الفن والعمارة في سورية

أدى موقع سورية الجغرافي دوراً أساسياً في تشكيل ملامح عمارتها وفنونها البصرية عبر التاريخ، ووفر لها منذ أقدم العصور فرصاً مختلفة الأشكال للاتصال بالحضارات المجاورة في آسيا وأوربا وأفريقيا، وتبادل التأثير بين الفن والعمارة في سورية وبين فنون تلك الحضارات وعمارتها، ويظهر هذا بوضوح في عدد كبير من الأوابد واللقى الأثرية على امتداد مناطق وعصور عدة، كما هو حال المنحوتات الفينيقية ذات التأثير المصري المكتشفة في ممالك الساحل السوري، والآثار المعمارية والنحتية الهلنستية في أنطاكية واللاذقية وأفاميا ودورا أوروبوس، وحضور المفاهيم الفنية والمعمارية الرومانية في تدمر وجبلة وبصرى وشهبا ودمشق، والبيزنطية في قلعة سمعان، والتأثيرات الفارسية في عمارة العصورالإسلامية المتأخرة. وبالمقابل أذت حضارات الجوار من سورية ابتكارات المعماريين السوريين القدماء في الأقواس والقصور والقباب وروح التصوير الشرقي وفن الأيقونة ومفاهيم العمارة الإسلامية ذات الأصول المحلية الموغلة في القدم، والتي كانت بدورها نتاجاً لطبيعة البيئة والمناخ، حيث لجأ المعماري السوري القديم إلى بناء القبب بدل السقوف الخشبية حيث ندرت الأشجار، واعتماد مخطط هندسي أساسه غرف تحيط بفسحة سماوية مكشوفة تسهم في تلطيف حرارة الجو، وقد شاع هذا النموذج المعماري في معظم المدن السورية مع بعض الاختلاف في التفاصيل, ولاسيما فيما يتعلق بمواد البناء وتوافرها، ففي حين بنيت بيوت حلب من الحجارة, واستخدمت أسافين الحديد والرصاص لربط الحجارة الكبيرة في أغاريت وعين دارا، اعتمد المعماريون الدمشقيون الآجر وخليط من الطين ومخلفات القمح, واستخدموا الخشب في إقامة الأعمدة وتشييد السقوف. وفي كل الأحوال اهتم ذوو الشأن اهتماماً كبيراً بالجانب الجمالي التزييني, فانتشر على نطاق واسع داخل الأبنية الدينية والرسمية والسكنية التصوير الجداري (الفرسك) القائم على الرسم بالألوان فوق كلس رطب، والزخارف الحجرية والرخامية والجصية, والتزيينات الهندسية المعتمدة على رصف قطعٍ من الحجارة مختلفة الألوان والأشكال، كذلك الخشب المزخرف والملون بأشكال نباتية، وفي زمن لاحق استخدموا القاشاني المائل إلى اللونين الأزرق والفيروزي الذي حل محل الآجر المطلي بالمينا الملون المنتشر في الحضارات السورية الأقدم، وقد شهدت العمارة في سورية منذ وقت مبكر اللوحات الجدارية المصنوعة من الفسيفساء كتلك الموجودة اليوم في متاحف أفاميا وتدمر وشهبا وعلى واجهة قبة النسر في الجامع الأموي بدمشق. واستخدم المعماريون في الفترة  المملوكية والعثمانية حجارة من ألوان مختلفة في تشييد مداميك الجدران ضمن تشكيلات هندسية متقنة.

يتسم تاريخ العمارة في سورية بوجه عام بثراء وفير، ويجمع ما بين الأصول المحلية والتأثيرات الإغريقية والرومانية والبيزنطية والفارسية, كما ويضم شواهد عن فن العمارة الحربية في أوربا القرون الوسطى، كالقلاع التي شيدها الفرنجة على الساحل والشريط المجاور له إبان ما سمي بالحروب الصليبية، وتأثيرات فن العمارة المدنية الأوربية في مطلع القرن العشرين إبان مرحلة الانتداب الفرنسي على سورية. وبين هذه وتلك الابتكارات المعمارية في المراحل الإسلامية المتتالية بدءاً من المرحلة الأموية التي تركت, إضافة إلى الجامع الأموي الكبير بدمشق ونظيره في حلب المشيد على الطراز ذاته، عدداً من القصور أهمها قصر الحير الشرقي وقصر الحير الغربي الذي نقلت واجهته إلى المتحف الوطني بدمشق. وأتاح الاتساع الهائل للإمبراطورية الأموية ظهور أشكال معمارية جديدة في البلدان التي انضوت تحت لوائها تجمع بين المفاهيم المعمارية المحلية والمفاهيم التي أتى بها الإسلام، وسرعان ما انتقلت تلك الأشكال الجديدة إلى العراق والشام.

