ماهي الأشعة السينية :
استطاع الإنسان منذ القدم أن يثبت أن الضوء ينساب بخط مستقيم داخل مكان معين وينعكس على المرآة حسب قوانين ثابتة وينكسر إذا ما انتقل من جسم إلى جسم حسب قوانين ثابتة أيضا . وقد ساعد اكتشاف هذه القوانين على إرساء قواعد علم مهم ألا وهو علم البصريات الهندسية الذي ساهم مساهمة فعالة في دفع عجلة التقدم العلمي والتقني للإنسان فتمت بفضله منذ قرون صناعة العدسات والمرآيا والميكروسكوب وأجهزة رصد النجوم.. الخ. وبقيت هذه القوانين وهذه الصناعة حتى اليوم مما يعني أن ملاحظات الإنسان الآنفة الذكر تشكل تقريبا (approximation) حسن الدقة للحقيقة المطلقة.
ولم يطرح الفيزيائيون السؤال الكبير عن طبيعة هذا الضوء إلا بعد أن بدأت بعض الملاحظات الجديدة تتناقض مع القوانين المذكورة أعلاه . فلما تبين للباحثين أن الضوء إذا مر عبر فتحة صغيرة ينتشر عند خروجه منها وكأن الفتحة هي مصدر الضوء فعرفوا أن قانون الإنسياب بخط مستقيم هو قانون قد يكون صحيحا وكافيا في بعض الميادين والتجارب ولكنه بالتأكيد قاصر عن تفسير كل الظواهر.
وبعد دراسة معمقة لكل خصائص الضوء اضطر الباحثون للتعلق بفرضية جديدة تقضي بأن الضوء هو عبارة عن موجة تنساب في المكان دون أن يكون بالإمكان تحديدها بنقطة وأن هذه الموجة(أو ذبذبتها ) يحدد لون الضوء. ولقد حال توزع الموجة في المكان وانتشارها دون حصر الطاقة بنقطة معينة مما جعل تفسير الظاهرة الكهرضوئية صعبا.
إذا أرسلنا ضوءا إلى مادة صلبة فمن الممكن في بعض الحالات أن يحرر الضوء الكترون من الجسم الصلب .وهذا يعني أن الضوء حمل معه طاقة كافية لسلخ الالكترون عن الذرة . ومن الضروري أن تكون هذه الطاقة محصورة قي مكان صغير ( هو حجم الكترون ) وهذا ما يتناقض مع الطبيعة الموجية.
وحدت هذه الظاهرة الفيزيائيين على طرح نظرية جديدة تقضي بأن الطاقة لا تنساب مع الضوء بشكل مستمر وغير متقطع وبأن الضوء مؤلف من حبيبات ضوء يسمى واحدها فوتون “Photon” تحمل الطاقة. وفي وسع هذه الفرضية تفسير الظاهرة الكهرضوئية ولكنها لا تستطيع تفسير ظواهر أخرى كالحيود مثلا. بينما تستطيع فرضية الطبيعة الموجية للضوء تفسير ظاهرة الحيود وتعجز عن تفسير ظاهرة (Compton) أو الظاهرة الكهرضوئية وهذا يعني أن الفرضيتين هما وجهان لحقيقة واحدة وأنه يحسن استعمال هذا الوجه أو الآخر حسب ميدان العمل . وهذا ما حدا الفيزيائي الفرنسي دوبرويل “De Broglie” للقول:”الموجات والجسيمات متصلة اتصالا وثيقا في الطبيعة وعلى الأقل في حالة الضوء “.
للضوء إذا طبيعة موجية وموجته كهرومغناطيسية يمكن تمييزها بطول الموجة “λ ” لمدا أو ذبذبتها . تجدر الملاحظة إلى أن طول الموجة يساوي حاصل قسمة سرعة الضوء C بالذبذبة N:
λ = C/N
إن الجسم المضيء الذي يرسل ضوءا ما ذا ذبذبة معينة يستطيع أن يمتص ضوءا له نفس الذبذبة . وهذا ما دفع الفيزيائي”Planck “ بلانك للقول بأن الطاقة المنبعثة من الضوء أو الممتصة لا يمكن أن تتغير إلا بكميات متقطعة. وأصغر كمية طاقة أو حبيبة طاقة تساوي حاصل ضرب ذبذبة الموجة بثابت دائم “ثابت بلانك”.
E=Hn
وللأشعة السينية نفس طبيعة الضوء أي أنها موجة كهرومغناطيسية تختلف عن موجة الضوء المرئي بطول الموجة فقط إذ أن ذبذبة أي أشعة سينية أعلى من ذبذبة الضوء المرئي وبالتالي فإن الطاقة التي تحملها أكبر من تلك التي يحملها أي ضوء مرئي وتجدر الملاحظة إلى أن كل ما قيل حول ازدواجية طبيعة الضوء (موجية وجسيميه) يبقى صحيحا في ميدان الأشعة السينية.
إن كل قوانين البصريات الهندسية والبصريات الفيزيائية تسري على الأشعة السينية مع بعض المميزات الخاصة والمتعلقة بتعامل الأشعة السينية مع المادة نظرا لقصر طول الموجة “وضخامة” كمية الطاقة التي يحملها الفوتون السيني نسبيا: فطول الموجة السينية يوازي تقريبا قطر الذرة من ناحية والمسافات بين الذرات المتواجدة في المادة الصلبة من ناحية ثانية.
والطاقة التي تحملها حبيبة س موازية للطاقة اللازمة لاستخراج الكترون من الطبقات الداخلية في الذرة بينما الطاقة التي تحملها حبيبة الضوء العادي ( الفوتون ) توازي الطاقة اللازمة لفصل الكترون من الطبقات الخارجية.
وتجدر الملاحظة إلى أن مسار الأشعة السينية لا ينكسر عمليا عند مروره من مادة إلى مادة أخرى كما هو الحال بالنسبة للضوء المرئي وهذا يعني أنه لا يمكن صناعة عدسات خاصة بالأشعة السينية .
وبالرغم من الكثير من الصعوبات فقد استطاع العلماء صناعة مرايا عاكسة للأشعة السينية. وقد استخدمت هذه المرايا في ميادين عديدة خاصة في الميادين التي تحتاج لحصر كمية كبيرة من الضوء السيني في مساحة متناهية الصغر.
إن طول موجة الأشعة السينية أقصر بكثير من طول موجة أي أشعة مرئية . كما أن طول موجة الأشعة السينية يختلف حسب طبيعة معدن المهبط.
تجدر الإشارة أن وحدة القياس المستخدمة لقياس طول الأشعة السينية في هذا الميدان هي الأنغستروم “Angstrom:A” والتي تساوي جزءا من مئة مليون من السنتمتر.
إن التشابه من حيث الطبيعة بين الضوء وبين الأشعة السينية والفارق بينهما من حيث طول الموجة . طرحا بسرعة إمكانية استعمال هذه الأشعة لفحص ودراسة الأجسام المتناهية الصغر وخاصة الذرات والجزيئات حيث أن طول موجة الأشعة السينية يوازي تقريبا قطر الذرة ولكن عند الشروع بدراسة تركيب الأجسام الصلبة بهذه الطريقة يجب أخذ كل الاحتياطات اللازمة لتفسير نتائج التجارب تفسيرا صحيحا.

