الناقد أثير السادة

حول كتابه النقدي (تحولات الصورة)

أثير السادة: نحن نبصر عبر الكلمة ونتكلم عبر الصورة

الدمام، حاوره – علي سعيد

من فليكر إلى الفيسبوك وصولاً إلى الانستغرام تولدت أنماط استهلاكية جديدة للصورة

يطول الحديث، وتكبر “المانشيتات” حول “عصر الصورة” وطغيانها في حياتنا اليومية، إلا أن المكتبة البحثية العربية، لا تزال بعيدة، كل البعد، عن الوعي بأهمية هذا الحقل المعرفي الذي استقطب، مبكراً، أعلام الفكر الفلسفي الأوروبي، غير أنه حتى اليوم، لا يزالُ شبه مجهول ومغيب في الحياة الثقافية العربية. كتاب (تحولات الصورة) للمصور الفوتوغرافي والباحث المهتم بقضايا الصورة أثير السادة؛ يعد بلا شك، واحداً من الكتب العربية القليلة والجادة في هذا المضمار؛ وهو سعيٌ حثيث ومكثف، لتتبع تحولات الوعي بالصورة في التاريخ المعاصر، منذ اختراع الكاميرا في القرن التاسع عشر وحتى عصر الصورة في فضاء الانترنت. وحول قضايا الصورة وكتاب “تحولاتها”، جاء هذا الحديث مع الناقد أثير السادة:

  • كيف تنظر لحال الدراسات النقدية العربية اليوم في مضمار نقد الصورة؟
  • ليس هنالك الكثير الذي يمكن أن نستند إليه نقدياً حين التفكير في الصورة، فالمادة العربية شحيحة في هذا المضمار عموماً، وحين يتصل الأمر بالصورة الفوتوغرافية فإننا أمام مشهد فني وثقافي مشبع بالإهمال، فالصورة على اختلاف تصنيفاتها وتوظيفاتها لم تنتج ما يوازي أسئلتها على مستوى النقد العربي، بخلاف الآخر الغربي الذي تشاغل طيلة العقود الثلاثة الأخيرة بتقديم مقاربات مختلفة لمفهوم الصورة وتمثلاتها.. نعم، هنالك مقاربات نقدية متفرقة للصورة الصحفية وصور الحرب وصور الاعلانات، لكن حتى هذا الاقتراب لا يخرج عن دائرة القراءات التبسيطية، والجاد منه لا يكفي للتدليل على وجود اندفاع وانهمام جماعي بتأسيس معرفة نقدية بالصورة.
  • إذاً، شح المادة العربية، هو الذي دفعك لاعتماد مراجع أجنبية حديثة لتأليف الكتاب؟
  • بالتأكيد، إننا لا نملك ذاكرة معرفية للصورة، ليس هنالك مادة معرفية عربية غالبا حتى يمكن استدعاؤها والركون إليها لحظة الرغبة في رصد تحولات الصورة فكانت الدراسات والكتب الأجنبية بوفرتها هي السبيل الوحيد لأي باحث يرنو إلى اكتشاف أسئلة الصورة في وجهها الحديث والقديم، هناك ستقع عينك على معرفة مختلفة لشأن يبدو عابراً ضمن أفقنا الثقافي.

غلاف الكتاب
  • كيف تعرف هذا الميدان، الجديد نسبيا للجمهور؟
  • تاريخ الصورة هو تاريخ كل الناس، هو حكاية رغباتنا المتضخمة لتخليد لحظاتنا الهاربة، كلنا شركاء في صناعة الصورة وتحولاتها أيضاً، الجديد هو أننا اكتشفنا بأن ثمة مساحة للتفكير تتوارى وراء اعتيادية الصورة، وأن الصورة التي تتراءى لنا شأناً بديهياً تتدعي بداخلها الكثير من الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. في هذا الميدان تتحول الصورة إلى تعبير إنساني لا يشابه الشيء الذي يمثله فقط، وإنما يشابه كل الخطابات المستترة وراءه، ووراء كل لحظة تحديق لا تكف عن محاورة الصورة.
  • تشير في كتابك إلى أن الصورة لم تكن تحسب على الفن، ما الذي حدث لتحول الصورة إلى فن الصورة؟
  • حدث الكثير على مستوى الممارسة الفنية، وعلى مستوى الوعي النقدي، فنياً ذهبت الصورة الفوتوغرافية بعيدا في التشديد على فرادتها في محاكاة التفاصيل، وفي التأكيد على فاعلية الحساسية الفنية في تحويل الأشياء إلى لحظة بصرية مفعمة بالجمال، ونقديا تجاوزت المقاربات النقدية سؤال المطابقة والمحاكاة إلى التشديد على حضور المبدع في صناعة الصورة، فالفعل الميكانيكي للكاميرا لا يعدو دور الوساطة الذي يهب الإبداع طريقا لتشكيل خلاصته الجمالية.
  • ما الذي دفعك للبحث في تحولات الصورة وإلى ماذا توصلت؟
  • الممارسة (التصوير الفوتوغرافي) كانت الطريق الأول للولوج في عالم الصورة، وكانت الفاتحة للبحث بمزيد من الفضول عن الوجه الثقافي للصورة الفوتوغرافية، الانخراط في قراءة تاريخ هذه الآلة الساحرة يحيلك إلى بضاعة انسانية أعاد صياغتها جورج ايستمان عبر شركته كوداك التي صنعت هامشاً واسعاً من تحولات الصورة قبل أن تعلن رحيلها قبل عام، ضمن لحظة تحول لم يستطع ورثة هذا العبقري أن يتكيفوا معها.