اتسم الفن العربي الإسلامي في مجال العمارة بعدد من الخصائص العامة أهمها مراعاة التناظر والاهتمام بالضوء، وتنوع الزخرفة وشمولها كل البناء، مع تجنب تصوير الكائنات الحية في المباني الدينية، ولاسيما الإنسان والحيوانات البريـة, والاستعاضة عن ذلك بمواضيع طبيعية وزخرفية نباتية وهندسية. أما العصر العباسي فلم يبق منه في سورية سوى آثار مدينة الرافقة على ضفة الفرات إلى جوار الرقة القديمة، وقد بنيت على شاكلة بغداد, وينسب العلماء هندسة جامعها إلى فن معماري جامع للطرازين المعماريين الرافدي والأموي، وتكاد الآثار المعمارية للعصر الفاطمي في سورية لا تذكر, في حين تحفل دمشق وحلب وحماة وبصرى بآثار معمارية كثيرة من العهد السلجوقي ومن العهد النوري (فترة نور الدين الشهيد) أهمها المدرسة النورية والبيمارستان النوري وحمام نور الدين في دمشق، ومئذنة الجامع الكبير والبيمارستان القديم والمطبخ العجمي ومسجد القلعة في حلب، وجامع نور الدين في حماة، وجامع مبرك الناقة في بصرى، أما أهم آثار العصر الأيوبي فهي قلعة دمشق التي تعد أهم مثال عن فن العمارة العسكرية في ذلك العصر، وإلى جانبها ينتشر في المدن السورية عدد كبير من المدارس والترب. وازدهرت الحركة العمرانية في سورية خلال العصر المملوكي بسبب تراجع حدة الخطر الخارجي وانتهاء الحروب الصليبية، واعتبار دمشق عاصمة ثانية للسلطنة، ومـع ذلك لم تشيد في ذلك العصر أبنية ضخمة باستثناء عدد محدود من الجوامـع التي شيدت وفق تخطيط الجامع الأموي كجامعي تنكز ويلبغا في دمشق، وكثر بناء المآذن والقباب في العمارة المملوكية، وكذلك الزخرفة التي دخل فيها التلوين على نطاق واسع، ومن أشهرالعمائر المملوكية القائمة حالياً المدرسة الجقمقية والمدرسة الظاهرية في دمشق والأخيـرة هي اليوم مقر المكتبة الظاهرية، والبيمارستان الأرغوني في حلب، والمئذنة الغربية للجامـع الأموي بدمشق المعروفة باسم مئذنة (قايتباي). ومع بداية العصر العثماني عرفت العمارة أسلوباً جديداً في هندسة المباني بتأثير كنيسة «آياصوفيا» في القسطنطينية (اصطنبول)، انتشر في سورية، ويتجلى خاصة في بناء التكية السليمانية في دمشق، والمدرسة الخسروية في حلب، وأوليت عناية خاصة بإنشاء الأسواق والخانات تلبية للتوسع الحاصل بين أرجاء الامبراطورية، ومثلما ظهرت التكية بهندستها الجديدة كمجمع معماري يضم المسجد وغرف السكن والمطابخ والمطاعم والقاعات والحدائق، ظهرت الأسواق كمجموعة معمارية تضم المخازن التجارية والخان والجامع والحمام والمدرسة، كما هو حال سوق الخياطين وسوق الحميدية في دمشق، وصارت بلاطات الخزف الملون (القاشاني) عنصراً هاماً في كسوة الجدران الداخلية والواجهات، كما شاع نوع جديد من الفسيفساء  عرف بـ (الأبلق) يقوم على ملء الزخارف المحفورة على الحجارة بالملاط الملون.

   
 
تمثال سيشة من الرخام، أفاميا (متحف دمشق) شمعدان من النحاس الأصفر؛ منقوش ومرصع بالذهب والفضة (دمشق 1257م/657هـ)

احتضنت العمارة، كما هو شأنها، جميع أنواع الفنون، وضمت بين جدرانها نماذج غنية للفنون التطبيقية من قطع الأثاث الخشبي والنسيج والسجاد ومشغولات النحاس والعاج والزجاج مما أبدع الحرفيون في صنعه على مدار العصور, ويمثل ما بقي منها تحفاً تحرص المتاحف على اقتنائها وعرضها. وقد عرفت سورية منذ أقدم العصور صناعة الخزف حيث استُخدم في مجالات شتى, وأبدع صانعوه أشكالاً غاية في الجمال, ولاسيما في العصور الإسلامية الوسيطة حين شاع استخدام ما عرف بالخزف ذي البريق المعدني، والذي فسر بعض الباحثين الاهتمام به على أنه بديل للأواني المصنوعة من الذهب والفضة والتي كانت محرمة في الإسلام، وظهرت منذ وقت مبكر على جدران المعابد والمساكن لوحات جدارية، ولوحات الفسيفساء[ر]، والزخارف الهندسية والنباتية، وفي وقت لاحق الكتابات التزيينية، وتعد هذه الأشكال اليوم بعض أصول فن التصوير (الرسم بالألوان) المعاصر في سورية، وهو ما ينطبق أيضاً على فن الأيقونة التي ازدهرت في سورية في أزمنة متعاقبة وشهدت مراكز مهمة لها أشهرها حلب. كما ضمت العمارة في داخلها وعلى واجهاتها الخارجية إبداعات النحاتين السوريين القدماء التي امتازت على الدوام بقوة التعبير العاطفي، وقد انسحب تأثيرهم على النحت الهلنستي والروماني في سورية، وتمثل منحوتات مملكة ماري (تل الحريري) وأُغاريت (رأس شمرا) مصدراً أساسياً من مصادر النحت السوري المعاصر.

علبة من الذهب المرصه لحفظ التمائم، حلب، القرن الرابع عشر (متحف دمشق)

يرى نقاد الفن ومؤرخوه في مطلع القرن العشرين بدايةً للفن التشكيلي السوري المعاصر، فإلى ذلك الوقت لم تكن اللوحة المتنقلة  بشكلها الحديث قد شاعت بعد في سورية باستثناء الأيقونات والمنمنمات في الكتب, ولوحات الصور الشخصية portrait التي رسمها مصورون أوربيون للسلاطين والولاة وكبار الموظفين والأثرياء، وكان لعلاقة الدولة العثمانية مع أوربا المزدهرة بالاتجاهات الفنية الحديثة دور أساسي في انتقال مفاهيم الفـن الحديث إلى سورية، كما ساهمت التحولات الاجتماعية وانفصال الأبناء عن الآباء في أسر وبيوت صغيرة مستقلة في حدوث تحول في مفاهيم العمارة المحلية استجابت لـه الطرز المعمارية الأوربية المعاصرة، وأدى إلى نشوء الاهتمام باللوحة المتنقلة بعد خلو جدران الأبنية الجديدة من الزخارف والتزيينات التي كانت تملأ جدران العمارة التقليدية، وبذلك سـارت العمارة وتزييناتها الداخلية في مسارين منفصلين عدا استثناءات قليلة مثل مبنى محطة الحجاز ومبنى مؤسسة مياه عين الفيجة في دمشق، ومقابل حفاظ بعض الأبنية المشيدة في خمسينات القرن العشرين على الأصول المعمارية التقليدية كقصر العدل في دمشق، بدأت بعض الأبنية ذات الطرز المعمارية المعاصرة بالظهور كما هو حال المصرف المركزي ومبنى البريد الرئيسي، كذلك عرفت البيوت السكنية تحولاً في طرازها المعماري بدءاً من النموذج الذي عرف في أواخر مرحلة الانتداب الفرنسي المنتشر في ساحة النجمة بدمشق ومحيطها، وانتهاءً بنماذج أكثر معاصرة في الشوارع الحديثة كشارع بغداد وشارع الجلاء (أبو رمانة).

