للشاعر اليمني : عبدالله البردوني.قصيدة (مهرجان الحصى):ماذا يُسرُّ لسفح الربوة الحجَرُ***كأن كل حصاةٍ هاهنا خبَرُ

قصيدة ((مهرجان الحصى)) لشاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني قصيدة جميلة جدا 👇🏻👇🏻👇🏻👇🏻

ماذا يُسرُّ لسفح الربوة الحجَرُ
كأن كل حصاةٍ هاهنا خبَرُ

هاتيك تعطس تأريخاً وفَنْقَلَةً
وتلك تلعن مَن جاؤوا ومن غبَروا

ومنَ على صهوات المنحنى طلعوا
ومنَ على شهقات الربوة انحدروا

هل تجرحين شذى التأريخ؟ أيَّ شذىً
هذا الصفى «حِمْيرٌ» ذاك الصفى «مُضَرُ»

***

هاتيك تسأل أختيها وجارتها:
متى سيطلع مِن تحت الثرى المطرُ

ماذا تقولين؟ سُحْبُ اليوم ظامئةٌ
يُنشِدْن في الريح مَن عنهن ينهمرُ

***

وذي تئنُّ، ترى هذي ملاحتها
كما يرى وجهه في الشاطئ القمَرُ

– يا عمتي خطَّ لَمْسُ الفجر في عُنُقي
شيئاً يترجمه للنجمة السَّهَرُ

***

هذي كعينٍ رماها جفنُها ومضى
وذي كقلب جفاه خلفه السفَرُ

هذي كجيدٍ تٙقوّى بَعد حامِلهِ
وذي كخدٍّ تمنى لونَه السحَرُ

لكل واحدةٍ شكلٌ وتمتمةٌ
لكنْ يوحِّدٙهنّ العجزُ والضجَرُ

***

طويلةُ الناب أنثى صوتها لَزجٌ
كسيرةُ الساقِ يبدو أنها ذَكَرُ

ملفوتة الجيد ولهى ذات غطرسةٍ
لعل عشّاقها في بابها انتحروا

أظنها أخْتَ «عَمْروٍ»، أمُّ ذي «يَزَنٍ»
تلوح «سهميةً»، هل جدُّها «زُفَرُ»

كحلى الأخاديد كانت نصف شاعرةٍ
مشقوقةُ الظَّهر كانت شوقَ مَن شعروا

جَمْريَّةُ الأنف والنابين علقمةٌ
قمحيةُ الوجه مّما سوَّقَ الخزرُ

***

نرديَّةُ الكف «ميسونٌ» يلاحقها
عرش ابن هندٍ يُمنّيها وتحتقرُ«1»

تُهامس الآن: ما ولى «معاويةٌ»
ولا «يزيدٌ» ولا ثار الأُلى ثأروا

يا «بَحْدَليةُ» هل تطوين ما كتبوا؟
وما الذي كتبوهُ هل لهم أثرُ؟

تَنْفين ما ابتكروا مِن حكمةٍ وعُلاً
تدري «سُميَّةُ» كم أمثالها ابتكروا«2»

يا «بحدليَّةُ» نامي، تلك معرفتي
يا «سيف» ألهتْكَ عما خلفها الصُّوَرُ

***

يا للحصى! أيُّ سٍّر.. كل واحدةٍ
فيها كتابٌ غريبُ الفن مختصَرُ

لهذه بُحَّةٌ في قلبها شجَنٌ
لأختها غُنَّةٌ في صدرها وتَرُ

وتلك ورديّة الأشواق هامسةٌ
وتلك خفّاقةٌ في نبضها خَفَرُ

وذي تفحُّ كأفعى، تلك في فمها
طينٌ ورغبتها في البوح تستعِرُ

وتيك تجرح لهفى: أنتِ عاشقةٌ
غيري، فتبكي وتعيا كيف تعتذرُ

هاتيك تخبر صخراً: إنَّ عمّتَها
بأمّها عند ذاك الكهف تأتِمرُ

***

وبين صغرى وكبرى يغتلي جَدَلٌ
وبين كسْلى وعجلى يعنُفُ الهذَرُ

وبين حبلى وجَوْعى يلتظي غضبٌ
وبين وسطى ودنيا يطفح الشَررُ

وبين وسطى ووسطى حرب أقنعةٍ
وبين نهدى ومسحى يضحَك السمَرُ

***

يا «فجّ عَطّان» أَنْصِتْ للحصى لغةٌ
غير اللغات: أما في قلبهِ وطَرُ؟

ماذا يقول أتدري؟ ما أقول أنا
أنا «الثريّا» ولكن ليس لي «عُمَرُ»

