الفرشاة لاتصنع فنا … والكومبيوتر لا ينتج ابداعا

(1 -3  )

كتابة زهير شعوني – امريكا

تعريف/

زهير شعوني  فنان عراقي  تشكيلي واحد رواد التصوير  في العراق وهو احد مؤسسي الجمعية العراقية للتصوير 

من مواليد بغداد أقام وشارك في العديد من المعارض داخل وخارج العراق .

 غادر العراق عام 1977 وأقام في الولايات المتحدة الأمريكية الى الأن.

له العديد من التجارب في الفن الرقمي ، صدر له كتاب عام 2007 أحتوى على 120 صورة بالأبيض والأسود عن مدينة ( تلكيف ) ، أكمل دراسته للتصوير الفوتوغرافي في كلية كروسمنت في كالفورنيا – مدرسة التصوير كذلك في كلية بنسلفانيا – مدرسة التصوير ، عمل في مجال الصحافة العراقية مصوراً صحفياً من عام 1972 – 1977 ، يعتبر أحد مؤسسي الجمعية العراقية للتصوير وأول سكرتيراً لها. وكذلك عضو إتحاد المصورين العرب وأيضاً عضو نقابة الصحفيين العراقيين، يعتبر شعوني أحد مؤسسي نقابة الصحفيين العرب والأمريكان في لوس أنجلس – كاليفورنيا، وعضو جمعية الفنانين الكلدان في الولايات المتحدة الأمريكية ولاية ديترويت – مشغن . 

الجزء الاول

 

اعيد نشر تجربتي الفنية التي بداءت بها ربما من 25 عاما والحقيقة هي تجربة مليئة بالمغامرة والبحث عن عالم  افتراضي غريب جائنا مع الثورة الرقمية التي اجتاحت العالم بالكثير من الابداع ليس في الحياة العامة بل شمل الامر التقنيات الصوتية والبصرية ومنها تفرعات اخرى كثيرة .. الحقيقة منذ ان بداءت بتجاربي  هذه كانت لي قناعة بان هناك افق واسع ينتظر الفن لذلك انصرفت باجراء تجارب يومية  منها ما احتفظ بها لحد هذا اليوم ومنا اهملتها  وزدادت هذه التجارب يوم بعد اخر في عالم  افتراضي جميل للغاية ذلك من ناحة الشكل او المضمون او اللون .. لذلك قمت بكتابة تجربتي الشخصية  في الفن الرقمي مستندا على امر مهم هو الفكر الانساني المبدع وليس الكومبيوتر هذه الالة الصماء لذلك دونت هذه المدونات تحت عنوان ( الفرشاة لاتصنع فنا … والكومبيوتر لاينتج ابداعا )

يسالني البعض عن اعمالي الرقمية بشكل خاص وعن الفن الرقمي بشكل عام عن ماهية طبيعة اعمالي المنتجة رقميا هل هي منتمية الى الرسم ام هي من ابداع الكومبيوتر وماهي ادوات العمل ومفرداته– بالنسبة لي الكومبيوتر الة صماء لا حياة فيها مالم يحركه الانسان لكن يجمع كل ما نريده ويحفظ كل ما نريده بامان لذلك دعوني ان اتحدث لكم واجيب على اسئلتكم واضعا بين يديكم تجربتي الفنية التي اعتز بها والتي تجاوزت 25 عاما وذلك من اجل ايجاد صيغ فنية حديثة  والارتقاء الى عوامل اوسع مما نحن عليه .

انا واحد من الذين اعجبوا بنتائج الكومبيوتر الا انني لم افعل شيئا من اجل ان أحقق أدنا إنجاز في حينه  لا لسبب الا لسبب واحد هو اني كنت اجهل  هذا ( الجني واقصد هنا الكومبيوتر العجيب الذي ظهر في بدايات الثمانينات من القرن الماضي وبدء الكل يعمل على  اقتنائه والكل يتحدث عن العجائب  والغرائب التي يقوم بها ووووانا مع الكل كنت احاول أقتناء واحد لكن ماذا اقتني ولا علم لي ولا  ادنا خبرة لي بهذا الصندوق العجيب وأكثر من مرة وقفت امام محال البيع لكن كنت أتراجع ماذا سأفعل به رغم ان كل أصدقائي تقريبا  في تلك الفترة  كانوا يملكون جهاز الكومبيوتر او على الأقل يعرفون اوليات العمل ، وربما هناك سبب  اخر كل يقول شيئا عن الكومبيوتر وهذا القيل والقال يعتمد على مدى الاستفادة منه او المعرفة البسيطة كان الحكم الذي يتخذه كل فرد بحق الكومبيوتر الا انني بعد ان سمعت الكثير عن الكومبيوتر أبل اوماكنتوش (وهذا تفاح مشهور في الولايات المتحدة وبالذات ولاية مشيكن ) وكل هذا وانا لازلت بموقف المتفرج  على الجميع واسمع منهم عن عجائب هذا الصندوق العجيب  الا انني ذات يوم في ثمانينيات القرن الماضي قررت شراء اول جهاز كومبيوتر ماكنتوش شكل رقم (١) لكن متى سيكون هذا الشراء الا انني كنت في احد أسواق المدينة التي أعيش فيها باحثا عن راديو الا انني  لم أتوفق  في العثور عمى ابحث عنه فلمحت  جهاز كومبيوتر (ماك بلس ) ورحت امعن النظر فيه علني اقنع نفسي بشراء هذه اللعبة الغالية الثمن  كبقية الناس.   لم انتظر طويلا لا اجد احد الباعة يقول لي اي خدمة تود ان اقدمها لك أيها السيد .

ضحكت وضحك هو الاخر قلت له بكم هذا ..؟ مؤشرا على الكومبيوتر أجابني احسنت الاختيار ثم اثنى على الاختيار قال لي هذا بألف ومئتي دولارا قلت له وكيف يعمل ضحك الرجل متسائلا الا تعرف كيف يعمل اذا لماذا تشتريه ….؟ أجبته لا .. لا اعرف كيف يعمل أردف الرجل الامر ليس بالصعب الا انني  بالتالي  دفعت له نصف السعر والباقي على دفعتين استلمت الجهاز وقد وضع بعناية بصندوق قوي وركبت سيارتي وعدت الى بيتي وقبل ان أغادر أردف البائع اي صعوبة تتعرضك ارجو ان تأتي فنحن بالخدمة شكرته وغادرت وربما بعض الندم كان قد اجتاحني لم اشتريت هذا الا انني  اشتريته وانتهى الامر اما ماذا سأفعل به لا ادري .  لكن  اتصلت بصديق لي كان يعمل مساعدا مدرس في مدرسة الهندسة التابعة لجامعة المدينة  طالبا منه اذا كان يعرف بعض الشئ عن هذا الصندوق العجيب مالذي سأعمل به حضر صديقي ولم يكن عندي اي أدوات عمل او لم تكن عندي اي فكرة كيف يعمل كان لصديقي معلومات جيدة واثنى على شرائي ماك بلس من منتجات شركة أبل وبعد ان عرفت بعض الاشياء البسيطة بدأت الكثير من الأفكار تتحرك عندي وبعد سنتين من التجريب والعمل واقتنائي طابعة مناسبة بدأت بإنتاج بعض الاعمال وبقدر ما تسمح تجاربي ومعلوماتي (٢) والاعمال التي أنتجتها عام ١٩٨٥-١٩٨٦اعتمدت على أشكال هندسية تراوحت بين المربع والمثلث وبعض المنحنيات الاخرى  دون جهد يذكر لعبة جميلة الان الخطوط والمربعات دون ان تجهد نفسك بالحبر الصيني كي تأتي خطوطك نضيفة وممتازة .  لكن بالحقيقة كان الامر لي اكثر من ممتاز ومفرح وكنت معجبا بالنتائج وبهذا الصندوق العجيب كما في الشكل (٣) ويعود تاريخ الانتاج الى عام ١٩٨٥-١٩٨٦كما اسلفت الا ان اللعبة كانت لذيذة وممتعة مما دعاني الاستمرار بجدية وعقلانية وصبر وعلي ان أحقق شيئا ما في ما انا عامله. واكيد بداءت بعد ذلك بداية جديدة وأكثرت من زيارة المعارض التي لها صلة بالفن الرقمي واقتنائي المجلات التي تهتم بهذا الفن الوليد . اعمال أنتجتها بين عام ١٩٨٦-١٩٠٠ كانت هذه البداية الاولى  تقريبا .

قبل ان اجيب على اكثر من سؤال تلقيتة من  الأصدقاء عن مقومات الفن الرقمي :

هل هو جانب من العبث…؟ 

ماهي جدوى هذا الفن..؟

هل هو منتج انساني ام منتج كومبيوتر..؟ 

هل الفوتوغراف جزء من هذا الفن. اذا جاز التعبير…؟

ماهي أدوات العمل التي تستخدمها في انتاج اعمالك…؟

نعم الكثير من هذه الأسئلة التي يجب ان يكون لي جوابا شافيا لها لأبرر وجودي داخل دائرة الفن الحديث وكانت كل هذه التسائلات من اصدقاء لهم اهتمام كبير بموضوع الفوتوغراف .

شكرًا لكم جميعا لهذه الصداقة الانسانية اولا وشكرا لكم لهذه الصداقة الجميلة ثانيا .

اود ان أقول لكم ان تجربتي الفنية لا تختلف عنكم كثيرا جدا إنما كل منا له تجربته الخاصة ومقدار معين من حب البحث والاكتشاف وكل منا له خلفية دراسية  تتيح له البحث عن الكثير من الاشياء فأنا مثلا لي خلفية تشكيلة ومهتم بأمر الفن التشكيل وهذا ليس بالضرورة إنما هناك الكثير من حملة التخصصات العلمية  لهم اهتمام في مجال التصوير الفوتوغرافي مثال ذلك الدكتور قتيبة الشيخ نوري طبيب عراقي توفي قبل عشر سنوات كان مصورا فوتوغرافيا رائعا ورساما رائعا وجراح مشهور في الأنف والأذن والحنجرة  … المهندس عدنان موسى واحد من العراقيين المهتمين في مجال التصوير الفوتوغرافي  وكان عضوا في  الجمعية العراقية للتصوير ومحاضرا فيها ….  كثيرين هم, واخرهم الرجل الوطني والسياسي المعروف كامل الجادرجي مصور ورئيس  حزب سياسي أعماله الفوتوغرافية تدرس بإحدى اكبر جامعات العالم  جامعة هارفاد الامريكية اذا من كلامي نرى بان الفن بشكل عام لم يكن مقتصرا على احد إنما هو ملك الجميع .

علي ان اتحدث عن تجربتي الرقمية وان اتحدث باقتضاب عن امر مهم عشته انا وبقية المصورين من الجيل الاول والثاني والثالث الى ظهور الثورة الرقمية في الحياة العامة ومن ضمنها التصوير الرقمي لقد عشنا جميعنا مرحلة الفوتوغراف التقليدي الذي دام اكثر من مئة عام الى ان ظهور التصوير الرقمي الذي قلب الامور رأسا على عقب وغير هذه الصناعية العتيدة والعريقة والتي تشمل صناعة الكاميرات والافلام ومواد تظهير الأفلام وملحقاتها الكثيرة وأدوات العمل في الغرفة المظلمة واجواء العمل والورق الحساس والافلام التي يجب عدم تعرضها لأي نوع من انواع الضوء  باستثناء عملية طبع الصور ان يكون هناك ضوء أحمر غامق كي يكون من السهل مراقبة إظهار الصور وإيقاف التظهير بالوقت المناسب ومهما كان خافتا ويجب ان تكون هذه الغرفة  باضائة خاصة عند عملية طبع الصور او عند تظهير الفلم يجب ان لا يكون هناك اي ضوء والا الحق اذى بالفلم وربما يؤدي الى تلف الفلم . والحقيقة أدوات التصوير الفوتوغرافي تختلف تماما عن أدوات العمل الرقمي التي اختصرت تماما الا ان هناك ملاحقات مشترك بين الاثنين  و تكاد تكون محدودة . يجب ان نعلم بان هناك الكثير من الفروق بين الصناعة الفوتوغرافية والصناعة الرقمية لذلك تغيرت الحياة في هذا المجال  وأصبح كل منا بوسعه ان يكون مصورا فوتوغرافيا ..؟قبل ان ادخل في تفاصيل ومفردات  اعمالي الرقمية وماهية العمل بها وما هي أولياتي في إنجازي العمل الفني .

