مأزق التصوير في الأماكن العامة.. «النظام لا يحمي الجميع»!

المدينة المنورة، تحقيق – خالد الزايدي

جريدة الرياض
 لم تعد ثقافة “العيب” في مجتمعنا حاضرة في بعض الممارسات والهوايات كما كانت قبل عقد أو عقدين، بل توارت وانزوت بعد الانفتاح الرهيب على الثقافات المختلفة، والسباق المحموم على التميز وإثبات الذات والتنافس بين الجنسين، لا سيما في مجال التصوير في الأماكن العامة، والذي يعززه الحضور القوي لوسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الهواتف الذكية.

ومع سرد مصورين ومصورات لتجاربهم مع هذه الهواية يتضح اتساع حجم الهوة بين النظام ومن يُطبقه، فمع تأكيد الأنظمة على السماح بالتصوير يتجاوز البعض إلى مصادرة “الكاميرات” وتوبيخ المصور والمصورة ومنعهما، وهو بكل تأكيد يضع بعض المؤسسات في حرج ويجبرها على التلويح بالعقوبة تجاه المتجاوزين لمهامهم ومسؤولياتهم، كون عملهم الأساس تقديم الخدمة للمواطنين والمقيمين.

وفرضت “التكنولوجيا” واقعاً جديداً، حيث ارتبطت “الكاميرا” بالهواتف، وهو ما طوّر فكر الناس، وأصبح الفرد مصوراً ومراسلاً وصانعاً للحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكد “التنظيم الخاص بالتصوير في الأماكن العامة” على عدم وجود ما يمنع التصوير في الأماكن العامة إلاّ في حالة التصوير الإعلامي أو الرغبة في تصوير منشآت رسمية، فإن الأمر يتطلب تصريحاً رسمياً من وزارة الثقافة والإعلام، كذلك لا يوجد ما يحظر التصوير في الأماكن العامة التي لا توضع فيها لوحات تشير إلى المنع، وحظره في الأماكن التي توضع عليها لوحات تشير إلى ذلك.

ضرر نفسي

وتأخذنا تجربة المصورتين “وفاء يريمي” و”سارة باوزير” -من جدة- إلى معرفة مدى المعاناة التي تجدها المصورة، لاسيما في الأماكن العامة، تقول “وفاء”: كنت أصور على شاطئ البحر، وأثناء انهماكي في التصوير، فوجئت برجل غاضب يقف أمامي ويوبخني ويقول: كيف تصوري أُسرتي؟، فما كان مني إلاّ أن عرضت عليه جميع الصور التي التقطتها، ولم يجد بينها صورة واحدة لأي أسرة كانت في الموقع، ومع ذلك لم يعتذر عن الموقف، بل نظر لي بنوع من الاستخفاف أو الاستهتار بهوايتي وأدار ظهره عني وذهب!، مضيفةً أنه لا يعلم بتصرفه هذا مدى الضرر النفسي الذي لحق بي وجعلني أفكر في التضحية بهوايتي أو شق طريقي باتجاه التميز، مؤكدةً على أنها اختارت قلب هذه الصفحة والاستمرار في عطائها وإثبات ذاتها.

وتعرضت “سارة” للإيقاف، وكادت أن تُصادر “كاميرتها” لولا تفهم رجال الأمن وإنسانيتهم في التعامل، مضيفةً: “شدتني صورة جميلة لمركب بحري قرب “سوق السمك”، ولم ألحظ وجود مركز أمني خلف المركب، صوّرت من زوايا مختلفة لتنتهي مهمتي بإيقافي من قبل رجال الأمن واستجوابي وتوضيحهم بأن المراكز الأمنية والعسكرية يحظر تصويرها، عقب ذلك تم تسليمي الكاميرا وكلي خجل من الموقف، فالتعامل الراقي أجبرني على الانصياع لتوجيههم وهو بلاشك واجب وطني كلنا شركاء في أدائه”.

