ميرفت كامل عطالله اسيوط 1969
لغة الجسد بين البوح والكتمان فى رسوم مرفت عطالله

اعتاد العديد من الفنانين فى التصوير الحديث ،التعبير عن جسد المرأة العاري ضمن مواضيع جمالية متعددة، ضمنوها أفكارا ورموزا ودلالات موحية ساهمت فى رواجها على نطاق واسع من العالم كمنتج ابداعى محبب الى النفس وفى ذات الوقت كسلعة تجارية جميلة وجذابة. يحرص العديد من محبى الفن على إقتناءها وتثبيتها فوق جدران حجرات نومهم المخملية، لإضفاء جو من المتعة والرومانسية ،ولايزال هذا التقليد متبع الى يومنا .لذلك يحرص العديد من الفنانين فى ارجاء مختلفة من العالم على تناول الجسد الانثوى بأعتباره نموذجا مثاليا للكمال الربانى البشرى .ولا يضاهيه فى جماله وفتنته سوى جمال الطبيعة الخلاب ،واخرون يرون فيه أنموذج انسانى يعكسون من خلاله قدراتهم على إبراز مناحي أخرى من المواضيع التعبيرية والإنسانية ذات المعانى والدلالات المتنوعة فى طرحها .ومع ذلك يوجد فى الوقت الراهن إتجاه نسوى مناهض لفكرة أن تكون المرأة مجرد مادة حسية للترفيه والتسلية للرجال او سلعة تجارية جالبة للحظ والربح الوفير فى مجال الدعاية والإعلان لاي منتج او ماركة عالمية ..علاوة على الاتجار بها فى سوق الرقيق الابيض..ومؤخرا ظاهرة التحرش الجنسى من قبل الشباب والرجال على السواء .لقد قاومن النساء المتحضرات ذلك السلوك آلانانى للرجال والفكر الدعائى البراجماتى لأصحاب المصالح .. وطالبن بعدم التمييز والمساواة الكاملة فى الحقوق والواجبات، لانهن ليس أقل شئنا منهم….هذه الحركة النسوية القوية وجدت لها صدى واسع فى أنحاء مختلفة من العالم خاصة فى الأوساط الاجتماعية المستنيرة وبين التشكيلييات حيث عبر العديد من الفنانات عن أنفسهن بطرق فنية مختلفة، تتسم بالجرأة والذكاء والندية ،لدرجة ان اصطلح على تسمية هذا الاتجاه بالفن النسوى. وهو يحفل بالعديد من المواضيع، بعضها تقليدى والبعض الآخر صادم، فى تعبيريته ورمزيته وغير معتاد .وقد تختلف المعالجات الفنية والجمالية من مجتمع لاخر. حسب طبيعة النشأة والعقيدة والثقافة .فالشرق المحافظ غير الغرب المنفتح فى ثقافته ومفهومه للمرأة ،.ومع ذلك قد لا نشعر بالفارق كثيرا لان لغة الفن اصبحت عالمية. .لقد تغير المناخ وافسحت الفنانات لهن طريقا ممهدا نحو الخلق والابتكار بصورة لافتة واستطعن التعبير
.بلغة تشكيلية حديثة وأن يكشفن عن مشاعرهن وأفكارهن واحلامهن ، بطرق عديدة ومتنوعة، وبخصوصية شديدة تؤكد جدارتهن وتفوقهن فى هذا المجال على نحو غير عادى .وفى مصر يوجد العديد من الفنانات اللاتى اثبتن حضورا قويا في هذا الميدان من اجيال مختلفة .بعضهن معروف والاخر فى دائرة النسيان لدى المهتمين بالفن. ومن بين الجيل الجديد نجد الفنانة التشكيلية مرفت عطالله التى قلما يسمع عنها أحد بسبب قلة نشاطها الفنى اومشاركتها فى المعارض الجماعية و تواجدها بين الفنانين من بنى جيلها ..تلك الفنانة الموهوبة يطيب لى أن اكتب عنها فى سطور قليلة للتعريف بشخصيتها الابداعية المستقلة .كمثال للفنانة المتمردة على السلوك المجتمعى المقيد للحريات الشخصية، ونمط المعالجات الفنية التقليدية السائدة فى سوق الفن الجميل.وايضا بسبب عزوفها عن اقامة معارض خاصة أو المشاركة في المعارض الجماعية وأبتعادها عن الساحة التشكيلية.ربما لانها
لم تحظى بالقدر الكافى من الاهتمام من قبل كتبة النقد ومتذوقى الجمال ،ولم ترشح فى اى معرض للخارج ..ولانها لا تود ان تضع نفسها فى حرج مع القائمين على ادارة قاعات العرض الخاصة والحكومية ..ومع هذا يذكر أنها أقامت معارض خاصة بأتيليه القاهرة وأخناتون بمجمع الفنون كما شاركت فى العديد من المعارض الجماعية ، وحصلت منحة التفرغ من وزارة الثقافة اربعة مرات ..لهذا وذاك اكتفت بأن تعيش حياتها بعيدة عن الوسط الفنى ولم تعد تلقى بالا بمسألة الفن ومتابعته أو حتى المشاركة فى فعالياته ومن ثم اختفت عن الانظار نهائيا واكتفت بما انجزت من رسوم ولوحات فنية عديدة ،لتولي عناية كبيرة بالقطط والكلاب لأنها أحق بالرحمة والصدقة .
