي وفكري وطني وقومي، ففي عام 1895م حط رحاله في مصر التي أقام فيها خمس سنوات، قريبا من علمائها ومفكريها وساستها، وعمل على تعزيز ونشر فكره بإصدار مجلة علمية تاريخية سياسية أدبية إخبارية باسمه، تدعى مجلة المعارف التي زاحم فيها الصحف المصرية، وأثبت حضوره الفكري بين المفكرين العرب آنذاك. بيد أن الظروف السياسية المضطربة أخذت تعرقل عمله الصحفي، فأوقف الموصلي صحيفته بعد أن وجدها لم تعد تتفق مع رغبة السلطان الحاكمة آنذاك، ويقرر الرجوع نحو العاصمة التركية ثانية، بيد أن تغير الأجواء السياسية للدولة العثمانية، وكثرة المشاكل بوجه الخليفة العثماني، من جانب، وحنينه إلى وطنه من جانب آخر، عوامل أجبرته في عام 1913م على مغادرة العاصمة العثمانية إلى الأبد، ليساهم بشكل جدي في أحداث بلاده.

وتمر الأيام مضطربة منذرة، وعثمان الموصلي بين الموصل وبغداد، إلى أن اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914م، فاكتوى العرب بلهيب سنيها الأربع التي انتهت باندحار الإمبراطورية العثمانية أمام الحلفاء، عندئذ بدأت الضمائر العربية بالاستيقاظ، منادية بتشكيل دولهم، ونيل استقلالهم وتحررهم، بيد أنهم وجدوا أنفسهم تحت حكم استعماري جديد، ودخلت القوات البريطانية بغداد، والمدن الأخرى، معلنة ارتباط العراق بمواثيق وأحلاف مع بريطانيا، وهنا شرع أحرار العراق بإعلان الحرب ضد الإنكليز، وانطلقوا في 30 حزيران عام 1920م بثورة عارمة، استمرت ستة أشهر، أبلى العراقيون فيها بلاء حسنا، يذكره التاريخ على مر الأجيال، وقد ساهم أدباء العراق ومفكروه في إيقاد نار الثورة، والتحريض على مقاومة المحتل وعلى رأسهم عثمان الموصلي.

كلية الآداب/جامعة الموصل

مسلسل - عثمان الموصلي - 1989 - معرض الصور

محاولات في جوانب من سيرة حياة عثمان الموصلي

بسام ادريس الچـلبي

أحسب ان الكبار من الاعلام الراحلين، كثيرا مايُخرجون رؤوسهم من مثاويهم الابدية، صارخين بلغة كل عصر يظهرون فيه، طالبين اعادة النظر فيما كُتب عليهم عَبْر الحقب. وفي عصرنا هذا، وقل بلغة عصرنا هذا، تُلزم اعادة النظر هذه امورا عدة من بينها اعادة التقويم، واحيانا اعادة الاعتبار، هذه الامور التي لن تكون من واجبي مع عثمان الموصلي. لكن الأمرين اللذين ذكرتهما ليسا كل شئ بل ان بين ما يقع تحت مسالة “اعادة النظر “اكتشاف اخطاء عاشت مئة وعشرين سنة في حياة رجل ولد قبل نحو مئة وستين عاما. وكذلك تسليط انارة على اجزاء من حياة عَلَمٍ، لم تكن الاضواء عليها كافية معادلة لأهميتها. وهذا مافعلتُه مع الموصلي عثمان.

في الواقع اوقفتني مسائل، وانا اعمل على بحث في عثمان الموصلي، فغيرتْ هذه المسائل من اتجاه عملي، ومن ثم بدّلتْ عنوانه.

في العادة، يبدأ كاتب الترجمة بكتابة منظومة اسم العلم، ومصطلح “منظومة الاسم” توصلت اليه في أثناء عملي في (اعلام الموصل) لمدة تربو على عقدين. وهي تضم الاسم الثلاثي – او اكثر-. الكنية، الشهرة، اللقب، النبز، وكذلك هذه المفردات في اسم الاب، وحتى الجد. ولكني اعترف ان هذه المنظومة قد تقلصت في القرون الاخيرة.

فجأة.. اكتشف ان لعثمان الموصلي ثلاث سلاسل من النسب، يبدأ الاختلاف بينها من اسم الجد. وهو اختلاف مقلق، ومايزيد القلق ان الباحث المتخصص الاهم في سيرة حياة عثمان الموصلي يذكر سلسلتين في صفحة واحدة. ويعطى لكل منهما اهمية مساوية للاخرى. فتنتقل حيرة الباحث الاصل الى اقلام الباحثين “الوسطاء” مثلي. ويزيد الأمر قلقا وحيرة ان الباحث هذا لم يذكر سلسلة نسب ثالثة جاءت في مصدر سبق ظهور كتابة الاول حول عثمان الموصلي. على اني لم اعط الامر اهمية، حتى قليلة، فأية سلسلة تُقال يفهم منها المرء ان المقصود هو من بات يعرف بالملاعثمان الموصلي. وفي ادبنا، تُنوسيت اسماء اعلام كُثر، ولم يعودوا يعرفون سوى بالقابهم أو بكناهم او بعاهاتهم…

غير ان “الصدمة” التي لطمتني، هي تثبيت سنة ولادة لعثمان الموصلي، تجعل منه بعد احدى عشرة سنة انسانا مكتمل الرجولة، بالغا اشده.

فيما عدا باحث واحد، زائدا كاتب هذا الكلام، قال كل من كتبوا عن وعلى عثمان الموصلي انه ولد سنة 1271 هـ المقابلة لعام 1854م. وانه بعد ان فقد اباه وبصره، وهو في حدود السابعة من العمر، تكفل بعنايته احد سراة الموصل العمريين. وان هذا المحسن الجليل توفي سنة 1282/1865، وترك عثمان ضائعا في فراغ أليم. وانه لهذا قرر، بعد ان صار مالك أمره، ودخل في العقد الثالث من عمره، ان يترك مدينته متوجها الى بغداد. نعم لننتبه فبين العدد 1865- 1854 = 11. نعم، مرة اخرى، كان عمر عثمان احد عشر عاما، وقد بلغ اشده، ودخل في العقد الثالث من عمره! ويصرّ الباحثون على ذلك. وفي كتاباتهم المتتابعة في عثمان.

بل اكثر من ذلك، فقد جعلوا من ادباء بغداد واعيانها، يخرجون على اطراف بغداد لاستقبال الصبي المعجزة. ويشدو باحث ببيتيّ شعر، يظهر فيهما ان بغداد كانت له عاشقةً على السماع متيمةً من قبل ان يصلها، ذلك ان الاذن تعشق قبل العين احيانا!!

كما ان البحوث على الموصلي جعلته وهو في الرابعة والستين من عمره اشبه بالمقعد الذي خارت قواه، ونزل نصفه في العالم الآخر!

هذه الكلمات غير المسؤولة فعلا، جعلتني اقدم على فعل معاكس، وهو دفع تاريخ ولادة عثمان الموصلي عقدا كاملا الى الوراء، ليكون في سنة 1865 فعلا رجلا بلغ اشده، وفي عام 1918 فعلا شيخا يسير ببطء، وبسرعة الى نهايته.

