مسرحية السيد
للشاعر الفرنسي بيير كورني
«1684 – 1606»
د.علي خليفة
تعد مسرحية السيد من أشهر مسرحيات كورني، وكان لها أثر كبير على المسرح الفرنسي الكلاسيكي في القرن السابع عشر، وعلى حركة النقد أيضًا آنذاك.
وقد دارت بعد عرضها معركة عرفت باسم معركة “السيد” نسبة للمسرحية، وكانت هذه المعركة بين معارضي هذه المسرحية، مثل: الكاردينال ريشيلو وبعض النقاد، مثل: شابلان، وبين أنصار كورني من الذين تحمسوا لهذه المسرحية ولأسلوب كورني المجدّد فيها.
وكان من أهم ما هوجم به كورني في هذه المسرحية من خصومه وخصوم المسرحية في تلك المعركة أنه خالف الأصول المسرحية المعروفة منذ أرسطو في كتابه “فن الشعر”، فتناول فيها أحداثًا كثيرة يستبعد أن تتم في دورة شمسية واحدة (أي يوم وليلة)، وإن كان كورني قد حاول أن يوحي بأن هذه الأحداث قد تمت في يوم واحد، وأيضًا انتقدت هذه المسرحية بأن نهايتها كانت سعيدة مع أنها أقرب للتراجيديا.
وأيضًا انتقد البعض كورني خلال معركة “السيد” بأنه لم يزد على أن سرق مسرحية دي كاسترو الأسباني، وهي بعنوان “طفولة السيد”.
وانتصر كورني في هذه المعركة، وانتصرت مسرحية “السيد”، وعملت انتعاشة في المسرح الفرنسي آنذاك، وكان من آثار ذلك أن خففت من وطأة التقاليد والأصول المسرحية التي كان على كتاب المسرح الكلاسيكي اتباعها آنذاك، كالالتزام التام بالوحدات الثلاث؛ وحدة الزمان ووحدة المكان ووحدة الحدث.
وظهر موليير بعد ذلك، فكان أشد جرأة من كورني في هتك هذه الحصون المنيعة، وتجاوزها في مسرحياته الكوميدية، كما نرى في مسرحية “مرتجلة فرساي”، ومسرحية “نقد مدرسة الزوجات”، ومسرحية “عدو البشر”.
وأعلن بعد ذلك الناقد الفرنسي الكلاسيكي الكبير بوالو تأييده لمسرحية “السيد”، حين قال: “إن جمهور باريس يرى شيمين بعيني رودريك”.
أما عن “السيد” الذي تدور عنه أحداث هذه المسرحية، فقد ورد في بعض الكتب اللاتينية والعربية معلومات عنه، وأغلب الظن أنه كان فارسًا مرتزقًا، فأحيانًا كان يعمل في صفوف جيوش بعض الأسبان، وأحيانًا كان يقاتل مع جيوش ملوك الطوائف والمرابطين المسلمين.
وقد أفاد كورني من كل ما كتب عن “السيد” خلال كتابته مسرحيته هذه، لا سيما مسرحية دي كاسترو “طفولة السيد”، وأعرض عن بعض المعلومات التاريخية التي تصور السيد مقاتلاً مرتزقًا، بل أظهره بطلاً أسبانيًّا قشتاليًّا، قاتل المغاربة وانتصر عليهم، واستحق لبطولاته لقب السيد الذي أطلقه عليه ملكان من ملوك الطوائف كان قد أسرهما خلال حرب لجيشه مع بعض جيوش ملوك الطوائف، وقد لقباه بهذا اللقب؛ لأنه يدل عندهم على زيادة الشرف والرفعة؛ لما رأوه من بطولته في المعركة التي خاضاها معه، وأسرهما فيها.
وتبدأ أحداث هذه المسرحية فنرى ملك قشتالة يتباحث مع بعض بطانته فيمن يكون معلمًا لولده، وكانت المقارنة بين شخصين؛ هما دون دييج والد دون رودريك، والكونت دون جوميس، ويتم الاتفاق على أن يكون دون دييج هو معلم ابن الملك؛ لأنه شيخ كبير محنك، وكان في شبابه فارسًا مغواراً.
ويغضب الكونت دون جوميس لهذا الاختيار، ولكونه شديد الصلف والإعجاب بنفسه، ويعبر لدون دييج عن غضبه لاختياره هو مكانه، وخلال حوارهما يزداد غضب دون جوميس، فيصفع دون دييج على خده. ويعد دون دييج هذه الصفعة إهانة كبيرة لا يمحوها إلا الدم، ويطلب إلى ابنه دون رودريك أن يثأر له من دون جوميس بمبارزته وقتله مع علمه بأن دون جوميس هو أبرع فارس وقائد في جيوش الملك.