3. خصائص الأشعة السينية :
نستطيع أن نستنتج مما سبق بعض خصائص الأشعة السينية ولكن من أجل حصر أهم هذه الخصائص يمكننا ذكر تلك التي ساهمت في توضيح طبيعتها وفي تطور استعمالها في شتى الميادين.
ــ الأشعة السينية تنساب بخط مستقيم وبسرعة مساوية لسرعة الضوء.
ــ لا تتأثر بوجود حقل مغناطيسي أو حقل كهربائي وهذا ما يدل على أنها لا تحمل أي شحنة كهربائية.
ــ يتغير طول موجة الأشعة السينية بحسب طبيعة معدن المهبط بين جزء من ألف من الأنغستروم وبين ألف أنغستروم.
ــ تؤثر على أفلام التصوير.
ــ تسبب فلورة أو فسفرة بعض الأجسام. ــ لها تأثير كيمياضوئي .
ــ تستطيع جرح أو قتل الخلايا الحية وأحيانا إحداث تغيرات عضوية فيها.
ــ تتمتع كالضوء بازدواجية الطبيعة بحيث أنها تبدو في بعض الميادين كالموجة( الحيود مثلا ) وفي بعضها الآخر كمجموعة حبيبات طاقة قادرة على تحرير الكترون أو أكثر في بعض الأجسام الصلبة محدثة بذلك تيارا كهربائيا.
إن تنوع الخصائص إلى جانب تلك التي لم تذكر هنا أوجد العديد من التطبيقات المهمة . ويكفي أن نذكر على سبيل المثال الخدمات الجلية التي تقدمها الأشعة السينية في ميادين التصوير الطبي وفي ميدان دراسة تكوين الأجسام الصلبة وكيفية ترتيب الذرات داخلها . ونستطيع القول بأن عددا من هذه التطبيقات يدخل في ميادين الفيزياء والكيمياء والهندسة والطب والصناعة. إن السير نحو توحيد النظرية العلمية عند الإنسان يلاحظ بشكل واضح من تطور الأبحاث الأساسية في ميدان الأشعة السينية . فالفيزيائي الذي يستعمل الأشعة السينية في ميدان الأجسام الصلبة مضطر للإلمام بالكثير من النظريات الكيميائية خاصة فيما يتعلق بطبيعة الرباط بين الذرات داخل الجسم الصلب وبالتالي كمية الشحنة الكهربائية (أو عدد الالكترونات) المركزة في كل ذرة .