تراخيص وتصاريح

وأكدت “وفاء يريمي” و”سارة باوزير” على أن المجتمع والمؤسسات المعنية بدأت تؤمن أكثر برسالة التصوير حتى وصلنا اليوم إلى سماح تام بالتصوير في المناطق التراثية والمعالم العمرانية والشواطئ والأماكن الجميلة، حيث وجدتا تعاوناً من الرجال والنساء وتفهما لهوايتهما التي ستسهم في استقطاب عدد أكبر من السياح الذين تجذبهم الصور الجميلة عن بلادنا الحبيبة، منوهتان بمساندة الهيئة العامة للسياحة والآثار ووزارة الثقافة والإعلام للمصورين وسن القوانين التي تحميهم من التحقيق أو الإيقاف ومصادرة الأفلام، داعيتان إلى استحداث تراخيص وتصاريح تمكنهن من تصوير الحرمين الشريفين، حيث إن “الفوتوغرافية” تعاني من عدم السماح لها بالتصوير، مطالبتان بالتنظيم من خلال بطاقات عضوية تسهل مهمتهما، حتى تتمكن المرأة السعودية من إبراز نفسها أكثر، والمشاركة في مسابقات التصوير العالمية، كونهما في الوقت الحالي تصوران في الخفاء، أو من خلال المباني القريبة من الحرمين الشريفين.
تشجيع ودعم
وتحدثت المصورة “سارة حسن الحولي” -طالبة جامعية- قائلةً: إنها تهوى التصوير “الفوتوغرافي” والفيديو، وتجد تشجيعاً ودعماً من والدها، كونه يعمل في وسط إعلامي كمندوب لمؤسسة صحفية، متذمرةً من عدم قدرة بعض زميلاتها على ممارسة هذه الهواية، كون الأسرة تمنعها وتحد تماما من نشاطها، مشيرةً إلى أن الفتاة تجد متعة في ممارسة هوايتها، لكن المجتمع لايزال يعاني ضعفاً ثقافياً بأهمية هذه الهواية، حيث تعرضت خلال ممارستها للمنع من قبل بعض الرجال أو النساء المتواجدين في الحدائق العامة أو الشواطئ، مضيفةً أنها تميل للتوثيق وتمتلك أرشيفاً لمناسبات الأسرة، وكثيراً ما يطلب منها المحيطون المساعدة في التصوير، متمنيةً أن تجد الفرصة المناسبة بعد تخرجها للعمل في المجال الإعلامي.
جهة رسمية
وشدّد “هاني بن عبدالله المزيني” -مصوّر من المدينة المنورة- على أهمية وجود جهة رسمية توضح أنواع تصاريح التصوير، وتحدد الوقت المناسب، مطالباً الجهات الأمنية بتوعية أفرادهم عند مشاهدة مصور أو مصورة بأن يتعاملوا معهم بلطف، لافتاً إلى أنه تعرض في مرات مختلفة لأخذ الكاميرا بعنف، مما تسبب في تعطلها أو تأثر العدسات، مبيناً أن الأنظمة تؤكد على عدم وجود ما يمنع التصوير في الأماكن العامة إلاّ في حالة التصوير الإعلامي أو الرغبة في تصوير منشآت رسمية، فإن الأمر يتطلب تصريحاً رسمياً من وزارة الثقافة والإعلام، مشيراً إلى أنه يوجد موافقة من المقام السامي على تنظيم التصوير في الأماكن العامة التي لا توضع فيها لوحات تشير إلى المنع، وحظره في الأماكن التي توضع عليها لوحات تشير إلى ذلك، إلاّ أنه لا يوجد ما يؤكد البدء في تطبيق هذا التنظيم.
وأضاف أنه إلى الآن مازال البعض يظن أن الكاميرا سلاح خطير، ناهيك عن تحليهم بثقافة المنع من أجل المنع فقط، ولا زال البعض يمارس مضايقة المصور بعدم اللباقة، متوقعاً أن المسألة قد تطول حتى تتحرك جمعية المصورين السعوديين للمطالبة بحقوق منسوبيها، علماً أن كثيراً من الزوار من جنسيات مختلفة يحملون كاميرات داخل المسجد النبوي الشريف وبعض الأماكن العامة ولا يتم منعهم أبداً، وهذا يضطرنا أحيانا إلى تغيير “الزي الرسمي” إلى أخرى حتى لا يتم منعنا.