مسألة اخرى اثارتني في سيرة هذا الرجل، هي علاقته العاطفية والعقلية بالسلطة العثمانية، وبمولاه ظل الله على الارض السلطان عبد الحميد الثاني، الذي قربه اليه، وخوّله التكلم بين الجماهير نيابة عنه، وارسله في سفارات الى اقاليم الدولة العثمانية.

في الواقع لم يجد البحث في هذه العلاقة الحميمة بين عثمان وسلطة آل عثمان مطعنا فيه، فهو مواطن عثماني، ومتدين، ولعله كان يعمل متأثرا بوحي الآية الكريمة : {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ…} وبمقولة فقهاء السلاطين، التي مضمونها “حاكم جائر خير من الفوضى “.

وتتبع البحث علاقة الموصلي بأحد رجال الدولة العثمانية المثير للجدل وهو ابو الهدى الصيادي الذي اسماه البحث “راسبوتين البلاط العثماني”. ويتوهم البحث انه كان من بين مهمات هذا الرجل “اقتناص” الرجال المتميزين، وتوظيفهم في خدمات “خاصة” للدولة العلية.

كما اعطى البحث اضافات، يتوهم انها لم تكن معروفة، على سفارة الموصلي ممثلا للسلطان العثماني عند حاكم طرابلس الغرب/ليبيا : محمد المهدي بن محمد بن علي السنوسي الادريسي (1844- 1902). وحاول، أي البحث، ان يقترب من الوقت الذي تمت فيه هذه السفارة، التي وضع لها بعض الباحثين تاريخا غير جائز، لسبب بسيط هو ان السنوسي في ذلك الوقت كان قد غادر، او قل هرب خوفا من سلطان استانبول، من طرابلس الغرب الى واحات الصحراء الشرقية الكائنة في جنوب شرقي ليبيا.

لكن كما قال البحث في خاتمته، يبقى في الصدر سؤال يتحشرج : تُرى هل كانت “اذنا” عثمان الموصلي الموسيقيتان “عينا” للسلطان…. وهل كان فمه الغَرِد الذي شدا في كل الاصقاع التي ساح فيها الموصلي من بلاد الامبراطورية العثمانية، بأمجاد آل عثمان.. هل كان فمه “بوقا” يُطرب آخر خلافة اسلامية وهي في آخر ايام مرض موتها!!

مؤرخ وباحث غير اكاديمي

هنا موقع قبر ملا عثمان الموصلي - محافظة بغداد

عثمان الموصلي في فنه وإبداعاته

بين الموصل – وبغداد – مصر – سويا – استنبول

طلال صفاوي العبيدي

الملا عثمان الموصلي ولد بمدينة الموصل سنة 1271ه الموافق 1854م

فهو المقرئ الكامل الموسيقار الكبير.ومن أحسن قارئ المناقب النبوية. ونسبه يرجع وهو عثمان بن عبد الله بن فتحي بن عليوي المنسوب إلى بيت الطحان في الموصل.ولم تقتصر مرهباته على التلاوة أو المناقب بل نجده قد أبدع في الموسيقى والأدب وخاصة الشعر ((الصوفي))

كان أبوه يعيل عائلة كبيرة ولم يلبث أن أدركه الموت.تاركا ابنه عثمان ولم يتجاوز السابعة من عمره.

وقد أصيب عثمان في طفولته بمرض الجدري الذي افقده بصره.لقد تحمل ثقل الأوزار منذ نعومة أظفاره.حيث لا يرى إلا رفيقين حياته الظلام الدامس، لقد تحولت حياته إلى شقاء وألام شديدة ولا معيل له. وبعد معانات طويلة احتضنه جاره السيد (محمود بن سليمان) وقد اسكنه في داره السيد (محمود منيب العمري) ليعيش مع إفراد عائلته.اذ أرسله إلى كتاب لحفظ القران الكريم.كان عثمان يتمتع بذكاء متميز في سرعة الحفظ. وذكر انه حفظ عشرين بيت من الشعر أو أكثر بمجرد قراءتهم مرتين وقد كانوا يسمونه بـ اسم (الضرير الجبار) وقد اعتبروه احد النوابغ في الأمة العربية وعلم من إعلامها.وقد درس علوم اللغة العربية على متخصصين من أمثال الحاج عمر الاربيلي والشيخ صباح الخطيب والشيخ عبدا لله الفيضي وعندما توفي محمود العمري عام (1865) أحس عثمان بفقدان المعيل فعزم السفر إلى بغداد.حيث يقيم هنالك الشاعر الأديب (احمد عزة باشا العمري)فلتزمه.وعرفه على أدباء بغداد.وصاروا يقصدونه ويسمعون إليه. وقد تحققت أحلامه التي سمع عن إمكانيات بغداد، وسرعان ما تعرف رجالات بغداد، وأذيع خبره، كما ذكره الأستاذ محمد بهجت الأثري في بحثه القيم عنه.في بغداد اخذ أصول المقام العراقي (من الحاج عبد الله الكركوكلي)، والشيخ العلامة داؤد والشيخ بهاء الحق الهندي. في هذه الفترة سافر إلى الحج ويقال سافر عدة مرات.ثم رجع إلى الموصل عام (1886)م ليتلقى الدروس من على كبار شيوخها. قرأ خلالها (القراءات السبع على الشيخ محمد بن الحاج حسن الموصلي).

والشيخ (محمد بن جرجيس ألنوري الذي اخذ عنه الطريقة الصوفية) القادرية،. وكان يقرأ القران بعد مجلس الوعظ فيفض الجامع بالمستمعين ثم شد رحاله إلى، (استانبول) وهناك جد إن سمعته قد سبقته.

وهناك خصصت له الحكومة العثمانية راتبا يستصيف به. وفي استانبول تعرف على مفتي لواء أزمير الشيخ مصطفى مخفي أفندي. فدرس القراءات العشرة. ثم درس الطريقة المولوية القادرية، والطريقة المولوية تبيح استعمال الآلات الموسيقية بأنواعها.في حفلات الذكر. ثم ارتدى زى المولوية الخاص. وهو عبارة عن جبه صفراء واسعة، وعمامة صفراء ملفوفة على طربوش بنفس اللون يمتاز بطوله.وقد كان يقرأ القران في جامع (أبا صوفيا) وبنفس الوقت كان فضيا ويعزف الموسيقى. لقد أعجبوا به، وراو من شعره وأدبه ونبوغه ما جعله مميزا بينهم. واستطاع التعرف على قادة الدولة العثمانية وأعيانها ومن المهم وأبرزهم السيد (محمد أبو الهدى الصياوي)شيخ مشايخ الدولة العثمانية. واحد المقربين من السلطان عبد الحميد وقدمه للسلطان ففتح إمامه أفاقا واسعة. فادخله قصره ومنحه العطف والنعمة.وقد تزوج في استانبول وانه فتح مكتبة لبيع الكتب، وعين قارئا في جامع ابا صوفيا سافر الى مصر عام (1895)م فأقام فيها خمس سنوات.

