نبيه محمد نبهان
تحية لذكرى الفنان التشكيلي السوري الراحل محمود الضاهر Mahmoud Aldaher
استعادة لمادة عن معرضه الأخير في عاديات طرطوس
هذيان على وتر اللون
صحيفة المثقف
العدد: 3565 المصادف: 2016-06-09
سمر محفوض
samar mahfodd
محمود الضاهر الفنان التشكيلي في ذاكرة ريحه
معرضه الأخير في عاديات طرطوس الذي حوى 35 لوحة، يسرح قطعان اللون لتنسج طاقاته المتألقة والمشعة شغفها على سطح اللوحة مما يمنحها حرية حركية خصبة يرش حباب الالوان على شكل غبار طلع يمازج الفكرة والضوء والكتلة عنونها المراءة والمرارة والغياب والانخطاف والقلق والشجن والحب بشاسع طغيانه، ممرا لنا نتاجا بصريا مختلفا ومميزا، ثمة مناهج لديه تدفعك إلى اعتبار أن كل لوحة نص مفتوح على حيز الكواكب والنجوم والأكوان..لفهم مضامين النصوص ومفاعيل السرد البصري كونه يمثل المجال الحيوي للجملة التشكيلية بكافة مكوناتها ومدركاتها الحسية والعقلية لأن الرسم عنده نتاج منطقي لمساحة من التفاعل … الشمولي الجمالي ضمن عمل يشكل الرؤى الحديثة للنص البصري المصحوب بجماليات تساهم في رفع شعرية الذائقة البصرية والتواصل مع كافة منتجات الفن وإحالات دلالاته الحاشدة من ملامح وسطوح وكتل وألوان تملأ الحيز…
محمود الضاهر كائن من دهشة وأحلام شفافة مشغول باللون، كهاجس دائم التصاعد متفردا بامتلاك أدواته، ولعل هذا الهامش من العبث العالق بريشته هو ما يميزها وسط الركام العجيب من النظريات والتجارب التي دفعت ببعض الحالات بالتشكيل إلى التخلي عن سيادته الروحية لصالح التقنيات البصرية المؤتمتة المتسارعة وهي تمارس الاختلاف اللا منطقي، وسط كل هذا العبث الذي يجتاح الفنون عامة والرسم بشكل خاص، يرتب محمود الضاهر بياناته اللونية من الأزرق الداكن إلى الشفاف ومن الليك إلى الشمسي المتلاحق الى الاخضر الخصيب على شكل جرعة حتمية من عصير الحياة المنتصرة دائما الى الخلق، تغدو حالات ألوانه مشدودة إليه واهبة طاقاتها الذاتية لتواكب قدرته على الانتقال إلى عالم الرؤية الحرة …ملقياً عليك أجوبة مقلقة لأسئلة محيرة كانت قد أطلقتها في داخلك لحظة الملامسة الأولى للوحة…المساحة …لابفعل قيمة التجربة المقترحة وقدرته التشكيلية في تجسيد أطوار نبضه بل على إتقانه وبراعته في خلق الحيرة اللونية لتصبح المتابعة شكلاً من الإبحار الغير مأمون لمكابدات أطياف شدوه وتغريده كلها وتجذره في تفاصيل حزنه وفرحة بمنطقة الضوء من مشاهدتنا البصرية. أو ساحة التعبير الداخلية والتي تعتبر تلخيصاً لخصوصية تجربته المسكونة بمزاجيته المصرة على أن تكون منصة انطلاق نحو عوالمه الباحثة عن سلام ما…. كنتاج منطقي متماهي مع الخلفيات الفكرية والرمزية الموحية ….. يأتي منتجه البصري مشغولاً بروح إبداعية وأسلوب حرفي حاشد بالمكونات الخطية واللونية من ملامس، وسطوح، ومجموعة كتل تشغل الفراغ دون إهمال المحتوى الموضوعي الذي يشكل المضمون…
يستحوذنا وهو الذي يسكن ساحة وعي المشهد شاهداً على ترتيب حاجات أعماقه بذات، الحضور والإدهاش الذي ليس بوحاً وجدانياً فحسب بل هو سلسلة لاتنتهي من الطقوس التكوينية المشغولة بذهنية تفتحت بتشكيلات غنية بتفصيلات احتاجت إلى استثنائية خاصة لتحويلها إلى فعل جمالي مختزن يتهادى بسلاسة في محيطه اللوني مشكلاً حضوراً نوعياً بين الأسطورة والحلم المنتصر بأدواته التي تفصح عن قلقه فوق سطوح أعماله وتعكس حساسيته بدراجاتها . حاملة الحس ألاستبصاري للمشروع الفني المحمل بما هو مفصلي، في حركة الفن ضمن توليفات حية يمنحها الفنان ما في روحه، المسكونة بتصورات لا متناهية لعوالم تنبض بالحياة لتأتي نتاجاته في خطوط تكوينه.. تحمل رؤى اتصالية بعوالم مفعمة بدعوة حميمة…لاتطابق الواقع رغم أنها تلازمه كنسيج بصري بأبعاده الانسيابية.والإنسانية مفسرة للمنطقي من الحلم ومن ثم تأويله بما يندغم ودائرة الإنتاج الإبداعي وتداعيات الأطر ضمن تركيبة فريدة لأفكار يولدها في مستويين الأول مقترن بليونة ورشاقة حسية لونية قائمة على قرابين الحدس الإبداعي حيث اللون لديه تعبير عن رغبة جامحة في اختراق الإدراك باتجاه الدلالة النوعية كترتيل غني من حزن وفرح ورغبة للانفلات من المرئيات بطريقة ما وللانتقال إلى مدارات محفوفة بالأسرار المضطربة حيناً والدافئة حيناً فترى على سطح اللوحة الأزرق المشبع المشبوب، والمشتاق للتدرج عبر كثافته اللونية الجادة والأحمر المتصاعد الناري بشبقه المندلق عبر تناغم لوني يشكل مفتاحاً لبلوغ العمق الفكري بغية التوصل لسر الدهشة والمتعة في تلك الألوان التي تتهامى أو تتشظى كأنها نيازك تنتظر الخلاص لتنداح على سطح اللوحة الشاهقة بالأبيض الوارف والأحمر والأصفر الشفاف والأخضر الخصب فضاءها مفتوح ومعلق على إنجاز في أفق اللوحة هو الذي تقل عنده الألوان السوداوية فلا لون للكارثة …
كحالة مفتوحة ومغلقة ومتغيرة بشكل شديد الحساسية محققاً التوازن والتفاعل البصري القائم على تدرج منطقي ينم عن القدرة الفنية حيث يبدو التوليف التشكيلي في التناغم الإيقاعي للألوان السائدة على مساحة الخصوصية المعالجة بمجمل خطوطه ومسافات بيانه اللوني المحمل بأنماط مختلفة (تقليدية وأخرى معاصرة) قادرة على حمل البعد النفسي والتأويل والابتكار قياساً بمزاجية إبداعه وانعكاسات حالاته بين الحزن العالي والفرح المتمرد..
