تلك الصراعات البشرية والحروب المدمرة لم تترك شيئا بقي على فطرته النقية السليمة التي خلقها الله فينا ، فخلف كل صراع ودمار بشري صور وثقته ودونت للحظة حدوثه وخلفت فينا نحن أيضا مزيدا من النقم والخوف والارتباك المتناسب طرديا مع هول حدوثها .

تلك الصور التي ربما أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهورها، وتحرك العالم بسببها، لكنها مازلت تتكرر ، في التقرير التالي نرصد بعض هذه الصور التي هزت العالم والإنسانية لبشاعتها وفقدانها للآدمية من القديم للحديث .

أول صورة عامة لغيمة ناقازاكي بعد إلقاء القنبلة عليها في 9 أغسطس 1945 والتي تسببت بمقتل 150000 نسمة وتسببت بدمار اعظم بسبب الحرارة العالية والاشعاع والريح التي نشرتها. كانت القنبلة الذرية الاولى القيت على هيروشيما في 6 اغسطس قتلن مايقارب ال 80000 انسان.

التقط هذه الصورة المصور مالكوم براون في 11 يونيو 1963 عندما قام الراهب الفيتنامي ثيك كونق دس باشعال نفسه حتى الموت في أحد أشهر وأكثر شوارع سايقون ازدحاما جاء الحادث كاعتراض ومحاولة لفت النظر لمشكلة رهبان البوذية الذين عانوا تحت نظام ديم الكاثوليكي الذي تحكم في جنوب فيتنام حينها.

بعد القبض على تشي جيفارا وإعدامه قام قاتليه بدعوة مجموعة من المصورين لالتقاط هذه الصورة ليثبتوا للجميع موت “تشي العظيم” 1967 فيخفت تاثيره على متبعيه. لكن الصورة أضافت بعداً أعمق لاسطورة تشي لم يحسب لها قاتليه أي حساب لأن معجبيه قاموا بمقارنة ملامح تشي المتسامحه مع المسيح.

في 22 يوليو 1975 سمع مصور جريدة بوسطن هيرالد بواسطة جهاز الالتقاط الخاص عن حريق وقع في شارع ملبورو في بوسطن فذهب لمكان الحريق ليلتقط هذه الصورة للسيدة ديانا بريتن وفتاة صغيرة وهما تسقطان من المبنى الذي كانتا تعيشان فيه قبل الحريق.
وتوفت ديانا في لحظة اصطدامها بالأرض لكن الطفلة عاشت لحسن الحظ.

صورة حزينة لفتاة الـ 13 اوميرا سنشيز التي ظلت حبيسة المياه والأسمنت لمدة 3 أيام إثر بركان نيفادو دلرويز في كولومبيا في 14 نوفمبر 1985 والذي راح ضحيته مايعادل الـ 2500 انسان.توفت اوميرا بعد فترة قصيرة من إنقاذها لتسبب الصورة الكثير من المشاكل للمصور الذي اتهم بعدم الانسانية واستغلال ماساة الفتاة.

التقط هذه الصورة في السودان في مارس 1993، على يد المصور الأمريكي كيفن كارتر، وكانت الصورة رمزا لأزمة المجاعة في أفريقيا.
الصورة لطفل منهك من شدة الجوع والعطش، وهو يزحف نحو معسكر الأمم المتحدة الذي كان ملجأ لضحايا المجاعة، ويقدم الغذاء في السودان، يظهر في الصورة نسر يقف على بعد أمتار من الطفل منتظرا موته حتى يتغذى على جثته.

وبعد انتشار الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، كانت صور واقعة استشهاد الطفل محمد الدرة، من أشهر ما تم تداوله على الشبكة العنكبوتية، فيما يخص القضية الفلسطينية، حيث وقعت في سبتمبر عام 2000، بالتقاط المصور الفرنسي شارل إندرلان، مشهد احتماء جمال الدرة وولده محمد البالغ من العمر اثنا عشر عامًا، خلف برميل إسمنتي، بعد وقوعهما وسط تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية.