فتعرف على الشيخ (محمد العباسي المهدي المصري.واتصل بالفنان اللامع (عبد الحمولي) وقد اصدر في مصر مجلة أدبية فيها. اسماها (المصارف) وفي القاهرة التف حوله الموسيقيون والمغنون.ومن أشهر تلاميذه (المغني المصري سيد درويش). وفي تلك الفترة كانت مصر تزخر بنشاطات أدبية وفنية وسياسية يقوم بحمايتها (الأمير عباس) ويحل فيها كثيرون من ابرز الأدباء العرب كأديب إسحاق والكواكبي وخليل مطران. ثم سافر إلى سوريا ولبنان وكثير من الدول العربية، ثم عاد إلى استانبول مع عائلته الصغيرة. ثم عاد إلى العراق عام 1913 بعد إن أصبح الجو السياسي في استانبول غير مناسبا له ونزل ضيفا في دار الحاج حسن عبدا لله خيوكة. وبعد ذلك عينته دائرة الأوقاف بوظيفة رئيس القرار في جامع المرادية وخصصت له حجرة واسعة في جامع الخفافين. وقد وصفه الأستاذ الأثري انه يملك بنية قوية وجسم ممتلئ.مربوع القامة اسمر اللون. أشعث الشعر جهير الصوت وبقي صورة أصلية للفن والعبقرية العراقية حتى وفاته في شهر كانون الثاني عام (1923).ودفن في مقبرة الغزلاني في رصافة بغداد.

المرجعية في شعر الملا عثمان الموصلي (ت1923م)

أ.م.د. أحمد حسين محمد الساداني

من يطالع سيرة الأدباء في العصور المتأخرة، يجد أن معظمهم لم يمارسوا مهنة واحدة، كما هو الحال في العصور السابقة، كالإسلامي والعباسي مثلا، بل أن أغلبهم مارسوا مهنا عدة، كان يجمع أحدهم بين التدريس وتأليف الكتب، ونظم الشعر وكتابة النثر، ويمارس – أحيانا – أعمالا أخرى، أمثال الشعراء : ابن الدهان – ابن الحلاوي – الخبز أرزي – ابن عصرون – الكحال…، لكي يعتاش من عمله، إذ أصبحت هذه الظاهرة سمة واضحة لدى الأدباء في هذه الحقبة الطويلة، عاني فيها الناس من الاحتلال واختلت الأمور وشاع الاضطراب في مناطق عدّة من العالم العربي والإسلامي.

وشاعرنا الملا عثمان الموصلي واحد من هؤلاء الأدباء، فهو موسيقي ومتصوف،، وقارئ للقرآن، ومعلم لأصول القراءة والتجويد والموسيقى، ومغنٍ بارع، بل وشاعر وناثر ومؤلف، وهو في كل واحدة من هذه المهن جيد في اختصاصه بارع في فنه، فقد أُعجب الناس بحسن قراءته للقرآن، كما أُعجبوا بموسيقاه، وغنائه ونظمه، وغير ذلك… فقد حتّم عليه طبيعة العصر ونبوغه وظروفه الخاصة، أن يمتهن كل هذه المهن حاله حال أُدباء عصره…

والذي يهمنا في هذا المجال شعره الذي نظمه في أغراض شتى، وغلب عليه الطابع الديني، والمديح والرثاء والغزل الصوفي والتهاني…

هذا واستمد الملا عثمان الموصلي معاني شعره وألفاظه وصوره من مرجعيات عدة، أهمها :

المرجعية الدينية : المتمثلة بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والتاريخ الإسلامي، فقد كان الملا عثمان الموصلي حافظا جيدا للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وعليه فقد وظف هذا الجانب كثيرا في مُجمل موضوعات شعره، وبأشكال عدّة، فكان منه الاقتباس النصي من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ثم الاقتباس الإشاري مُتمثلا بالأخذ والنظر في الألفاظ والمعاني المباشرة وغير المباشرة…

وتُضاف إلى المرجعية الدينية هذه المرجعية الصوفية المتمثلة بالمعاني والألفاظ التي استقاها الشاعر من فكرة التصوف التي آمن بها وترجمها في أشعاره، نجد فيها ألفاظا ومعاني كثيرة، تعود إلى التصوف، منها على سبيل المثال : الوجد – القطب – الغوث – ألباز – المريد – الشفيع – ليلى، التي تكررت منه كثيرا، إشارة منه إلى آل الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع حنين إلى الديار الحجازية، وذكر أماكنها ؛ أمثال : سَلْع – العذيب – العَلَم – العقيق – الصفا…

أما المرجعية التراثية : فهي متنوعة أيضا استقاها الشاعر من تنوع ثقافته التي شملت اللغة العربية والأدب العربي والتاريخ والحضارة بكل أوصافها ومعانيها…

لذلك فهو ذو خصوصية شعرية صقلها محفوظ شعري متنوع، يمتد من الجاهلية حتى عصره، ويبدو لنا أن شعره قد نسج نسجا تتبك فيه خيوط مختلف العصور، إذ تنوعت هذه المرجعية بين الأخذ والنظر في أشعار الآخرين، ثم تضمين بعض الأسطر والأبيات مع تشطير بعض القصائد المختارة أو تخميسها، تلك القصائد التي يرى فيها إشباعا لتوجهه الديني مثال ذلك قصائد البوصيري، وعبد الباقي العمري، وابن العربي، وغيرهم…، وفي أحيانٍ أخرى يحذو حذو الآخرين في الوزن والقافية والموضوع في نظم بعض من قصائده الدينية التي تطرق فيها إلى موضوع التصوف ومدح بعض الأولياء الصالحين….

يُضاف إلى ما ذكرنا المرجعية الشعبية التي سار عليها في قصائده، التي نظمها للغناء في المجالس والموالد الدينية، هذه القصائد لها سمات أخرى تختلف كثيرا عن قصائده التي نظمها باللغة الفصحى…، ذلك أن هذه القصائد تختلط فيها الألفاظ والمعاني الشعبية مع الفصحى أحيانا، والتي كانت تنظم لمدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) والأولياء الصالحين مع طلب الشفاعة والتوسل، هذه القصائد كما – أسلفنا – تختلف عن غيرها من حيث الصياغة والأسلوب ؛ لأنها كانت تسمى : موشحات دينية – وتنزيلات شعبية – ومواويل…، لا تتوفر فيها كل سمات الشعر من حيث القوة والمتانة والفصاحة، فلها مرجعيات أخرى سار عليها السلف الصالح من الأتقياء ونظموا أشعارهم على هذه النماذج، لكي تسهل عليهم القراءة والغناء في المواسم الدينية والموالد، بحيث أصبحت سمة ظاهرة لهذه الفنون الشعرية المستحدثة، التي نظم فيها شعراء بارزون سبقوا الملا عثمان الموصلي – كالمواليا- والمقامة – والموشح – والتنزيلات – والدوبيت – والزجل… وغيرها، ومعظمها تستمد أصولها من مرجعيات في شرقي العالم الإسلامي أو غربه، لا يلتزم ناظمها – كثيرا – بقواعد الإعراب أو الميزان الصرفي، واستحدثوا لها أوزانا جديدة، إذ نظمت هذه الأشعار – كما أسلفنا – أساسا للغناء، ثم استخدمت لموضوعات الزهد والتصوف فيما بعد …

وعليه فقد نظم الملا عثمان الموصلي هذه الموضوعات المستحدثة، وأجاد فيها نظما وغناءً… وهي لا تعدُّ نقصا أو عيبا في أسلوب الملا عثمان الموصلي، بل إن معظم أدباء العصر نظموا في هذه الموضوعات وعلى هذه الأشكال الشعرية المستحدثة، على أنها من سمات ذلك العصر، فقد نظموا في أموزون المقفى، ولم يتركوا ما شاع في زمانهم من الظواهر الجديدة، وهي جميعا لها أصول ومرجعيات، نحاول دراستها وبيانها…

ويستفاد من المصادر التي ترجمت لملا عثمان الموصلي، إطلاعه على علوم الفلك، وبرز ذلك في شعره أيضا، فقد وجدنا له ألفاظا ومصطلحات عدّة في هذا المجال، منها على سبيل المثال : الكوكب، الفلك، السُّها، الرعد، البرق، البروج، المدار، دوران النجوم…

هذا ما استطعنا كشفه من مرجعيات شعر الملا عثمان الكوصل، وقد تكون هناك مرجعيات أخرى للشاعر، لم نستطع كشفها لن بعضها خفية لا يستطيع أحد كشفها غير الشاعر نفسه.