صينية كبيرة مطعَّمة دمشقية (القرن التاسع عشر)

ومع مطلع السبعينات ارتفع في ساحة الأمويين بدمشق نصب تذكاري لـه واجهتان واسعتان من البلاستك الملون تمثلان أعلام الدول المشاركة في معرض دمشق الدولي درج الناس مع مرور الوقت على تسميته بالسيف الدمشقي, وصار واحداً من أشهـر رموز دمشق المعمارية وشعاراً للقناة الأولى في التلفزيون السوري، ومع تبدل وظيفة النصب بانتقال معرض دمشق الدولي إلى الغوطة كُلِّف الفنان إحسان عنتابي بتجديد واجهتيه اللتين صممهما الفنان عبد القادر أرناؤوط, فاستخدم الزجاج الملون بدل البلاستك إحياء لتقاليد الزجاج المعشق, واستبدل الأشكال الهندسية المجردة بشكل زخرفي يمزج بين النار والوردة ليكون هذا النصب واحداً من أهم وأكبر واجهات الزجاج المعشق في العالم، وأقيمت خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين أبنية كثيرة تستلهم مفاهيم العمارة التقليدية المحلية وزخارفها، منها: مطار دمشق الدولي وقصرا الشعب وتشرين ومبنيا سفارتي الإمارات العربية وقطر ومكتبة الأسد وقصر المؤتمرات (الأمويين) وفندق الشيراتون ودار الأوبرا وقصر العدل الجديد وجميعها في دمشق، وفندق بصرى الشام في بصرى، ودار الثقافة في الرقة، ومع ظهور الكثير من الأبنية ذات التصاميم المبتكرة المعاصرة أخذ ازدهار العمارة الدينية منحيين اثنين حافظ الأول على تقاليد عمارة المساجد والكنائس، فيما اتجه الثاني نحو إدخال مفاهيم جديدة على مخطط البناء وأساليب التزيين. ومن الأبنية النصبية الهامة في تلك المرحلة مثوى الشهداء في نجها قرب دمشق, وهو عمل معماري ضخم بني من كلمة الشهداء ويشغل قاعدتها شريط من النحت الجداري أنجزه النحات مجيد جمول، فيما قام الخطاط الكبير حلمي حباب بكتابة الآية الكريمة )ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون( على لوحة رخامية في مدخل المثوى، ونصب الجندي المجهول على سفح جبل قاسيون من تصميم الفنان محمود حماد ومهندس الديكور عبده كسحوت, وهو يستلهم أقواس وقباب العمارة العربية الإسلامية، وبانوراما حرب تشرين في مدخل دمشق الشمالي الذي شيد على شكل أسطواني مستلهم من العمارة الحربية العربية بمساعدة معماريين وفنانين من كوريا الشمالية. وقد تزامن التبدل الذي طال مفاهيم العمارة المحلية مع بدايات القرن العشرين الذي يعده نقاد الفن ومؤرخوه بداية الفن التشكيلي السوري المعاصر، إذ شهدت تلك الحقبة تحولات سياسية واجتماعية تركت آثارها في مسيرة الحياة التشكيلية، وبتأثير الفن الأوربي ظهرت في البدايات التيارات الواقعية التسجيلية والانطباعية، وعرفت الثلاثينات والأربعينات اهتماماً استثنائياً بالفن عبر تدريسه في المدارس واستقدام المدرسين من فرنسا، وسفر الفنانين السوريين إلى أوربا، وتم في عام 1940 تأسيس أول رابطة تشكيلية أقامت معرضاً جماعياً فنياً في كلية الحقوق، ثم تعددت الجمعيات التي تهتم بالفن التشكيلي بعد الاستقلال وتجلى أول مظهر من مظاهر رعاية الدولة للحياة التشكيلية بإقامة أول معرض سنوي عام 1950 وزعت فيه جوائز لأفضل المشاركين، ثم صار تقليداً سنوياً. ومع استمرار الانطباعية في ازدهارها خلال خمسينات القرن العشرين ظهرت اتجاهات جديدة منها ما يسعى إلى فن معاصر لـه هويته العربية الخاصة عبر استخدام واستلهام الخط والزخرفة, ومنها ما يستند إلى التراث التشكيلي الثري في التاريخ الحضاري السوري. وقد أدى حدثان مهمان في أواخر الخمسينات ومطلع الستينات دوراً كبيراً في الحياة التشكيلية السورية وذلك بإحداث وزارة الثقافة التي أوكل إليها مهمة رعاية الحياة التشكيلية، وتأسيس كلية الفنون الجميلة التي خرَّجت خلال العقود التالية مجموعة من الفنانين المتميزين، وقد منح هذان الحدثان