No Image

في الذكرى الـ75 للقنبلة النووية.. 15 لوحة ولفائف ورق أرز تسجل فظائع الجحيم الأمريكي في هيروشيما
ناصر النجدي – 11 أغسطس 2020
بمناسبة مرور 75 عاماً على كارثة قصف هيروشيما ونجازاكي بقنبلتين ذريتين أمريكيتين في الحرب العالمية الثانية، وثق الزوجان اليابانيان توشيكو وإري ماروكي المأساة بعمل يحمل اسم Rescue يجسد فظائع القنبلة الذرية، يحتضنه غاليري ماروكي ويتألف من 15 لوحة ولفائف تحمل شهادات الناجين من الجحيم الأمريكي وتحمل أسماء متعددة مثل الأشباح والنار والماء.

تعني كلمة بيكا اللمعان أو الوميض «الفلاش» وهو ما يتذكره الناجون من مأساة هيروشيما، منذ 75 عاماً، وهم يصفون القنبلة الذرية لحظة أن دكت مدينتهم وحولتها إلى مدينة أشباح.

ما زالوا يتذكرون الوميض الذي أضاء السماء الصافية في صباح ذلك اليوم، وتبعه على الفور ضوء أبيض أزرق مشع أكثر قوة وتوهجاً محا كل الظلال، ويقول الناجون أيضاً إنهم لم يسمعوا أي صوت.

وفي غضون ثوانٍ قليلة، اختفت من الوجود المنازل والمعسكرات والمستشفيات والمصانع والمكاتب الحكومية وحقول الأرز، والعساكر اليابانيين وأسرى الحرب الأمريكيين، والمزارعين والتلاميذ.

ويقدر أن القنبلة قتلت أكثر من 140 ألف شخص، طار بعضهم في الهواء من شدة الانفجار، وتساقطت أمطار «الجثث» من السماء على الأشجار وأغصان البامبو.

 

No Image


أعمال خالدة

ولست مضطراً لأن تكون يابانياً أو تتذكر الحرب العالمية الثانية حتى تصاب بالصدمة، فقط طالع الفن الذي يسجل هذه الذكريات في معرض ماروكي في مقاطعة سايتاما، على بعد نحو ساعة شمال طوكيو، والذي يوثق كل فظائع هيروشيما ونجازاكي.

ويشرف الزوجان توشيكو وإري ماروكي على لوحات ومقتنيات الغاليري

الذي يحتوي على لوحات تسجل بالريشة والألوان والمشاعر القصص المؤلمة لأهالي هيروشيما بالحبر وورق الأرز معاناة الحرب في أعمال تتجاوز حتى غرنيكا بيكاسو أو أعمال غويا الخالدة.

وتعد لوحةAtomic Desert أو «الصحراء الذرية» جزءاً من سلسلة أعمال فنية توثق فظائع القنبلة النووية.

في لوحة تحمل اسم Ghosts أو أشباح، تلمح الناجين وهم يسيرون في الشوارع وأياديهم ممدودة يطلبون الماء، وهم أشبه بأشباح بشرية في موكب مفزع.

يجر السائرون أرجلهم يسحبون جلودهم الممزقة من خلفهم وهم منهكون، يتعثرون ويسقطون وهم ينتحبون ويموتون واحداً تلو الآخر.

ولعقود عدة كان تعبير الفنانين عن القنبلة الذرية في اليابان يخضع لرقابة قوات الحلفاء، التي لم تكن تسمح بنشر أية روايات لشهود العيان أو صور أو أعمال أدبية أو فنية عن المأساة الهائلة.

ورغم تداول صور للمباني المهدمة، إلا أنه لم يكن يسمح بنشر صور الناجين والمعذبين من توابع القنبلة، حتى انتهى الاحتلال في عام 1952.

في ذلك الوقت، تحايل اليابانيون على الرقابة بفن ماروكيس، حيث أبدعوا لوحات جدارية على أوراق ولفافات يبلغ طولها 24 قدماً تمزج بين أسلوب إري التقليدي «سومي إي» ورسومات توشيكو الرمزية العصرية، ولكنها تصور تأثيرات القنبلة على الناجين وتركز على التفاصيل الشنيعة لما حدث.

No Image


لوحة أشباح

في لوحة أشباح تلمح بكل الأسى والحزن أناس يتحركون بلا هوادة تجاه كومة من الجثث، وكأنه يحسدونها لأنها استراحت من العذاب، ومن هول الذكريات. تلمح طفلاً حافي القدمين ميتاً، وبقعة سوداء من الحبر تظلل الجميع، تلطخ الأجساد بالدخان والمطر الأسود.

عندما علم إري بأن موطنه هيروشيما ضربت بسلاح جديد، استقل القطار على الفور من طوكيو، ووصل إلى المدينة في 9 أغسطس، في اليوم الذي ألقت فيه الولايات المتحدة قنبلتها الثانية على نجازاكي.

وتبعته بأيام قليلة زوجته «توشي» ليقرر الاثنان ألا تمر تلك المأساة من دون توثيق أو إدانة بالفن، بعد أن حثته الزوجة قائلة «لو متنا لن يعلم أحد بتفاصيل تلك المأساة، ليس لدينا ما نخسره، ينبغي أن نوثق ما حدث بريشتنا».

No Image


توثيق فني

ورغم التهديد بالاعتقال والقتل، لم يتوقف الزوجان وأبدعا سلسلة لوحات مؤلفة من 15 لوحة ما زال 14 منها في الغاليري، إلى جانب لفافات تحوي شهادات الناجين وشهود العيان على الجحيم الأمريكي.

وبدأ الاثنان التوثيق الفني بلوحة أشباح، التي رسماها على ورق الأرز، بناء على شهادات الناجين والمعذبين، تليها النار، ثم الماء.

وفي كل عام، كان الزوجان يشاركان بقية اليابانيين في الاحتفاء بالكارثة بوضع مصابيح ورقية طافية على مياه نهر موتوياسو في هيروشيما يشارك فيها ما يقرب من 70 دولة بمن فيهم ممثلون أمريكيون.

ومات إري في عام 1995، وبعده توشي في 2000، بعد أن خلدا المأساة بأعمالهما.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.