*مسافة المناسبة في ديوان ( من كوّةِ المعنى) للشاعر الدكتور عبد الكريم الشيخ سلمان
قراءة نقدية مسافاتية بقلم: د.مسلم عباس الطعان
١-مسافة إستهلالية:
للمسافة الجماليةAesthetic Distance التي يتركها الشاعر للقارئ-المتلقي في خطابه الشعري وقع نفسي وجماليّ يجعل المسافة تتشظّى إلى مسافات ثانوية تحفر نهر وجودها في تربة ذلك الخطاب، ولو تأملنا القصيدة العمودية كخطاب شعري كلاسيكي يُكتَبُ بقلم معاصر نجدها على الأغلب تُكتَبُ بصنفين:
الأول هو عبارة عن إسلوب مناسباتي لا يتعدّى حدود إتقان الحرفة الشكلية و البراعة الأسلوبية المحكومة بقيود مسافة النظم لا غير، وهذا الأسلوب يكاد يكون أسلوب محاكاتي للشكل القديم خالٍ من جمالية الشِعريّة المعاصرةAesthetics of Modern Poetics ، وحركيّتها المسافاتية في وعي منتج النص ومستهلكه الجماليّ، و الصنف الثاني يجيد كتابته شعراء لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، يمتلكون ادوات حفر جماليّ مبهرة و ينتجون صوراً شعرية مدهشة، وبعضهم يمتلك إزميل نحّات بارع و يطبخ زاد شعريته على نار هادئة، و هنا لابد لنا بأن نقول بأنّ مسافة القصيدة المناسباتية التي يكتبها الدكتور الشاعر عبدالكريم الشيخ سلمان تنتمي للصنف الأول من شعراء القصيدة الكلاسيكية المناسباتية.
٢-مسافة العنوان:
إن عملية إختيار العنوان لأي ديوان شعري، لا تأتي عفو الخاطر، بل تمر، حسب نظريتنا المسافاتية، بعدة مسافات تأملية حتى تحقق الوصول لشكلها النهائي الذي تبدو عليه، و مسافة عنوان الديوان الموسوم ( من كوّةِ المعنى) الصادر عن دار السرد في 2025 ، تكون مغرية للقارئ المعاصر ، حين يضعها في خانة الحداثة البعيدة كل البعد عن النظم، و كتابة القصيدة المناسباتية المباشرة.
٣-مسافة القصيدة العمودية المطبوعة
إنَّ شاعر القصيدة المطبوعة، يكتب بنَفَس المترجم الجماليّ الذي يجيد لعبة الترجمة الجمالية لما يشعر به في لحظة إندلاع الشرارة الشعرية، وتلك الترجمة لا تكون صادقة الا إذا توفرت لها أدوات الموهبة الصادقة، وهذا ما يجعل الشعر مطبوعاً وليس مفتعلاً، والشاعر هنا لا يعتمد على الموهبة فحسب في صياغة صوره الشعرية الصادمة، بل يوّظف أدوات وعيه الجماليّ التي تسهم في بناء خطاب شعري رصين خالٍ من سطحية النص المناسباتي بوصفه خطاباً مكتنزاً وثرياً بخصوبة موضوعه وجمالية رؤاه المسافاتية.
٤-مسافة القصيدة العمودية المصنوعة
إنَّ شاعر القصيدة العمودية المصنوعة المعاصر، شاعر لا يمكنه الفكاك من قيود القصيدة المناسباتية، فيأسره الشكل و تغريه المناسبة، و عندما تتوفر لديه القافية والإيقاع المناسب يستعجل الركوب في مركب المحاكاة و التقليد الكلاسيكي، و عندما لا يمتلك عدة المترجم الجماليّ، الذي يترجم ما يشعر به وليس ما تتطلبه ظروف المناسبة، يكون مستعجلاً في إنتاج خطابه الشعري.
٥-مسافة القصيدة المناسباتية الحديثة
وظف الشاعر الدكتور عبدالكريم الشيخ سلمان كتابة القصيدة المناسباتية الحديثة في ديوانه الجديد، و أزعم بأنه لم يوفق في جهده الشعري المباشر، ولو ترك الديوان مقتصراً على قصائده المناسباتية المصنوعة
لكانت قصائده قد كتبت على وتيرة إيقاعية واحدة.
٦-مسافة الخاتمة:
لا بد لنا من القول بأن الشاعر الدكتور عبدالكريم الشيخ سلمان متمكن من ضبط موسيقاه العروضية، و يكتب القصيدة المناسباتية بإمتياز، إذ أشار إلى مسافة المناسبة تحت كل عنوان من عناوين قصائده التي توزعت بين أغراض المديح و الرثاء، و الإهداء لبعض الأصدقاء، و لو إجتهد الشاعر في نسيج صوره الشعرية كما كان يفعل في نصوصه الشعبية المدهشة، و لو تخلّصَ، أيضاً، من أسار القصيدة المناسباتية المباشرة، لكانت أعماله الشعرية أكثر رصانة، و لكانت بعيدة عن شراك المباشرة و فخاخ السطحية.