اضغط على الصورة لعرض أكبر.  الإسم: Screenshot_٢٠٢٥٠٥٢٧-١٩٠٨٤٥_Facebook.jpg  مشاهدات: 0  الحجم: 56.1 كيلوبايت  الهوية: 265020
حكاية:أبو حيــان التــوحــيــدي و(الإمــتــاع والمــؤانــســة).غ بعالم الادب الفلسفي
أبو حيــان التــوحــيــدي و(الإمــتــاع والمــؤانــســة)

غــوصٌ مُــعــمَّــقٌ فــي عــالــمِ الأدبِ الــفــلــســفــيِّ الــفــريــدِ

في خضمِّ القرنِ الرابعِ الهجري، ذلك العصرُ الذي لم يكن مجردَ فترةٍ زمنيةٍ، بل كان بوتقةً انصهرتْ فيها العلومُ والفنونُ وتلاقحتْ ضمنها الأفكارُ بصورةٍ لم يسبقْ لها مثيلٌ↓

يبرزُ اسمٌ كــان ولا يزالُ محطَّ نقاشٍ وإعجابٍ عميقين: أبو حيان علي بن محمد التــوحــيــدي (المتوفى نحو 414هـ/1023م)

فـالجدلُ الفكريُّ لا يزالُ قائماً حولَ شخصيتهِ الفذةِ: هل كان مجردَ أديبٍ يمتلكُ ناصيةَ البيانِ، أم فيلسوفاً غاصَ في بحارِ المعرفةِ، أم ورّاقاً مُثقفاً نهلَ من كنوزِ المخطوطاتِ؟

←لعلَّ الحقيقةَ أنه كان مزيجاً متفرداً من كلِّ هؤلاء، بل وأكثــــــــــــــــــر من ذلك→

ويظلُّ كتابه الأشهــــــــــــــــــر والأبقى أثــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ راً↓
? (الإمــتــاع والمــؤانــســة) ?

ليس فقط شاهداً حياً على سعةِ اطلاعهِ الموسوعيِّ، بل يُعَدُّ بحقٍّ أثراً مركزياً ضمن مصنفاتِ عصرهِ؛← إذ يُقدمُ لنا لوحةً شاملةً تنبضُ بالحياةِ الفكريةِ والاجتماعيةِ الصاخبةِ التي شهدتها بغدادُ العباسيةُ ومحيطُها الحضاريُّ في تلك الحقبةِ

وفي دلالاتِ عنوانَ الكتابِ نفسَهُ مفتاحٌ جوهريٌّ لفهمِ طبيعتهِ المتفردةِ؛ فالـ”إمتاعُ” هنا يتجاوزُ مفهومَ التسليةِ العابرةِ، ليرتقيَ إلى تلك اللذةِ العقليةِ الرفيعةِ التي تتأتى من غوصِهِ الدقيقِ في دقائقِ المعارفِ، وطرائفِ الأخبارِ، ونوادرِ الأدبِ التي انتقاها بعنايةٍ.

وأما “المؤانسةُ” فتلك الأُلفةُ الروحيةُ العميقةُ التي تنشأُ من خوضِ حوارٍ فــــــــــــكريٍّ راقٍ وممتدٍ،

حتى ليُخيَّلُ للقارئِ أنه جليسٌ ثالثٌ يشاركُ في تلك الليالي الأربعينَ التي أمضاهـــــــــا المؤلفُ بصحبةِ الوزير المثقف أبي عبد الله العارض.

←لم يكن الكتابُ تصنيفاً منهجياً صارماً يلتزمُ حدودَ الأبوابِ والفصولِ التقليديةِ، بل هو أقربُ ما يكونُ إلى تسجيلٍ حيٍّ وتدوينٍ عفويٍّ لمسامراتٍ حرةٍ،↓

تناولَ فيها التــوحــيــدي أشتاتاً متنوعةً من الموضوعاتِ، بأسلوبٍ فريدٍ يجمعُ بين دقةِ التحقيقِ العلميِّ، وبراعةِ العرضِ الأدبيِّ، ولطافةِ الظرفِ الفكاهيِّ أحياناً.