كلية التربية الأساسية – قسم اللغة العربية

الملا عثمان الموصلي : موسوعة المواهب والعلوم

محمد توفيق الفخري

ولد عثمان الموصلي عام 1271هـ الموافق لعام 1854م في محلة باب العراق لاب يعمل سقاء وهو الولد الأكبر لأربعة اخوة وكان والده يرعاه لما لمس منه من ذكاء ولما بلغ السابعة من عمره توفي والده ثم اصيب بداء الجدري الذي أفقده البصر.

تشاء العناية الالهية ان تحيط بالطفل اليتيم الضرير فقد أخذه الوجيه (محمود بن سليمان العمري) ليضمه الى ابنائه ويرعاه رعاية خاصة حيث عهد به الى مدرس ليحفظه القران الكريم ويعلمه بقية علوم اللغة العربية وخصص له مدرساً يدرسه الموسيقى وكان عثمان سريع الحفظ ويملك صوت رخيم حاز على اعجاب مربيه العمري، ومضى عثمان يواصل دراسته فشرع في قراءة علوم اللغة العربية على علماء عصره من شيوخ المدينة كالشيخ الحاج (عمر الاربلي) والشيخ (صالح الخطيب) والشيخ (عبد الله الفيضي الخضري)وغيرهم كما درس الحديث والتفسير على علماء الموصل المتميزين.

في سنة 1865م توفي (محمود العمري) فكان وقع الوفاة شديداً على عثمان فقرر السفر الى بغداد ليلتحق بربيبه (احمد عزت باشا العمري بن محمود) الذي تربى معه في صغره ووجد منه كل ترحيب وقدمه الى اهالي بغداد ووجهائها وعلمائها فوجد عثمان في بغداد كل تقدير واستطاع التعرف على ادباء العراق ورجاله البارزين وبدأ الدراسة على الشيخ داؤد افندي بن سليمان العاني ثم بعد وفاة المذكور أكمل دراسته (لصحيح البخاري) على الشيخ (بهاء الحق الهندي) كما درس الموسيقى على استاذ الموسيقى (رحمة الله شلتاغ) لمدة خمسة سنوات وبعد وفاة شلتاغ استمر بدراسته للموسيقى على الحاج (عبد الله الكركوكلي).

في عام (1886م) حصلت جفوة بين عثمان الموصلي ووالي بغداد نفي على اثره الى سيواس ثم اطلق سراحه ليعود الى الموصل ويواصل دراسته على شيوخ المدينة وعلمائها فدرس القراءات القرانية السبع على الشيخ (محمد بن الحاج حسن) ونال الاجازة فيها كما اتصل بالشيخ (محمد بن جرجيس الشهير بالنوري) في تكيته وأخذ يقرأ القران الكريم في مجالس وعظ الشيخ المذكور واخذ عنه الطريقة القادرية.

لم تكن الموصل لترضي طموح هذا النابغة فعزم على السفر الى استانبول حيث كان (احمد عزت باشا العمري) قد استقر فيها بعد احالته على التقاعد فرحب به وقدمه الى الزعماء والادباء العرب المقيمين في استانبول منهم نواباً في مجلس المبعوثين والذي كان منهم من تعرف عليه اثناء مكوثه في بغداد و هاموا بمواهبه ورائ هؤلاء ان يقوم بزيارة الى جامع ايا صوفيا الشهير ويقرأ القرآن الكريم فيه ايام الجمع وصار المصلون في الجامع المذكور يسمعون ما لم يسمعوه من قبل من ضبط القراءة وروعة التجويد وجمال الصوت وصار اهل استانبول يدعونه الى مجتمعاتهم كما سمعوا الحانه وموسيقاه وموشحاته وأشعاره فزاد تعلقهم به، وتعرف على الشيخ (ابو الهدى الصيادي) شيخ مشايخ الطرق الصوفية واخذ عنه الطريقة الرفاعية وقدمه الصيادي الى الخليفة العثماني وحظي عند السطان عبد الحميد وأعجب بقراءته القران وصوته الجميل في الغناء.كما اكمل عثمان الموصلي دراسته للقراءات القرآنية على مفتي أزمير الشيخ (مصطفى مخفي) وأخذ عنه الاجازة بالقراءات العشر.

كما بدأ بدراسة الموشحات والحانها وهي لا تبعد كثيراً عن المقامات الموسيقية.

توثق السلطان عبد الحميد الثاني من امكانيات الشيخ عثمان فقرر ارساله الى السنوسي ملك ليبيا لسبر غوره فذهب الموصلي واكمل مهمته وتوثق من نوايا السنوسي وفي طريق عودته من ليبيا نزل في الاسكندرية وذهب الى القاهرة ورائ الأجواء فيها.

عاد الى استانبول واعلم السلطان وطمأنه الى نيات السنوسي ونجاح مهمته.

قرر الشيخ عثمان الموصلي السفر الى مصر نظراً لما شاهده من اجواء مريحة فسافر سنة 1895م قاصداً القاهرة فوصلها ووجد حوله الادباء والفنانين الذين بلغتهم شهرته وأول وصوله سأل عن شيخ قراء مصر فدلوه على الشيخ (يوسف عجّور) امام الشافعية ولما قرأ الموصلي امام شيخ القراء ابدى اعجابه بقرأته ومنحه الاجازة بالقراءات العشر ايضاً.

في ذلك الوقت كان عبده الحمولي يتربع على عرش الغناء والطرب فالتقى عثمان الموصلي به حيث اعجب كل منهما بالاخر وصارت بينهما صلات توثقت على ارهاف فني وصاروا يلتقون في مجالس الطرب وصار الموسيقيين المصريين يسمعون من عثمان الموصلي نغمات الحجاز كار والنهاوند فاقتبسوا منه هذين النغمين وفروعهما وكانت غير معروفتين في مصر.

كما ان عبده الحمولي اخذ عن عثمان الموصلي الموشحات ومزجها بالادوار المصرية.

كان مجتمع القاهرة يقدر نبوغ الموسيقار (عثمان الموصلي) فيهرع الناس لحضور حفلاته وسماع اغانيه.

اثناء هذه السفرة الى القاهرة التقى عثمان الموصلي باتباع الطريقة المولوية واحتضنه هؤلاء وصاروا يصحبونه الى التكية المولوية في السيوفية ووجدوا فيه ضالتهم المنشودة فهو الموسيقي وهو متصوف فأخذ الطريقة المولوية واصبح قطباً من اقطابها.

كما عمل عثمان الموصلي اثناء وجوده في القاهرة بالصحافة واصدر (مجلة المعارف) في ذلك الوسط الذي يعج بالصحف والصحفيين المصريين وكانت المجلة (علمية، سياسية، تاريخية، ادبية، اخبارية)كما اصدر عدة مؤلفات منها:

1. كتاب المراثي الموصلية في العلماء المصرية

2. سعادة الدارين (مجموعة قصائد مع مقدمات نثرية).

