ما هو الإسطرلاب؟🔭

في زمنٍ لم تكن فيه الأقمار الصناعية تراقب الأرض من السماء، ولا التطبيقات تخبرنا بأطوار القمر ومواقع الكواكب، كان الإنسان ينظر إلى النجوم باحثًا عن التوقيت، والاتجاه، والمعرفة وهنا بزغ نجم أعظم أداة فلكية في التاريخ القديم: الإسطرلاب، وهي قطعة نحاسية مذهلة، تبدو كقرص مزخرف، لكنها في الحقيقة خريطة كروية للنجوم، تُطوى في يد من يفهمها لتكشف أسرار السماء.

كان الإغريق هم أول من وضعوا اللبنات الأولى لفكرة الإسطرلاب، ويُنسب الفضل في النموذج الأولي إلى هيبارخوس وبطليموس. لكن تلك الفكرة لم تكتمل إلا على أيدي العلماء العباسيين في القرن التاسع. فقد أخذوا هذه الأداة، وطوّروها وأتقنوها، وأضافوا إليها درجات الدقة والوظائف. أسماء مثل الزهراوي، البتاني، الفرغاني، وخصوصًا مريم الإسطرلابي، لم تكتفِ بصناعة الإسطرلاب، بل حولته إلى حاسوب فلكي متنقل.

خريطة السماء في دائرة صغيرة🌌

ما يجعل الإسطرلاب مذهلًا حقًا هو أنه يُحاكي السماء الكروية على سطحه حيث يُظهر مواقع النجوم الرئيسية، الكواكب، وأفق المراقب، ويمكن بواسطته حساب الوقت بدقة، تحديد القبلة، وحتى تقدير الارتفاعات و كانت هذه الأداة الرفيق الأمين للبحّارة، الرحالة، والعلماء، في زمن لم يكن فيه غير السماء دليلًا.

ولأن السماء كروية، فقد ابتكر العلماء أيضًا نسخة نادرة تُعرف بـالإسطرلاب الكروي، وهو كرة مجوفة تُظهر مواقع النجوم والكواكب بشكل ثلاثي الأبعاد. هذه النسخة الأكثر تعقيدًا جسّدت السماء كما تُرى تمامًا، لكنها كانت أصعب تصنيعًا وأقل انتشارًا من النسخة الأخرى.

كيف يعمل الإسطرلاب؟
يتكوّن من عدة طبقات رئيسية:
– الصفّيحة (الوجه): تمثل السماء الكروية بطريقة تُعرف
بـالإسقاط القطبي، وهي مخصصة لمنطقة عرض جغرافي معينة.

– العنكبوت (العروة): قرص متحرك مرسوم عليه مواقع النجوم الثابتة الرئيسية، يُمكن تدويره لمحاكاة حركة السماء.

– العضادة: ذراع دوارة في الخلف تُستخدم لقياس ارتفاع الأجرام السماوية فوق الأفق.

و ببساطة، يدير الفلكي أجزاء الإسطرلاب لتتوافق مع التاريخ والوقت، فيكشف له السماء كما ستظهر، ويحدد موقع الشمس أو النجوم، بل ويستخرج منه الزمن والاتجاهات الدقيقة.

الشمال والجنوب في عين الإسطرلاب:

من خصائص الإسطرلاب المهمة أنه يميز بين نصف الكرة الشمالي ونصف الكرة الجنوبي، إذ أن كل إسطرلاب يُصمَّم حسب موقع جغرافي معين. فالإسطرلابات التي صُنعت في المشرق الإسلامي والأندلس كانت مُعدة لرصد النجوم في نصف الكرة الشمالي، وتُظهر نجومًا مثل نجم القطب الشمالي Polaris.
أما لمراقبة السماء في نصف الكرة الجنوبي، فقد كان لا بد من استخدام صفائح مختلفة، أو تصميم إسطرلاب خاص لذلك النصف من الأرض. لهذا السبب، توجد إسطرلابات جنوبية نادرة صُنعت خصيصًا لبحّارة أو علماء عاشوا في أقصى الجنوب.

وبعض النماذج المتقدمة من الإسطرلاب كانت تحتوي على صفائح قابلة للتبديل، لكلٍ منها خريطة مخصصة لمنطقة عرض معينة سواء في الشمال أو الجنوب.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.