ويشعر دون رودريك بحيرة، فابنة دون جوميس هي محبوبته شيمين التي كاد يتزوجها لولا هذا الحدث، ويُغَلِّبُ دون رودريك – شأن كل أبطال كورني في تراجيدياته – الواجب على العاطفة، فيستل حسامه، ويبارز دون جوميس، ويقتله، وذلك على الرغم من أنها أول مرة يبارز فيها دون رودريك أحدًا خلاف دون جوميس الفارس والقائد الشهير!
وتعبر شيمين عن حيرتها بين أن تستسلم لعواطفها لحبيبها، وبين أن تُغَلِّبَ الواجب، فتطلب الثأر لأبيها من حبيبها، ولا تتردد كثيرًا، بل تلجأ للملك ليقتص من حبيبها دون رودريك قاتل أبيها.
ويتصادف خلال ذلك أن يقوم المغاربة بهجوم على أطراف قشتالة، فيقاتلهم دون رودريك مع بعض الجنود المقربين من أبيه، وينتصر عليهم انتصارًا كبيرًا، ويأسر ملكين من ملوك الطوائف، وعند ذلك يصفح عنه الملك، وتعاود شيمين مطالبة الملك بالقصاص، فيرضى بعد توسلاتها الكثيرة بأن يسمح لشخص آخر عاشق لشيمين – هو دون سانش – بأن يبارز رودريك، وبأن يكون المنتصر منهما زوجًا لشيمين، وتوافق على ذلك بعد تردد.
وينتصر دون رودريك على دون سانش، ولكنه لا يقتله، ويطلب دون رودريك إلى دون سانش أن يذهب بسيفه لشيمين ويريها إياه؛ لتظن أنه قد قُتِلَ، ويعرف موقفها منه عند ذلك.
وتتألم شيمين حين تظن أن دون رودريك قد قتل، ثم يخبرها دون سانش بالحقيقة؛ فتفرح بسلامة حبيبها دون رودريك.
ثم يأمر الملك بأن يقام زواج دون رودريك من شيمين بعد نحو سنة تكون شيمين خلالها قد تناست الجرح الذي سببه لها دون رودريك بقتله أباها، ويطلب الملك خلال هذه السنة إلى دون رودريك أن يواصل قتاله للمغاربة في ديارهم وأن يدحرهم. وتنتهي بهذا المسرحية.
ولا شك أنها مسرحية تصور البطولة، وإن جاء هذا التصوير بشكل مبالغ فيه، فليس معقولاً لشخص لم يعرف بقتال أن يصبح فجأة فارسًا كبيرًا، وقائدًا عظيمًا يقتل أهم الفرسان، ويأسر ملوك الأعداء وجنودهم!
وذكر كورني في هذه المسرحية حدثًا ثانويًّا، وهو عن قصة حب ابنة الملك لرودريك، وتصوير الصراع الذي يضطرم في داخلها بين أن تستسلم لهذا الحب، وأن تكتمه؛ ومما زاد في معاناتها أنها كانت تدرك أنه لا يجوز لها أن تتزوج غير ملك أو أمير حسب العادات آنذاك.
وتقوم هذه الأميرة بتدبير لتقريب شيمين من رودريك؛ ليحبها رودريك بدلاً منها، وتنجح حيلها في ذلك، ثم تندم؛ لأنها أشعلت الحب بين رودريك وشيمين، وتمنت أن تكون مكانها، ثم تستسلم في نهاية المسرحية لمصيرها بأن تظل محبة لرودريك، وتكتم ذلك الحب في قلبها؛ لأن رودريك قد أحب شيمين، ولأنها
لا يمكنها أن تتزوج من ليس من طبقتها من الملوك والأمراء.
بقي أن أقول شيئًا أخيرًا عن هذه المسرحية، وهي أنها صورت حال ملوك الطوائف في الأندلس خلال ضعفهم السياسي، وكان يطلق عليهم في هذه المسرحية لقب المغاربة؛ وربما كان ذلك لأن حكام المرابطين الذين جاءوا من المغرب لنجدة ملوك الطوائف كانوا هم المدبرين لهذه المعارك في تلك الفترة،
أو لأن الأسبان الذين كتبت المسرحية بوجهة نظرهم آنذاك – كانوا يرون العرب والمسلمين دخلاء على أسبانيا، فكانوا يطلقون عليهم لقب المغاربة.