دمشق فترة السلطان عبد الحميد الثاني

دمشق فترة السلطان عبد الحميد الثاني

يرصد هذا الكتاب ملامح وطبيعة الحياة في دمشق أثناء الحكم العثماني، في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين 1876 ـ 1908 )م ، تحديدا خلال فترة السلطان عبد الحميد الثاني، وذلك من مختلف الجوانب، حيث يتجسد في أسلوب تناوله وطرحه، بمثابة دراسة معمقة لأوضاع هذه المدينة (العاصمة السورية) بشكل خاص، والمشرق العربي عموما، تلك الآونة.

كانت دمشق مركزاً مهماً من مراكز النشاط الكبرى فكثر الأجانب وانتعشت الحركة الاقتصادية وأحدثت المحاكم التجارية. يعرض كتاب «دمشق فترة السلطان عبد الحميد الثاني»، لمؤلفه د. ماري دكران سركو، والصادر عن وزارة الثقافة ـ الهيئة العامة السورية للكتاب ـ 2009، لماهية الحياة وطبقات المجتمع والأجواء السائدة في مدينة دمشق والشرق عامة، في زمن حكم السلطان عبد الحميد الثاني، إذ توضح الكاتبة أنه تنوّعت عناصر السكان في مدينة دمشق.

فبرزت فئات الحكام والموظفين والعلماء، الذين مارسوا دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية هم وعلماء الدين والأشراف وطبقة الأعيان، وانتشر في تلك المرحلة تعدد الطرق الصوفية، طبقا لما أكدته الوثائق، مثل النقشبندية والسعدية وغيرهما. وتلفت سركو إلى أن نظار الأوقاف في المدينة، شكلوا طبقة اجتماعية مهمة، وان سجلات المحاكم الشرعية حفلت بالدلائل والوثائق التي تتحدث عن تلك الأوقاف، إذ وصل هؤلاء إلى مناصب عليا في العهد العثماني، وكذلك قويت سلطة عائلات ذات نسب شريف في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

وتتطرق المؤلفة إلى الشق الاقتصادي في معالم وأشكال تغير الحياة في المدينة، مبدية انه برزت في تلك الأثناء مجموعة صناعات جديدة، نتيجة تبدل المجتمع، وذلك على يد فئة الصناع، فغدت بفعلها مدينة دمشق، مركزاً أساسياً من مراكز التبادل التجاري مع أوروبا المتطوّرة صناعياً، وأدى هذا إلى اهتزاز العمل الحرفي، جراء منافسة البضائع الأجنبية في دمشق خاصة، والمشرق العربي عموما، وعملت الشركات الأجنبية المورّدة على الترويج لبضائعها على حساب الصناعة الوطنية الدمشقية، مستخدمة شتى وسائل وأساليب الغش والخداع، الأمر الذي أفرز تناقضات اجتماعية كثيرة، رافقها تعرّض العلاقة بين الدمشقيين للضغوط الأجنبية.

ولا تغفل المؤلفة في سياق هذا البحث الشامل، تسليط الضوء على ما عانته الفعاليات المجتمعية (ملاك، تجار، حرفيون) من الإفلاس والضائقة المالية، في تلك المرحلة، بسبب تراكم الديون التي قدمها لهم الصرافون اليهود، ممّا زاد الحال سوءا. ولم تقتصر ألوان المعاناة على هذا، حيث تغلغلت بعثات التبشير الأجنبي في المجتمع، وازداد انقسام الطوائف المسيحية الدمشقية الشرقية إلى أخرى غربية.

وتدلل سركو بمقتضى نتائج أبحاث موثقة قامت بها، على أن أهل الذمة (المسيحيون واليهود)، تمتعوا بكامل حقوقهم المدنية والدينية، في ذاك الوقت، ووصل كثير منهم إلى مناصب رفيعة في الإدارة العثمانية، فحاول معظم المستأمنين والحاصلين على الحماية الأجنبية استغلال مراكزهم، وحماية القنصليات لهم، ووضعوا أنفسهم خارج مجتمعاتهم وتوجهوا نحو الغرب في جميع شؤونهم، وقد منحت الدول الأجنبية حماية لليهود بشكل واسع، وكذلك لغيرهم من سكان دمشق.