الفن التشكيلي السوري اعترافاً اجتماعياً بمكانته وأهميته وبلغ مداه الأعلى بعد السبعينات بحصول عدد من التشكيليين السوريين على أوسمة رسمية رفيعة، وإقامة المعرض السنوي تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية. وتميزت العقود الأخيرة من القرن العشرين بتنامي الدعم الرسمي للحياة التشكيلية عبر افتتاح صالات للعرض وزيادة حجم اقتناء الأعمال الفنية لصالح متحف الفن الحديث المزمع إنشاؤه والقصور الرئاسية الحديثة ،كما تم في المرحلة ذاتها دخول الجهات الخاصة بشكل واسع في هذا المجال، وتحديداً من خلال افتتاح صالات العرض التي كان لها دور مؤثر في تنشيط الحياة التشكيلية، وإحداث بينالي (معرض يقام كل سنتين) المحبة في اللاذقية, ومعرض الشباب في دمشق إلى جانب العديد من ملتقيات النحت في دمشق وحلب واللاذقية, ومعرض دمشق الدولي. إن أهم ما يميز الحياة التشكيلية السورية غناها بالاتجاهات والتجارب إذ إن الدولة لم تشجع اتجاهاً دون سواه، ولتعدد الحواضر التي درس فيها التشكيليون السوريون، واتساع صلتهم مع التجارب الفنية في أنحاء العالم، وميل الفنان السوري للبحث والتجريب والتجديد واستلهام التراث الإبداعي الثري لحضارته وحضارات شعوب العالم، وثمة إجماع على اعتبار توفيق طارق[ر] (1875- 1940) رائد الفن التشكيلي السوري المعاصر، وهو مصور ومعماري درس العمارة ومساحة الأراضي في فرنسا، وقام بترميم بعض المآذن الأثرية ومنها مئذنة (قايتباي) في الجامع الأموي بدمشق التي أعاد تشييدها بعد الضرر الذي لحق بها من حريق نشب في الجامع في أواخر القرن التاسع عشر. وعني توفيق طارق بتصوير مشاهد الطبيعة والحياة والأوابد والوقائع التاريخية بأسلوب كلاسيكي استشراقي، وأشهر لوحاته لوحة (معركة حطين) المحفوظة في القصر الجمهوري بدمشق. وقد تبنى الأسلوب ذاته فنانون عدة جاؤوا بعده منهم: عبد الوهاب أبو السعود (1897 – 1951) وسعيد تحسين (1904 – 1985) وغالب سالم (1914) رائد الفن التشكيلي في حلب, وهو أول فنان سافر إلى إيطاليا لدراسة الفن في أكاديمية روما. وفي حين مالت الواقعية عند صبحي شعيب (1909 -1974) نحو التعبيرية, اتجهت عند محمود جلال (1911- 1975) إلى الكلاسيكية الحديثة، وإلى الانطباعية عند رشاد قصيباتي (1911- 1990), ورشاد مصطفى (1911- 1995), وعبد العزيز نشواتي (1912- 2000), وزهير الصبان (1913- 1987), وخالد معاذ (1909- 1919), وأنور أرناؤوط (1911) وفتحي محمد (1917- 1958), وناظم الجعفري (1918) وإلى التجريد عند زاره كابلان (1911) وإسماعيل حسني (1920), غير أن ريادة الاتجاه الانطباعي في سورية كانت من نصيب ميشيل كرشة (1900- 1973) الذي زامن توفيق طارق ودرس التصوير الزيتي في مدرسة الفنون الجميلة العليا في باريس، وكان من أهم من سار على دربه نصير شورى (1920- 1992) أحد أكثر الفنانين حضوراً في الحياة التشكيلية السورية، الذي درس التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة وتنقل أسلوبه بين الواقعية والتجريد والانطباعية قبل أن يستقر على نموذج خاص به، واللافت للانتباه أن بعض فناني مرحلة الريادة قد زاولوا النحت إلى جانب التصوير الزيتي كما هو حال محمود جلال وفتحي محمد وصبحي شعيب، بيد أن أسلوبهم في النحت كان في أغلب الأحيان مختلفاً عن أسلوبهم في التصوير. إن تباين اتجاهات الفنانين وأساليبهم في مرحلة الريادة عموماً لم يخرج عن الواقعية التي ظلت مستمرة في الأجيال الفنية المتتالية بأشكال شتى من خلال أعمال ميلاد الشايب (1918- 2000), وغازي الخالدي (1935), وفيصـل العجمي (1935), وحيدر يازجي (1946) وأحمد إبراهيم (1950), وعبد المنان شما (1937) وخالد المز (1937) وجبران هدايا (1946) وعلي خليل (1950).