3. الابكار الحسان في مدح سيد الاكوان (قصائد مخمسة ومشطرة).

كما قام بتحقيق ونشر ديوان (عبد الباقي العمري الفاروقي) الموسوم (الترياق الفاروقي) بعد ان قام بتصحيح اخطائه واضافة القصائد التي كان يحفظها ولم تكن من ضمن اوراق الديوان.

كما قام بنشر كتاب (خواتم الحكم) المسمى(حل الرموز وكشف الكنوز) للشيخ (علي دده).

كان لعثمان الموصلي في مصر تلاميذ درسوا عليه مختلف العلوم والفنون لاسيما فيما يخص الموسيقى والالحان والمقامات من هؤلاء الموسيقار (محمد كامل الخلعي) والشيخ (احمد ابو خليل القباني) والشيخ (علي محمود) الذي اخذ عن الموصلي اصول المقامات والالحان التركية والشامية واصبح للمذكور فرقة تقوم باحياء الحفلات وكان ممن التحق ببطانتها (زكريا احمد) الذي لحن للسيدة ام كلثوم العديد من أغانيها.

أما في القراءات القرانية فمن اشهر طلابه الشيخ (محمد رفعة) شيخ قراء مصر الذي درس على الموصلي في القاهرة :يقول الدكتور عادل البكري (ان من يستمع الى الشيخين محمد رفعة وعثمان الموصلي يجد تشابهاً في اسلوب قراءتيهما وهو اسلوب مخاطبة السامع الذي اوجده الشيخ عثمان).

بعد مضي خمسة سنوات عاشها الملا عثمان في مصر قضاها عثمان الموصلي بين قراءة القران الكريم في الازهر وتدريس الالحان وحضور الحفلات وحلقات الذكر الصوفية والقيام بزيارة رجالات مصر وعلمائها ونشر الكتب واصدار مجلة فقد شعر بالملل وقرر العودة الى استانبول.

عاد الشيخ عثمان الى استانبول وفتح له دكاناً ليبيع فيه الكتب وعينته الدولة مدرساً للموسيقى، واصبح الدكان ملتقى الموسيقيين الاتراك يتباحثون مع عثمان الموصلي في فنون الغناء والموسيقى واستمر بتدريس الموسيقى في المدرسة. كما قام بتسجيل عدة مقامات واغاني على اسطوانات شمعية وارسل البعض منها الى اصدقائه.

والتقى هناك بالموسيقار التركي (كاظم اوز) الذي استفاد من عثمان الموصلي وتأثر به كما اهتم عثمان الموصلي في هذه الفترةً بطبع ونشر بعض الكتب منها كتاب (الأجوبة العراقية على الاسئلة الايرانية) للامام (ابي الثناء شهاب الدين الالوسي) كما طبع ايضاً مجموعة تخاميس تحتوي على تخميس قصيدة البردة لابن النحوي وتخميس (مقصورة ابن دريد) وتخاميس (لابن الخياط الدمشقي) و (عبد الباقي العمري).

بتاريخ عام 1906م ارسل الخليفة العثماني الملا عثمان داعية له الى بلاد الشام والحجاز فتوجه الى بيروت ثم دمشق وجاور الجامع الاموي وكان يخطب فيه خطباً حماسية بين الناس وتعرف في دمشق على رجالاتها وادبائها ومنهم (محمد باشا العظم الدمشقي) وزير الأوقاف وفي أجواء دمشق انطلق الموصلي في شتى الميادين من حضور الحفلات الاجتماعية والجلسات الصوفية المولوية و قام بتخميس (لامية البوصيري) وطبعها.

كما التقى بالموسيقار المصري (سيد درويش) الذي قدم الى دمشق مع فرقة الأخوين (امين و سليم عطا الله) ليسمع من الحان الموصلي ويأخذ عنه اصول الموشحات العربية والتركية. بقي الشيخ عثمان في دمشق ثلاث سنوات قرر بعدها السفر الى الديار المقدسة راكباً القطار على سكة حديد الحجاز سنة 1909 وأدى الفريضة وكان يخطب بالناس ويدعو الى عدم تفرقة المسلمين.

بعد ان علم ما آلت اليه الأوضاع بعد الانقلاب على الخليفة عام 1908م قرر العودة بعد اداء الفريضة الى استانبول ليتفقد زوجته التركية وأحبابه وخاصة الشيخ (ابو الهدى الصيادي) فعاد اليها ووجد الأوضاع مختلفة وان ابو الهدى الصيادي قد نفي وتوفي في منفاه الا انه لم ييأس وبدأ بالظهور ليقرأ القران الكريم بصوته الخاشع في جامع السلطان (أحمد) ويخطب بحضور كبار الموظفين وبعض العرب من اعضاء مجلس المبعوثين واوضح بأن (ان الانقلاب حركة سياسية لا تغير من صميم الخلافة الاسلامية شيئاً وان من الواجب تأييد حكومة الخلافة)، الا ان تغير الجو السياسي والاجتماعي جعل الشيخ عثمان يقرر السفر الى وطنه فترك زوجته التركية لعدم رغبتها في ترك أهلها وعاد عام 1911م الى دمشق وبقي فيها سنتين التقى مرة ثانية (بسيد درويش) الذي عاد ليتلقى دروسه على الموصلي ثانية ويعمل مع فرقته ليلاً وفي فترة مكوث الموصلي في دمشق اوعز الى ابنه في الموصل ان يبني مسجداً فيها فعاد الملا عثمان الى الموصل عام 1913م وسكن في المسجد المذكور.

استضافه بعدها احد اصدقائه في دار خصصها له وأصبحت الدار مجلساً يجتمع فيه محبو الموصلي وطالبي العلم ولم تدم الحال طويلاً اذ تشاء الأقدار ان يتوفى صاحب الدار ويقرر الشيخ عثمان مغادرة الموصل الى بغداد فعاد اليها وبدأ يمارس حياته ونشاطه في التدريس وحضور الاجتماعات والحفلات ومجالس العلماء واصبح له أصدقاء عديدون وفي هذه الاثناء اعلنت الحرب العالمية وبدأت اخبار انكسارات الجيوش العثمانية تصل الأسماع وبدأ االانكليز احتلالهم للعراق ثم احتلال بغداد سنة 1917م الذي اثر في نفسية عثمان الموصلي وبدأت الاجتماعات في المساجد والخروج للتظاهر ضد الانكليز وبدأت ثورة العشرين فكان الموصلي يقف خطيباً يندد بالاستعمار وتكرر حضوره في هذه المناسبات في جامع الحيدرخانة وجامع الشيخ عبد القادر الكيلاني وجامع الخلاني حتى اصدر المحتلين أمراً حضر هذه التجمعات في 23/8/1920 الا ان عثمان الموصلي بقي على صلته بالثورة حتى تكللت جهود العراقيين بمجيء فيصل الأول ملكاً على العراق وزار الملك الشيخ عثمان في غرفته في جامع الخفافين تقرباً منه الى شخصيات بغداد.

