بالفيديو سوريا ـ البقاع ـ بيروت

كانت لنا حياة طبيعية

 

تقترب الكاميرا من الوجوه وتبتعد. تُسجِّل تعابير الوجه والعينين وأزقة المخيم، وصحون الأكل، والملابس الزهرية للأولاد. تقول الفتاة «بتمنى أدرس وأخلص دراستي ونرجع على الضيعة ونروح على الشام عند خالي». وتلفت المرأة إلى أنَّها «مشيت مع التيار» وينقطع الاتصال.

يتجمَّع الأطفال حول شاشة التلفزيون، ويتحدث الشاب عن طموحه «الهدف واضح، سأحقق أحلامي» ويمشي. تتجوَّل الكاميرا في البقاع اللبناني، تسرق صوراً ومشاهد، وأصواتاً عادية، وأحاديث يوميَّة لنازحين سوريين هربوا من الحرب، وجاؤوا إلى لبنان كي يتابعوا حياتهم، ويومياتهم، يتحدثون، ويفكّرون، ويضحكون، ويتألمون، ويوثّقون لحظاتهم في مقتطفات فيديو.
تنقل الكاميرا صوت الكتابة بالقلم على الورقة. تقف الفتاة على الشرفة وتدير لنا ظهرها، وتتحدث عن زواجها المبكر وأحلامها الصغيرة في أن ترتدي الفستان الأبيض، وفي أن تحتفل بها العائلة، وتضمّ أولادها الثلاثة وتغمز «نسيت إنّو أصلاً أنا موجودة». نزح محمد الخالد من حمص إلى لبنان، كانت حياته طبيعية ويرتاد أولاده المدرسة. جاءت الحرب، ونسفت هذه الحياة، غير أنَّ «الأمل بالله موجود».
ترك الشاب الجامعة في سوريا، وبدأت رحلة النزوح إلى أنْ استقرّ في لبنان. ساعد الأولاد في التعليم. يرقص الأولاد على مقاعد صغيرة، لا تمرّ الحياة جنب الأطفال بل يصنعونها. غير أن الشاب أراد أن يتابع دراسته، فحصل على منحة في كندا، ومشى في طريقه نحو الحلم.
تخبر الشابة أنها تتواصل مع أصدقائها بواسطة وسائل الاتصال الحديثة، بينما يجد أحدهم أنَّ التكنولوجيا أثرت على العلاقات الاجتماعية والثقافية. تصوّر الكاميرا لوائح أسماء النازحين وأرقامهم، والكتابات الإعلانية على الخيم «بين تشرين وتشرين عيد ثانٍ. مع كل هدية، هدية مجانية». ينهمك الأفراد في تحضير الأَرُز لمناسبة العرس، ويتبادل المهنئون التمنيات «انشالله بيوم عرسك». تسجل الكاميرا مقابلات مع صحافيين في شأن تلوّث نهر الليطاني « كان النهر نظيفاً في الماضي، يسبح فيه المتنزهون، بينما يسجِّل اليوم تلوثاً وضرراً بيئياً».
يخترق الصورة صوت عود، أو أغنية عربية، أو صمت متقطّع. تتعانق الفتاتان في سهل البقاع ويتوقف شريط الفيديو. تصدح أغاني الراب في المدينة، تمرّ الكاميرا أمام أغراض البيت وتجهيزات المطبخ. يشتري أحدهم من الدكان المشروبات الغازية، وتردف الفتاة إنها «انبسطت انو مرق ناس هيك بحياتي، وبتمنى إنّو كل الشعب العربي يكون مع بعض».
شارك ثلاثون شابةً وشابا، تتراوح أعمارهم بين الثمانية عشرة والخمس والعشرين عاماً، في ورشة تدريبة في شأن تصوير الفيديو لمدة ثلاثة أشهر. نظّم الورشة «جمعية مهرجان الصورة – ذاكرة» بالتعاون مع مشروع «بناء السلام» في لبنان التابع لـ «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي». أقيمت الورشة في بلدة المنصورة البقاعية، وتوجهت إلى شباب لبنانيين ونازحين سوريين.
يشير مدير الجمعية المصوّر رمزي حيدر إلى أنَّ المشاركين اختاروا الموضوع الذي يرغبون في معالجته، والذي يعبّر عن حياتهم اليومية، ومشاريعهم، وأفراحهم وأحزانهم.
وتُظهر تلك الأفلام، وفق حيدر، الطاقات الموجودة عند الشباب والقدرات الإبداعيَّة لديهم، التي تنكشف في مشاريع فنيَّة أو غيرها. تمّ عرض سبعة أفلام قصيرة في مسرح المدينة، عند الساعة السادسة من مساء أمس، «بالفيديو – سوريا، البقاع، بيروت»، حيث كان الحضور أفضل من المتوقَّع، وفقاً لحيدر. والأفلام هي: «ناصر دين الطفّار» لمحمد الجندي، «بتمنى» لزهراء دحوس، ووئام كنعان، «التواصل» لمعتز بالله صالح، وتسنيم دحوس، «الهجرة» لميريام جاويش وأسامة المحمد، «الليطاني» لمعتز بالله صالح ووفاء دحوس، «مع التيار» لشهد خيطو ومي الجندي، و»مشيت» لأنس عبيد، ومحمد الجندي، ومي الجندي.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.