 
ناظم الجعفري: زيت على قماش مروان قصاب باشي: زيت على قماش

إن أهم ما يميز المرحلة التالية لمرحلة الرواد في الفن التشكيلي السوري تعدد الاتجاهات التي كانت ترجمة مفاهيم فكرية تشكيلية تراوحت بين تأصيل الإبداع التشكيلي وتوثيق صلته بعصره. مثل أدهم إسماعيل (1923- 1963) ونعيم إسماعيل (1930-1979) اتجاهاً يسعى لاستلهام الخيط والزخرفة العربيين وكذلك الحكاية في صنع لوحة معاصرة، في حين استخدم عبد القادر أرناؤوط (1936- 1992) الزخارف والكتابة العربية وبعض تقاليد الحرفيين في الرسم النافر، وفي المسار ذاته اتجه فنانون نحو استخدام الكتابة العربية بصيغ مختلفة أُطلِق عليها اسـم (الحروفية) أهمهم: محمود حماد (1923-1988) الذي انتقل من الواقعية التعبيرية ليؤسس اتجاهاً تجريدياً يعتمد تحوير الحرف العربي إلى صيغة تشكيلية معاصرة، وسامي برهان (1929) وقد اعتمد في لوحته نصاً أدبياً يعيد صياغته برؤية تشكيلية، ومحمد غنوم (1949) وتقوم لوحته على حروف أو كلمات مكتوبة بالصيغة التقليدية يصنع تكرارها وتواترها وتبدل ألوانها تأثيراً بصرياً خاصاً لدى المتلقي شبيهاً إلى حد ما باتجاه فن الخداع البصري (Op Art). وهذا الاتجاه يظهر بصيغة مختلفة في أعمال حسان أبو عياش (1943) الذي يؤسس لوحته على أشكال زخرفية هندسية ثلاثية الأبعاد.