كُلٌّ لهُ عشقه الثاني وقصتهُ
والكل يهفو إلى عشقٍ لهُ خَطُرُ

***

يا تلَّ «ثَقْبانَ» ما أبديتَ خافيةً
قلبي كوجهي، فماذا عنك أدَّخِرُ

في جبهتي من «علِّي الفضل» عشر حصىً
ومن تجاعيد «أروى» في يدي حُفَرُ

أنّات «بكرٍ» غصونٌ فوق جمجمتي
حَنينُ «عبد يغوثٍ» في دمي سَقَرُ«3»

في سِرَّتي مِن «لميسٍ» جذر مشمشةٍ
ومِن «لَمى» عِنَبٌ في القلب ينعصِرُ

أما تنسَّمْتَ «وضّاحاً» سفرجلةً؟
هناك غصنٌ له مِن «روضة» الحوَرُ

ومالذي فيك مِن«باذان»؟ أين غفا؟
لعله ذلك اليَنبوت والصَّبِرُ

***

ها أنت تنصَبُّ تأريخاً له عبقٌ
ثانٍ يعاكس ما خطّوا وما نشروا

وهل أقول: تعشَّوا وانتشَوا ومشَوا
وألحفوا الأرض مِن أطراف ما اتَّزروا

أو أدعّي أن «عبدالدار» بال هنا
وأن آل ثمودٍ هاهنا عقروا

وآلُ سعدٍ سبَوا تسعين جاريةً
وآل عَمْروٍ صباح الجمعة اعتمروا

وأنهم ذو بيانٍ والورى عَجَمٌ
وأنهم أهل فتحٍ والورى غجَرُ

وأنهم عطسوا في منتهى رجَبٍ
وأنهم سعلوا يوم ابتدا صَفَرُ

***

ماذا دهاك؟ أتخشى أم سكتَّ أسىً
غداً ستحكي؟ وماذا الآن تنتظرُ؟

مَن كنت تُدعى قديماً «عروةً»، «حسناً»؟
هل صمتكَ الآن يا ذاك الفتى قَدَرُ؟

لعل سّرك لا يقوى عليه فمٌ
سكتَّ أنتَ وقال القلبُ والنظَرُ

***

يا ذلك الحجر المُغمى لديك هوىً
ما لونه؟ هل رأى مِن نوعه البَشَرُ؟

لمن تنكَّرتَ في ثوب الصخور هنا؟
غَيَّرتَ أم جَلْمَدَتْ أسمالَك الغير؟

أجبْ كما توجز الغيماتُ صاعقةٌ
يا سيد الصمت تدري كيف تنفجِرُ

أما ترى كلَّ سفحٍ مدَّ مسمعَهُ
واحتكَّ شوقاً كما تَسْتعلِف البقَرُ

يبدو تأهَّبْتَ كي تُفضي مُعالنةً
كما تأهّبَ كي يَتْأَرَّجَ الزَّهَرُ

تقول أنت فراغٌ ماله لغةٌ
أما أعاد صداك السفحُ والشجَرُ؟

على محيّاكَ مِن وجه الضحى مِزَقٌ
وفوق زنديك مِن ظَهْرِ الدجى كِسَرُ

يقول عنك الحصى ما لا يعي أحدٌ
ويدّعي أنك الأزمانُ والسِّيَرُ

***

قل ما أسَّر اليك الأمسُ مِن نبأّ
لكي ترى ما تعي أيامُكَ الأُخَرُ

لِمْ لا تصيح كمذياعٍ كمئذنةٍ؟
وهل سكتُّمْ لكي يدَّفَّقَ الحجَرُ؟

1985

«1»ميسون: هي بنت بحدل الكلبي من قبائل اليمن أكرهت أبوياً على الزواج من معاوية، وكانت دائمة الحنين إلى حياة البساطة في الخدر، مفضلة إياه على قصر معاوية كما في قولها:
ولبس عباءة وتقرُّ عيني
أحب إلي من لبس الشفوفِ

وبيت تخفق الأرواح فيه
أحب إلي من قصر منيفِ

وكلب ينبح الطراق دوني
أحب إلي من قط أليفِ

وخِرْقٌ من بني عمي نحيفٌ
أحب إلي من عجل عليفِ

«2» سمية: جارية حسناء ولدت زياداً سفاحاً من أبي سفيان فاستلحقه معاوية أخاً.
«3» بكر: هو الشاعر بكر بن مرداس الصنعائي.
عبد يغوث: هو الشاعر اليمني الجاهلي المعروف
منقوله

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.