صدور الأشعة السينية
 

تصدر الأشعة السينية في كل مرة تتعرض فيها المادة للاصطدام بإلكتروناتٍ سريعة ذات قدرة حركية عالية. ويتألف أنبوب الأشعة الحديث من زجاج مفرغ من الهواء يحوي سلك وشيعة قابلاً للتوهج هو المهبط cathode، وقطعة من المعدن هي المصعدanode. وعندما يتوهج السلك بازدياد درجة حرارته عند تطبيق تيار كهربائي على طرفيه، تصدر عنه إلكترونات عدة بفعل الحادثة الفيزيائية المعروفة بالإصدار الحراري الشاردي (الإيوني)، فإذا طبق فرق كمون عال بين هذا السلك المتوهج (المهبط) والقطعة المعدنية (المصعد) تتسارع حركة الإلكترونات وتتجه نحو المصعد لترتطم به وتصدر عن هذا الارتطام فوتونات ذات طاقة متفاوتة يؤلف مجموعها الأشعة السينية وكمية كبيرة من الحرارة توجب تبريد المصعد تبريداً مستمراً، إذ إن الأشعة السينية الصادرة تكوّن 1% من طاقة الإلكترونات الحركية عند اصطدامها بالمصعد ويضيع القسم الأكبر من هذه الطاقة حرارياً.

تتألف الأشعة السينية الناجمة عن تصادم الإلكترونات والمادة من نوعين رئيسين يكون الأول منهما طيفاً متصلاً لأشعة ذات أطوال موجية متقاربة لا علاقة لها بنوع المادة الكيمياوي للمصعد، في حين يتمتع الثاني بطول موجة خاص يتميز على منحنى طيف الأشعة الصادرة بشكل خط حاد ذي علاقة بنوع المادة الكيمياوي للمصعد. لذلك سمي هذا النوع الأخير من الأشعة السينية الصادرة الأشعة المميزة.

تتعلق قدرة اختراق الأشعة للمادة أو نفوذها بطول موجتها، وبالتالي بالطاقة الحركية للإلكترونات المتصادمة مع المصعد، فكلما كانت طاقة هذه الإلكترونات عالية كان طول موجة الأشعة السينية قصيراً، وكانت شديدة النفوذ أو قاسية. وبالعكس كلما خفت هذه الطاقة كان طول موجة الأشعة السينية الصادرة طويلاً وكانت الأشعة قليلة النفوذ أو لينة، وتزداد طاقة الإلكترونات الحركية طرداً مع زيادة فرق الكمون المطبق (فولتاج) فاذا اقترب هذا من 500.000 فولط كان طول موجة الأشعة السينية الصادرة قريباً من أطوال موجة أشعة غاما.

خصائص الأشعة السينية
تمكن رونتغن منذ اكتشافه الأشعة السينية من دراسة خصائصها النوعية ولخصها بأن هذه الأشعة تسبب تفلور عدد من المواد من بينها مركب سيانيد البلاتين مع الباريوم. وتؤثر في المستحلبات الفضية المستخدمة في التصوير الضوئي. وتزيل الشحنة الكهربائية للمواد. ومعظم المواد شفافة لها. وتسير وفق خط مستقيم. ولا يغير اتجاهها مرورها عبر ساحات مغنطيسية، لذلك فهي ليست سيلاً من جزيئات مشحونة. وتصدر عندما تصطدم الأشعة المهبطية بأي مادة. وإن العناصر الثقيلة أكثر مردوداً من حيث إصدارها. ولا تنعكس ولا تنكسر بسهولة كالأشعة الضوئية.