   
 
لؤي كيالي: زيت على قماش فاتح المدرس: زيت على قماش
   

وثمة اتجاه بالغ الأهمية ظهر بعـد جيل الرواد على يد فاتح المدرس (1922- 1999) الذي عدّت لوحته «كفرجنة» (1952) بداية اتجاهات التجديد في الفن التشكيلي السوري، وهذا الاتجاه الذي وصف بالتعبيري حيناً وبالواقعي التعبيري حيناً آخر يستلهم مواضيعه وأشكاله من العلاقة بين الإنسان والمكان ومن التراث الحضاري على امتداد تاريخه وشواهده في سورية، وقد ظهر بأساليب مختلفة في أعمال عدد من الفنانين منهم ألفرد حتمل (1934- 1993) وأحمد مادون (1941- 1983) ووحيد مغاربة (1942) وسليم شاهين (1943) ونذير إسماعيل (1948) وعلي مقوص (1955) ونزار صابور (1958) وعادل أبو الفضل (1956) وإسماعيل نصره (1964)، وقد شكلت المدن والقرى موضوعاً محبباً للمصورين السوريين, فظهرت دمشق في لوحات معظم فناني جيل الريادة وفي لوحات خير الدين الأيوبي (1918- 2001) وقتيبة الشهابي (1939) وغازي الخالدي (1935) وأسعد عرابي (1941) وسالم الشوا (1932) وزياد الرومي (1938) وعز الدين همت (1938) وخالد الأسود (1990) ومروان البطش (1942) وعبد الحميد دبس وزيت (1946) وعبد الرحمن مهنا (1950) وأحمد إبراهيم (1950) وناثر حسـني (1949) وماريو موصلي (1946) ووليد قارصلي  (1943) ووضاح الدقر (1940) وهيثم كردي (1953) وفارس قره بيت (1963)، وكانت دمشق الموضوع الأقوى حضوراً في لوحات ممدوح قشلان (1929) الذي انفرد بأسلوب خاص يقوم على تقطيع المشهد إلى مساحات هندسية صغيرة تستوحي بشكل ما لوحات الفسيفساء  برؤية حديثة تؤكد سطوع اللون والضوء وتمنح اللوحة تأثيراً بصرياً متميزاً، كما ظهرت حلب في لوحات محمد عساني (1975) ويوسف الصابوني (1945- 2003)، وحمص في لوحات فاخر أتاسي (1935) وفريد جرجس (1946)، وحماة في لوحات مروان شاهين (1930) وعلي الصابوني (1940) ومصطفى الراشد نجيبه (1949) وغسان الصباغ (1944) وموريس سنكري (1956) وفايز عبد المولى (1975)، وحظيت بلدة معلولا ذات البيوت المتشابكة المتسلقة على الجبال المحتضنة لها باهتمام واسع من المصورين ومنهم فاتح المدرس، وجورج جنوره (1930) وبطرس خازم (1935) وأحمد مادون ولؤي كيالي (1934- 1978) وقد أسس الأخير أسلوباً واقعياً تعبيرياً خاصاً يعنى بتصوير الناس البسطاء في إطار من الصفاء البصري يلغي البعد الثالث وكثرة الألوان، ويعتمد الخطوط الواضحة اللينة والتبسيط في الأشكال، غير أن المدن كانت أيضاً موضوعاً لاتجاه واقعي أقرب إلى التجريد وأحد أفضل أمثلته لوحات غسان جديد (1946) عن طرطوس, ولوحات نزار صابور (1958) عن المدن الشرقية، ولوحات سهيل معتوق (1948) عن بيوت دمشق القديمة, ولوحات ناصر نعسان آغا (1961) عن البيوت الحلبية, ولوحات أمير حمدان (1955) عن البيوت العربية، ولوحات عون الدروبي (1943) عن بيوت حمص. وتلتقي تلك المجموعة من الأعمال مع لوحات فنانين آخرين اختارت تبسيط الشكل الواقعي إلى حالة طفولية لطيفة مثل لوحات أحمد دراق السباعي (1935- 1987) وبسام جبيلي (1946) وإسماعيل الحلو (1955) التي تجمع بين الناس والبيوت. وأحد أهم الأسماء التي ظهرت في مرحلة بعد الريادة نذير نبعة (1938) وقد درس في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة وحافظ على حضور قوي ومستمر ومؤثر في الحياة التشكيلية السورية خلال عدة عقود عرفت فيها تجربته بضعة تحولات هامة من استلهام التراث الشعبي والزخرفة الهندسية إلى الواقعية الرمزية والرومنسية وصولاً إلى التجريد اللوني المستلهم من تأثيرات الضوء على المشهد الطبيعي، وشكلت فنون التصوير السوري عبر تاريخها وأشكالها المتنوعة مصدراً هاماً لتجارب الفنانين المعاصرين بدءاً من تقاليد التصوير الجداري في الحضارات السورية القديمة، مروراً بمفهوم فن الأيقونة السورية وصولاً إلى أسس فن المنمنمات، ويقف إلياس زيات (1935) في مقدمة من استعاد  فلسفة الفن القديم في لوحة معاصرة مستثمراً في ذلك قدرته التقنية المتقدمة، وظهرت هذه الاستعادة بصيغ مختلفة عند ليلى نصير(1941) وعند عدد من فناني جيل الثمانينات مثل حمود شنتوت (1956) ونزار صابور (1958). وقد ظهر في مرحلة الستينات والسبعينات تيار هام في فن التصوير الزيتي السوري ضم عدداً من الأسماء ذات التجارب المتميزة التي شكلت أهم ملامح هذا الفن, وتلتقي تجارب أصحابها عند قوة الخط والموازنة بين الرسم والتلوين ووضوح الهوية البصرية وصنع لوحة معاصرة باستلهام روح المفاهيم التقليدية للفن المحلي لجهة إلغاء البعد الثالث والتحكم بالمنظور وشغل معظم فراغ اللوحة، ومن أهم الأسماء التي تنتمي إلى هذا التيار غسان السباعي (1939) ونشأت الزعبي (1940) وهيال أبا زيد (1941) وأسماء فيومي (1943) وصخر فرزات (1943) وفائق دحدوح (1940) وفؤاد أبو سعدة (1946) وشبلي سليم (1949) وزهير حضرموت (1947) وشريف محرم (1954) وشفيق اشتي (1958) وأسعد فرزات (1959) وفادي يازجي (1966) ونسيم إلياس (1967). ومع أنه يصعب في ظل غلبة الأساليب الخاصة على التيارات والمدارس الفنية الجماعية الفصل الحاسم بين أسلوب وآخر, فإن ذلك أمر لا غنى عنه من أجل دراسة اتجاهات الفن التشكيلي السوري، ويمكن على هذا تحديد تيارات أساسية أولها: الواقعية وقد ظهرت فيها خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين عدة اتجاهات، أحدها دفع بها نحو الانطباعية مثل لوحات عماد جروة (1956) وعصام درويش (1952) وأحمد يازجي (1959) وعبد الرزاق السمان (1951). وآخر دفع بها نحو التعبيرية كما هو حال أعمال: مروان قصاب باشي (1934) وخالد المز (1937) وسعد يكن (1950) ونذير إسماعيل (1948) وإدوار شهدا (1952) وغسان النعنع (1953) ومحمود شيخاني (1953) وكرم معتوق (1947) وأحمد معلا (1958) وطاهر البني (1950) وصفوان داحول (1961) وجورج عشي (1940) وبشير بدوي (1960) ونعمت بدوي (1963) وخالد تكريتي (1964). وثالث دفع بها نحو التجريد مثل أعمال:نعيم شلش (1941) ورضا حسحس (1939) وعبد القادر عزوز ( 1947) ومأمون الحمصي (1949) ولبيب رسلان (1939) ومحمود جليلاتي (1949- 2000) وهيثم شكور (1956) وعلي سليمان (1955). ورابع أخذت معه شكل الواقعية الدقيقة مع ميل أحياناً نحو السريالية كما في لوحات إحسان عنتابي (1945) وحسين حمزة (1940) وسارة شما (1975).

