لاوتسه ومحي الدين بن عربي وماركس!

 لاوتسه ومحي الدين بن عربي وماركس!

 

لابد من توخي الحذر، فنحن على عتبات عالَم وعالِم جليل، بكل معنى الكلام، وهو «هادي العلوي» الباحث والفيلسوف العراقي، الذي قدم لنا مخزوناً معرفياً وثقافياً لا أظن أن مثقفاً آخراً  جاراه في امتلاكه، ليس بسبب المادة المعرفية الغنية التي يقدمها للقارىء على صفحات مؤلفاته فحسب، بل أيضاً من خلال لغته البسيطة، ومحاكاته للأسئلة الكثيرة والملحة التي تفرض نفسها علينا..

بما يكون الدخول إلى عوالم هذا الرجل، ضرباً من المغامرة، ولكنها مغامرة لابد منها، وفاءً للرجل من جهة، ونحن على عتبات ذكرى رحيله الثامنة عشر، بالإضافة إلى أن المغامرة  هي باب الخلق والإبداع، باب الولوج إلى الملكوت، ملكوت المعرفة، واكتشاف العالم كما هو، قبل أن يلوثه التملّك: الآفة المزمنة، والداء، وسبب كل بلاء، كأحد أهم الدروس التي قدمها لنا العلامة البغدادي، مدعمة بالوقائع التاريخية الملموسة، التي لا تقبل الجدل.

يتميز هادي العلوي – من جملة ما يتميز به – آرائه الثورية، ومقارباته المتفردة للتراث، وإبداعه في كشف كَنْه العلاقة الحقيقية بين الماضي والحاضر، كسيرورة تاريخية، بين المحلي والعالمي كفروع لثقافة إنسانية واحدة، وفق منهج يمكن أن نسميه بلا مبالغة «منهج هادي العلوي»، الذي ينطلق من معرفة الضرورة التاريخية، والممكن ضمن شرطه التاريخي المتغير، مستنداً إلى منصة معرفية متكاملة، وهو الذي لم يترك باباً من أبواب المعرفة إلا وطرقه، معبراً كما أعتقد عن فهمه لوظيفة المثقف الحقيقي، أو كما كان يسميه هو المثقف الكوني.

يرى هادي، إن آسيا هي مهد المشاعية، وأن سبب انتكاس المشاعية القديمة في الشرق يرجع إلى عدم قدرة المشاعيين على اكتشاف المنهج العلمي في إدارة الصراع الاجتماعي، أو ما يمكن أن نسميه بلغة اليوم، عدم القدرة على التفسير العلمي للظاهرة التاريخية، وبالتالي عدم إيجاد الأداة الضرورية لإدارة الصراع الطبقي والتحكم بمآلاته، من خلال استلام السلطة، هذه القراءة التاريخية قادته إلى تبني فكرة ثورية تتعلق بالعالم المعاصر، وتحديداً بالفكر الماركسي الاجتماعي،  الذي يرى فيه النسخة الثانية من الشيوعية في حين كانت المشاعة الآسيوية نسختها الأولى، و وفي هذا السياق، يفند العلوي ذلك الرأي الذي يقول بأن الشيوعية فكرة غربية وافدة إلى الشرق، فهو يراها الشكل الجديد المعاصر لمحتوى سابق تجسّد بالملموس في المشاعية الآسيوية، ووفق هذا المنظور كان «العلوي» قد استنتج بأن فشل التجربة الاشتراكية المعاصرة في أوربا يعود إلى غياب الجذر التاريخي، أي القاعدة الشيوعية المناسبة، ويقترح العلوي في سياق اجتهاداته الفكرية الدمج بين النسختين القديمة والحديثة، أي بين التراث المشاعي الشرقي، والفكر الماركسي الاجتماعي «الغربي»، ليصل

إلى ما يمكن أن نسميه نظرية «التنظيم المشاعي في الشرق» والذي صاغه كبحث متكامل.