صورة شعاعية للمعدة (في وضعية الوقوف)
وقد عكف الفيزيائيون منذ اكتشاف الأشعة السينية على دراسة خصائصها بالتفصيل وتبين لهم فيما بعد أنها تحدث بمرورها في المادة تأيناً ionisation في ذرات هذه المادة تختلف نسبته باختلاف طاقة فوتوناتها.
 

استعمال الأشعة السينية
 

استعملت الأشعة السينية في مجالات الطب والصناعة، وكان الأطباء أول المستفيدين من استعمالها بسبب اختلاف نسب امتصاصها في الأنسجة الحية باختلاف نوع هذه الأنسجة، فاستخدمت خاصة الفلورة في التنظير الشعاعي ودراسة حركية الأعضاء، ثم استخدمت الدارة التلفزيونية في نقل الصورة المتفلورة إلى شاشة التلفاز الذي أصبح يستخدم في التنظير الشعاعي، وبذلك تناقصت كمية الأشعة اللازمة للحصول على الصورة المفلورة المتلفزة.
وكذلك استعملت الأشعة السينية في التصوير الشعاعي لمختلف أعضاء الجسم، ثم أدخل استعمالها مع الحواسيب للحصول على صور أكثر دقة وتفصيلاً للأعضاء المختلفة (أجهزة التصوير الطبقي المحوري).
واستخدمت الأشعة السينية أيضاً في معالجة http://downloads.roro44.com/80088الخبيثة ومنع انتشارها، وجهد الفيزيائيون في زيادة قدرة نفوذها في الأنسجة المختلفة للجسم للوصول إلى http://downloads.roro44.com/80088 العميقة، فاستعملت المسرعات الخطية التي أصبحت اليوم من أحدث أجهزة المعالجة الشعاعية.
استخدمت الأشعة السينية أيضاً في الصناعة لكشف الهنات والشقوق في القوالب المعدنية والأخشاب المستعملة في صناعة الزوارق، كما ساعدت دراسة طيف امتصاص هذه الأشعة في المادة على جعل الأشعة السينية طريقة لكشف العناصر الداخلة في تركيب المواد المختلفة وتحليلها. وتستعمل في هذه الحالة الأشعة السينية التي تميز كل عنصر من العناصر الكيمياوية.

تبين منذ السنوات العشر الأولى لاستعمال الأشعة السينية في الطب (التشخيص والمعالجة) أن هذه الأشعة لا تخلو من التأثيرات المؤذية. فقد عرف منذ البدء، عندما استخدمها الأطباء في التنظير الشعاعي لجبر كسور العظام، أنها تحدث حروقاً في أيدي الطبيب الفاحص وأن لها تأثيراً في خلايا نقي العظام والغدد التناسلية. وأظهرت الدراسات الخلوية الحيوية فيما بعد أن التأثيرات المؤذية للأشعة تسبب حتى بمقادير قليلة أحياناً تبدلات في صبغيات نواة الخلية الحية (طفرات) مع مايتلو ذلك من تشوهات ولادية أو من اضطراب تكاثر هذه الخلايا وبالتالي موتها.

وثبت أن تأثيرات الأشعة السينية في الخلية الحية تقع في أثناء الطور الثالث للانقسام الخلوي، لذلك كانت الأنسجة الحية ذات الانقسام الخلوي النشيط أشد تأثراً بها كأنسجة نقي العظام والغدد التناسلية.
 
لذلك فقد أحجم الأطباء عن استعمالها على المرأة الحامل في الأشهر الأولى من الحمل، واستخدمت الواقيات الرصاصية لحماية العاملين بها. كما أن الهيئة الدولية للطاقة الذرية واللجان المتفرعة عنها قامت بنشر توصيات الحماية والأمان الخاصة بالأشعة السينية في منشورات خاصة تناولت القوانين الناظمة لاستعمالات هذه الأشعة وفرضت معايير وأسساً لصناعة الأجهزة الشعاعية ألزمت الشركات الصانعة التقيد بها، كما حددت المقادير والجرعات الشعاعية العظمى المسموح بها التي لا تحدث ضرراً يذكر.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.