أما التيار الثاني فهو التيار الزخرفي الذي ظهر بدوره ضمن صيغ عدة منها ما اعتمـد على الرموز البصرية التراثية مثل أعمـال غيــاث الأخرس (1937) ومصطفى فتحي ووليد الآغا (1953) ويعقوب ابراهيم (1956) وطلال عبدالله وجورج بيلـوني (1956)، ومنها ما استعاد أساليب الرسم الشعبي كما في لوحات برهان كركوتلي (1938- 2003) وعيد يعقوبي (1934) وأنور دياب (1939) وشلبية إبراهيم (1944), أو مزج بين الأشخاص والبيئة المحيطة بهم ورموزها البصرية أمثال: ناجي عبيد (1928) وعاصم زكريا (1937) وتركي محمود بك (1939) ومحمد الحسن الداغستاني (1942) ويعقوب داود (1945) وعبد المعطي أبو زيد (1946) وجريس سعد (1934) وبرصوم برصوما (1947) ومحمود جوابره (1950) وزهير حضرموت (1949) ومحمد هدلا (1952) وعلي حسين (1956) وأنور الرحبي (1957) ونبيل سمان (1957) وزهير حسيب (1960).

وحرص بعض الفنانين على جعل المفاهيم الجمالية المحلية أساس لوحاتهم من خلال تصوير المشغولات اليدوية التي تبرز الذوق الجمالي للحرفيين المهرة وظهر هذا في لوحات: جليدان الجاسم (1946) وعلي الكفري (1947) وموفق مخول (1958) وعصام الشاطر (1967). وفي الإطار الواسع للتيار الزخرفي تندرج التجارب التي اعتمدت الخط والزخرفة العربيين مع ما بينها من اختلافات أسلوبية بدءاً من إعادة صياغة الحرف والكلمة في لوحة معاصرة كتجارب محمود حماد وسامي برهان وسعيد طه (1951) مروراً باستخدام الكتابة العربية بأشكالها التقليدية العديدة كما هو حال لوحات محمد غنوم وسعيد نصري (1941) ومنير شعراني (1952) وصولاً إلى المزج بين الكتابة والزخرفة كما في تجارب عبد القادر أرناؤوط ومعد أورفلي (1934) وجمال بوستان (1942) وأحمد إلياس (1954)، وثمة اتجاه زخرفي أخير استخدم أصحابه في لوحاتهم عناصر من الطبيعة وخاصة أوراق الشجر وهو ما ظهر في لوحات محمد أسعد سموقان (1952). أما التيار الأساسي الثالث في فن التصوير السوري المعاصر فهو التجريد وأحد الذين يعود اليهم الفضل في ازدهار هذا الاتجاه محمود دعدوش (1934) الذي أسس مع أخيه محمد في مطلع الستينات صالة للفن الحديث أتبعها بعدد من الصالات حملت اسم (أورنينا) واستضافت معارض هامة لفنانين حداثيين من داخل سورية وخارجها، وقد قدم التشكيليون السوريون بعد مرحلة الريادة تجارب هامة في تيار التجريد ومنهم: عبدالله مراد (1944) وجمال عباس (1941) ووليد الشامي (1949) وماجد صابوني (1944) وعبد اللطيف صمودي (1948) وعمر حمدي (1951) الذي انتقل من الواقعية التبسيطية ليقدم لوحاته في مساري التجريد والواقعية الطبيعية معتمداً في المرتين قدرته المميزة كملون بارع، وعلي سليمان (1955) وعبدالله خدام (1952) ومصطفى ناصر (1952) وعيسى بعجانو (1953) وضياء الحموي (1963) وياسر حمود (1963) وباسم دحدوح (1964) وأحمد برهو (1965) وسعد الله مقصود (1966) ومحمد صالح بدوي (1976) ووضاح السيد (1969) ومحمد العلبي (1971) وحسكو حسكو ونهاد الترك (1972) وعبد الكريم مجدل البيك (1973) وريما حمزة (1975). ولم تغب السريالية عن المشهد التشكيلي السوري فظهرت في أعمال روبير ملكي (1927) وكمال محي الدين حسين  (1943) وعبد القادر عبدللي (1957) كما نسبت أعمال خزيمة علواني (1934) إلى السريالية رغم أنها في واقع الحال تمثل أسلوباً خاصاً يجمع بين السريالية والتعبيرية ويستمد بعض جذوره من التجارب العالمية الحديثة. ولقد حافظ الفن التشكيلي السوري المعاصر على ما تميز به الفن السوري عبر تاريخه لجهة تبادل التأثير مع فنون العالم, وساهمت دراسة بعض السوريين للفن في بلدان العالم بنقل تأثيرات فنون تلك البلدان إلى التشكيل السوري المعاصر وبالتالي زيادة غناه وتنوعه، فإضافة إلى الرواد الذين درسوا في إيطاليا وفرنسا درس عدد من فناني الأجيال التالية في مصر مثل غازي الخالدي وخالد المز وليلى نصير, ودرس علي السرميني (1942) في ألمانيا, وكان من أوائل من قدم لوحة معاصرة منفذة بالمينا على النحاس، وظهرت تأثيرات الفن الأرمني في الأعمال المبكرة لخليل عكاري (1945) الذي درس في أرمينيا، وكذلك في منحوتات فارتكيس بارسوميان (1967)، فيما بقيت آثار التعبيرية الألمانية حاضرة بقوة في أعمال جورج ماهر (1945)، وكذلك تأثيرات الواقعية الروسية في أعمال ميلاد الشايب وعبد المنان شما وحيدر يازجي وعلي خليل وأحمد إبراهيم وفيروز هزي (1954)، كما أن عدداً من الفنانات الأجنبيات المتزوجات من سوريين كان لهن حضور واضح في الحياة التشكيلية السورية، مثل غريتا علواني (1945) ويلينا خليل (1963) والكا إبراهيم (1954) وفلادا ميليك (1967). وبالمقابل امتد المشهد التشكيلي السوري إلى بعض البلدان العربية والأوربية حيث يقيم ويعمل عدد من الفنانين التشكيليين السوريين المهمين أمثال: ربيع الأخرس (المملكة العربية السعودية) ومنير شعراني (مصر) وعبد اللطيف صمودي وطلال معلا (دولة الإمارات العربية)، ومصطفى يحيى (إيطاليا) وعمر حمدي (النمسا) وطارق مرستاني ومروان قصاب باشى (ألمانيا) وبطرس ولطفي الرمحين وسامي برهان (إيطاليا) وعاصم الباشا (إسبانيا) وعز الدين شموط ويوسف عبدلكي وأسعد عرابي وصخر فرزات وبشار العيسى وزياد دلول وأمل مريود (فرنسا). ويلفت النظر في الفن التشكيلي السوري الحضور الأنثوي فيه وهو حضور جوهري وأصيل ومؤثر وغير منفصل عن توجهاته وتياراته وتطوراته.

وعلى امتداد العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين ظهرت كثير من الأسماء النسائية في الحياة التشكيلية السورية كان لها حضورها المميز والمؤثر منها إقبال قارصلي (1925- 1969) ولميس ضا شوالي (1935) وزهيرة الرز (1938) وخالصة هلال (1940) وليلى نصير (1941) وهند زلفة (1942) وأسماء فيومي  (1943) وضحى القدسي (1944) وميسون جزائري (1946) ولجينة الأصيل (1946) وهالة مهايني (1947) وسهام منصور (1949) وسوسن جلال (1951) وسميرة بشارة (1952) ومها قواص (1954) والتي شغلت موقع مديرة الفنون الجميلة في وزارة الثقافة منذ عام (2000), وإميلي فرح (1954) وعتاب حريب (1954) وهالة الفيصل ( 1959) وجمانة جبر (1959) وسوسن الزعبي (1961) ونوار ناصر (1963) وريما سلمون (1963) ورباب أحمد (1970) وسارة شما وريما حمزة، وشملت إبداعات المرأة مجالات الفنون التشكيلية المختلفة ففي الحفر والغرافيك تميزت أعمال هند زلفه وعناية بخاري (1961). وفي فن الخزف, ومع وجود أسماء فنانين مميزين فيه مثل عماد لاذقاني (1953) ومحمد إلياس (1981) كان الحضور النسائي الأميز والأوضح بفضل أعمال ضحى قدسي وإميلي فرح وآمال مريود (1953) ولم تغب المرأة عن فن النحت وكان لها حضور هام في ملتقيات النحت وفي المعرض السنوي ومعرض الشباب عبر أسماء عروبة ديب (1969) وأمل الزيات       (1971) وحلا حوش (1971) وهناء ديب (1961) ونداء طنوس (1973) ووسام الحداد (1973).

