متحف الأردن .. تجربة تفاعلية في ردهات التاريخ

متحف الأردن .. تجربة تفاعلية في ردهات التاريخ

عمّان ـ العمانية:
يقع “متحف الأردن” في قلب العاصمة الأردنية عمّان، قريباً من وسط البلد القديم، وتحيط به شوارع دائبة الحركة لا تهدأ.
بدأت بواكير التفكير في إنشاء هذا الصرح التراثي التاريخي منذ ستينيات القرن الماضي، بعد أن برزت الحاجة إلى متحف يكون مركزاً متكاملاً يشجع ضيوفه وزائريه على استكشاف مواقع الأردن الحضارية في المدينة والريف والبادية، ويقدم لهم تجربة تفاعلية نابعة من حضارة الأردن وتاريخه، ويكون في الوقت نفسه مكمّلاً لدور متحف الآثار الأردني الذي افتُتح عام 1951 ويقع في قلعة عمّان الأثرية التي تتربع على جبلّ يطل على وسط المدينة.
صمم المعماري الأردني الشهير جعفر طوقان مبنى متحف الأردن الذي يجاور مركز الحسين الثقافي وقاعات العروض الفنية التابعة لأمانة عمّان الكبرى، على مساحة عشرة آلاف متر مربع، وقامت رؤيته في التصميم على أن يكون المتحف مركزاً وطنياً شاملاً للعلم والمعرفة يجسد تاريخ الأردن وحضارته ويروي قصة الإنسان في الماضي والحاضر وتطلعاته إلى المستقبل.
وقد انعكست هذه الرؤية على التصميم بأسلوب فني معماري مميز، فجاء البناء الخارجي مزيجاً من الحجارة الخشنة والملساء، في تراتبية بصرية فنية، وكانت الحجارة هذه رمزاً لتجاور الماضي مع الحاضر، بينما جاءت واجهات الزجاج وكأنها نوافذ تطلّ على المستقبل.
كما روعي في التصميم أن تكون المساحة الأكبر لقاعات العرض التي تشتمل على مقتنيات تختزل مليونا ونصف المليون سنة من وجود الإنسان على الأرض منذ بداية العصر الحجري القديم حتى الوقت الحاضر، وتتوزع هذه المقتنيات على ثلاث أجنحة رئيسية هي: الآثار والتاريخ، والحياة الشعبية، والأردن الحديث.
يمكن للزائر أن يتعرف على حكايات هذه الحضارات وفق أسلوب تعليمي مبتكر، حيث يتم سرد قصة الأرض والإنسان عبر التسلسل التاريخي والمواضيع المنتقاة باستخدام اللوحات المصورة، ومن خلال عرض أكثر من ألفي قطعة أثرية، بالإضافة إلى مواد تفاعلية تم تصميمها بشكل خاص لتثري الحكاية التي تتضمن قصصاً من التاريخ تدور حول مواضيع: الحياة اليومية عبر العصور، والفنون، والبيئة، والغذاء، والسياسة، والتفاعل الحضاري، والديانات، والصناعة، وطرق التواصل.
أما مواقع التفاعل مع الزائرين فتنتشر ما بين قاعات التسلسل التاريخي، حيث تعرض المواضيع المكمّلة لقصص التسلسل التاريخي بأسلوب تفاعلي مع الضيوف، وتتواصل معهم في مواضيع التعدين وعلم الآثار، والإنسان المبدع، والكتابة والحياة البدوية الممثلة ببيت الشَّعر المعروض في الساحة الخارجية، وحياة الريف الممثلة بالبيت الريفي، وحياة المدينة الممثلة بسوق شعبي يحتوي على ثلاثة محلات.
ويشمل العرض التفاعلي أيضاً قطعاً تمثل الحياة اليومية منذ بدايات القرن العشرين، مثل: اللباس التقليدي، ونماذج من الأدوات التقليدية التي استُخدمت في الزراعة وتحضير الطعام، كما تم تخصيص مساحات للأطفال يعبّرون من خلالها على ما تعلموه من خلال جولاتهم في المتحف بطريقة فنية.
وبالإضافة إلى أجنحة العرض داخل المتحف، تمتد المعروضات الأثرية إلى الساحات الخارجية وقاعة المعارض المؤقتة، حيث يتيح المتحف لضيوفه فرصة استكشاف مواضيع متعددة عبر اطّلاعهم على المعارض المحلية والعالمية. وتحتوي مكتبة المتحف على آلاف المطبوعات والمنشورات المتخصصة في حقول التاريخ والآثار والتعليم وعلم المتاحف.
يجسد المتحف الذي يضاهي في تصميمه ومقتنياته كبرى المتاحف العالمية، الإيمان بأهمية التعليم وآليات التعلم التي تساعد في صقل الشخصية ونموها وتزويدها بحب المعرفة والاستكشاف، وربط إنسان الحاضر من الجوانب التاريخية والحضارية والثقافية بالفكر الإنساني الذي كوّن أعظم حضارات التاريخ وأكثرها ثراءً وغِنى.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.