وقد أودعَ التــوحــيــدي في ثنايا هذا السِفْرِ النفيسِ تأملاتٍ فلسفيةً واجتماعيةً عميقةً في أغوارِ النفسِ الإنسانيةِ وطبائعِ المجتمعِ.

←من ذلك قوله البليغُ الذي يكشفُ عن فهمهِ العميقِ لقيمةِ الصحبةِ والأنسِ الفكريِّ:↓

“ما رأيتُ شيئاً يجمعُ أصناف الخير والشرف، ويستغرقُ أنحَاء الفضلِ والنُبل، مثلَ صحبةِ الإخوان، ومؤانسة الخِلّان.”→

وفي دعوتهِ الصريحةِ إلى ضرورةِ حركةِ الفكرِ وتجددِ النفسِ، يقولُ تلك العبارةَ الخالدةَ: ← “النفسُ كالماءِ، إن لم يجرِ ويتحركْ أَنْتَنَ وتغيّر، وإن جرى طابَ وعَذُب.”

فــبهذا المنهجِ الاستثنائيِّ، استطاعَ التــوحــيــدي أن يُقدمَ للعربيةِ نموذجاً فريداً للكتابةِ الموسوعيةِ ذاتِ الروحِ الأدبيةِ الأصيلةِ،

←مُوظفاً ببراعةٍ تقنيةَ “الاستطرادَ” – الذي قد يراه البعضُ خروجاً عن السياقِ أو حتى عيباً منهجياً – كأداةٍ فعالةٍ للإثراءِ المعرفيِّ

وتوسيعِ آفاقِ القارئِ، شأنهُ في ذلك شأنُ أستاذهِ الجــاحــظ في بعضِ أمهاتِ مصنفاتهِ.

وقد استمدَّ مادةَ كتابهِ الغزيرةَ والمتنوعةَ من معينِ ثقافتهِ الواسعةِ التي لم تتشكلْ عفواً، بل صقلتها مجالسهُ العديدةُ مع شيوخِ عصرهِ الأفذاذِ من العلماءِ والأدباءِ،

إضافةً إلى عمله الدقيقِ والمضني في فنِّ الوراقةِ الذي أتاحَ لهُ فرصةَ النهلِ المباشرِ من كنوزِ المخطوطاتِ النادرةِ.

وُلِدَ التــوحــيــدي في بغدادَ (أو ما يُقاربها من مدنِ العراقِ) حوالي سنة 310هـ، وعاشَ حياةً لم تخلُ من قلقٍ وجوديٍّ واضطرابٍ نفسيٍّ، وربما شعورٍ مريرٍ بالغربةِ الفكريةِ وسطَ مجتمعهِ،

وهو ما ألقى بظلالهِ العميقةِ على كتاباتهِ، مانحاً إياها عمقاً إنسانياً خاصاً ومؤثراً.

ولعلَّ هذا المزيجَ الفريدَ من المعاناةِ الشخصيةِ والعبقريةِ الفذةِ هو ما جعلَ النقادَ قديماً وحديثاً يصفونَهُ بذلك اللقبِ الدقيقِ: ← “فــيــلــســوفُ الأدبِاء وأديبُ الــفــلاســفــةِ”؛ ففي نثرهِ الفنيِّ تتجلى بوضوحٍ قدرةُ الفيلسوفِ على التحليلِ المنطقيِّ والاستنباطِ العميقِ، جنباً إلى جنبٍ مع دقةِ الأديبِ في التصويرِ البيانيِّ وبلاغةِ التعبيرِ.

