ظاهرة “باكستر”

لم تنل فكرة “النباتات العاقلة” الكثير من الإهتمام اللازم ، حيث اعتبرت مجرّد افتراضات أو حتى خرافات . كانت مكانتها عند الناس ، المتحضّرين ، بمثابة إحدى القصص المثيرة التي يتسلّون بها في مجالسهم . ظلّ الأمر على هذه الحال حتى جاء الإثبات الدامغ . و هذه المرّة لم تكن على يد عالم نباتي و لا حيواني أو بيولوجي ، حتى أنه لم يفقه عن العلوم الطبيعية شيئاً . و قد أكّدت تجربته ما يدلّ على أن النباتات لها عواطف و أفكار و حتى القدرة على قراءة الأفكار ! .

اسمه ” كليف باكستر” Cليڢي Bاچكستير ، شرطي متقاعد من مدينة ” نيويورك” ، كان يدير مركز للتدريب على استخدام جهاز “البوليغراف” Pوليعراپه (جهاز كاشف الكذب ) . و نشرت أبحاثه لأول مرّة في مجلّة “إنترناشونال جورنال أوف باراسايكولوجي ” في العام 1968م . و قد استخدم جهاز البوليغراف للتواصل مع النباتات ، و اكتشف ردود أفعالها المختلفة التي دلّت على أنها ردود أفعال لا تصدر إلا من مصدر عاقل .

قبل أن نسرد تفاصيل هذا الاكتشاف المثير الذي توصّل إليه باكستر ، يجب علينا أولاً أن نتعرّف على جهاز البوليغراف الذي كان وسيلة التواصل مع النبتة .

ـ البوليغراف هو جهاز يقوم بتسجيل التغيرات الفيزيائية في الجسم ( مثل ضغط الدم ، نبضات القلب ، سرعة التنفّس ، التعرّق .. إلى آخره ) . و هذه التغيّرات الفيزيائية تكون ناتجة عن تغيرات نفسية في الشخص .

ـ استُخدِم هذا الجهاز في مراكز الشرطة ، و المراكز الأمنية المختلفة ، و حتى في المؤسّسات الخاصة أحياناً .

 

ـ تعتمد طريقة عمل البوليغراف على حقيقة تقول : عندما يكذب الإنسان ، يسبّب ذلك ردود فعل عصبية غير إرادية ناتجة من الاضطراب النفسي الذي

يصيب الشخص ، فيسجّل الجهاز التغيرات التي يسببه هذا الاضطراب كارتفاع دقات القلب أو زيادة في التنفّس أو غيرها من ردود أفعال .

ـ هناك قسم معيّن من هذا الجهاز ، يمكن أن يعتمد على ردود الفعل أو التغيّرات الحاصلة في الجلد . هذه الطريقة معروفة بـ” G.ص.R” ( Gالڢانيچ صكين Rيسپونسي ) . يقوم هذا القسم بقياس درجة التعرّق في الجلد ، ( العرق سائل ناقل للتيار الكهربائي ) ، فالتعرّق تزداد نسبته أثناء الكذب ، فيتحسّس الجهاز تلك الزيادة الطفيفة ، فيتحرّك المؤشّر إلى مستوى معيّن ، ( زيادة في نسبة السائل يعني زيادة في ناقلية التيار الكهربائي ) .

ـ فهذا الجهاز لا يعلم بالغيب كما يتصوره البعض . إنه يقوم بتحديد مستويات معيّنة من ردود أفعال جسدية ، فيقارنها الخبير مع الحالات النفسية التي يعرف دلالاتها مسبقاً . مثلاً :

ـ الكذب يسبب الخوف ، فيسجّل إشارة مرتفعة لمستوى معيّن ، فيستدلّ الخبير من ذلك أن الشخص خائف .

ـ عدم معرفة جواب معيّن يسبب الإرباك ، فيؤشر الجهاز على مستوى معيّن ، يستدلّ الخبير أن الشخص مرتبك .