بدأ فن النحت في سورية متأخراً عن فن التصوير لأسباب اجتماعية عدة رغم التاريخ الثري لفن النحت في الحضارات التي قامت على الأرض السورية، وأول عمل نصبي حديث عرفته سورية كان تمثال الشهيد يوسف العظمة الذي أهداه المغتربون السوريون في المهجر إلى وطنهم الأم عقب الاستقلال ويقوم اليوم في مدخل وزارة الدفاع بدمشق. ويعد فتحي محمد (1917- 1958) رائد فن النحت السوري المعاصر ومن أشهر أعماله تمثال الشهيد عدنان المالكي في قمة الشارع الذي يحمل اسمه بدمشق، والذي أنجز في النصف الثاني من خمسينات القرن العشرين، غير أن الأعمال الأقدم لفتحي محمد تعود لأواخر الثلاثينات ومنها تمثال نصفي لإبراهيم هنانو، ولم يشارك في المعرض الرسمي الأول عام 1950 أي نحات, وفي المعرض الثاني عام 1951 شارك ستة نحاتين بعشرة أعمال ونال جوائز المعرض حسب التسلسل محمود جلال الذي كان لـه حضور هام في النحت السوري المعاصر خلال العقود التالية, ومن أشهر منحوتاته «الثوري العربي» المنصوب حالياً أمام مبنى اتحاد الفلاحين بدمشق. وألفرد بخاش (1922) المصور والنحات, وجاك وردة (1913) وقد تتإلى فوز النحاتين بجوائز المعارض التالية حيث نالها كل من عدنان رفاعي وعدنان إنجيله (1928) وخالد جلال وهشام المعلم ومروان قصاب باشي. كما شهدت المعارض الأولى مشاركات برهان كركوتلي ووديع رحمة، وبقيت أعمال النحاتين السوريين في الإطار الواسع للواقعية حتى مطلع الستينات حين عرض سعيد مخلوف (1925- 2000) منحوتاته الأولى مستخدماً فيها الحجر والخشب ومؤسساً لاتجاه في النحت السوري المعاصر يعيد صلته المقطوعة مع تراثه العريق. وقد تعمق هذا الاتجاه فيما بعد على يد نحاتين شابين هما أكثم عبد الحميد (1955) ومحمد بعجانو (1956), وقد استضافهما سعيد مخلوف في محترفه بمعرض دمشق الدولي بعد تخرجهما من كلية الفنون الجميلة بدمشق عام (1981) التي قدمت لفن النحت السوري المعاصر عدداً من أهم أسمائه وساهمت بدور كبير في نموه وازدهاره، وقبيل نهاية الستينات بدأت الأعمال النحتية تنتشر في المدن السورية وتحمل أسماء عبد الرحمن مؤقت (1946) وعبد السلام قطرميز (1939) ومجيد جمول (1948) وعبد الله السيد (1941) ونزيه الهجري (1955). واتسعت في الوقت ذاته مشاركة الأعمال النحتية في المعارض الجماعية والفردية وقدمت أسماء مهمة في إطار التجديد والبحث عن الهوية الفنية الخاصة منها: أحمد الأحمد (1946) ومنذر كم نقش (1935) وعبد الحي حطاب (1943) وزهير دباغ، ونذير نصر الله (1946) وعاصم الباشا (1948) ولطفي الرمحين (1954) ونزار علوش (1947- 2002) ومحمد ميره (1950) وأواخر السبعينات عرض مصطفى علي (1956) وماهر بارودي المتخرجان حديثاً من كلية الفنون الجميلة أعمالهما في معرض مشترك وصفه فاتح المدرس بأنه بداية انطلاقة جديدة في النحت السوري مالبث أن أكدتها السنوات التالية والتي قدمت أسماء هامة في النحت السوري مثل ربيع الأخرس (1951) وفؤاد دحدوح (1956) ومظهر برشين (1950- 1995) وزكي سلام (1958) وسهيل بدور (1957) وغازي عانا (1955) وفيصل الحسن (1951) ودنخا زومايا وصادق الحسن (1954) وطلال أبو دان (1953) وإياد بلال (1972) وفارتكس بارسوميان (1967) وعفيف آغا (1959) وعيسى ديب (1963) وغزوان علاف (1973) ومعروف شقير (1957).

أما فن الحفر فقد كان شبه غائب قبل تأسيس كلية الفنون الجميلة, وكان أيضاً فناً غير معروف عموماً، وقد اتجه قسم غير صغير من خريجي قسم الحفر بما فيهم أولئك الذين أتموا دراستهم التخصصية العليا فيه إلى التصوير الزيتي، ومع ندرة الأسماء التي ظلت تعمل في إطار تقنيات الحفر فإن حضور الحفارين في الحياة التشكيلية السورية هو حضور فاعل ومؤثر بفضل أهمية تجاربهم وغناها وتنوعها وارتقاء مستواها التقني والتشكيلي وهو ما تؤكده أعمال: عز الدين شموط، ومصطفى الحلاج (1938- 2001) وهند زلفه وعبد الكريم فرج (1943) وعلي سليم الخالد (1944) وخلدون شيشكلي (1944) ويوسف عبد لكي (1951) ونبيل رزوق (1949) ونذير نصر الله (1946) ومحمد وهيبي (1947). وياسر صافي (1976)، وتنضم إلى فن الحفر أعمال رسامي الكاريكاتور، وظهر بينهم عدد من الرسامين القديرين المتمكنين من تقنياتهم وموضوعاتهم وأساليبهم أمثال: عبد اللطيف مارديني وممتاز البحرة وعلي فرزات وعبد الهادي شماع ويوسف عبد لكي وفارس قره بيت وموفق قات وسعد حاجو وحسام وهب ورائد خليل.

سعد القاسم

مراجع للاستزادة:

– عبد القادر الريحاوي, العمارة العربية الإسلامية ( وزارة الثقافة، دمشق 1979)0

– عفيف بهنسي, الفنون التشكيلية في الإقليم السوري (وزارة الثقافة, دمشق 1960).

– عبد العزيز علون, تاريخ النحت المعاصر في سورية (دمشق 1973).

– سعد القاسم, التشكيل السوري والمجتمع (دراسة مقدمة في بينالي المحبة الأول) (اللاذقية 1995).

– الياس زيات, فنون الشكل في سورية (دراسة في كتاب الفن التشكيلي المعاصر في سورية), (صالة أتاسي, دمشق 1998).

– طارق الشريف, الفن التشكيلي المعاصر في سورية (دراسة في كتاب الفن التشكيلي المعاصر في سورية) (صالة أتاسي, دمشق 1998).

– غازي الخالدي, فنانون تشكيليون سوريون (مركز المعلومات القومي, دمشق 1999).

– سعدالله مقصود, قاموس الفن للجميع ( دمشق 2002).

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.