رصد ومتابعة
وأكد “د.حسن ثاني” -أستاذ علم النفس المشارك بجامعة طيبة- على أن الفتاة السعودية أكثر احتياجاً لممارسة التصوير من الشاب، لاسيما في مجتمع يحاول أن يواريها أو يهمشها، فهي بآلة التصوير تبرز نفسها راصدة ومتابعة وناقدة في آن واحد، مضيفاً أنه إذا عدنا إلى سنوات ماضية كان التصوير للجنسين ممنوعاً مطلقاً في الأماكن العامة، أمّا الآن فقد تغير الوضع تماماً وهو ما يجعلنا نطرح السؤال: ما الذي حدث؟، إنها التقنية والتكنولوجيا التي فرضت واقعاً جديداً، مبيناً أن الكاميرا سابقاً كانت جهازاً مستقلاً أما الآن فهي مرتبطة بالهواتف، وهذا ما طوّر فكر الناس واتجاهاتهم، بل تجاوز ذلك حتى أصبح كل شخص مصوراً ومراسلاً وصانعاً للحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، مشيراً إلى أنه في الاتجاه السلبي لا يخفى على أحد خطورة بث الصور المخلة، وكذلك الوثائق الرسمية أو التعدي على الخصوصية.

وأضاف: عندما نحاول بطريقة أو أخرى منع التصوير فكأننا نطلب من الشخص إغلاق عينيه، كون التصوير عيناً إضافية مع تسليمنا بأن التلصص مرفوض جملةً وتفصيلاً، أمّا في الأماكن العامة فهناك دول تزرع آلاف الكاميرات في مواقع مختلفة مما يؤكد أهمية التصوير في الحد من الجريمة وضبط السلوكيات.

تصرفات فردية
وتحدث العقيد “فهد بن عامر الغنام” -الناطق الأمني في شرطة منطقة المدينة المنورة- قائلاً: إن رجال الأمن على قدر عال من المسؤولية، وحريصون على التعامل بأخلاق عالية وفق التوجيهات التي تؤكد على مكانة المواطن والمقيم، لكن هذا لا يمنع من وجود تصرفات فردية وتجاوزات مرفوضة جملةً وتفصيلاً ضد المصورين والمصورات، خاصةً إذا ثبت بأن التعدي عليهم ليس له أي مبرر مقنع، لاسيما إن وصل هذا التعدي لإتلاف الكاميرا أو أجزاء منها أو ضياع مجهود المصور، مؤكداً على أن رجل الأمن سيكون حينها تحت طائلة التحقيق والعقوبة إذا ثبت تجاوزه وفقا للأنظمة، لافتاً إلى أن رجال الأمن عادةً لا يقدمون على إيقاف المصور والمصورة إلاّ عند تجاوزهم الأنظمة بالتصوير في الأماكن المحظورة أو التعدي على خصوصيات الناس، فحرية الشخص يجب أن تُقيّد عند تعديه على حرية غيره، ذاكراً أن الإجراء الرسمي المتبع يبدأ بالضبط وإحالة المصور إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، والتي بدورها تحيل القضية إلى وزارة الثقافة والإعلام وفقاً للاختصاص.

نشر الوعي

وحذّر الشيخ “صلاح بن محمد البدير” -إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف- من الاستخدام السلبي للتصوير والتعدي على الخصوصيات ونشر ما لا يليق، خاصةً الحوادث والأموات والمرضى وأهل البلاء ومن تقام عليهم الحدود والتعزيرات، داعياً الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات والمؤسسات التربوية والإعلام والأئمة والخطباء والعلماء وأجهزة الرقابة والتحقيق إلى محاربة هذه الظاهرة، والأخذ على أيدي السفهاء، وكذلك نشر الوعي بين المسلمين صوناً للحرمات والأعراض وصيانة للدين والشرف وحفظا لأمن المجتمع، مبيناً أن من ينشر تلك الصور والمقاطع سيحمل أوزار كل من شاهدها، وإثم كل من فتن بها، وخطيئة كل من علق عليها وحوب كل من أعاد نشرها، قال تعالى: “وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون”، قال “ابن دقيق العيد” -رحمه الله-: “ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلاً إلاّ أعددت له جواباً بين يدي الله تعالى”.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.