ضمن رفه الضوء وخيط التأملات يعلن أماكنه التي تسري في الذاكرة فلا ينسى أبدا أن يجر ورائه قافلة احتمالات على قيد الاهتمام حيث يداه تمتلئ بدمع محتقن يهمله حيناً ويسفحه أحياناً… مستهلاً اتهام البهجة .
.مصراً على تجاوز الاستعراض إلى حقيقة وجعه سيد الموقف وحين يتوصل للنطق بحزنه المسحوب من أعماق حواسه ..
إنما الخاص عند محمود الضاهر هو في فيما يشعله من توليفة ألوان مشعة قاربت بهاء النطق تتأنسن وتتلهف..لوعة وحزن
بتلك الحميمة المضافة والمتميزة بين صيغة الاستقرائية والتجاوز أما المستوى الأخر فهو الخط الشعاعي للون، والذي يشكل عبوراً حراً لإمكانية الحركة المندمجة بما تخلفه على السطوح التي تخلق مبررات حركية دائمة الحنين على اعتبار ان أساس الإحساس الفني بدرجاته الخاصة التي يصل إليه الفنان في حالة من التوحد مع الذات ضمن مجازفاته إنها الحالة التي تدل على مابداخله من تنوع يأخذك تارة إلى التجريد وتارة إلى التبسيط العفوي حيث الطبيعة حاضرة دائماً لكن وجودها ليس مباشراً بل يأتي تلميحاً أو تجريداً لونياً يذكرك بالبحر تارة وباليابسة تارة ليكسر مفهوم اللوحة كمسطح تقليدي فهو يلون مساحاته وكأن اللون أعمدة تنحني وتنبسط وتتمرد محملة بمتعة إضافية وهو نفسه دائماً يستغل طاقاته الفنية في النهايات المنتصرة ..
كانتظار لايأتي في داخل هذا المضمون المتناقض والمستقل بذاته يوزع محمود الخطوط بدرجة عالية من الجدة فهو موزون وحركي في أن .لا يتبع قالبا خاصاً ولا تحدياً في انكشاف البيان إنما أخذاً برموزه التي تتواصل بالارتباط الحر عبر مناخ تكاملي يستعيد أسئلة العقل فاللوحة عنده ليست بنية مسطحة أو منتهية بل هي بنية على بساطتها متشعبة تتجاوز الأحادية التعبيرية في رحلة معاكسة إلى حدائق وشموس الذات، لها طابعها ومذاقها الخاص وهي أيضاً بهذه الحالة ليست مرآة تعكس عالمه المرئي بل هو تعبير شديد الخصوصية يحكمه منطق تشكيلي داخلي يسقط انفعالاته على اللوحة في توزيع خاص لكتلته اللونية بتكنيك وانسجام يتحاور مع التقاطعات الحسية الرفيعة لديه والتي لا توالي الاهتمام لمعنى الاندماج اللوني المستخدم فحسب بل لتشكيل القيمة المجردة أيضا كقطيع صخور معاند يميل إليك، الصدى .كل ذلك
وهو متمترس خلف انجازاته المكثفة المتلاحقة لايبتغي نقل رسالة ذات مغزى مباشر بل يسعى إلى أطلاق الحان سماوية تقرأ بالبصيرة والقلب قبل أن تقرأ بالعين تؤديها ألوانه بكل هذه الرغبة المسكونة بهاجس البحث عن آماد تتسع لقدرته الفنية دون المساس بكينونته وخصائصه تحقيقاً لمنجزه الفني الناهض بأحلام واعدة بتجليات الروح تحت وطأة ماتعانيه،
لنغدو شاهدين دون أحكام تالفة او منجزة، وهو يراكم لنوع من الحوار داخل أحاسيسنا ومخيلتنا التي تشعر بأنها معنية بالتدخل بتفاصيل الخلق اللوني رغم أنه غير صادر عنها كأنما كل ذلك ليرصد من خلالنا مجموعة أحلام ليست محددة بالزمن ..ولكنه يحتاج أزمنتها
يريد ذلك ليقول بأن اللوحة لديه قارة مجهولة قيد التجسيد تطالب بأوان اكتشافها.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.