ال

اثنتا عشرة قاعدة للحياة

 

 

كتب عالمية …
واحدة من اهم الكتب والاكثر انتشارا فى الفترة الأخيرة

12 قاعدة للحياة
جوردان بيترسون

♣︎♣︎ مقدمة
عندما صدر الكتاب في 2018، لم يكن أحد يتوقع أن يصبح ظاهرة عالمية بهذا الحجم. الكتاب الذي بدأ كإجابات بسيطة على موقع كورا، تحول إلى واحد من أكثر كتب المساعدة الذاتية مبيعاً في العقد الماضي.

لكن ما الذي جعل هذا الكتاب مثيراً للجدل إلى هذا الحد؟ ولماذا يحبه البعض ويكرهه آخرون بنفس الشدة؟

♧ من هو جوردان بيترسون؟
بيترسون أستاذ جامعي كندي، تخصص في علم النفس السريري. عمل في جامعة هارفارد ثم تورنتو. كان أكاديمياً عادياً حتى اشتهر فجأة عام 2016 بسبب معارضته لقانون كندي يتعلق بالهوية الجندرية.

♣︎♣︎ الفلسفة الأساسية للكتاب

يبني بيترسون فلسفته على مفهوم التوازن بين الفوضى والنظام. يرى أن الحياة الإنسانية تتراوح بين هذين القطبين، وأن النمو الحقيقي يحدث عند الحد الفاصل بينهما. الفوضى تمثل المجهول والتحدي، بينما النظام يمثل الاستقرار والقواعد المعروفة.

من هذا المنظور، تأتي قواعده الاثنتا عشرة كأدوات لمساعدة الفرد على التنقل بين هذين العالمين بطريقة بناءة ومثمرة.

♣︎♣︎ القواعد الاثنتا عشرة

القاعدة الأولى: قف مستقيماً وكتفاك للخلف

يربط بيترسون بين وضعية الجسد والحالة النفسية، مستشهداً بسلوك الكركند (الإستاكوزا) في البحر. يوضح كيف أن الوقوف بثقة يؤثر على مستويات الهرمونات في الجسم، مما ينعكس على الثقة بالنفس والحضور الاجتماعي.

القاعدة الثانية: عامل نفسك كشخص أنت مسؤول عن مساعدته

يلفت بيترسون الانتباه إلى ظاهرة مثيرة للاهتمام: معظم الناس يعتنون بحيواناتهم الأليفة أفضل مما يعتنون بأنفسهم. يدعو إلى معاملة الذات بنفس الرعاية والاهتمام التي نوليها للآخرين.

القاعدة الثالثة: اصطحب أصدقاء يريدون لك الأفضل

يؤكد المؤلف على أهمية البيئة الاجتماعية في تشكيل شخصيتنا ومستقبلنا. الأصدقاء الحقيقيون هم من يشجعونك على النمو والتطور، وليس من يبقونك في دائرة الراحة أو العادات السيئة.

القاعدة الرابعة: قارن نفسك بمن كنت عليه بالأمس، لا بغيرك اليوم

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المقارنات مع الآخرين أكثر ضرراً من أي وقت مضى. يدعو بيترسون إلى التركيز على التقدم الشخصي والنمو الذاتي بدلاً من المقارنة مع الآخرين.

القاعدة الخامسة: لا تدع أطفالك يفعلون ما يجعلك تكرههم

يتناول المؤلف موضوع التربية بصراحة، موضحاً أن الحب الحقيقي للأطفال يتطلب وضع حدود واضحة. الطفل الذي ينمو بلا قيود سيواجه صعوبات في التعامل مع المجتمع لاحقاً.

القاعدة السادسة: هيّئ حياتك قبل أن تنتقد العالم

يطرح بيترسون سؤالاً بسيطاً لكنه عميق: كيف يمكن لشخص لا يستطيع تنظيم غرفته أن يصلح العالم؟ يدعو إلى البدء بالإصلاح الشخصي قبل السعي لتغيير الآخرين.

القاعدة السابعة: اتبع ما هو ذو معنى، وليس ما هو مريح

يميز المؤلف بين السعي وراء الراحة الفورية والسعي وراء المعنى طويل المدى. المعنى يأتي من تحمل المسؤولية والتضحية من أجل أهداف أسمى.

القاعدة الثامنة: قل الحقيقة، أو على الأقل لا تكذب

يرى بيترسون أن الصدق ليس مجرد قيمة أخلاقية، بل ضرورة نفسية وعملية. الكذب يشوه علاقتنا بالواقع ويجعل الحياة أكثر تعقيداً.

القاعدة التاسعة: افترض أن من تستمع إليه يعرف شيئاً لا تعرفه

يدعو إلى الاستماع الحقيقي في المحادثات، بدلاً من مجرد انتظار الدور للكلام. كل شخص لديه تجربة فريدة يمكن التعلم منها.