من مجزرة أعزاز  التي حصدت 100 قتيل وأكثر من 150 جريحاً معظمهم من الأطفال .

صورة تظهر معاناة اللاجئين السوريين عندما ألقت شرطة مكافحة الشغب في مقدونيا قنايل الغاز المسيل للدموع، على مئات المهاجرين واللاجئين القادمين من اليونان إلى أراضيها، بهدف المرور إلى أوروبا الغربية.

الطفل السوري ” آلان” الذي هربت به أسرته من جحيم نظام بشار الأسد عن طريق البحر المتوسط للذهاب إلى أوروبا حيث العيش الهادئ، إلا أن البحر أبى إلا أن يلتهمه، لينزحه بعد ذلك على سواحل تركيا.

عندما تُبلّغ الصورة آلاف الكلمات وتُؤثر على الرأي العام

عندما تُبلّغ الصورة آلاف الكلمات وتُؤثر على الرأي العام

لا تستيقظ يا صغيري.. دعك في نومك الأبدي فلا شيء يستحق النظر في هذه الحياة المُرّة. دمروا وطنك وحوّلوه إلى أرض لا ترتوي إلّا بدماء أبنائها.. قتلوا أحلامك وجعلوا من جنسيتك مرادفًا للفقر والإرهاب.. فاترك لهم عالمهم الصدئ وقيّمهم الكاذبة التي تباع في المزاد بالتقسيط. ارحل عن أقدارهم.. وانأ بنفسك كي لا يجعلوك رقما يزيّنون به تقاريرهم ودراساتهم.. ارحل عنهم واترك صورتك تعذبهم وتُظهر لهم حقيقتهم العارية، فقد استحال موتك شاهدا على إنسانية مزيّفة تقتات من الطائفية والحسابات الفارغة.

ليست كل الصور تساوي ألف كلمة كما يقال، فهناك صور لا تساوي أيّ كلمة، وهناك صور أخرى لا توجد كلمات في المعجم قادرة على وصفها، فقد كان وقع صورة الطفل آلان كردي وهو يستلقي على بطنه، مستقبلا أمواجا خفيفة تغازل وجهه الملائكي بعدما فارق الحياة، مؤلما وصادما. فرغم أن الأزمة السورية التي بدأت منذ عام 2011 خلّفت إلى حد اللحظة مئات الآلاف من الضحايا، (تقدر جهات غير رسمية العدد بـ 230 ألفا)، ورغم أن القنوات الإخبارية نقلت الكثير من الصور المروّعة لقتلى سوريا سواء ضحايا قصف طائرات النظام أو ضحايا الجماعات الإرهابية، إلّا أن الصورة التي التقطتها “نيلوفير دمير” فجرّت غضبا كبيرا وصل حد رفع شعار “نهاية ضمير الإنسانية”.

كانت حرب الفيتنام التي تورّطت فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وساهم خلالها جيشها في قتل أزيد من مليون فيتنامي، أوّل حرب تنقل على شاشات التلفزيون ويتابع أخبارها أولّا بأول الملايين عبر العالم. المَشاهد كانت مرّوعة، خاصة مشاهد الطائرات وهي تقصف قرى بأكملها، ومشاهد الجثث المتناثرة هنا وهناك، بيدَ أن صورة واحدة كان لها وقع مختلف، رغم أنها لا تتضمن مشهد قتل أو جثت متراكمة، صورة الطفلة كيم وان التي تهرب من قصف أمريكي طال قريتها.

بجسد عارٍ تماما، وحروق تحتل جانبا من جسدها، ووجه يتمسك بالحياة في مساحات الموت، أضحت تلك الصورة إحدى أكبر الشهود على مدى الدمار الذي تسبّبت فيه تلك الحرب. وقفت الطفلة أمام المصوّر نيك أوت وهي تصرخ “أريد ماءً.. الحر شديد للغاية”. كان حظها أفضل من حظ آلان، بعدما كُتبت لها الحياة حتى التقت بالطيار الأمريكي الذي ألقى القنبلة على قريتها طالبا منها الصفح. استحقت الصورة جائزة بوليتزر عام 1973، وساهمت في ضغط عالمي كبير على الولايات المتحدة التي خرجت بعدها من المستنقع الفيتنامي معترفة بالهزيمة.