في صبيحة 30 كانون الثاني عام 1923م عاجلت المنية الشيخ عثمان الموصلي عن عمر ناهز السبعين سنة قضى منها 63 سنة في تحصيل العلوم ولم اشتاتها متنقلاً بين كبريات العواصم مكتسباً من ثقافات وعلاقات أهلها الاجتماعية وناشراً للعلوم والفنون التي أتقنها فكان بحق سفيراً لبلاده وملحقاً ثقافياً وداعية من دعاة علوم القراءات القرانية وآداب الطرق الصوفية وغيرها من العلوم والفنون التي استطاع ان يضع بصمته عليها فأستحق ان نقول عنه انه (موسوعة المواهب والعلوم ونادرة عصره).

اسمحوا لي باسمي وباسمكم ان أتقدم بالشكر والعرفان للدكتورعادل البكري الذي قام بجمع شتات أوراق وعلوم وأخبار الشيخ عثمان الموصلي منذ 45 سنة ولحد هذه اللحظة واصدر كتابين وملحق ولولا هذه الجهود لضاع الكثير منها.

كما لا انسى ان اتقدم بالشكر الجزيل للاستاذ الدكتور (محمد باسل العزاوي)لاستجابته الفورية لطلبي القيام بعقد ندوة خاصة لاحياء تراث هذا العالم الموصلي الشامخ والاساتذة الموقرين الذين قاموا بجهودهم للتحضير للندوة ونجاحها.

كما أناشد باسمكم جامعة الموصل وكلياتها الانسانية للقيام بدراسة الشيخ عثمان الموصلي دراسة اكاديمية يكلف بها طالب من طلاب الدراسات العليا.

باحث في التراث

المرجعية الصوفية في حياة الملا عثمان الموصلي وإبداعه

بشار نديم الباججي

سلك الملا عثمان الموصلي في أكثر من طريقة صوفية،وكان لسلوكه الصوفي هذا تأثير واضح في حياته وفي إبداعه، وقد سلك الملا عثمان في الطريقة القادرية النورية على يد الشيخ محمد النوري الموصلي، وفي إستانبول سلك الملا عثمان في الطريقة الرفاعية على يد الشيخ أبي الهدى الصيادي، وفي مصر سلك في الطريقة المولوية، تلك الطريقة التي أسسها مولانا جلال الدين الرومي، وقد لقيت هذه الطريقة هوىً في نفسه حيث وجد في مراسيم الذكر والإنشاد الخاصة بها مايلبي رغباته وميوله الفنية.

ولم يكن انتماء الملا عثمان إلى الطرق الصوفية ‘انتماءا تقليدياً بل كان نابعاً من إيمان راسخ بحقيقة العمل الروحي المتمثل في التصوف،لذل نجد شخصيته قد تأثرت كثيراً بهذا الإنتماء للتصوف، ويمكننا أن نجد ملامح التأثير الصوفي في حياة الملا عثمان في أمور عدة أبرزها:

1- سياحته وتجواله: فقد عرف عن الملا عثمان كثرة تجواله بين الأقطار العربية والإسلامية،وكان دافعه في ذلك حبه للإستزادة من العلم،ورغبة منه في التعرف على فضلاء البلدان من مشايخ وعلماء وأدباء.

2- طلبه للعلم :حيث عد أهل التصوف طلب العلم شرطاً لا بد منه للسلوك في الطريقة الصوفية،وقد كانت سيرة الملا عثمان مليئة بالعشرات من الشيوخ الذين أخذ عنهم صنوف العلم والمعرفة،وحيثما حل نجده يسعى إلى علماء ذلك البلد ليأخذ منهم،وعندما بلغ أشده واستوى عوده تفرغ للتدريس فكان هناك العشرات من التلامذة النجباء الأفاضل الين تلقوا عنهم فنون المعرفة وبالأخص القراءات القرآنية والمقامات.

3- زهده : الزهد من المفاهيم الصوفية فقد عرف عنه أنه جمع ثروة طائلة من منح السلطان العثماني ورجال القصر في استانبول،ولكنه أنفق جميع هذه الأموال على نشر العلم فقد طبع من جيبه الكثير من الكتب العربية في مصر وتركيا، كما أنه سعى في إنشاء المساجد في الموصل وتعميرها،وقد عمر تكية للطريقة المولوية في الموصل، والملا عثمان كان جوادا لم يبخل على أحد من أصحابه،وعندما توفي لم يترك وراءه شيئا من كل تلك الثروة.

4 – خوارق أللاشعور: ويسمي أهل التصوف ذلك كرامة أو إلهاما أو فراسة،ولكننا يمكننا أن نرجع الكثير من هذه الخوارق والعجائب التي تحدث عنها من عرفه ولازمه إلى شدة ذكائه ونباهته، إضافةالى قدراته الروحية الإبداعية الي صقلتها حلق الذكر والإنشاد،وولعه بترديد قصائد التصوف.

5- الصوفي المجاهد: الصوفية يعدون جهاد النفس وقمع نزواتها ميداناً للجهاد الأكبر، لذا عرف عنهم أنهم لا شأن لهم لا من قريب ولا من بعيد بالسياسة، وأنهم يؤثرون العزلة والإنطواء ولكن تاريخ المتصوفة يحدثنا عن الكثير من الصوفية الذين وقفوا بوجه الحكام الظلمة والمستبدين،وإذا ماتعرضت بلاد المسلمين لعدوان هب الكثير منهم للدفاع عن أوطانهم، وقد شارك الملا عثمان مشاركةً كبيرة في التحريض ضد الإنكليز عندما احتلوا العراق،وعندما إندلعت ثورة العشرين التحررية في العراق هب لنصرة الثوار، بشعره وبحلقات الموالد التي تحولت إلى منابر للثورة.

6- خلقه وأدبه :كان الملا عثمان يتمتع بخلق صوفي رفيع وأدب راق ٍ، فقد كان يتحمل الأذى من الناس ويعفو عن أخطائهم، يتألم لآلام الناس ويعيش معاناتهم يحاول،جهده في التخفيف عن معاناتهم، كانت لديه علاقات وطيدة مع الناس على اختلاف مشاربهم، كان لا يأبه لعوقه فاستطاع بجلده وعصاميته أن يحول عوقه الجسدي إلى قوة وإبداع.

أما المجالات التي تجلى أثر التصوف في إبداعه فيمكننا أن نشير إلى السماع الذي يعده المتصوفة رياضة روحية يصطنعونها لترقيق القلوب وإثارة الإنفعالات والمواجيد،وقد مدح الصوفية الصوت الحسن وعدوه مخاطبات وإشارات إلى الحق ومن الأسرار التي أودعها الله من شاء من عباده، وكتب التصوف تفيض بالحديث عن السماع وآدابه ودرجات السامعين،والصوفي إنسان رقيق المشاعر جياش العواطف يتمتع بالشفافية الروحية والحس المرهف.

وقد تفردت الطريقة المولوية التي أولع بها الملا عثمان باستجازة العزف على الآلات الموسيقية أثناء مجالس الذكر وقد وجد الملا عثمان في هذه الطريقة بغيته فكان انتسابه إليها تعبيرا عن هوى في نفسه،وعن شدة ولعه وشغفه بالغناء والموسيقى وقد أنكر الكثير من أهل التصوف ماذهبت إليه هذه الطريقة لذا لم تجد لها في الموصل مؤيدين وأشياعا،وأغلقت تكاياها في مصر وبغداد والموصل.

وشعر الملا عثمان جار على منحى أهل التصوف، في الإكثار من ذكر الرموز المعهودة في شعرهم، والمديح النبوي، وغير ذلك من أغراض شعر التصوف المعروف.

