الفيل يا ملك الزمان.. عبثية سعد الله ونوس
(خاص صفحة مسرح العبث)

تعتبر مسرحية الفيل يا ملك الزمان لسعد الله ونوس واحدةً من اشهر مسرحياته، تحتوي على سمات عبثية واضحة، لكنها ليست عبثية خالصة بالمعنى الغربي لمسرح العبث (مثل بيكيت أو يونسكو).

عبثية ونوس تأتي ضمن سياق أوسع للمسرح السياسي والاجتماعي، وتقدم نقداً حاداً للأنظمة السلطوية وتصويراً لمأساة الشعب في ظل هذه الأنظمة.

ملخص المسرحية:

تحكي المسرحية قصة ملكٍ ظالم له فيلٌ مزعجٌ ضار يرمز للقوة والبطش والجبروت يشكو منه الناس ويولولون ولا يجرؤ أحد منهم على الشكوى.
وبعد ذلك يأتي شخص اسمه زكريا يشجعهم على الشكوى، ويحفّزهم على رفع المظلَمة تلك إلى الحاكم، فيتحفزون ويتدربون على ما سيقومون به وبعد ذهابهم إليه يتغير موقفهم ويسيطر الخوف عليهم من جديد، فلا يفعلون شيئاً سوى امتداحه وتعظيمه.

ومن شدّة خوفهم يقولون أنهم جاؤوا يقترحون تزويج الفيل. فيوافق على فكرة رعيته ويأمر فرماناته باحضار فيلة ويأمر بمكافئة زكريا وتعيينه مرافقاً دائما للفيل كما يأمر بإقامة فرح عام ليلة العرس.
وعلى أن تلك هي القصة العامة للمسرحية، فإنها تختلف بالتأكيد في تفاصيلها ما بين عرضٍ وآخر.

السمات العبثية في المسرحية:

1. الفيل نفسه: وجود فيل ضخم، هو صورةٌ للحاكم المطلق الذي يدوس على الجميع هو بحد ذاته فكرة غير منطقية وتجاوز للواقع. هذا الفيل يمثل السلطة المطلقة العمياء والوحشية التي لا تخضع لأي منطق.

2. القرارات السخيفة: قرارات الملك والوزير التي تخدم مصالحهما وتجاهل تماماً معاناة الشعب، مثل إعلان حظر التجول لمجرد أن الفيل قد ينام في الطريق، أو محاولة إرضاء الفيل بأي ثمن.

3. غياب التواصل الفعال:
4. صوت الشعب المكبوت: الشعب يتحدث، يتذمر، يئن، لكن صوته لا يصل أبداً إلى السلطة بشكل فعال. وحتى عندما يتجرأ أحدهم على التعبير، يكون مصيره القمع. هناك حاجز ضخم بين الحاكم والمحكوم.

5. الحوارات المقطوعة: الشخصيات تتحدث، لكن يبدو أن حواراتها لا تؤدي إلى أي نتيجة أو تغيير حقيقي. الحوارات بين الملك والوزير هي نوع من تبادل الكلمات التي لا تتعدى التملق أو الخوف أو محاولة التملص من المسؤولية.

6. تكرار لا نهائي للمأساة: الشعب يعيش نفس الدائرة المفرغة من المعاناة والخضوع، ويتكرر عليهم نفس الظلم تحت مسميات مختلفة (الفيل يكبر، الفيل ينام، الفيل يمرض). هناك إحساس بأن هذا الوضع ليس له نهاية منظورة.
“إذا هبط عليكم ليل ثقيل و مليء بالويل. لا تنسوا أنكم قلتم يوما.. فخار يكسر بعضه بعضاً.. ومن يتزوج أمنا نناديه عمنا”
ففكرة أن “فخار يكسر بعضه بعضاً” أو “من يتزوج أمنا نناديه عمنا” تعكس تقبلاً قدرياً للظلم وتكراره، مما يعزز الشعور بالعبثية في عدم وجود أي تغيير.

7. الشخصيات النمطية والمسخ:
– الحاكم والوزير والحاشية: شخصيات سطحية، متملقة، تعيش في عالمها الخاص، وتفتقر إلى أي عمق إنساني أو ضمير. هم أقرب إلى دمى تتحرك وفقاً لمصالحها وخوفها الخفيّ.
– الشعب ككتلة: على الرغم من وجود بعض الأصوات الفردية، إلا أن الشعب يظهر ككتلة كبيرة خاضعة، عاجزة عن الفعل الجماعي الفعّال حتى النهاية، وهذا يضيف إلى الشعور بالعبثية في قدرتهم على تغيير واقعهم.

8. اللغة الساخرة والمفارقات: يستخدم ونوس لغة ساخرة تبرز المفارقات والعبث في الوضع. المزج بين اللغة الفصحى واللغة العامية، واستخدام التعبيرات الشعبية الساخرة، يزيد من هذا الشعور.
على سبيل المثال، وصف الفيل كـ “نعم الفيل… سيدي الفيل… سيد الفيلة”.

بعد كلّ ما تقدّم.. أين تختلف عبثية المسرحية عن العبثية الخالصة؟

1. الرسالة السياسية الواضحة: بينما مسرح العبث الغربي يكون غير معني برسالة مباشرة ويهدف لتصوير عدمية الوجود، فإن الفيل يا ملك الزمان لها رسالة سياسية واجتماعية واضحة جداً، كغالبية أعمال سعد الله ونوس، هي نقد مباشر للسلطة الديكتاتورية ودعوة إلى زيادة وعي الشعب، ومقاومته للسلطة ومثال ذلك الاقتباس: “فوق رؤوسنا يتعاركان فوق هذه الرؤوس البائسة ستنزل أّقسى الضربات. اننا نتخلى عن رؤوسنا. نسلمها الى الجلادين وأسوأ من الجلادين”.

2. الأمل الضمني (ولو ضعيف): على الرغم من كل العبث، هناك بصيص أمل في النهاية أو دعوة ضمنية للشعب للتخلص من خوفه، وهذا يختلف عن الكثير من حالات العدمية المطلقة لمسرح العبث الأصيل.

إذن.. الفيل يا ملك الزمان تستخدم أدوات وتقنيات عبثية (مثل اللامنطق والرمزية واللامعقولية) لخدمة غرض سياسي واجتماعي عميق، مما يجعلها أقرب إلى ما يكمننا تسميته العبثية الهادفة أو المسرح السياسي العبثي.

 

 

المصدر: صفحة مسرح العبث