تأتي فكرة العمل من المنجز الإنساني او الحدث اليومي كان الحدث تراجيديا ام كوميديا في كلا الحالتين تهتز المشاعر الانسانية وبنفس القوة لذلك انا كبقية الناس اتأثر بالحدث اليومي…انا من العراق تحديدا والعراق ملي بالاحداث اليومية وبذات الوقت انا أعيش  في وطن المهجرة او الوطن الجديد الذي اخترته منذ ٣٧عاما وهذا الاخر لايقل بأحداثة. التراجيدية او الكوميدية عن وطني الأصلي الا بفارق الحياة اليومية  العامة والاجتماعية . بلا شك لايوجد وجه المقارنة بين البلدين لان كل من البلدين له مقوماته القومية والتي تعد بالمئات ونحن لسنا بهذا الصدد لكن المحصلة هي النفس الانسانية التي تحمل بين ثناياها الحب لكل الناس وبذات الوقت حزن وقهر الاخرين لانه واحد في كل الشعوب . لذلك اعمالي تنتمي الى  الناس بالدرجة الاولى لكن عند البدء ابداء العمل لنفسي افرح بهذا الإنجاز  اشعر بزهو  لأَنِّي استطعت ان اخلق مخلوقا بيه الكثير ينفرد بها في هذا العصر . اذا انا اخلق لأَنِّي اريد ان يكون لي عالما جديدا يفرح الاخرين بمخلوقاته ومفرداته ،وهذا الامر ليس بالسهل ابدا .

كثيرا ما كنت أتجول في ازقة بغداد القديمة ومحاليلها, في البدء اتذكر شارع الرشيد المكتظ  بالناس ومروري اليومي من امام المقهى البرازيلية في شارع الرشيد وهي ملئ بادمغة بشرية مبدعة وخلاقة راقية لا اعرفها ، اذا كل هذه الأحداث والمشاهد اليومية تبقى خزين ازلي على مدى عمر الانسان  اما الجانب الاخر وتحديدا اعدادية النضال للبنين ومدرس الرسم بهجت عبوش الذي منحني  الفرصة للتعلم والاخرين لنتعلم مبادئ أللون والشكل  في محترفة ، كل هذه المفردات كانت مختزنة لكن يبقى الانسان بالدرجة الاولى هاجسي الاول واليه أوجه اعمالي كما في مجموعة ذكريات الحرب او معرضي الاخير في بغداد عام ٢٠١٤ الذي كان بعنوان ( حزن ).

انا تجريدي النزعة واعمالي تنتمي الى المدرسة التجريدية التي اجد بها حرية الجري والصمت والبحث بهدوء عن الآتي  الجديد ….احس بنفسي اني اتمتع بامتلاك مساحات شاسعة من اللون وعالم افتراضي جميل للغاية بعيدا عن ويلات الحروب وظلم الانسان للإنسان وأأكد انه حلم جميل لذيذالجري على هذه المساحات التي يخلقها الانسان لاتفصلها حدود او فواصل إنما هو عالم افتراضي جميل .

لم أتأثر بأحد في اعمالي لسبب لم اجد من اتأثر به . عدى اني تأثرت بجماعة فنية  أطلقوا عليهم  ( جماعة المجددين ) كان ذلك وانا طالب في الثانوية في ستينيات القرن الماضي  كانت أعمالهم غريبة وممتازة  كنت معجبا بهم انا منذ البدء ، انا اعتمدت اسلوبا ومنهاجا خاص بي وبعد عمل دؤوب ولازلت اعمل من اجل العثور على مخلوقات جديدة  ومفردات أستعين بها من اجل أعمالا جديدة (انا ذكرت اكثر من مرة كلمة مخلوقاتي لان كل عمل فني هو بحاجة الى بطل او مجموعة مخلوقات وانا صديق قريب لذا البطل او ما يحيط به من مخلوقات يكملون الواحد للاخر وفي الحقيقة كلهم مخلوقات وابطال افتراضية).

الفن الرقمي اعتقد انه فن العصر المستقبلي او فنا جماهيريا لما ما يتميز  به من خاصية  ان كل النسخ المطبوعة تعتبر النسخ الأصلية لانها كلها بجودة  واحدة  وبحجم واحد  او اي اختلاف في الحجم او مهما كثرت عدد النسخ  الا في حالة واحدة اذا حدث تعديل فيها  وعلي يتوجب عدم الإكثار من عدد النسخ انا مثلا  لا اطبع اكثر من ستت نسخ وبحجم واحد تقريبا  ومن المفيد ذكر عدد النسخ المطبوعة وحجمها وتاريخ طبعها كما هو معمول به بفن الجرافيك .

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.