ـ الثقة بالنفس يسبب الهدوء ، فيسجّل الجهاز إشارة محدّدة .

ـ الشعور بالارتياح يسبب السعادة ، فيؤشر الجهاز مستوى يدلّ على تلك الحالة النفسية .

و قد رفضت المحاكم ، أو أي مؤسسة عدلية أخرى ، الأخذ بنتائج البوليغراف كشاهد إثبات ضدّ المتهمين . و السبب لا يعود إلى وجود عيب في أداء الجهاز أو دقّته ، بل المشكلة تكمن عند بعض المجرمين الذين يتصفون ببرودة و بلادة حسّية مما يجعله من المستحيل على الجهاز تسجيل أي ردّة فعل نفسية لهم .

قام “باكستر” بتجربته الأولى في الثاني من شباط عام 1966م ، بمدينة نيويورك ، بينما كان في مركز التدريب على البوليغراف ، فروى أحداثها قائلاً :

{“…. لا أعرف ما هو السبب وراء الفكرة التي خطرت لي فجأة لمعرفة كم من الوقت تستغرقه النبتة في عملية امتصاص المياه من جذورها مروراً بالجذع وصولاً إلى الورقة العلوية …. قمت بسقي النبتة بعد أن وصلت إحدى الأوراق العلوية ، عن طريق أسلاك ، بجهاز البوليغراف ، على طريقة G.ص.R التي يمكنها استشعار درجة الرطوبة في النبتة . فكنت مقتنعاً بفكرة أن المياه التي تجري في عروق النبتة ، سوف تصل بعد فترة إلى الورقة العلوية الموصولة بجهاز البوليغراف ، و عندما تصبح الورقة مشبعة بالماء ( تزداد رطوبتها ) ، يزيد ذلك من ناقلية التيار الكهربائي ، فيؤشّر الجهاز ، و أستطيع حينها أن أعرف مدّة إنتقال المياه من الجذور إلى الورقة العلوية …….. و كانت المفاجأة المثيرة هي أنني في الوقت الذي قمت فيه بسقي النبتة ، راح الجهاز ، بنفس اللحظة ، يرسم خطوط بيانية تؤشر إلى حالة “إرتباك”‍! ‍‍‍‍. مما يدلّ على ردود فعل نفسية ! … فتساءلت كيف يمكن لنبتة أن تعطي هذه النتيجة المشابهة لنتائج ردود فعل إنسانية ؟! . و خطرت لي فكرة تجعلني أتأكّد من خلالها أن هذه العملية ليست صدفة أو ما شابه ذلك ، فرحت أفكر بوسيلة أقوم بها ، كتهديد النبتة بالخطر ، لأن هذه الوسيلة تسبب حالة “الخوف” ، و هذه الحالة تعطي نتيجة دقيقة على مؤشّر الجهاز ……. و قد حاولت لمدّة ربع ساعة ، أن أحصل من النبتة على حالة “خوف”، عن طريق تغطيس أحد أوراقها في فنجان قهوة ساخن ، لكن لم يحدث أي تجاوب أو ردّة فعل ……. فخطرت لي فكرة أخرى ، سوف أقوم بحرق تلك الورقة !. فرحت أبحث عن علبة الكبريت في مكتبي لكنني لم أجدها ، و بينما كنت واقفاً ، على بعد متر و نصف عن النبتة ، أفكّر أين وضعت علبة الكبريت ، لفت نظري جهاز البوليغراف الذي راح يرسم خطوط تشير إلى حالة هيجان ، “رعب”! ……. في تلك اللحظة ، لازال المنطق يسيطر على تفكيري ، فأوّل فكرة راودتني هي أن المياه قد وصلت أخيراً إلى الورقة و أشبعت بدرجة عالية من الرطوبة ، فأدى ذلك إلى تحريك المؤشّر ….أو هل يمكن أن تكون النبتة قد قرأت أفكاري و علمت بأنني أنوي حرق ورقتها ؟!.