كاميرته الأولى الصغيرة كانت بمثابة حدث اجتماعي وثقافي واقتصادي وفني أيضاً، وهي تعيد موضوعة الصورة في فضاء الحياة العامة، تحولت معها موضوعات الصورة كما تحولت أوصاف المصورين أيضاً.

من هناك عبرت إلى عالم الصورة، واستشعرت وجودنا الإنساني وهو يتحول بتحول الصورة، فها هي تستولي علينا ثقافياً، وتصبح جزءاً متمما لعلاقاتنا الاجتماعية، نستهلكها كما نستهلك الكلام في تواصلنا، حتى تحول كل شيء فينا وحولنا إلى موضوع فوتوغرافي.

خلاصة القراءة في هذا الحقل هي أن هذه الصورة الثابتة من حيث الوصف، هي أكثر الأشياء قابلية للتحول، لا شيء فيها مستقر، هي أقرب للحركة منها للثبات.

  • ما قصة صورة الغلاف التي اخترتها للكتاب، لماذا لم تختر صوراً من تصويرك وليس الكرسيين؟
  • لوحة الغلاف هي عمل فني يعود لبداية السبعينيات تقريباً، للفنان الأمريكي جوزيف كوسوث، وجدت فيها خلاصة لفكرة الكتاب، فهي تنطلق من سؤال بسيط ومعقد في آن معاً حول الفارق بين أن نرى الكرسي بشكله المادي وبين أن نراه عبر صورة، وأن نقرأه كتعريف عبر صفحات القاموس؛ ما الذي يحضر في لحظة الإدراك وما الذي يغيب، ما هي أكثر الأشياء تأثيراً في تأسيس صورة الكرسي ذهنياً، اللغة أم الصورة أم الذاكرة. هنا يتعدد الكرسي بتعدد أشكال التمثيل التي يمر بها، وهي حالة مقاربة للحالة التمثيلية التي ترتهن إليها الصورة. هنالك جدل بين الحضور والغياب قائم داخل الصورة، وهذا العمل يضغط كل تلك الأسئلة في مشهد مكثف ومليء بالاستبطانات، لذلك فضلت دفع قيمة استخدام هذه الصورة كغلاف على أن أختار صورة للتزويق والتزيين.
  • برأيك هل انتصار الصورة في هذا العصر، جاء على حساب الكلمة؟
  • ليست المسألة، مسألة انتصار، مازلنا بحاجة إلى آلة الكلام للتعبير عن الصورة، نحن نبصر عبر الكلمة، ونتكلم عبر الصورة، نعم هنالك مزاحمة على مستوى الحضور الثقافي، وهذا يتصل بالعنوان العريض للصورة، أي الصورة المتحركة والثابتة معاً، فالمنجز الإنساني التقني يذهب بنا باتجاه توسيع دائرة الاستثمار في منتجات الصورة.
  • بدأت مواقع التواصل بتفضيل الكلمة (تويتر مثلا) وانتهت إلى طغيان الصورة (انستغرام) كيف تفهم هذا التطور؟
  • الصورة اليوم أصبحت في قلب عملية التواصل الاجتماعي الحديثة، هي بمثابة ثرثرة بصرية تستهلك الأفكار والعواطف والرغبات. من فليكر إلى الفيسبوك وصولاً إلى الانستغرام تولدت أنماط استهلاكية جديدة للصورة، كانت كفيلة في إعادة صياغة الأعراف الاجتماعية والتقاليد التي تتعلق بالصورة، المكان والزمان والناس كلها شهدت تكييفاً سريعاً لنظرة المجتمع للصورة، فأسئلة من قبل ما الذي يمكن تصويره وما الذي لا يمكن، وأي الصور التي يمكن توزيعها وأيها لا، ومن له الحق أن يصور الناس ومن ليس له، باتت تتأقلم مع الموجة الجديدة التي أدخلت الخاص في العام، وهي تمجد التعبير عن الذات بالصورة.
  • الذهنية والثقافة العربية ترتبط بالكلمة، على اعتبار أنها حضارة نص، ولكن ما هي أهمية نقد الصورة اليوم، عربيا؟
  • النقد كممارسة ثقافية ضرورية للكشف عن تجليات الصورة في وعينا الإنساني، وإذا اخترنا أن نحصر الحديث هنا حول الصورة الفوتوغرافية فسنجد أنفسنا أمام حقيقة مؤداها أن الصورة الفوتوغرافية لم تحظ بالدراسة عالمياً إلا في العقود الأربعة الأخيرة، عبر دراسات توازعتها مناهج مختلفة، كدراسات تحليل الخطاب، والدراسات الثقافية، والألسنيات والسيميائيات، وبقيت أمينة معظم الوقت لإسهامات رولان بارت المتقدمة في أواخر السبعينيات واسهامات اليسار الثقافي التي دفعت باتجاه التدقيق في مرجعية الصورة وسلطتها وطبيعة استخداماتها الثقافية.

ما نتمناه أن يساير الوعي العربي الآخر الغربي في انشغالاته المعرفية على هذا الصعيد، أن نكون طرفاً في صناعة المعرفة الجديدة، وهي معرفة تذهب إلى الاشتغال على معطيات الصورة.


مخترع كوداك جورج ايستمان يساراً

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.