القاعدة العاشرة: كن دقيقاً في كلامك

الكلمات لها قوة هائلة في تشكيل الواقع. استخدام لغة دقيقة وواضحة يساعد على فهم المشاكل بشكل أفضل والعثور على حلول فعالة.

القاعدة الحادية عشرة: لا تزعج الأطفال عندما يتزلجون

يحذر المؤلف من الحماية المفرطة للأطفال. المخاطر المحسوبة ضرورية للنمو والتطور، والحماية الزائدة قد تضر أكثر مما تنفع.

القاعدة الثانية عشرة: داعب قطة عندما تلقاها في الطريق

في هذه القاعدة الأخيرة، يدعو بيترسون إلى الانتباه للحظات الجمال البسيطة في الحياة. حتى في أصعب الظروف، هناك لحظات من الفرح والسكينة يجب أن نقدرها.

♣︎♣︎ خلاصة

يقدم كتاب “12 قاعدة للحياة” دليلاً عملياً للعيش الجيد، مبنياً على فكرة أن الحياة صعبة بطبيعتها، ولكن يمكن جعلها ذات معنى من خلال تحمل المسؤولية والسعي للتحسن المستمر. القواعد بسيطة في ظاهرها، لكنها تحمل عمقاً فلسفياً ونفسياً يمكن أن يساعد القارئ على بناء حياة أكثر استقراراً ووضوحاً.

الكتاب لا يقدم حلولاً سحرية، بل يركز على الخطوات الصغيرة والتغييرات التدريجية التي يمكن أن تؤدي إلى تحولات كبيرة في نوعية الحياة.

♣︎ البنية الفكرية للكتاب

ينطلق بيترسون من فرضية أساسية مفادها أن الحياة الإنسانية تتأرجح بين قطبين: الفوضى والنظام. يرى أن التقدم الحقيقي يحدث عندما يجد الإنسان التوازن بين هذين القطبين، متجنباً التطرف في أي منهما.

تستند قواعد بيترسون الاثنتا عشرة إلى هذا المفهوم الأساسي، وإن كانت تتفاوت في درجة التماسك النظري والتطبيق العملي.

♧ النقد والملاحظات

يواجه الكتاب عدة انتقادات منهجية:

أولاً، يميل بيترسون إلى التعميم المفرط، خاصة عند استخدام الأمثلة من عالم الحيوان لتفسير السلوك البشري. فالقفز من سلوك الكركند (الإستاكوزا) إلى السلوك الإنساني يتطلب حذراً أكثر مما يُظهره المؤلف.

ثانياً، بعض القواعد تفتقر إلى الدقة العلمية المطلوبة. فمثلاً، قاعدة “لا تزعج الأطفال وهم يتزلجون” تحمل رسالة مهمة حول أهمية المخاطرة المحسوبة في النمو، لكن الكاتب لا يقدم إرشادات كافية حول كيفية التمييز بين المخاطرة المفيدة والمخاطرة المؤذية.

ثالثاً، يُلاحظ أن الكتاب يحمل نزعة محافظة واضحة قد لا تناسب جميع القراء أو الثقافات، خاصة في مناقشة قضايا التربية والأدوار الاجتماعية.

♣︎♣︎ القيمة العملية

رغم الانتقادات، يحتوي الكتاب على نصائح عملية قابلة للتطبيق. قواعد مثل “هيّئ حياتك قبل أن تنتقد العالم” و”كن دقيقاً في كلامك” تقدم توجيهات واضحة يمكن للقارئ تطبيقها فوراً.

كما أن ربط المؤلف بين المسؤولية الشخصية والصحة النفسية له مبررات قوية في الأدبيات النفسية المعاصرة. الفكرة الأساسية بأن تحمل المسؤولية يمنح الحياة معنى هي فكرة متجذرة في العلاج النفسي الوجودي.

♣︎♣︎ خاتمة

يُمثل كتاب “12 قاعدة للحياة” محاولة جادة لتقديم دليل فلسفي-نفسي للعيش الجيد. وإن كان يعاني من بعض نقاط الضعف المنهجية والتعميمات المفرطة، إلا أنه ينجح في تقديم رؤية متماسكة نسبياً حول كيفية مواجهة تحديات الحياة المعاصرة.

ينصح بقراءة الكتاب مع الاحتفاظ بنظرة نقدية، والاستفادة من الجوانب العملية فيه دون تبني جميع افتراضاته النظرية بشكل أعمى. في النهاية، قيمة أي كتاب في هذا المجال تُقاس بمدى نجاحه في مساعدة القارئ على تطوير فهم أفضل لذاته وظروفه الحياتية.

بقلم
الكاتب والروائى خالد حســــــين