…. أردت أن أحسم الأمر ، فذهبت إلى مكتب السكرتيرة و عدت بعلبة كبريت ، لكنني وجدت أن مؤشّر الجهاز يتحرّك بشكل جنوني ، (أعلى مستوى من الانفعال )! “حالة رعب شديد” ! …فعدلت عن رأيي حينها ، حيث أنه لا يمكنني قراءة أي نتيجة على أي حال ، بسبب حركة المؤشر المجنونة . لكن عندما وضعت علبة الكبريت جانباً عاد الجهاز إلى حالة هدوء تام !.

في تلك الأثناء ، و بينما كنت في حالة حيرة و دهشة ، دخل شريكي في العمل ، و أخبرته عن كامل القصّة ، فقام هو بنفس التجربة ، و كانت النتيجة ذاتها ! …. عندما صمّم شريكي على حرق الورقة ، راح المؤشّر يتحرّك بشكل جنوني ! “رعب”! …. لكن الغريب في الأمر هو أنه عندما كان يتظاهر بأنه سوف يحرق الورقة ( و هو لا ينوي ذلك ) ، تبقى ردّة فعل النبتة طبيعية (لا يتحرك المؤشّر) ! . أي أن النبتة تستطيع أن تفرّق بين من يتظاهر بنيّة القيام بفعل ما ، و بين من يصمّم على القيام بذلك الفعل ! …….” إنها تقرأ الأفكار !” …”}

أقام “باكستر” الكثير من التجارب الأخرى ، و كانت كل تجربة تكشف عن ميزة فكرية جديدة في عالم النبات . فلاحظ مثلاً أن النبتة تتأثّر من موت إحدى الكائنات الحيّة بقربها ( حتى الخلية المجهرية) . و يمكن لها أن تتعرّف على شخص قام بإيذاء نبتة أخرى ، فعندما يدخل هذا الشخص إلى الغرفة التي توجد فيها النبتة ، يبدأ الجهاز بتسجيل انفعالات تدلّ على “الرعب” . و قد اكتشف باكستر أن نباتاته المنزلية تتجاوب لأفكاره مهما كانت المسافة الفاصلة بينهم . ففي يوم من الأيام ، بينما كان عائداً إلى المنزل ، و لازال بعيداً مسافة عدّة كيلومترات ، قرّر إعلام النباتات ، عن طريق التواصل الفكري ( أي مجرّد التفكير بهم ) ، أنه قادم إلى المنزل . و عند وصوله بعد فترة ، اكتشف أن جهاز البوليغراف قد قام بتسجيل حالة (انفعال) بنفس اللحظة التي قام فيها بالتواصل الفكري أثناء عودته على الطريق !. و بالرغم من أن التجارب التي أقامها “باكستر” ، أعيدت آلاف المرات من قبل الكثيرين حول العالم ، و قد عُرِضت في عشرات المحطات التلفزيونية ، مع ذلك كله ، فإن الفكرة لازالت غير مألوفة لأغلبية الناس .

و المشكلة ليست في عدم صدقية هذه الظاهرة التي لم يتوقّعها أي إنسان متحضّر ، ( و قد شرحنا عدّة أسباب لرفض البشر للأفكار الجديدة ) ، أما المجتمع العلمي ، فكما عادته دائماً ، لم يعترف بها لأسباب كثيرة ، أهمها هو أن هذه الظاهرة قد كشفها رجل ليس له علاقة بالعلم لا من قريب أو بعيد ، و طبعاً ، كبرياءهم لم يسمح بذلك أبداً ، و فضّلوا إثبات عدم صدقيتها ( و حرمان الشعوب من الحقيقة ) على أن يقبلون بهذه الحقيقة التي جعلتهم يظهرون كالأغبياء .

علاء حلبي (مقتطف من كتاب العقل الكوني)

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.