المصادر الأساسية  للفكر المشاعي الشرقي عند العلوي هي:

أولاً: تراث الحكمة الصينية، التي تتكثف حسب تعاليم لاوتسه: بـ«إشاعة الأموال، وتحريم اكتنازها لفئة قليلة من الأغنياء وأرباب الدولة، ومعارضة الإسراف في التمدن على حساب جوهر الإنسان الذي يجب أن يبقى بسيطاً و صافياً من إضافات المدنية عدا ما هو ضروري منها، ورفض الحرب  ومعادتها، ورفع شعار: «حولوا السيوف إلى محاريث» وتحديد دور الدولة للتخفيف من جبروتها وصولاً إلى إلغائها، ودعوة المثقفين إلى مقاطعة الدولة وعدم التعامل معها وتحدي الإمبراطور»

ثانياً: تراث التصوف الإسلامي: هنا يخصص التوصيف من خلال ما يسميه المتصوف القطباني، أي المتصوفة الأساسيين، لينفض عن التصوف بوصفه فلسفة، أدران «الدروشة» التي ألصقت بها في فترة الانحطاط العثماني. يقسم العلوي في بحثه التصوف إلى ثلاثة أصناف، الأول: التصوف الإجتماعي. والثاني: التصوف المعرفي- الفلسفي. والثالث التصوف الهيامي.

العلاقة بين الأصناف الثلاثة من التصوف عند العلوي علاقة تكامل، فالتصوف الاجتماعي يتمثل في الموقف العملي، الملموس وهو العنصر الفاعل؛ لأنه حركة كفاحية في سياقات الصراع الاجتماعي على الساحة الآسيوية. وتجسدت في سلوك المتصوفيين القطبانيين، وحكماء الصين والمسيح، ضد سلطة الدولة وسلطة المال اللتين تتحملان مسؤولية المأساة الإنسانية، ويتكثف مذهب هذا الصنف التصوفي في معارضة السلطتين المذكورتين، أما التصوف المعرفي فيجسد الجانب النظري من الاجتماعي، فهو بالتالي يتعارض مع الفكر الديني، والسلطة الدينية،

أما التصوف الرومانسي الهيامي فهو الرابطة بين أركان فلسفة التصوف، ومحور الصوفية كفلسفة، وحسب البغدادي هو «الذي يدور حول الحب والجمال. إلهياً كان أم بشرياً» وهي «الدين الذي يمكنه أن يوحد البشر جميعاً على الخير، والمحبة» أي أنه التجلّي الملموس لتوفير الشرط الإنساني، وإنقاذ الإنسان، من كل ما يمس وجوده الاجتماعي.

 

هادي العلوي، (1933 – 27 سبتمبر 1998، مفكر مشاعي صوفي عراقي كوني اهتم بالتراث العربي وقرأه قراءة نقدية. وكان مهتما بالحضارة الصينية أيضاً. توفي عام 1998 في دمشق التي دفن فيها. كان كاتباً غزيراً ألف الكثير من الكتب التي تدور حول الشيوعية والتراث والحضارة العربية والصينية وغيرها الكثير من المؤلفات القيمة. عاش متنقلا بين الصين ولندن وبيروت ودمشق. ولد في بغداد في كرادة مريم حي العباسية ما بين المجلس الوطني العراقي والقصر الجمهوري في المنطقة الخضراء حالياً ضمن عائلة فقيرة ومتعلمة تملك مكتبة ضخمة غنية بكتب التراث والفقه واللغة والتاريخ والتي تعود إلى جده السيد سليمان فقيه الكرادة وإمامها، حفظ القرآن ونهج البلاغة والكثير من دواوين الشعر العربي. أنهى دراسته الثانوية سنة 1950 وتخرج في كلية التجارة والاقتصاد. توفي هادي العلوي في مستشفى الشامي بدمشق يوم الأحد الموافق 27/9/1998.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.