من أعمال الرسّام نضال خليل
– جريدة السفير
 «صفر» دقيقة هو إنتاج القسم المتخصص بالرسوم المتحركة في «التلفزيون السوري» منذ ثلاثة وثلاثين عاماً، والذي كلف وقتها 40 مليون ليرة (حوالي 800 ألف دولار). يأتي مسلسل «كاريكلام» (سيناريو وإخراج نضال خليل) لكسر هذا الركود على قناة «تلاقي» الفضائية، كأول تجربة سوريّة مكتملة الجوانب تجمع بين رسوم الكاريكاتير والتحريك وتعرض عبر قناة تلفزيونيّة. ينطلق مخرج الرسوم المتحركة من المشهد ليحقق حركة تؤدي نقدًا ساخرًا وفقا لمعالجة أسلوبية خاصة محولاً فكرته إلى سيناريو على مدى دقيقتين ونصف دقيقة في كل حلقة؛ تعاد يوميا ثلاث مرات كفواصل في أوقات الذروة.
يتأتى على كل شخصيّة في الحلقة أن تحمل تأثيرًا بدون أن تنفصل عن المشهد العام للبيئة. يقول خليل في حديثه لـ «السفير»: «قبل إخراج العمل بشكله الفني درست الشخصيات والبيئة والنص. وتطلّب الأمر النزول اليومي إلى الشارع على مدى ثلاثة أشهر قبل البدء بالتنفيذ الفني». يخبرنا الصحافي ورسام الكاريكاتير كيف رافقه المشروع: «تحريك الكاريكاتير هو هاجس منذ الطفولة. وتحقيقه من خلال هذا المسلسل هو النقلة الأكثر احترافية. بدأت دراسة الخطوط الأولى منذ العام 2013 مع الدكتور ماهر الخولي مدير «تلاقي»، والمشرف الدرامي والعمود الفقري للمشروع. عوّلت على خبرته كمدرس مادة النقد المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية وإلمامه بكل الأمور التقنية والفنية والدرامية».
يؤكّد صاحب عقدين من الخبرة أن هامش الحرية «مطلق». تتحرك الشخصيات ضمن حارة شعبية بكل مكوناتها، نشاهد شخصيتين متناقضتين: «أبو الحن» ساذج بدين متهدّل الملامح ( يؤدي صوت الشخصية الفنان محمد خاوندي)، و «أبو الزيك» متفذلك قصير القامة ذو أنف طويل وعصبي (يؤدي الصوت الفنان علي كريّم). تربط الشخصيات حوارات رشيقة ومكثّفة تتعلق بالأزمة وتبعاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، «حتى ان مواضيع الموالاة والمعارضة تم تقديمها منطقيا بعيداً من الابتذال والاستعراض». يحافظ العمل على عناصر متحركة دائمة في المشهد «في بعض الحلقات شاهدنا في اللقطة العامة حوالي 12 شخصية تتحرك بألوان لا تشوّش على الشخصيات المحورية». ويضيف: «في البداية كان إنجاز دقيقتين ونصف دقيقة يستغرق أسبوعًا بمعدل ست عشرة ساعة عمل يومياً، ومع مرور الوقت اقتصر زمن إنجاز الحلقة على يومين». أنجزت الحلقات فنيا بالمزاوجة بين برامج عدة Anime Studio pro، After Effects premiere ، Adobe Audition، Illustrator، Photoshop. أما الصوت فسجّل في «إذاعة دمشق». وعن قابلية تطوير مشروع كهذا، يوضح خليل أن العمل في مراحله المتقدمة قد يتحول إلى ثلاثي الأبعاد 3D «طبعا يحتاج إلى إمكانيات برمجية وتقنية بتكاليف مرتفعة جدا ووقت أطول».
من جانب آخر، يطلّ نضال خليل (1975) يومياً على شاشة القناة نفسها في برنامج «جريدة الصباح». خريج علم النفس من جامعة دمشق، اختصاص اتصالات بصرية، يحمل في رصيده أكثر من 17 ألف لوحة كاريكاتير نشر حوالي 12 ألف منها في 40 صحيفة محلية وعربية وعالمية. يرى خليل أن جمهور الكاريكاتير في سوريا موزع بين عمر الخمس سنوات والسبعين سنة، ويؤكد أنه يمكن توسيع هامش الجرأة عبر المناورة، «ليس من الضرورة أن تقدّم الفكرة بطريقة جارحة».
يعتبر الرسام السوري أن إحدى أهم مشكلات رسامي الكاريكاتير في سوريا هي الأجر المتدني، ومحدودية المواقع المتطورة المتخصصة بالكاريكاتير، الأمر الذي يحتاج إلى تبني مؤسسات أو جهات أو أحزاب أو منظمات غير ربحية، وغياب نقابة تجمعهم أسوة بزملائهم وغياب التواصل بين أجيال الفنانين. وفي سياق متصل، يمكن إحصاء أقل من عشرة رسامي كاريكاتير هم حاليا في سوريا فقط! لا إثارة يشعر بها النقاد تجاه هذا الفن عموماً، ولا يزال هناك فصل اجتماعي مع الجمهور، كثر يرون في الموضوع مجرد «تهريج»! لا تظاهرات خاصة بالكاريكاتير. لا خطوات جادة جمعت رساميه لصنع «هوية» تعرّفه. لا جامعات ولا دراسات أكاديمية، موهبة واشتغال على الذات فقط.
كذلك يمكن اعتبار رسوم الأطفال فنا فقيراً في سوريا لأنه يحتاج إلى مؤسسات فنية وبراعة في تحقيق هوية بصرية تخاطب الفئات العمرية المتنوعة عند الأطفال. من خلال تحربته في المجال، سواء في كتب القصص المصورة أو مجلات الأطفال، يجد خليل أن المؤسسات المعنية لم تجتهد لصنع هوية لأن غالبية من اشتغلوا في رسوم الأطفال هم تشكيليّون «فلم تأت الإنتاجات المتعلقة بالطفل بذات السوية مقارنة مع المدارس العالمية». بقيت صناعة الرسوم المتحركة هاجساً لدى القطاعين العام والخاص في سوريا، على الرغم من إنشاء «المؤسسة العامة للسينما» لـ «دائرة نصوص الأطفال» في العام 2004، وإنجاز فيلمين كرتونيين سينمائيين. لكن المطلوب خطوات كبيرة لتشكل هذه الأنواع من الفنون «صناعة» حقيقية.
أرشيف مكون من آلاف لوحات الكاريكاتير الأصلية وأربعمئة لوحة بين الزيتي والمائي إضافة إلى كتب وتجهيزات استديو كرتون. كل هذا خسره رسام الكاريكاتير جراء الحرب التي لم تبق من المنزل سوى الجدران «أكثر ما أفتقده اليوم هو المكان المريح للإنتاج وظروف العيش اللائقة».
روز سليمان

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.