الكلية التقنية/الموصل

الملا عثمان الموصلي محاولة في علم اجتماع السيرة

موفق ويسي محمود

عثمان الموصلي من عائلة فقيرة وأصل متواضع، ابوه سقاء يجوب أزقة المدينة والام تعمل خادمة لتساعده في النهوض بمسؤوليات العائلة.

يتعرض الى نكبتين اولاهما وفاة والده وثانيهما اصابته بالعمى وهو لايزال طفلاً000ثم يكفله أحد الموسرين وهيأ له أسباب تعلم أصول القراءات ومن ثم تعلم قواعد الموسيقى والشعر واللحن، وتوافق ذلك مع حافظة فائقة القدرة وأذن موسيقية وصوت رخيم. الامر الذي ساعده على دخول مجال الشعر والالحان وفتح له أبواب مجالس علية القوم والعلماء في وقت بدأ أن هذه المجتمعات تبحث عن ما يفتح لها آفاقاً جديدة في القراءة القرآنية والشعر والالحان فكان عثمان الموصلي نافذتها وكانت هذه المجالس مناسبة لعثمان لإرتقاء سلم المكانات الاجتماعية التي حرم منها صغيراً.

ويبدو أن قصة حياة عثمان كانت عبارة عن بحث دائم وتوتر ذهني قاده الى التجريب في الموسيقى والى التجريب والبحث في الطرق الصوفية حتى وصل الى الطريقة المولوية الي هيأت له مجالي القراءة الدينية والتنغيم الموسيقي فالتزمها، كما قاده بحثه الى التطواف المكاني بحثاً عن مكان يتسع لعبقريته ويحقق طموحه فمن الموصل الى بغداد الى اسطنبول الى البلد الحرام والى مصر والشام ثم عودة الى الموصل ليموت في ليل شتاء بارد في بغداد وعندي أن عثمان الموصلي كان عبقرياً موهوباً فاقت تجليات عبقريته المتوقع من رجل في ظل ظروف نشأته وزمانها.

إلا أن الملا عثمان لم يجد لدى أكابر القوم مايستحقه من فضل اجتماعي فقدرته وموهبته كانت تؤهله ليبني مجداً ومكانة اجتماعية لعائلته من بعده حصل عليها آخرون لم يقدموا عشر معشار ماقدمه 000 في حين لم يزد عثمان أن كان شهاباً برق ليل المجتمع الطويل.

استاذ مساعد قسم علم الاجتماع

الملا ّ عثمان الموصلي سطورٌ من ذاكرة الأوراقِ

د. عبد الله الظاهر ود. شامل فخري العلاف

رجل موصلي لم يكن بدعا من الناس في تفرده في ميادين العبقرية كلها، علم امتاز وما بزّ احداً، بل حاولوا بزّه وما استطاعوا… كان نسيج وحده… ذاع صيته في آفاق المعمورة العربية والإسلامية، شيخا من شيوخ الاقراء خطَّ بتوفيق الله تعالى له سبيلا خاصا به، ونهج الشيوخ في زمانه ومن جاء بعد نهجه حتى صار مدرسة لها أصولها. ولم تقف عبقريته عند حنجرة سخرها لتجويد القرآن الكريم وحسب فقد اقتبس ذوو الألحان منه أسبابا ذلك أنه عاهد ذويه أن يقرأ القرآن الكريم بما تتفق معه الذائقة العربية التي عبرت إلى آفاق بلاد المسلمين وليس ذلك عجيبا، فقد حفظ قوله صلى الله عليه وسلم “اقرؤا القرآن بلحون العرب” وبلحونه تلك اجتاز إلى الآخرين بالتلحين والتغنين كان موسيقيا أحسن الأثر والتأثير في أسماع المتلقين حتى صارت ألحانه تجري في أسماعهم مجرى النسائم. تلامس خدود العذارى الحالمات وتداعب قلوب العاشقين، وتهتز لأوتاده رؤوس ذوي القلوب المرهفة والباحثين عن الأنس البريء وغير اللاهي وتنهمر لسماع ألحانه دموع ذوي الأحزان والباحثين عن السلوان.

ورهافة الرجل هيأته ليرتقي مجد التصدي للجهل فكان هاديا في زمن كان الناس فيه يبحثون عن سبيل لانتشالهم من براثن الجهل فعل الهداة الصالحين الآخرين… فاعتلى المنبر خطيبا مفوها وبث النور بين المدلجين من الناس… واعظا ذا فصاحة وبيان، ولقد زهد الرجل ملاذ الفانية فكان أقرب إلى التصوف بادئ الأمر حتى ولج بحره فكان علما في التصوف متدرجا بين القادرية والرفاعية والمولوية التي ساد سوادها العظم بلاد الأناضول… ولم ينعزل الرجل عن مجتمعه بل ظل معهم واحدا منهم يتحفهم بطرفه ويظرفهم بظرافته ويمسح دموعهم وأحزانهم بخفة ظله وسريع بديهته التي تنتج النكتة الخفيفة والنادرة الطريفة فآنس الآخرون صحبته وحفظوا غيابه وأدبه، ولهذا وذاك كان ملاذا للعافين ومباءة لشكاة الشاكين وهو أحسن من يستوعب أولئك كله لأنه عاش اليتم والفقر وكان رهين محبس البصر الذي عوض الله به بصيرته نورا وتوقدا فكان يرى بها ويخزن أغلب ما يسمع في حافظة واعية عميقة الإدراك… وكان فضل الله تعالى عليه كبيرا حين هفت النفوس إليه فأحبه الساسة والعامة وذوو اليسار وأصفار الأيادي، وحظي عند المشايخ والأعيان وذوي الحياة والسلطان وأهل الفنون والألحان بالمكانة الرفيعة والكلمة القاطعة المسموعة.

التأثيرات الفنية للملا عثمان الموصلي على فناني مصر وسوريا وتركيا

لقاء فتحي عبدالله

أنجبت مدينة الموصل عددا كبيرا من المؤرخين والعلماء والأدباء والمفكرين والسياسيين الذين كان لهم دور فاعل في بناء شخصيتها الحضارية المتميزة، وقد نال عدد منهم العناية والتوثيق لسيرته والتعريف بانجازاته من التعريف بسجله الحافل.

وأتاح لنا المؤتمر الذي ستعقده كلية الآداب في جامعة الموصل الفرصة لنسلط الضوء على أحد جوانب الإبداع لعلم بارز من أعلام الموصل وشخصية فذة تستحق أن نقف أمام عطائها بإجلال وإكبار، جمع المجد من أطرافه أجاد في مجال الأدب والشعر والتصوف والقراءات ونبغ في الموسيقى والغناء، وغدا مثالا يحتذى به في الصبر وقوة الإرادة والتفاؤل وحب الحياة فعلى الرغم من فقدانه المبكر لنعمة البصر إلا أنه لم يتقوقع وراء جدران منزله بل أصر على إقتحام العالم المضئ من أوسع أبوابه ليتفوق على أقرانه من المبصرين دأبه دأب العلماء لا يعرف حدودا للعلم لا يكل ولا يمل من الدرس والتدريس والمتابعة، جاب العديد من المدن باحثا عن ينابيع العلم والمعرفة لينهل من معينها الدافق أينما حل ورحل ليتأثر ويؤثر فكان مثار أعجاب صفوة المجتمعات التي حل فيها لما أمتلكه من مواهب فذة ولاسيما في مجال الموسيقى والغناء التي سعى لنشرها وتطويرها وإدخال التجديد عليها فطارت شهرته في الآفاق وأصبح قبلة للعديد من أعلام الموسيقى العربية الذين أخذوا عنه أو تتلمذوا على يديه أمثال عبده الحمولي وسيد درويش وكامل الخلعي في مصر وأبي خليل القباني في سوريا وكاظم أوز في تركيا، فشكل أرثه الموسيقي والغنائي الذي ما يزال حيا حتى يومنا هذا منعطفا مهما في تاريخ الموسيقى العربية.

