دائرة واحدة واثنا عشر يداً
بقلم: سحر الزارعي
في عالم العمل اليوم، نسمع كثيرًا عن القيادة، التوجيه، تقسيم الأدوار، ومهارات التواصل.
تُعقد ورش العمل، وتُعدّ استراتيجيات إدارة الفرق، وتُصرف ميزانيات طائلة لتعلُّم كيف “نشتغل مع بعض”. لكن، لنتوقف لحظة.
دعني أحكِ لك عن دائرة، رسمها 12 شخصًا، في خمس ثوانٍ فقط.
لم يكن هناك قائد. لم تكن هناك خطة مرسومة مسبقًا. فقط، اثنا عشر يدًا، كلٌّ يمسك قلمًا، وكلٌّ يعرف أن مهمته أن يسهم في شكل واحد: دائرة.
هل كانت متقنة؟ لا.
هل كانت مثالية؟ إطلاقًا.
هل كانت حقيقية؟ جدًا.
هذه التجربة التي قد تبدو للوهلة الأولى لعبة بسيطة على طاولة، هي في الحقيقة صفعة هادئة على وجه الكثير من نماذج العمل العقيمة. ففي تلك الثواني الخمس، أنجز الفريق ما لا تستطيع بعض المؤسسات إنجازه في خمس سنوات: اتفاق صامت، مشاركة تلقائية، ونتيجة مشتركة.
في بيئات العمل المعتادة، حين يُطلب من فريق إنجاز مشروع،
تبدأ رحلة التعقيد:
من هو القائد؟
من المسؤول عن ماذا؟
من يرسل البريد؟
من يكتب التقرير؟
من يظهر في الصورة؟…
ثم تضيع الدائرة في زوايا المكاتب.
لكن تلك التجربة البسيطة تقول لنا شيئًا آخر: حين يعرف الجميع أنهم جزء من الكل، يصبح الإنجاز لحظة جماعية لا بطولة فردية.
اليد التي رسمت الجزء غير المتقن لم تُنتقد، لأنها كانت تُكمل ما لا يمكن أن يكتمل بدونها.
لا أحد قال: “أنا رسمت الجزء الأجمل”.
ولا أحد انسحب لأن خطه لم يكن مستقيماً.
نحن نعيش في بيئات عمل تُفرط في تقدير القائد وتُهمّش اليد.
تُكافئ الفكرة وتنسى التنفيذ.
تُجيد الاجتماعات ولا تُتقن المهام.
لكننا ننسى أن الإنتاج الحقيقي أحيانًا لا يحتاج لمن يقود… بل لمن يثق، ويبدأ، ويمد يده مع الآخرين،
حتى لو لم يعرف تمامًا كيف سينتهي الشكل.
الدائرة التي رُسمت بـ12 يدًا ليست درسًا في الفن،
بل درس في الحياة المهنية:
لا تتوقع المثالية، لكن اصنع المشاركة.
لا تبحث عن المركز، بل عن الانسجام.
ولا تنتظر التعليمات، بل بادر.
في المرة القادمة التي تجتمع فيها بفريقك، لا تسأل “من المسؤول؟”، بل اسأل:
كيف نرسم دائرتنا؟ معًا.
#بوح_السحر