التشكيلي السوري : عدنان أيوب
فنان متألق في زمن متعب
بقلم : علي نفنوف
فنان تشكيلي من مواليد صافيتا عام 1963، ينتمي إلى عائلة فنية تضم أربعة إخوة مارسوا جميعهم الفن التشكيلي. بدأت علاقته
بالرسم منذ الصف السادس الابتدائي، حين أنجز أول عمل فني تمثل في رسم مزهرية نال إعجاب المعلمة جميلة برهوم، وتم نشره لاحقاً في الصحف المحلية.
أقام أول معرض فردي في مدرسته، ثم شارك في معارض جماعية ضمن أنشطة منظمة طلائع البعث.
في المرحلة الثانوية، رسم بورتريهاً لاقى اهتمام الأستاذ مالك بشور، الذي كان له أثر كبير في توجيهه فنياً، خاصة أنه من خريجي المدرسة التشكيلية الإيطالية.
شارك في العديد من المعارض الفردية والجماعية، منها “صيف طرطوس 2010” و”صافيتا السياحية”، وكان دائم الحضور في المشهد التشكيلي المحلي منذ مراحل الدراسة.
يعمل بأسلوب الواقعية الطبيعية، مستلهماً من العمارة الحجرية والبيئة الاجتماعية في مدينته. كما يرسم البورتريه، وأحياناً أنجز أعمالاً تجريدية تتيح حرية التجريب والانطلاق. .
التجريد :
عند عدنان أيوب ليس مجرد شغب لوني أو فوضى ألوان تُسكب على القماش عبثاً.
هو لا يرسم بعفوية مفرطة، ولا يتقيد بإتقان كلاسيكي واعٍ. بل يغامر بذاكرته، ويستدعيها دفعة واحدة، كمن يسكب تاريخه على جسد اللوحة.
لوحاته ليست عبثية، بل جنون محسوب… جنون العاشق الذي يهيم بعشيقته،
فيرسمها بشغف ومسؤولية، برومانسية وعقل، داخل جنونه الفني.
هو فنان تجريدي حتى حدّ الإفراط، لكنه لا يفقد السيطرة. يدرك تماماً كيف يوزع التباينات اللونية،
ويضبط الإيقاع بين الألوان، ويمنح اللوحة روحاً متوازنة رغم زخمها.
عندما يرسم، فهو لا ينجز لوحة، بل يعيشها. يعتبر كل لوحة عشيقة حقيقية، يتعامل معها بكل إحساس، وكأنها لحظة حب لا تتكرر.
يعتمد عدنان أيوب في عمله التجريدي على التضاد اللوني، فهو لا يستخدم اللون لمجرد ملء المساحة،
بل يوظفه بوعي بصري دقيق. يستفيد من التباينات اللونية ليخلق فضاءات جديدة داخل اللوحة،
حيث يجاور الغامقُ الفاتحَ، ويجاور الفاتحُ الغامقَ، في حوار لوني مستمر.
الأسود عنده ليس مجرد لون، بل هو محاولة لانتشال الأبيض من أعماق اللوحة.
أما الأبيض، فهو ليس لوناً أيضاً، بل ضوء ساطع يضيء فضاء الرسم.
الأصفر في لوحاته لا يُستخدم كلون، بل هو الشمس بعينها، ببريقها وحضورها الطاغي.
هكذا هو عدنان أيوب. يمنح اللوحة فلسفتها الخاصة، ويجنح إلى بناء لوحة مركبة، معقدة، تحتاج إلى قارئ هادئ، واعٍ، ومتروٍ، ليفكك طبقاتها ويدرك ما خلف الألوان من معنى.
سألته ذات مرة عن هذا السواد المترامي في لوحاته، فقلت له: “كل لوحاتك يغلب عليها الطابع السوداوي، الكئيب.”
فأجابني بهدوئه المعتاد: “هذا السواد هو محاولة لانتشال الأبيض، لرفع الضوء من قاع اللوحة.”
قلت له: “ولكنك ترسم حزناً!”
فقال: “أنا أبحث عن الفرح هنا… وربما أبحث عن ظلّ، ظلّ السواد بمفهومي الخاص.”
فهو لا يرى السواد كلون، ولا كانعدام للون، بل كظلٍ للوحة جميلة، كأثر باقٍ منها.
السواد عند عدنان أيوب ليس نهـاية… بل هو بداية بحث. علينا نحن أن نتقفى أثره، أن نلحق بذلك الظل حتى نصل إلى جوهر الجمال في اللوحة.
إلى جانب ألوانه، يمتلك عدنان أيوب خطوطاً واعية، مدروسة، ليست ارتجالاً ولا زخرفة سطحية.
ومن أين جاء هذا الوعي في الخط؟
جاء من إدراكه العميق لقيمة الخط العربي. فهو خطاط قبل أن يكون فنانًا تجريديًا،
وهو رسام واقعي أيضاً، وهذا يجعله يعرف تمامًا ما يفعل، ويدرك وزن كل خط يضعه على اللوحة.
الخط عنده ليس فقط أداة أو تفصيل جمالي… بل هو لوحة تجريدية بحد ذاته.
أما اللوحة الواقعية، فبالنسبة له هي نوع من العقوبة. يشعر أنه يُعاقب نفسه حين يرسم واقعًا صرفًا، لكنه مضطر لذلك، يراعي به ظروف السوق،
ويوازن بين الفن كقناعة داخلية وبين لقمة العيش، في ظل ضائقة مادية مستمرة، وغياب حقيقي لحاجة المجتمع الشرقي للفن، أو وجود سوق حقيقي له.
عدنان أيوب ليس مجرد رسام:
بل هو معلّم، مربٍّ، ومدرّس لهذه المادة.
تخرّج على يديه، أو تتلمذ عنده، أجيال وأجيال. لم يكتفِ بأن ينجز اللوحة، بل كان دائم الحرص على نقل التجربة، وفتح الدرب لغيره.
سكن في صافيتا، تلك المدينة الجميلة، المميزة ببرجها الأسطوري، أو قلعتها البيضاء.
رسم قلعتها آلاف المرات، حتى صارت مرآة دائمة في فنه.
لوحاته التي تصوّر القلعة البيضاء انتشرت في البيوت،
حملها السياح والمغادرون تحت أذرعهم كتذكار بصري، ووضِعت أعماله في دوائر الدولة والمؤسسات الرسمية،
شاهدة على حبّه للمكان، وارتباطه العميق به.
عدنان أيوب يرسم الواقعية بمنتهى الواقعية، ويرسم اللاواقعية بمنتهى اللاواقعية.
هو ابن مدينة صافيتا، خطاط وفنان تشكيلي، ومدرس ومربي.
هو ابنٌ بارٌّ لمدينته، محب لعائلته، ومخلص لفنه.
أكتب له، وأكتب عنه، لأنني أعتبر نفسي تلميذه، أو أحد تلاميذه الذين تتلمذوا على يديه، وحصلوا على أكثر من مجرد مهارات، بل على رؤية وفلسفة فنية.
ختاما:
لا يلزمنا الى العودة للريشة لانها تطيل اعمارنا وتختزل مساحات الحزن والوجع
بقلم : علي نفنوف
*********
معرض الصور: