http://www.arb-photo.com/imgnews/

الصورة كأداة للمعماريين لفهم المكان

 خاص لعرب فوتو

مصعب سامي العبيدي

ما وصلته التكنولوجيا الحديثة في مجال التصوير الفوتوغرافي  نعجز عن سرده في مقال، فتطور التصوير السينمائي والوثائقي والصحفي والمعماري والبطيء والمحاور والانواع الاخرى من التصوير، وبروز مصورين محترفين مختصين في كل مجال ما هو الا انعكاس لهذه التكنولوجيا التي باتت جامحة في تقدمها.

حيث ان مع تعدد انواع التصوير تعددت ادوار وغايات الصورة الفوتوغرافية التي هي الرسالة التي يود المصور ايصالها للمتلقي. بل اكثر من ذلك فالصورة اصبحت تؤدي معاني وقضايا كثيرة اكثر من كونها صورة معروضة. فمن الصور ما يخبرنا عن قضية فقر، او قضية حرب، او جمال الطبيعة، او التكنولوجيا الحديثة، او الحب، او حدث عالمي مهم،……..الخ. كل هذه القضايا والمعاني للصورة يكون لها صدى في نفس المتلقي فتتأثر مشاعره واحاسيسه، فيشعر بالخوف او الطمأنينة، الحزن او السعادة، القوة او الضعف، الحب او الكراهية وغيرها كثير. وفي الصورة القديمة يشعر الانسان بالحنين الى الماضي وتكون الصورة كأداة لتمرين ذاكرة الانسان, فهي تذكره بأماكن و أحداث مرت في حياته في الماضي البعيد او القريب.

هناك الكثير من البحوث والباحثين الذين حاولوا ايجاد علاقات بين المصور الفوتوغرافي والمهندس المعماري. وجدوا ان المعماريين والمصورين يشتركون في دراسة المكان والذاكرة للتعريف بهوية وجوهر ذلك المكان. حتى اصبحت الصورة اليوم تمثل احدى اهم الوسائل البحثية المرئية لدراسة وفهم المكان وهويته ومعانيه. فلا يخلو بحث علمي يدرس المكان وارتباطاته من الصورة. ولا يوجد اداة لوصف المكان اكثر من الصورة. فالقاسم المشترك بين المصور الفوتوغرافي والمعماري هو المكان. وتبعا لما جاء في مقالي (الاحساس بالمكان… شارع نينوى أنموذجا)، فأن أي مكان بحد ذاته يتكوّن من عناصر ملموسة مثل مميزات الموقع والمباني, ومحسوسة مثل المعتقدات والتقاليد والطقوس والمهرجانات. وبالتالي فللمكان قيمة مادية ومعنوية لدى مستخدميه تزداد عبر الزمن. والقدرة على التعرف على الأماكن والهويات المختلفة للمكان يمثل الاحساس المكاني لها.

بالتركيز على المكان، نرى ان المصورين هم مصادر جديرة بالتقدير في تلخيص الماضي واداة التواصل المقبول في الحاضر وقد يكونون مصدر مهم للاجيال القادمة كما عرفهم (بووث و ونستين، 1977). كذلك الصورة تستطيع ان تلتقط الاحساس المكاني في اصدق هيئاته المرئية. بكل بساطة لو شخص ما بحث في مواقع الانترنيت او مواقع التواصل الاجتماعي عن الاحتفالات او الاحداث التي تجري و جرت في العالم الذي يبعد عنه من بضع الى الالاف الكيلومترات لوجد الكثير من الصور الفوتوغرافية التي لا تخبره فقط بالخبر او الحدث وانما تستطيع ان تنقله لذلك المكان ويعيش لحظاته. والامثلة كثيرة وصعبة الحصر، منها المهرجانات العالمية، اعياد رأس السنة، الحروب والصراعات السياسية….. الخ. فالصورة قادرة على نقل المتلقي من عالمه الحالي الى عالم الصورة نفسها. هنا ستبرز اهمية الصورة تبعا للحدث المتعلق بذلك المكان. وبالتالي دور الصورة هو تسجيل احداث تتعلق بالمكان وليس فقط المباني والمنشأت التي تشكل المكان.