ويتجلى أسلوبه المتفرد هذا بأبهى صورهِ في (الإمــتــاع والمــؤانــســة) حيثُ يمتزجُ الإخبارُ بالتحليلِ، والنقدُ بالوصفِ، والحكمةُ بالظرفِ، فيُقدمُ المعلومةَ التاريخيةَ الدقيقةَ بجانبِ النكتةِ الأدبيةِ اللاذعةِ،

والتحليلَ الفلسفيَّ العميقَ بعبارةٍ أخاذةٍ تجمعُ بين جزالةِ اللفظِ العربيِّ الأصيلِ ورشاقةِ المعنى وسلاستهِ.

وقد شهدَ لهُ الأعلامُ من المؤرخين والنقاد← فيقولُ ياقوت الحموي في موسوعتـــــــــه (معجم الأدباء) واصفاً إياه بكلماتٍ جامعةٍ: “كان صحيحَ العلمِ، جيدَ الكلامِ، بليغَ العبارةِ، فصيحَ اللسانِ.”

أما الإمامُ القفطي، في كتابه (إنباه الرواة على أنباه النحاة)، فيصفُ كتابه (الإمتاع والمؤانسة) وصفاً دقيقاً يُبرزُ قيمتهُ الحقيقيةَ، فيقولُ: ← “كتابٌ ممتعٌ على الحقيقةِ لمن له مشاركةٌ في فنونِ العلمِ.”

ويرى الناقدُ الأدبيُّ الكبيرُ وعميدُ الأدبِ العربيِّ الدكتور طه حسين أن مكانةَ التوحيدي تتجاوزُ حدودَ عصرهِ بكثيرٍ، فيُدلي بشهادتهِ عنه قائلاً: ← “أبو حيان رجل من أولئك الرجال الذين يسبقون عصورهم أو يضيقون بها أو يضيق بهم العصر، فلا يفهمهم الناس إلا بعد حين.”

←وَمِمَّا يُــضفي على سيرةِ هذا الرجلِ الفذِّ وكتابهِ الخالدِ مسحةً من الأسى والحزنِ العميقِ، ما يُروى في كتبِ التراجمِ عن إقدامِ التــوحــيــدي على إحـ.ـ.ــراق بعضِ كتبهِ في أواخرِ أيامهِ،

إما يأساً من أهلِ زمانهِ أو احتجاجاً على تجاهلهم له→

لكن (الإمــتــاع والمــؤانــســة)، ولحسنِ حظِ التراثِ العربيِّ والإنسانيِّ، نجا من تلك المـ..ـحـ.ـرقةِ، ليظلَّ منارةً ساطعةً تُضيءُ جوانبَ هامةً من تاريخِ الفكرِ العربيِّ في أزهى عصورهِ وأكثرهـــــــــــــــــــــا خصوبةً

↓وخــلاصــةُ القــولِ، إنَّ هذا الكتابَ ليس مجردَ أثرٍ تراثيٍّ يُقرأ للاستزادةِ المعرفيةِ فحسب، بل هو بمثابةِ تجربةٍ فكريةٍ حيةٍ ومتجددةٍ،

تعكسُ بصدقٍ شخصيةَ مؤلفهِ الفذةَ والمعقدةَ في آنٍ واحدٍ، وتُقدمُ لنا لمحاتٍ نادرةً وثمينةً عن حيويةِ النقاشِ الفكريِّ والثقافيِّ الذي سادَ في زمنهِ.

وإنَّ قراءتَهُ اليومَ، في عصرنا هذا، لتمثلُ بحقٍّ حواراً خصباً وممتداً مع عقلٍ استثنائيٍّ، حولَ قضايا الإنسانِ الكبرى والمعرفةِ الجوهريةِ التي لا تزالُ تشغلُ بالَنا وتُثيرُ اهتمامَنا وتحدياتنا المعاصرة

#حياة_مندثرة #التوحيدي #الإمتاع_والمؤانسة #الأدب_العربي #الفلسفة_الإسلامية #النثر_العربي #فكر_إسلامي #ثقافة_عربية #تراث_أدبي #القرن_الرابع_الهجري

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.