قياس التعريض الضوئي

حتى مطلع القرن العشرين, كان تحديد التعريض الضوئي مسألة أشبه بالتنجيم بفتجان القهوة. لم يكن هناك نظام موحد للتعبير عن الحساسية الضوئية للأفلام والشرائح, كما لم يكن هناك أجهزة موضوعية بسيطة لتحديد مستوى إضاءة كل مشهد. مسؤولية تحديد التعريض كانت تقع بالكامل على كاهل المصور, وتعتمد على الخبرة التي إكتسبها من العمل الجماعي, أو على مبادرته الذاتية أو بالاعتماد على بعض الوسائل الكيميائية الصعبة وغير الدقيقة, التي كانت متاحة في حينه.
غير أن الأدوات الأكثر استعمالاً كانت الجداول المتعددة والحاسبات القرصية, التي يمكن مشاهدتها الآن في المتاحف العالمية الخاصة بالتصوير. يمكن القول أن جداول التعريضات حافظت على حيويتها لغاية الآن, وللتأكد من ذلك, إفتح العلبة الكرتونية للفيلم وستجد على الجهة الداخلية للكرتونة جدول بقيم التعريض المناسبة لعدد من المواقع وفي أحوال جوية مختلفة اعتماداً على نوع المشهد. وبالرغم من عدم دقة هذه الجداول, إلا أنها أفادت المصور وجنبته الوقوع في أخطاء كبيرة عند حساب التعريض.

أجهزة القياس الكيميائية كانت الوسيلة الأكثر تطوراً وموضوعية في ذلك الوقت, ومنها جهاز قياس فاعلية الضوء الكيميائية أو ما يعرف بمقياس الأشعة الأكتينية Actinometer. وطريقة عمله تتلخص في وضع ورقة حساسة للضوء في جو المشهد, وحساب الزمن الذي يستغرقة تحول لون الورقة (أو التدرج) إلى لون محدد على المقياس. هذا الزمن كان يمثل “زمن التعريض”.
الانعطاف في عملية قياس التعريض حدث في ثلاثينيات القرن العشرين, مع ظهور أجهزة قياس التعريض الإلكتروضوئية, والتي استعملت في البداية لتحديد مستوى التعريض للمشاهد السينمائية, ثم بدأت تظهر في أيدي المصورين الفوتوغرافيين. وكانت الحل الأمثل لمشكلة قياس إضاءة المشهد بطريقة مريحة, سريعة, دقيقة ومتعددة الاستخدام.

بدايةً, كانت أجهزة القياس منفصلة ومستقلة عن الكاميرا, ولا زالت هذه الأجهزة لغاية الآن, تستخدم من قبل المصورين المحترفين لدقة قراءتها ومرونتها. بعد ذلك, وبالتحديد في خمسينيات القرن العشرين جرى دمج أجهزة القياس مع الكاميرا. ولكن بقيت الأجهزة تعمل بشكل مستقل وبمعزل عن عمل الكاميرا, ووظيفتها فقط تقديم الإرشادات للمصور حول التعريض المناسب لكل مشهد. بعد ذلك بدأ إنسياب وتكامل أجهزة القياس مع أجهزة وآلية عمل الكاميرا.

في الكاميرات شبه الأتوماتيكية, كان المصور يتولى وضع سرعة الغالق, ثم عن طريق لف حلقة فتحات العدسة, يقوم بمطابقة البوصلة (إبره تظهر في محدد المنظر) مع إشارة التعريض الصحيح المتوفرة في المحدد. أما في الكاميرات الأوتوماتيكية, فقد أصبحت هذه العملية السهلة من مسؤولية الكاميرا نفسها, حيث تقوم -عبر الإلكترونيات المبيّتة فيها- بقياس الضوء, ومن ثم ضبط فتحة العدسة وسرعة الغالق تلقائياً. دليلها في ذلك قيمة التعريض الذي قدّرته للمشهد. بعض الكاميرات الأوتوماتيكية تنبئ المصور بقيم التعريض التي ستستخدمها (فتحة العدسة وسرعة الغالق), في حين أن البعض الآخر من الكاميرات الأوتوماتيكية يلزم الصمت ولا يشعر المصور بهذه القيم.

كلما كانت آلة التصوير تميل إلى مستوى المبتدئين, كان من الصعب على المصور التدخل في عملية تحديد التعريض, وهو أسوأ ما في هذه الكاميرات, فآلات التصوير المؤتمتة بالكامل –معظم الكاميرات المدمجة التي ترفع شعار “صوّب و صوّر”- لا تساعد المصور, خاصة المبتدئ, على فهم واستيعاب عملية التعريض الضوئي, وتنمية مهاراته الخاصة في هذا المجال. فالمعروف ان عقل الإنسان يمثّل أسرع وأحسن حاسوب, ويتصف بقدرته على القياس والتعليم الذاتي, وعندما يحمل المصور الجديد آلة التصوير لأول مرة, سوف يضطر كل مرة يهم فيها بالتقاط الصور, إلى استعمال جهاز قياس التعريض المستقل, وضبط العيارات على الكاميرا, مما يؤدي بعد فترة وجيزة إلى تراكم الخبرة لدى هذا المصور ومن ثم سيستغني عن جهاز القياس ويشرع في تحديد التعريض بطريقة ذاتية. مع الكاميرات المؤتمتة كلياً, عند الضغط على زر الغالق, لا يدري المصور الجديد إن كانت سرعة الغالق هي 1/500 أو 1/2 من الثانية, وهكذا يبقى طوال حياته, لا يعرف ما يعنيه التعريض الضوئي. وأذا أخذنا بعين إلاعتبار, ان أجهزة قياس الضوء في الكاميرات يمكن أن تنخدع بسهولة, فلنا أن نتصور حجم اليأس والإحباط الذي سيعاني منه المصور الجديد, حين رؤية صوره ذات تعريضٍ خاطئ, الأمر الذي قد يدفعه لترك الهواية والانشغال بهواية أقل متاعب.

إذاً ما هو الحل الأمثل: هل نستخدم أجهزة القياس الأوتوماتيكية أم نستخدم النظام اليدوي؟
علينا أن نتمتع بالمرونة اللازمة. ففي بعض الأحيان لا يكون أمامنا من مفر سوى استخدام أنظمة القياس الأوتوماتيكية, خاصة إذا كنا نصور مشاهد سريعة الحركة (كما هو الحال مع المصورين الصحفيين), أو عند تصوير المشاهد الخارجية حيث تجانس الإضاءة يضمن عدم انخداع جهاز القياس المبيّت في الكاميرا. أما حين يكون المشهد عالي التباين, والموضوع الرئيس يقع في أطراف هذا التباين, فعلينا حينها اللجوء إلى تحديد التعريض بصورة يدوية, أو باستعمال أجهزة القياس المستقلة ذات القراءة الموضعية Spot-meter. لأخذ قراءات مستقلة للجزء المهم في المشهد.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.