المهندس المعماري غالبا ما يحاول فهم التاريخ والطرز المعمارية لمكان او مبنى تراثي قديم في حال ما طلب منه تصميم او اضافة او تجديد مبنى معين في ذلك المكان. الصورة هنا تستطيع ان تلخص التاريخ من خلال العناصر المكونة لها مثل الابنية، الالوان، الجدران، المواد البنائية، الزخارف، الشوراع، وحتى التي تتعلق بالمجتمع في تلك الحقبة من الزمن مثل حركة الناس، ملابسهم، اعمالهم، طريقة اجتماعهم، وسائل النقل…..الخ. هنا المصمم المعماري او الحضري يقوم بدراسة وفهم جوهر المكان من خلال الصورة ليبقي نفس الاحساس المكاني في تصميماته الحديثة.

لما كانت الصورة تعني التقاط جوهر المكان واحساسه في لحظة معينة وهي التي تنقل لنا المكان الغير قابل للتبديل والماضي الغير قابل للاعادة, ولا يوجد اداة قادرة على وصف المكان اكثر من الصورة، فلمَ لا يتم الاستفادة من الصورة القديمة لمراكز المدن او الشوارع القديمة او المباني القديمة في اعادة احساسها المكاني بعدما فقدت الكثير منه خلال السنوات الاخيرة بسبب الاهمال او بسبب العوامل المناخية او الاقتصادية او السياسية؟؟!! ذلك الاحساس الذي تنقله واجهات المباني و ألوانها  وزخارفها وتفاصيها وارتفاعاتها وموداها البنائية. فالصورة في هذه الحالة ستشكل احدى الادوات المهمة في عملية استعادة هوية وشخصية مراكز المدن وبالاخص مراكز المدن العربية القديمة كونها احدى اهم الاماكن المعرضة للتدهور والاهمال. ويتم ذلك من خلال تحليل عناصر الصورة، فمثلا الصور القديمة ادناه لبعض المباني في مركز مدينة الموصل. عند تحليل هذه الصور لوجدنا ان اغلب الصور تشترك بعناصر بنائية معينة كالشناشيل والفتحات والشرفات ومواد البناء والزخارف والاقواس. وكيف لا وهذه الصور تمثل نفس الحقبة الزمنية. السؤال الآن هو: هل ما زالت هذه التفاصيل تزين واجهات مباني مركز مدينة الموصل؟!! الجواب: بالطبع لا، وذلك بسبب عدم التركيز على جوهر المكان القديم ولم يتم فهم المبنى بتفاصيله من خلال الصورة الفوتوغرافية القديمة وهذا هو غاية المقال. فقد فقدت قسم من هذه الواجهات الكثير من تفاصيلها، اما البعض الاخر فقد هدم بسبب التوسعات الحضرية او عدم تحملها الظروف المناخية او عوامل اخرى.

من الامور المهمة الاخرى التي يركز عليها هذا المقال هو اهمية مقارنة الصورة القديمة لمكان معين مع الصورة او الصور الحديثة لنفس المكان. عملية المقارنة هذه ستؤدي الى فهم التغيرات التي حصلت للمكان خلال فترات زمنية مختلفة من اضافات او اعتراضات بنائية او العكس. فنفس الصورة الموثقة من قبل مصور ما في فترة ما ستكون مرجع او دليل للمهندس المعماري حاليا. المصور سيقوم بدور يشابه دور المهندس المعماري في تعزيز و حتى تغيير هوية وجوهر المواقع. وبالتالي فالمصور والمهندس المعماري يجب ان يكونان لديهما نظرة متماسكة وموحدة اتجاه المكان وجوهره.

تلخيصا لما جاء، يدعو هذا المقال المعماريين والمجددين الحضريين وكل المهتمين بالمكان على الاهتمام بالصورة الفوتوغرافية القديمة ليس فقط كأداة معمارية لفهم المكان وانما وسيلة مهمة لأعادة ما فقدناه من تراثنا القديم وهوية وشخصية مراكز المدن العربية التي باتت مهددة بسبب عمليات التطوير والتجديد الحضري العشوائية او قلة الوعي والاهتمام بالتراث لدى الناس. يتم ذلك من خلال عمل فرق ولجان لتجميع وتحليل ودراسة وفهم الصور القديمة لمركز مدينة ما وتعمل هذه اللجان والفرق جنبا الى جنب مع المخططين والمصممين الحضريين والاجتماعيين من اجل توثيق المكان وعناصره واحداثه فوتوغرافيا ومعماريا. فمن الخطأ اعتبار الصورة القديمة مجرد صورة، وانما يجب اعتبارها احدى الوسائل المشاركة في التطوير والتجديد والمحافظة على مراكز المدن.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.