إن سبر أغوار هذه الشخصية والوقوف على إبداعاتها ومواهبها يتطلب منا متابعة لتكوينها الاجتماعي والثقافي لتكون عبرة لكل من يبغي السمو والمجد في حياته ويخلد في الذاكرة بعد مماته.

ولد عثمان الموصلي في مدينة الموصل عام 1854م وسط أسرة متواضعة،ألمت به المصائب وهو في السابعة من عمره وما كاد يفيق من صدمته حتى كف بصره إثر إصابته بمرض الجدري إلا أن القدر ما لبث أن أبتسم له عندما أحتضنه الوجيه محمود أفندي بن سليمان العمري الذي توسم فيه الذكاء وسرعة البديهة وأحاطه بالرعاية فاسكنه في منزله وخصص له من يحفظه القران الكريم وما أن لاحظ العمري أن الله قد من على عثمان بموهبة صوتية راقية وحس موسيقي مرهف حتى هيأ له معلما يعلمه أصول الموسيقى التي دفعه شغفه بها للرحيل إلى بغداد التي لقي فيها الرعاية من لدن أحمد عزة العمري وليتتلمذ على يد شيخ قراء المقام العراقي رحمة الله شيلتاغ وأخذ عنه الكثير من المقامات العراقية، كما درس فنون الإيقاعات والأوزان والعزف على بعض الآلات الموسيقية، وأستمر بنشاطه وأقام العديد من الحفلات التي قرأ فيها الموشحات والموالد النبوية وكان محط أعجاب كل من سمعه من أدباء ومثقفين.

لقد تميز الموصلي بطموحه في العيش في مجتمع أوسع مدى ليُظهر فيه فنه وعبقريته فرحل إلى اسطنبول التي مكث فيها مدة من الزمن ونال فيها الحظوة والتكريم وتعرف على العديد من الشخصيات اللامعة أمثال أبو الهدى الصيادي الذي أجازه في التصوف بالطريقة القادرية وغدا من المقربين إليه وإلى السلطان عبد الحميد الثاني الذي قربه اليه وأدخله الى قصور الحريم السلطاني وهذه مكانة مرموقة لا ينالها الا القلائل.

وجد الموصلي ضالته المنشودة ليصقل موهبته الفنية في مصر التي كانت آنذاك قبلة الأدباء والمثقفين وموطن كبار الموسيقيين والمغنيين والمنشدين الذين سعى للاتصال بهم فأعجبوا بفنه وقدروا موهبته وإعترفوا بفضله على الموسيقى المصرية والعربية، وقد جمعته عدة جلسات مع الموسيقار المصري المشهور عبده الحمولي الذي اخذ عنه فن الموشحات ومزجها بالادوار المصرية انذاك كما ادخل عثمان نغمات الحجاز كار والنهاوند الى مصر ولاسيما لم تكن معروفة لديهم انذاك، أن عطاء الموصلي لم يقف عند هذا الحد بل تتلمذ على يديه ابرز موسيقيي مصر وفي مقدمتهم كامل الخلعي الذي أخذ عن استاذه الموصلي فن موشحات ألاوزان التركية والشامية وكذلك الحال مع أشهر قراء الموشحات والاغاني في مصر الشيخ علي محمود الذي أخذ هو الاخر فن الموشحات التركية والشامية وبذلك كان لوجود الموصلي في مصر أثره الواضح على التجديدات التي طرات على المصرية.

رحل الموصلي الى سوريا ليحظى بمكانة لائقة في مجتمعها وليلتقي بالعديد من أدبائها وعلمائها وليحي العديد من الحفلات التي استمتعوا من خلالها بروائع فنه وبصوته الشجي وتقاطر عليه طلبة العلم ليستقوا من معينه الفني والموسيقي، فالتقى به الموسيقار المصري سيد درويش وكان حينها قادما من مصر مع أحدى الفرق الغنائية فدرس على يد الموصلي واخذ عنه الكثير من فنون الموسيقى وروائع الالحان مما أهله للتصرف بالنغم الشرقي وأدخاله في الاغاني المبتكرة، فكان للموصلي أثر واضح في نبوغ سيد درويش في الموسيقى، أما ابرز تلاميذ الموصلي من السوريين فهو الشيخ أبو خليل القباني الذي أخذ عن أستاذه فن النغم والالحان لاسيما الموشحات.

أما اسطنبول التي زارها الموصلي أكثر من مرة لم يشأ الاان يترك أثره الفني الواضح فيها عندما عين مدرسا للموسيقى في أحدى مدارس اسطنبول وأهم ما أخذوه عنه فن الموشحات، ومن أشهر تلاميذه في تركيا الفنان كاظم أوز ومن أشهر الموسيقيين الاتراك من الذين كانت له علاقة بالموصلي الموسيقا سامي بيك وهو رئيس أكبر فرقة موسيقية تركية، ومن ملامح موهبة الموصلي الموسيقية مزجه بين الموسيقى العربية والتركية وذلك بتداخل المقامات العراقية بالغناء التركي تلك التي عرفت باسلوب الحافظ عثمان الموصلي (موصللو حافظ عثمان طرزنده)، كما نقل مقام الديوان عن الموسيقى التركية الى المقامات العراقية.

ومما سبق ذكره يمكن القول أن الملا عثمان الموصلي يعد مدرسة موسيقية بحد ذاتها أختط لنفسه طريق المجد من خلال أعماله الفنية الرائعة والتي لاتزال لحد الان تغنى في العراق والشام وتركيا ومصر ونسب قسم منها الى الاخرين في ماساة فنية وتاريخية وإجحاف لحق هذا العبقري لولا الجهود المشكورة التي انصفته، ومن هذه الالحان والاغاني لحن (زوروني كل سنة مرة) الذي نسب لفترة طويلة لسيد درويش وهو لحن للموصلي وكلماته الاصلية (زورو قبر الحبيب مرة) وكذلك لحن (طلعت يامحلى نورها)، اما اشهر أغانيه التي لاتزال تغنى في العراق وسوريا أغنية (عالروزنا) وأغنية (فوق النخل فوق)، ومن أغانيه المشهورة في تركيا ومصر والعراق على حد سواء أغنية (ياحبيبي لاتلمني فالهوى قتال) والتي عرفت في مصر باسم (بنات أسكندرية) وهذا فيض من غيض.

رحل الموصلي بجسده عام 1923م لكنه لم يرحل من ذاكرة من عرفه أو أستقى من علمه واستمتع بالحاته الشجية ليبقى خالدا فيها.

مدرس مساعد/كلية التربية/قسم التاريخ

سماعي نت

شبكة البصرة

الجمعة 1 جماد الاول 1436 / 20 شباط 2015

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتبا

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.