بداية الطريق
مرفت عطالله مواليد محافظة اسيوط 1969..درست الجرافيك بكلية الفنون الجميلة المنيا، وحصلت على تقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف والاولى على دفعتها
عام1994ولم تعين معيدة بالقسم لأسباب غير واضحة !!! وقد أنتجت العديد من الرسوم واللوحات التصويرية المنفذة بالاكريلك وأخرى منفذة على اسطح طباعية بتقنية الحفر البارز والغائر على الزنك والحجر والخشب التى نفذتها خلال سنوات الدراسة وبعدها وهو ما يعطينا مؤشر طيب على أننا أمام موهبة تنبئ عن مستقبل واعد فى هذا الاتجاه الفنى، غير أن اهتمامها بعد التخرج اتجه فى مسار آخر نحو الرسم والتصوير، حيث وجدت فيهما مساحة عريضة من التعبيرالحر، وسرعة الانجاز، عوضا عن الجرافيك الذى يتطلب تنفيذ طبعة فنية عدة مراحل وبعض الوقت .وبالفعل رسمت وصورت عددا كبيرا من اللوحات اتسمت جميعها بالتعبير الحى النابض عن أفكارها ومشاعرها ومواقفها الرافضة لنمط التفكير الشيزوفرينى السائد فى الأوساط (المحافظة) بالمجتمع المصرى ،سواء من منظور الرجل للمرأة أو من منظور المرأة للمرأة ..إن سياسة الكيل بمكيالين والتمييز المجتمعى القائم على النوع والجنس والديانة امر مرفوض بالنسبة لها وللعديد من الفنانين الاحرار المستنيرين فى وطن نامى ينشد التطور والحداثة والإنفتاح على الاخر.. ويحتفل بيوم المرأة العالمى فى ذات الوقت !!!من هنا فى هذا المناخ المقيد للمشاعر والأحاسيس الدفينة التى يصعب معها البوح باسرارها بشكل واضح أجدها قد حددت ملامح تجربتها الفنية الإبداعية بصيغ تشكيلية ورمزية غير معهودة، وجديدة فى ذات الوقت. .حيث ارتكنت على الاعضاء الحميمة والمثيرة فى جسدى الرجل والمرأة لمعالجة مواضيعها الجريئة على أساس ما تمثله من اشارات حسية دالة ومثيرة ،يمكننا تلمسها بوضوح وأحيانا يختلط علينا الأمر فى ماهيتها وكينونتها ومغزاها ونفسرها بمعانى مختلفة حسب موحيات الصورة وادراكنا لها. على أي حال طرحها الفكرى والجمالى يستحق معه سبر اغوارهما نحو الداخل والكشف عن حدس اللحظة الأنية وتوترات احاسيسها وهواجسها وردة فعلها حيال المواقف الشخصية والاجتماعية ومسببات اشجانها وقلقها الدائم البادى فى خطوطها وألوانها وأشكالها العضوية المتخيلة والمرتجلة التى لا تحاكى الواقع المرئي بقدر ما تعبر عنه بطريقة تلميحية مدهشة للتأكيد على الخصائص الحيوية لأصل الاشياء فى الانسان و الطبيعة والكون واعماق البحار وما تمثله من طاقة كامنة .. وتلك المقاربة مع الطبيعة البكر جعل من أشكالها العضوية الحسية كائنات حية اشبه بالكائنات البحرية الرخوية اوالشعاب المرجانية أو ما نشاهده تحت المجهر من خلايا حية متحركة لها خصائصها البيولوجية والفسيولوجية وصفة التكاثر والبقاء والدوام على مر العصور . ذلك من حيث الشكل والمحتوى والأسلوب كما يبدو لنا للوهلة الأولى. .ومع ذلك قد يبدو المعنى الضمنى المستور غير المدرك بالعين خلف هذه الأشكال، أعمق بكثير مما نلمحه فى لحظة آنية.