وتلفت الكاتبة إلى أنه، ورغم جميع هذه الصنوف من معاناة المجتمع، بقي دور المرأة الدمشقية مميزاً كأم، لكنها حاولت القيام ببعض الأعمال خارج المنزل، وتفيد المراجع التاريخية في هذا الشأن، بأنها عملت بالتجارة أو استثمار أرض أو دكان، وغير ذلك، إلا أن ذلك فقط على نطاق ضيق.

وتعتني الكاتبة بتبيين جماليات أناقة وأزياء الناس، آنذاك، تعرفنا الى انه تنوعت الأزياء، وتوجه معظم السكان نحو الملابس الإفرنجية، وأقبل الأفراد في نهاية القرن التاسع عشر، على شراء الملبوسات الأوروبية، في الوقت الذي حافظ فيه كثير منهم على الزي التقليدي، حتى منتصف القرن العشرين، وبرز جليا تميز النساء الدمشقيات بملابسهن الراقية المصنوعة من المنسوجات الوطنية، ومن ثم الأجنبية.

وعلى صعيد واقع العلاقات بين الناس، وأشكال الترفيه المجتمعية، توضح الكاتبة في بحث خاص، أنه انتشرت المقاهي في أنحاء المدينة، واحتضنت جلساتها وزواياها عمليات التداول في البيع والشراء والاستئجار، وكذلك كان لبعض الأجانب، مثل اليونان، دور مهم في تنشيطها، وتكشف لنا الباحثة، في هذا الخصوص، أنها استنتجت في خلاصة دراستها وتقصيها، أن أقدم مقهى في دمشق هو (مقهى ديمتري) اليوناني.

وتنتقل سركو لشرح دور الصرافين، الذين أدوا دوراً حيويا في عقد الديون بفوائد فاحشة، وهذا بموازاة تغير آخر تمثل في توجه كثير من الفعاليات الاقتصادية من المدينة إلى الريف، للاستثمار في المحاصيل الزراعية، نظرا للطلب الأجنبي المتزايد عليها.وتخصص سركو بحثا موسعا للحديث عن التطوّر العمراني والسكاني لمدينة دمشق في تلك الفترة.

ونتبين فيه أن المدينة كانت تتألّف من ثمانية أثمان، وهي: القنوات، العمارة، القيمرية، الشاغور، الميدان التحتاني، الميدان الفوقاني، سوق ساروجة، الصالحية، وأنها قسمت إلى أربع بلديات، يوجد رئيس مستقل لكل منها بهدف تحسين العمل والمنافسة، كما توسعت المدينة إلى الضواحي خارج السور بفعل حركة عمران مميزة قام بها وشجعها ولاة دمشق، وقد هاجر كثير من سكان المناطق التي خسرتها السلطنة إلى دمشق وسكنوا فيها.

وبالتالي نقلوا معهم صورة معمارية محدّدة لتلبية الحاجات الإنسانية واليومية، لذا أحدثت مناطق واسعة جديدة، وشقت طرق، وجددت أسواق، ونشأ حي الأكراد والشركس في جبل قاسيون شرقاً، وفي الصالحية، وفي حي المهاجرين في غربها، وكذا نما حي الميدان. وقد أسهم تنظيم العثمانيين لحركة وأعمال التوسع العمراني، في إحكام منوال انتعاشه، وارتكازه على قواعد دقيقة تسيرها وتنفذها دوائر حكومية رقابية مسؤولة.

المؤلفة في سطور

د. ماري سركو، درست في دمشق، وحصلت على إجازة في التاريخ، وعلى الماجستير والدكتوراه من جامعة دمشق (تخصص تاريخ العرب الحديث والمعاصر). تعمل الآن مدرسة في جامعة دمشق، ولديها مجموعة من المؤلفات، منها: تاريخ دمشق في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ـ الامتيازات، المعاهدات التي عقدتها السلطنة مع أوروبا.

فيصل خرتش

الكتاب: دمشق فترة السلطان عبد الحميد الثاني

تأليف: د. ماري دكران سركو

الناشر: وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب دمشق2009

الصفحات: 432 صفحة

القطع: المتوسط

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.