2776333441.jpg

“بيروت الغربية”

اندلعت، في نيسان 1975، الحرب الأهلية اللبنانية، التي تعدّ واحدةً من أدمى الصراعات في الشرق الأوسط حينذاك. إذ شهد لبنان، متعدّد الطوائف، اقتتالاً على خلفياتٍ طائفيةٍ وسياسيةٍ محليةٍ وإقليمية. وشهدت البلاد فظائع على مدى 15 عاماً، ومن مختلف الأطراف، مخلّفةً حوالي 150 ألف قتيل. وانتهت بوضع ركائز النظام السياسيّ الحاليّ، بتسوياتٍ إقليمية.

خلال سنوات الحرب، وكذلك بعد انتهائها، ركّز المتخصّصون من مؤرخين وأدباء وصحفيين لبنانيين، وغيرهم، على توثيق تلك اللحظات المؤلمة. توجّه البعض إلى البحث في التداعيات السياسية والاقتصادية للحرب، في حين توجّه آخرون إلى قضايا إنسانيةٍ مقتبسةٍ من الواقع الاجتماعيّ السائد، ومن بين هؤلاء المخرج زياد دويري الذي صنع فيلمه “بيروت الغربية”، المندرج ضمن “سينما الحرب” في عام 1998، والذي تحوّل، في ما بعد، إلى عملٍ سينمائيٍّ يشكّل أحد مراجع هذه الحرب، إذ لاقى نجاحاً جماهيرياً ونقدياً، وحاز أكثر من 15 جائزةً دولية.

يتطرّق الفيلم إلى مغامرات ثلاثة مراهقين في بيروت المقسّمة إلى غربيةٍ (خاصّةٍ بالمسلمين) وشرقيةٍ (خاصّة بالمسيحيين)، والتنقل من القسم الغربيّ إلى الشرقيّ مخاطرة. فمع إغلاق مدرسته بسبب الحرب، يخرج طارق (رامي دويري)، المنتمي إلى عائلةٍ مسلمة، لتمضية الوقت مع رفيقه عمر (محمد شماس) وجارته المسيحية مي (رولا الأمين). يحاول الثلاثة معالجة شريط فيديو سبق أن صوّره عمر. وبالرغم من المخاطر التي تهدّد حياتهم خلال محاولتهم تحميض الفيلم، يصرّ طارق على تجاوز التهديدات. لكن الإصرار يبدأ بالتلاشي مع بدء حوارٍ غريبٍ وجديدٍ على الصبية؛ يدفع مي إلى نزع صليبها كي لا تجلب لهم المشاكل، وهنا يظهر واقع الحقد الطائفيّ الذي يحيط بهم في البلاد التي كانت غارقةً في العنف والهمجية.

ينظر نقادٌ إلى فيلم “بيروت الغربية” على أنه سيرةٌ ذاتيةٌ للمخرج الذي كان، خلال أشهر الحرب التي يصوّرها، في سنّ طارق. في حين يرى آخرون أن تلك الفترة تلخّص، في الوقت نفسه، سيرةً ذاتيةً قابلةً للتعميم. إذ إن طارق لا يتجوّل في الفيلم وحده بل بصحبة رفيقيه مي وعمر. اعتبر الثلاثة “الأمر مسرّةً لهم في البداية: يا أهلاً بالحرب إذا كانت ستقفل المدرسة. وهذا الفراغ والتجوال أتاحا لهم، معاً بعض الأحيان ومتفرّقين أحياناً أخرى، مراقبة ما يحدث من حولهم بأعينٍ بريئةٍ لاهيةٍ أوّل الأمر، ثم بالتدريج مهتمّةٍ متورّطة”. يقول زياد دويري: “السينما بالنسبة لي عالم كتير كبير، لحتى أقدر أحدده بجملة واحدة السينما لازم تكون بنفس الوقت تعبير شخصي عن الخبرات اللي أنت عشت فيها، عن المجتمعات اللي أنت عشت فيها، عن القصص اللي بتقرأها أو الأشياء اللي بتوحي لك، وبنفس الوقت قضية”.

يغذي دويري فيلمه بلحظات سخريةٍ وعفويةٍ في ظلّ أجواء الحرب، كمشهد الجارة التي تشتكي من إزعاج ديك جارها، والمظاهرة التي يشارك فيها المراهقون الثلاثة دون معرفة سببها، في حين يمنحون أنفسهم لحظة أمانٍ خلال عبورهم من قسمٍ في بيروت إلى آخر بمجرّد التلويح بحمالة صدر. ويذهب البعض إلى أن نجاح الفيلم، الذي يمتد لنحو 105 دقيقة، يعود إلى بساطة المعالجة التي اتسم بها، إذ لم يشأ المخرج أن ينحصر في شؤون السياسة اللبنانية المحلية، فروى حكاية الحرب من خلال الحياة اليومية وليس من خلال المعارك السياسية، فكان “بدء الحرب فرصةً للهو وللغياب عن المدرسة، وهي فرصةٌ لا تعوّض للمراهقين، خصوصاً أن خوف الناس وبطالتهم يؤديان إلى خلخلةٍ في النظام”. وبالتالي لم يكن دويري مهتماً بصنع سينما “يشاهدها عشرة أشخاص ويصفقون لها، فتعتبر (سينما مثقفين) وتوضع في المتحف كجزءٍ من تاريخٍ ما”.

لمشاهدة الفيلم 

.

.

اقرأ المزيد للكاتب ..

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.