صورة أخرى آلمت العالم، وزاد من ألمها عدم قدرة صاحبها على الإجابة عن السؤال: هل ماتت الطفلة؟ إنها صورة الطفلة السودانية التي كانت تزحف بحثا عن الطعام، بينما ينتظر نسر مفترس الفرصة المناسبة للانقضاض عليها. إضافة إلى الصدمة الكبيرة التي خلفتها الصورة في عام 1993 في بلد عربي يعيش مجاعة قاتلة. كان العشرات يتساءلون عن مصير تلك الطفلة مع ذلك النسر، الأمر الذي فجّر جدلا أخلاقيا كبيرا، هل وظيفة المصوّر هي التصوير فقط أم يجب عليه أن يكون إنسانا قبل ذلك، بمعنى هل كان على كيفن كارثر أن ينقذ الطفلة قبل أن يفكر في التقاط الصورة؟

فازت الصورة بجائزة بوليتزر، وانتحر كارثر بعد تسلمه الجائزة بثلاثة أشهر. اختلفت الأسباب الحقيقية وراء انتحاره بين من ربط ذلك بالصورة وبين من قال إنه كان يعاني مشاكل نفسية منذ مدة. قال كارثر إنه طرد النسر بعد التقاطه الصورة، لكنه يجهل هل وصلت الطفلة إلى مركز الإغاثة، إذ لم يلمسها خوفا من انتشار عدوى أحد الأمراض، كما قالت جريدة نيويورك تايمز التي نشرت الصورة إنها تجهل فعلا مصير الطفلة وهل فعلا لم يعد النسر لافتراسها بعد طرده. بقيت الحقيقة معلّقة إلى يومنا هذا، وبقيت الصورة دليلا على فشل السودان في تجاوز مشاكلها، حتى وصل ذلك إلى انقسامها وتكوين دولة في جنوبها.

يؤكد ممثل اتحاد المصوّرين الدوليين في المغرب، مصطفى مسكين، أن الصورة تستطيع التأثير في الرأي العام أكثر من الكلمة والفيديو، ويمكن إذا تم توظيفها بشكل صحيح، أن تساهم في تغيير الأوضاع، غير أنه لفت إلى ضعف كبير في الصورة بالمغرب: “بشكل عام، لم أجد صورة مغربية تؤثر في الرأي العام، المصوّر الصحفي لا يقدم مجهودا، وكثيرا ما يتم التقاط الصور بشكل سريع، لكن هذا يعود للأوضاع التي يعيشها داخل المقاولات الصحفية المغربية، فالمسؤولون لا يعطون للصورة أهمية، وأحيانا لا ينشرون حتى أسماء من التقطها”.

وحول صورة الطفل السوري، قال مسكين إنها لا تعكس مهارة من المصوّر بقدر ما ركزت أكثر على المضمون، إذ كانت صورة تلقائية مأخوذة على عجل، واستمدت قوتها أكثر من الوضعية المؤلمة للطفل الغريق، لذلك كانت الصورة أفضل بكثير من الفيديو الذي رافقها، والذي لم يتم تداوله كما حصل معها. بينما في صورة الطفلة السودانية، تظهر مهارة المصور واختياره للحظة المناسبة وتأطيره للطفلة والنسر في موضعي قوة، وهو ما أدى إلى انتحاره في النهاية، بعدما اتهم بالتركيز على قوة الصورة بدل إنقاذ الطفلة من الموت، في حين تستمد صورة الطفلة الفيتنامية قوتها من حركيتها وتعابير الطفلة وملامح الوجوه المحيطة بها، زيادة على الخلفية، وهو ما يؤكد مهارة ملتقطها.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.