انها فى واقع الأمر حقيقة النفس الثائرة المتمردة ومكنون المشاعر الدفينة وأنينها واشجانها بل ونشوتها وحيرتها وتقلباتها المزاجية.. .اذن كيف لنا أن نصف تصورات الفنانة بمعنى من المعانى ،دونما فهم حقيقى لمضامين مفرداتها البصرية اللامعقولة ،وأبعادها النفسانية والفكرية ضمن سياقها التشريحى والجمالى والثقافى ..وبنيتها التشكيلية العفوية التى ترتكز بشدة على الحدس.فيدها موصولة بأحاسيسها وعينها على السطح الورقى تراقب ما يتخلق من أشكال وعناصر رمزية مباشرة او ايحائية مستترة ،ثم تعكف على عمل التفاصيل اللازمة اذا اقتضت الضرورة، فتقنية الرسم عندها تختلف بعض الشئ عنه فى التصوير بحكم طبيعة المجال ..ففى الرسم نلمس بوضوح مهارة واتقان ،وتفاصيل دقيقة من الاسود على الابيض ،تبين عن سعة مخيلة ووعاء فكرى يقظ ،يوازن بين عنفوان الطاقة التعبيرية العفوية وتوازنات الكتل والمساحات فى الفراغ ليحفظ للوحة ايقاعها وتناغمها وجمالها ..وفى تقديرى الشخصى ان مهارتها التقنية واسلوبها المتميز وندرة موضوعاتها الجريئة يجعل منها رسامة بارعة فى مجال فن الرسم بمصر .أما فى التصوير. فالحال لا يختلف كثيرا وان كان الخامة وأدوات الرسم هنا مختلفة. .وبناء عليه سوف نلمح الفارق الجوهرى بين المجالين ..وكعادتها عندما تستشعر الطاقة بداخلها وتحفزها الاحلام والرؤى تبدأ على الفور بالتحديدات الخطية لاشكالها الهلامية بطريقة عفوية و- دون إعداد مسبق لفكرة بعينها – يعقب ذلك مباشرة إضافة الألوان القوية بنسب متفاوتة للتأكيد على عناصر ألاشكال” العضوية التجريديةالمتخيلة ” ثم تنتقل إلى الاهتمام بالتفاصيل التى تستغرق وقتا كافيا لإنهاء العمل الفنى على النحو الذى ترتضيه. وعلى الرغم من الصورة النهائية التى يبدو عليها الا إنها لا تدع مجالا للمخاطرة أو تضع نفسها فى معمل الإختبار وتحذف وتضيف وتجرب. .ابدا أنها تفصح عن مشاعرها الكلية الكامنة في مساحة زمنية قصيرة دون تردد كما الحلم اليقظ الذى يتسلل خلسة فى الرأس وخلف العيون الساهدة فى اى وقت لتبصر مالا تراه فى الواقع واللا معقول فى لحظة توهج فجائية كاشفة عن الق السحر والجمال فى الوجدان. .لذلك تكتسب صياغتها طابع عنفوان الرسم السريع (الاسكتش).وطزاجة اللحظة الآنية بكل ما تحمله من مشاعر الاحسان والاستهجان ،ومع هذا فالعمل اكتسب مقومات اكتماله الفنى والجمالى. .وقياسا على ذلك تستمر فى دورة الإنتاج الإبداعى الجاد بثقة وكبرياء دون الالتفات إلى سوق الفن أو الإذعان لرأى القيمين على حركة الفن فى مصر فيما تقدمه من طرح جديد وجريئ يفوق مستوى العديد من الفنانين الذين يعتقدون غير ذلك من جيلها أو ممن امتلأت بهم الساحة الفنية فى غيبة من التقييم النقدى الموضوعى.ومن ثم نلمس صيغا تشكيلية منفذة بتقنية ألوان الباستيل الجاف أو الاكريلك ذات طبيعة عضوية واسلوب يتسم بالحيوية التعبيرية الرمزية .تلك هى الفنانة مرفت عطالله التى أدارت ظهرها للفن فى السنوات الاخيرة وتناسته تماما لتبدى اهتمام وعناية خاصة بعالم الحيوانات الأليفة الأكثر متعة وسعادة.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.